المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الصلح وأحكام الجوار - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في الصلح وأحكام الجوار

‌فصل في الصلح وأحكام الجوار

والصلح لغة: التوفيق والسَّلْم (1) -بفتح السين وكسرها- وهو ثابت بالإجماع (2)، لقوله تعالى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (3)، وحديث أبي هريرة مرفوعًا:"الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا"(4). رواه أبو داود، وغيره.

والصلح خمسة أنواع:

أحدها: يكون بين مسلمين وأهل حرب.

والثاني: بين أهل عدل وبغي.

والثالث: بين زوجين خيف شقاق بينهما، أو خافت إعراضه.

والرابع: بين متخاصمين في غير مال.

والخامس: بين متخاصمين فيه، وهو المذكور بقوله:(والصلح في الأموال قسمان: أحدهما) صلح (على الإقرار) والثاني: صلح على الإنكار. (وهو) أي الصلح على الإقرار (نوعان: ) أحدهما (الصلح على جنس الحق، مثل أن يُقر) جائز التصرف (له) أي لمن يصح تبرعه (بدين) معلوم (أو) يقر

(1)"القاموس"(ص 293) و"الدر النقي"(3/ 505) و"المطلع"(ص 250)، "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 460) و"المصباح المنير"(1/ 472).

(2)

"المغني"(5/ 7).

(3)

سورة النساء، الآية:128.

(4)

أبو داود، في الأقضية، باب في الصلح (4/ 19 - 20).

وأخرجه الترمذي، في الأحكام، باب (3/ 625، 626)، وابن ماجه، في الأحكام، باب في الصلح (2/ 788) من حديث عمرو بن عوف وقال الترمذي: حسن صحح. اهـ

وصححه الحاكم في "المستدرك"(2/ 49) وينظر: "خلاصة البدر المنير"(2/ 87) وما سبق (ص 615).

ص: 752

له بـ (عين) بيده (فيضع) المقر له عن المقر بعض الدين (أو يهبَ له البعض) من العين المقر بها (ويأخذ) المقر له (الباقي) من الدين أو العين، (فيصح) ذلك (ممن يصح تبرعه) لأن جائز التصرف لا يمنع من إسقاط بعض حقه أو هبته، كما لا يمنع من استيفائه. وقد كلم صلى الله عليه وسلم غرماء جابر ليعفوا عنه (1)(بغير لفظ صُلْح) فلا يصح بلفظ صلح، لأنه هضم للحق (بلا شرط) أو بشرط أن يعطيه الباقي، وإن لم يذكر لفظ الشرط، كعلى أن تعطيني كذا منه، أو تعوضني منه كذا، لأنه يقتضي المعاوضة، فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعض، أو يمنعه حقه بدون إعطائه منه، فلا يصح، لأنه أكل مال الغير بالباطل.

ولا يصح عن دين مؤجل، ببعضه حالًّا، إلا في مال كتابة.

ولا يصح صلح عن حق، كدية خطأ، أو قيمة متلف غير مثلي، بأكثر من حقه المصالح عنه من جنسه، لأن الدية والقيمة ثبتت في الذمة بقدره، فالزائد لا مقابل له، فيكون حرامًا، لأنه من أكل المال بالباطل.

ويصح الصلح عن متلف مثلي، كبُرٍّ، بأكثر من قيمته من أحد النقدين، ويصح عن حق كدية خطأ، وقيمة متلف، بعرض قيمته أكثر من الدية، أو قيمة المتلف المثلي، لأنه لا ربا بين العوض والمعوَّض عنه.

ومن قال لغريمه: أقر لي بديني وأعطيك، أو وخذ منه مائة. ففعل لزمه ما أقر به، ولم يصح الصلح.

النوع (الثاني) من قسمي الصلح على إقرار، أن يصالح (على غير جنسه) بأن أقر له بدين، أو عين، ثم صالحه عنه بغير جنسه، فهو معاوضة.

(1) أخرجه البخاري، في البيوع، باب الكيل على البائع والمعطي، وفي الاستقراض باب إذا قضى دون حقه أو حلله. . . وباب إذا قاصَّ أو جازفه في الدين، وباب الشفاعة في وضع الدين، وفي الهبة باب إذا وهب دينًا على رجل، وفي الصلح باب الصلح بين الغرماء. . . (3/ 21، 84، 86، 137، 171) وفي مواضع أخرى.

ص: 753

ويصح بلفظ الصلح كسائر المعاوضات، بخلاف ما قبله؛ لأن المعاوضة عن الشيء ببعضه حرام (فإن كان) الصلح (بأثمان عن أثمان) بأن أقر له بدينار فصالحه عنه بعشرة دراهم (فـ) ـهو (صرف) يعتبر فيه التقابض قبل التفرق (و) إن كان (بعرض عن نقد) كأن أقر له بدينار وصالحه عنه بثوب ونحوه (وعكسه) بأن أقر له بثوب مثلًا فصالحه عنه بدينار (فـ) الصلح في ذلك (بيع) يشترط له شروطه، كالعلم به، والقدرة على التسليم، والتقابض بالمجلس إن جرى بينهما ربا.

والصلح عن نقد أو عرض مقرّ به بمنفعة، كسكنى دار، وخدمة قن معينين، إجارة، فيعتبر له شروطها، وتبطل بتلف الدار، وموت القَنِّ، كباقي الإجارات.

ولو صالح الورثة من وُصيَّ له بخدمة رقيق، أو سكنى دار معينة، أو بحمل أمة معينة بدراهم مسماة؛ جاز لأنه إسقاط حق فيصح في المجهول للحاجة.

ومن صالح عن عيب في مبيعه بشيء صح، وليس من الأرش في شيء، ويرجع به إن بان عدم العيب، أو زال سريعًا بلا كلفة، ولا تعطيل نفع على مشتر.

ويصح الصلح عما تعذر علمه من دَين، كمن بينهما معاملة وحساب مضى عليه زمن طويل، أو تعذر علمه من عين، كقفيز حنطة وقفيز شعير اختلطا وطحنا، بمال معلوم نقد ونسيئة، لقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين اختصما في مواريث دَرَسَتْ بينهما:"استهما، وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه"(1). رواه أحمد وأبو داود، ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول

(1) أحمد (6/ 320) وأبو داود، الأقضة، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ (4/ 14) عن أم سلمة، وقال الحاكم في "المستدرك" (4/ 59): صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. ينظر: "إرواء الغليل"(5/ 252) وفيه: أنه حسن. اهـ.

ص: 754

للحاجة، وسواء كان الجهل من الجهتين، أو ممن هو عليه، فإن وقع الصلح بمجهول لم يصح، لأن تسليمه واجب والجهل به يمنعه، فإن لم يتعذر علم المجهول كتركة باقية، صالح الورثة الزوجة على حصتها منها مع الجهل بها، كالبراءة من المجهول، جزم به في "التنقيح"(1) وقدمه في "الفروع"(2)، قال في "التلخيص" (3): وقد نزل أصحابنا الصلح عن المجهول المقر به بمعلوم منزلة الإبراء من المجهول، فيصح على المشهور، لقطع النزاع، وظاهر كلامه في "الإنصاف"(4) أن الصحيح المنع؛ لعدم الحاجة إليه، ولأن الأعيان لا تقبل الإبراء، وقطع به في "الإقناع"(5)، قال في "الفروع" (6): وهو ظاهر نصوصه.

(القسم الثاني) من قسمي الصلح في المال، الصلح (على الإنكار: بأن يدَّعي عليه) أي: بأن يدعي شخص على آخر عينًا أو دَينًا (فينكر أو يسكت) وهو يجهل المدّعى به (ثم يصالحه) على نقد أو نسيئة (فيصح) الصلح للخبر (7)، (ويكون) الصلح على الإنكار (إبراءً في حقه) أي المدعى عليه، لأنه بذل العوض لدفع الخصومة عن نفسه، لا في مقابلة حق ثبت عليه، فلا شفعة فيه إن كان شقصًا من عقار، ولا يستحق لعيب وجده في مصالح عنه شيئًا، لأنه لم يبذل العوض في مقابلته، لاعتقاده أنه ملكه قبل الصلح، فلا معاوضة.

(1)(ص 148).

(2)

(4/ 267).

(3)

"التلخيص" لفخر الدين ابن تيمية. غير مطبوع. ينظر: "الإنصاف"(13/ 149).

(4)

"الإنصاف"(13/ 148).

(5)

(2/ 369).

(6)

(4/ 267).

(7)

المتقدم (ص 752).

ص: 755

(و) يكون الصلح (بيعًا في حق مدَّع) فله رد المصالح به عما ادعاه بعيب يجده، لأنه أخذه على أنه عوض ما ادعاه، وتثبت في مشفوع الشفعة، لأنه أخذه عوضًا عما ادعاه، كما لو اشتراه به.

(ومن علم كَذِبَ نفسه) من مدع ومدعى عليه (فالصلح باطل في حقه) أما المدعي؛ فلأن الصلح مبني على دعواه الباطلة، وأما المدعى عليه فلأنه مبني على جحده حق المدعي، ليأكل حقه بالباطل، وما آخذه مدع عالم كذب نفسه مما صولح به، أو أخذه مدعى عليه مما انتقصه من الحق بجحده، فهو حرام، لأنه أكل مال الغير بالباطل، وإن صالح المنكر بشيء، ثم أقام مدع بينة أن المنكر أقر قبل الصلح بالملك، لم تسمع، ولو شهدت بأصل الملك، لم ينقض الصلح.

ومن قال لآخر: صالحني عن الملك الذي تدعيه، لم يكن مقرًّا به، لاحتمال إرادة صيانة نفسه عن التبذل، أو حضور مجلس الحكم بذلك.

وإن صالح أجنبي عن منكر لدَين بإذنه أو بدونه، صح؛ لجواز قضائه عن غيره بإذنه وبغير إذنه، لفعل علي وأبي قتادة رضي الله عنهما وأقرهما عليه صلى الله عليه وسلم (1)، أو صالح عن منكر لعين بإذنه، أو بدونه، صح، ولو لم يقل: إنه وكله؛ لأنه افتداء للمنكر من الخصومة، وإبراء له من الدعوي، ولا يرجع بشيء مما صالح به عن المنكر إن دفع بدون إذنه في الصلح أو الدفع، لأنه أدى عنه ما لا يلزمه، فكان متبرعًا، كما لو تصدق عنه، فإن أذن له في الصلح، أو في الأداء عنه، رجع عليه إن نواه.

(1) حديث علي أخرجه الدارقطني في البيوع (3/ 78، 79)، والبيهقي، كتاب الضمان، باب وجوب الحق باالضمان (6/ 73) وضعفه.: حديث أبي قتادة أخرجه البخاري في الحوالة باب إذا أحال دين الميت على رجل جاز، وفي الكفالة باب من تكفل ص ميت دينًا، فليس له أن يرجع (3/ 55، 57) وغيره.

ص: 756