الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه جُملة من الأصول والقواعد والضوابط وطرق الدلالة المُنوعة، وما له نوع اتصال بذلك مما يُتَوَصَّل به إلى استخراج المعاني والهدايات من القرآن الكريم، مقرونة بتطبيقاتها وأمثلتها التي توضحها وتجليها، إلى غير ذلك مما تجده مسطورًا في هذا الكتاب.
وقبل الشروع في المقصود، فإني أضع بين يدي القارئ الكريم بعض الجوانب التي ينبغي اعتبارها؛ فمن ذلك:
(1) تفسير السعدي (941).
أولًا: لم أتعرض لمعنى التدبر وبعض المقدمات المتعلقة به اكتفاء بما ذكرته في الكتاب الآخر الموسوم بـ (الخلاصة في تدبر القرآن) الذي يختص بالجوانب النظرية المتصلة بموضوع التدبر.
ثانيًا: ينبغي أن نعلم أن التدبر لا يخضع لقواعد محددة، لكن إذا كان المُتَدَبِّر مُتَحَقِّقًا بالعلوم التي يُسْتَخْرَج بواسطتها أنواع المعاني والحِكَم والأحكام؛ فإن ذلك يكون أدعى إلى نَظَرٍ أَسَدّ، وتَدَبُّرٍ أَدَقّ، وغَوْصٍ أعمق عند قراءة القرآن الكريم.
ثالثًا: تتنوع مطالب المتدبرين من تدبرهم للقرآن الكريم (1)؛ فمنهم من يقرؤه ليُرَقِّق قلبه، ويقرؤه آخر للوقوف على مواعظه ومواطن العِبَر فيه، ويقرؤه ثالث ليتعرف على مَحَابِّ الله ومَسَاخِطِه، وأوصاف أوليائه، وسِمَات أعدائه، وربما قرأه لمعرفة ربه ومولاه بأسمائه وصفاته ودلائل قدرته وعظمته، أو يقرأ لاستخراج هداياته المتنوعة من الحِكَم والأحكام والآداب وغيرها؛ فإن ذلك لا يُتَوَصَّل إليه إلا بالتدبر، ولا يصح الفصل بين هذه المطالب وبين التدبر بحال.
ولا يخفى أن هذه المطالبَ متفاوتة فيما يتوقف حصولها عليه؛ فمنها ما يفتقر إلى آلة يتمكن معها المُتَدَبِّر من استخراج المعاني والهدايات الدقيقة المبنية على أُسُس وقواعد صحيحة في الاستدلال.
ومن هنا جاءت الإشارة إلى هذه الجملة من طُرق الدلالة والقواعد التي تضبط الفهم.
(1) في الكتاب الآخر (الخلاصة في تدبر القرآن الكريم) جملة من هذه المطالب، فيمكن مراجعتها.
رابعًا: إنما أردت في هذا الكتاب إيراد قدر صالح من طُرق الدلالة وما من شأنه أن يُوصِل إلى المطلوب من المعاني ونحوها؛ ليتعرف به القارئ الكريم على هذه الأصول والقواعد وطُرق الدلالة من جهة، ومن جهةٍ أخرى يربط بين ذلك وبين الجانب التطبيقي؛ ليكون ذلك أوعى وأبين وأرسخ في الفهم.
ولم يكن المقصود الاستيعاب والاستقراء للأصول النظرية، ولا النماذج التطبيقية؛ فذلك مما يفوت الحصر، ولكن أردت ذِكْر طَرَف منها يحصل به المقصود، ويتضح به المراد، ويدل على غيره، فيتتبعه طالب العلم في مَظَانِّه.
خامسًا: انتقيتُ النماذج التطبيقية مما كنتُ أجمعه عند قراءتي في كتب التفسير وغيرها؛ إذ كنتُ أُدَوِّن ما أستحسنه من اللطائف واللفتات الدقيقة المُستخرجة بثاقب النظر والفِكْر مما جَادَتْ به قَرَائح العلماء وفُهومهم، كما قرأت المجموعات الخمس (1) التي صدرت عن (مركز تدبر للدراسات والاستشارات) تحت عنوان (ليدبروا آياته)، وانتقيت بعض الأمثلة منها، فأوردتُّ في هذا الكتاب من هذا وذاك أحسن ما جمعتُ.
سادسًا: رتبتُ الكتاب على طريقة مُتَسَلْسِلة بالنظر إلى الطُّرق التي يُتَوَصَّل بها إلى المُراد من ألوان الدلالات.
وهناك بعض النماذج والأمثلة لا تخضع لشيء من الطُرق والأنواع، فألحقتُها في آخر الكتاب وجعلتُها تحت عنوان يُوَضِّح ذلك.
(1) وقد صدر منها الآن ثمان مجموعات.
ومما يدخل في هذا النوع ما يُسمَّى بـ (التفسير الإشاري).
وهذا النوع من التفسير إنما يُقال له: (تفسير)، على سبيل التَّجَوُّز، وإلا فإنه لا يدخل تحت التفسير، كما أن عامة ما يُذكر فيه لا يصح.
وقد أفردتُّ له عنوانًا في آخر الكتاب وأَوردتُّ فيه نماذج صالحة مُسْتَحْسَنة مما ذكره العلماء الثقات: كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والحافظ ابن كثير، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي؛ رحمهم الله، سواء صَرَّحُوا فيه بأنه من قبيل الإشارة، أو لم يُصَرِّحوا بذلك، لكنه داخل تحته.
كما أوردتُّ في آخر الكتاب ما يتصل بالتطبيق والعمل والامتثال؛ لكون ذلك يتصل بالتدبر من جهة أن بعض السلف قد فسَّر التدبر بالعمل به؛ كما أوضحنا ذلك في كتاب (الخلاصة في تدبر القرآن). ولا شك أن من مطالب المتدبرين: العمل والامتثال.
هذا بالإضافة إلى الربط بين تدبُّر الآيات المتلوة، والتفكر في الآيات المشهودة، وقد صار ذلك مُتاحًا لكل أحد بصورة أعمق في هذا الوقت؛ نظرًا لما توفر من الوسائل الحديثة التي يمكن لعموم الناس مشاهدة ذلك من خلالها.
وفي هذا الكتاب أَوْرَدتُّ نماذج من هذا النوع؛ لتدل على غيرها.
(1) مفتاح دار السعادة (1/ 536 - 537).
وحاصل ذلك جاء مستوفى في ستة أبواب ومقدمة وخاتمة؛ وإليك مجملها:
الباب الأول: النظر الكلي - الإجمالي - لآيات السورة؛ وذلك يشمل:
1 -
تدبر الآيات إجمالاً للتوصل إلى الموضوع أو الموضوعات التي تدور حولها الآيات في السورة.
2 -
تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى مقاصد السورة.
3 -
تدبر المعنى العام للآية للتوصل إلى المعنى الأساسي الذي نزلت لتقريره.
الباب الثاني: في المعاني والهدايات المستخرجة وفق القواعد والأصول المعتبرة:
فمن ذلك:
أولًا: إعمال أنواع الدلالة في استخراج الهدايات من الآيات الكريمة؛ وذلك نوعان:
النوع الأول: دلالة المنطوق؛ وهو قسمان:
1 -
المنطوق الصريح؛ وهو نوعان:
1) دلالة المطابقة.
2) دلالة التَّضَمُّن.
2 -
المنطوق غير الصريح (دلالة الالتزام)؛ ويدخل تحتها ثلاثة أنواع:
الأول: دلالة الاقتضاء.
الثاني: دلالة الإشارة؛ وله صورتان:
الثالث: دلالة الإيماء والتنبيه.
النوع الثاني: دلالة المفهوم؛ وهو قسمان:
1 -
مفهوم الموافقة.
2 -
مفهوم المخالفة.
ثانيًا: العموم والخصوص.
ثالثًا: الإطلاق والتقييد.
رابعًا: ما يُسْتَفَاد من بعض القواعد في التفسير.
خامسًا: القواعد القرآنية.
الباب الثالث: النظر والتدبر في المناسبات.
الباب الرابع: ما يتوصل إليه بالنظر إلى النواحي اللغوية والجوانب البلاغية:
فمن ذلك:
1 -
الحقيقة والمجاز (عند القائل به).
2 -
ما يتصل بمرجع الضمير.
3 -
ما يُؤْخَذ من الإظهار في موضع الإضمار، وعكسه.
4 -
الالتفات.
5 -
الفروق اللفظية.
6 -
المتشابه اللفظي.
7 -
دلالات الجملة (الاسمية والفعلية).
8 -
ما يرجع إلى تصريف اللفظ.
9 -
ما يرجع إلى معاني الحروف، ودلالاتها، والتضمين.
10 -
التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية.
11 -
الإيجاز والبسط والاستطراد.
12 -
الأمثال والتشبيهات.
الباب الخامس: ما لا يدخل في شيء مما سبق؛ وهو نوعان:
الأول: صور من التدبر لا تخضع لشيء مما سبق.
الثاني: التفسير الإشاري.
الباب السادس: التدبر العَمَلي؛ وهو نوعان:
الأول: التطبيق والعمل والامتثال.
الثاني: النظر في الكون والآيات المشهودة.
الخاتمة.
سابعًا: تجد في هذا الكتاب تخريج الأحاديث تخريجًا موجزًا، فما أخرجه الشيخان أو أحدهما اكتفيتُ به، وإن لم يكن فيهما فأكتفي بتخريجه من بقية الكتب الستة، فإن لم يكن في شيء منها فمن بقية الكتب التسعة، فإن لم يكن في شيء منها خَرَّجْتُه من غيرها.
كما عَرَّفْتُ بالمصطلحات العلمية التي يحتاج القارئ إلى معرفة المراد بها، وترجمتُ لغير المشاهير من الأعلام ترجمةً مُوجَزَة.
وألحقت بالكتاب فهرسًا للمصادر، وآخر للموضوعات.
وقد أسميتُه بـ (القواعد والأصول وتطبيقات التدبر).
هذا، وأسأل الله تعالى أن يتقبله بقبول حسن، وأن يجعله ذخرًا لي يوم أن ألقاه؛ إنه سميع مجيب.
وكتبه: خالد بن عثمان السبت
05/ 09/1436 هـ
Khaled [email protected]