الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} (عبس).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «لِمَ ابتَدأَ بالأَخ، ومن عادة العرب أَن يُبدأَ بِالأَهم؟
فلما سُئِلْتُ عن هذا قلت: إن الابتداء يكون في كل مقام بما يناسبه، فتارة يقتضي الابتداء بالأعلى، وتارة بالأدنى. وهنا المناسبة تقتضي الابتداء بالأدنى؛ لأن المقصود بيان فراره عن أقاربه مُفَصَّلًا شيئًا بعد شيء، فلو ذَكَر الأقرب أولًا لم يكن في ذِكْر الأبعد فائدةٌ طائلة، فإنه يعلم أنه إذا فَرَّ من الأقرب فَرَّ من الأبعد» (1).
11 - الإيجاز والبسط والاستطراد
(2):
التطبيق:
1 -
قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} (الأعراف).
قال ابن القيم رحمه الله عن هذه الآية: «جمعت أصول أحكام الشريعة كلها، فجمع الأمر والنهي والإباحة والخبر» (3).
(1) مجموع الفتاوى (16/ 74).
(2)
الإيجاز: هو في علم المعاني: تقليل اللفظ، وتكثير المعنى، بشرط أن يكون اللفظ على قلته وافيًا بالغرض.
الإطناب: هو في علم المعاني: التعبير عن المعاني القليلة بالكثير من الألفاظ.
الاستطراد: قوامه الانتقال من معنى إلى معنى آخر لمناسبة بينهما على قصد العودة إلى الأول.
انظر: جواهر البلاغة (ص 197، 201، 207).
(3)
بدائع الفوائد (4/ 7).
2 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} (النجم).
قال ابن القيم رحمه الله: «ولما ذَكَر رؤيته لجبريل عند سِدْرَة المُنْتَهَى، استطرد منها، وذكر أن جنة المأوى عندها، وأنه يغشاها من أَمْرِه وخَلْقِه ما يغشى، وهذا من أحسن الاستطراد، وهو أسلوبٌ لطيفٌ جدًّا في القرآن؛ وهو نوعان:
أحدهما: أن يَسْتَطْرِد من الشيء إلى لَازِمه، مثل هذا، ومثل قوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} (الزخرف)، ثم استطرد من جوابهم إلى قوله:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} (الزخرف)، وهذا ليس من جوابهم، ولكن تقرير له وإقامة الحجة عليهم.
ومثله قوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} (طه)، فهذا جواب موسى، ثم استطرد سبحانه منه إلى قوله:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} (طه)، ثم عاد إلى الكلام الذي استطرد منه.