المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌5 - الفروق اللفظية (1): ‌ ‌التطبيق: 1 - قال تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ - القواعد والأصول وتطبيقات التدبر

[خالد السبت]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالنظر الكلي -الإجمالي- في آيات السورة

- ‌1 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى الموضوع أو الموضوعات التي تدور حولها الآيات في السورة

- ‌التطبيق:

- ‌2 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى مقاصد السورة

- ‌التطبيق:

- ‌1 - (سورة العنكبوت):

- ‌2 - (سورة الرحمن):

- ‌3 - (سورة الليل):

- ‌4 - (سور: الكافرون، الإخلاص، المعوذتان):

- ‌3 - تدبُّر المعنى العام للآية للتوصُّل إلى المعنى الأساسي الذي نزلت لتقريره

- ‌الباب الثانيفي المعاني والهدايات المستخرجةوفق القواعد والأصول المعتبرة

- ‌أولاً: إعمال أنواع الدلالة في استخراج الهدايات من الآيات الكريمة

- ‌توطئة:

- ‌تطبيقات شاملة

- ‌وبعد هذا الإجمال إليك شيئًا من التفصيل في هذه الأنواع:

- ‌النوع الأول: «دلالة المنطوق»

- ‌1 - المنطوق الصريح؛ وهو نوعان:

- ‌(أ) دلالة المطابقة

- ‌التطبيق:

- ‌ب- دلالة التَّضَمُّن

- ‌التطبيق:

- ‌2 - المنطوق غير الصريح (دلالة الالتزام)

- ‌الأول: دلالة الاقتضاء

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الأولى: ما يُسْتَخْرَج من نص واحد:

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الثانية: ما يُسْتَخْرَج من مجموع دليلين فأكثر:

- ‌التطبيق:

- ‌الثالث: دلالة الإيماء والتنبيه

- ‌التطبيق:

- ‌النوع الثاني: «دلالة المفهوم»

- ‌1 - مفهوم الموافقة

- ‌الأول: الأَوْلَوي

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: المُسَاوي

- ‌التطبيق:

- ‌2 - مفهوم المخالفة

- ‌الأول: مفهوم الحصر

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: مفهوم الصفة

- ‌التطبيق:

- ‌ثانيًا: العموم والخصوص

- ‌التطبيق:

- ‌ثالثًا: الإطلاق والتقييد

- ‌التطبيق:

- ‌رابعًا: ما يُسْتَفَاد من بعض القواعد في التفسير

- ‌1 - قاعدة: «عَسَى» من الله واجبة:

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - الحُكْم المُعَلَّق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - زيادة المبنى لزيادة المعنى

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌4 - حذف المُقْتَضَى --المُتَعَلَّق- يفيد العموم النِّسْبِي

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الأوصاف المُخْتَصَّة بالإناث إذا أُريد بها الوصف، جُرِّدت من التاء، وإذا أُريد به المُبَاشَرة، أُلحِقَت بها التاء

- ‌التطبيق:

- ‌خامسًا: قواعد قرآنية

- ‌1 - قاعدة: «من تَرَك شيئًا لله عَوَّضَه الله خيرًا منه»

- ‌التطبيق:

- ‌2 - قاعدة: «الجزاء من جنس العمل»:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - قاعدة: «من ترك الإقبال على ما ينفعه ابتُلي بالاشتغال بما يضره»

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الثالثالنظر والتدبُّر في المناسبات

- ‌أ. الربط بين السورة والتي قبلها، والسورة والتي بعدها (عند القائل بأن ترتيب السور توقيفي):

- ‌التطبيق:

- ‌ب. الربط بين صدر السورة وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌ج. الربط بين الآية والتي قبلها، والآية والتي بعدها:

- ‌التطبيق:

- ‌د. الربط بين الجمل:

- ‌التطبيق:

- ‌هـ. الربط بين موضوع الآية وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌و. الربط بين المقاطع في السورة:

- ‌التطبيق:

- ‌ويلحق بذلك: ‌‌(دلالة الاقتران)

- ‌(دلالة الاقتران)

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الرابعما يُتَوَصَّل إليه بالنظر في النواحي اللّغويةوالجوانب البلاغية

- ‌1 - الحقيقة والمجاز (عند القائل به)

- ‌‌‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - ما يتصل بمرجع الضمير:

- ‌3 - ما يُؤْخَذ من الإظهار في موضع الإضمار، وعكسه

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الفروق اللفظية

- ‌التطبيق:

- ‌6 - المتشابه اللفظي

- ‌التطبيق:

- ‌7 - دلالات الجملة (الاسمية والفعلية):

- ‌التطبيق:

- ‌8 - ما يرجع إلى تصريف اللفظ:

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية:

- ‌التطبيق:

- ‌11 - الإيجاز والبسط والاستطراد

- ‌التطبيق:

- ‌12 - الأمثال والتشبيهات:

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الخامسما لا يدخل في شيء مما سبق

- ‌الأول: صور من التدبُّر لا تدخل تحت أحد الأنواع المذكورة:

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: التفسير الإشاري

- ‌التطبيق:

- ‌الباب السادسالتدبُّر العملي

- ‌الأول:‌‌ التطبيقوالعمل والامتثال

- ‌ التطبيق

- ‌الثاني: النظر في الكون والآيات المشهودة:

- ‌التطبيق:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع والمصادر

الفصل: ‌ ‌5 - الفروق اللفظية (1): ‌ ‌التطبيق: 1 - قال تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ

‌5 - الفروق اللفظية

(1):

‌التطبيق:

1 -

قال تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)} (البقرة).

قال ابن القيم رحمه الله: «تأمل كيف قال الله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}، فوَحَّدَه، ثم قال: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}، فجمعها؛ فإن الحق واحد، وهو صراط الله المستقيم، الذي لا صراط يُوصِل إليه سواه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بالأهواء والبدع، وطرق الخارجين عما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق، بخلاف طرق الباطل، فإنها متعددة مُتَشَعِّبة؛ ولهذا يُفْرِد الله سبحانه وتعالى الحق ويجمع الباطل؛ كقوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} (البقرة)» (2).

وقال رحمه الله في موضع آخر: «وتأمل قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}، ولم يقل: (بنارهم) لتطابق أول الآية؛ فإن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب بما فيها من الإشراق -وهو النور- وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق، وهو النَّارِيَّة» (3).

(1) والمقصود به هنا: بيان وجه التعبير بلفظ دون غيره؛ كقولهم: وجه التعبير بـ (كذا) دون (كذا).

وله نَوْعُ تَعَلُّق بالنوع الذي يأتي بعده، وهو:(المُتشابه اللفظي).

وكذلك ما سيأتي (ص 163) في بعض أمثلة (دلالات الجملة الاسمية والفعلية)، في وجه التعبير ببعض الأفعال بصيغةٍ كالمضارع أو غيره.

(2)

اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 65 - 66).

(3)

السابق (2/ 64).

ص: 135

وقال رحمه الله في موضع آخر: «وتأمل كيف قال: {بِنُورِهِمْ} ولم يقل: (بضوئهم)، مع قوله: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}؛ لأن الضوء هو زيادة في النور، فلو قال: (ذهب الله بضوئهم)، لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل، فلما كان النور أصل الضوء كان الذهاب به ذهابًا بالشيء وزيادته» (1).

2 -

قال تعالى: {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} (البقرة: 19).

قال ابن جماعة رحمه الله في بيان وجه جمع الظلمات، وإفراد الرعد والبرق:«جوابه: أن المُقْتَضي للرعد والبرق واحد، وهو: السحاب، والمُقْتَضي للظُّلْمَة مُتَعَدِّد وهو: الليل والسحاب والمطر؛ فجمع لذلك» (2).

3 -

قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} (البقرة).

قال الأصفهاني رحمه الله: «إن قيل: لم ذكر الكتابة دون القول؟ قيل: لمّا كانت الكتابة مُتَضَمِّنة للقول وزائدة عليه؛ إذ هو كذب باللسان واليد، صار أبلغ؛ لأن كلام اليد يبقى رسمه، والقول يضمحل أثره» (3).

4 -

قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} (البقرة).

(1) السابق (2/ 65).

(2)

كشف المعاني في المتشابه من المثاني (ص 90).

(3)

تفسير الراغب (1/ 241).

ص: 136

قال ابن عاشور رحمه الله: «قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ، دون (تحبها) أو (تهواها) أو نحوهما؛ فإن مقام النبي صلى الله عليه وسلم يربو عن أن يتعلق مَيْلُه بما ليس بمصلحة راجحة بعد انتهاء المصلحة العارضة لمشروعية استقبال بيت المقدس؛ ألا ترى أنه لما جاء في جانب قبلتهم بعد أن نُسِخَت جاء بقوله:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}

(البقرة: 120)، الآيةَ» (1).

5 -

قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)} (البقرة).

قال الأصفهاني رحمه الله: «إنما قال: {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} ولم يقل: (أنفسهم)؛ لأن الإنسان لا يعرف نفسه إلا بعد انقضاء بُرهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن ما ليس في ذكر النفس؛ فإن الإنسان (2) عصارة ذاته ونسخة صورته» (3).

6 -

قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)} (البقرة).

«الأمر بالاستباق إلى الخيرات قَدْرٌ زائد على الأمر بفعل الخيرات؛ فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات» (4).

(1) التحرير والتنوير (2/ 28).

(2)

هكذا في الأصل، ولعل العبارة: فإن الابن عصارة

أو: فابن الإنسان عصارة

(3)

تفسير الراغب (1/ 338).

(4)

تفسير السعدي (ص 72).

ص: 137

7 -

قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} (البقرة).

قال الأصفهاني رحمه الله: «إنما قال: {صَلَوَاتٌ} على الجمع؛ تنبيهًا على كثرتها منه، وأنها حاصلة في الدنيا توفيقًا وإرشادًا، وفي الآخرة ثوابًا ومغفرة» (1).

8 -

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)} (البقرة).

قال البغوي رحمه الله: «والحكمة في المشي دون الطيران كونه أبعد من الشبهة؛ لأنها لو طارت لتوهم متوهم أنها غير تلك الطير، وأن أرجلها غير سليمة. والله أعلم» (2).

9 -

قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} (البقرة).

قال ابن القيم رحمه الله: «ونَبَّه بقوله: {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى} على أن المَنَّ والأذى ولو تراخى عن الصدقة وطال زمنه، ضَرَّ بصاحبه ولم يحصل له مقصود الإنفاق، ولو أتى بالواو وقال: (ولا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى)، لأوهمت تقييد ذلك بالحال، وإذا كان المَنّ والأذى المُتَراخِى مُبْطِلًا لأثر الإنفاق مانعًا من الثواب، فالمُقَارِن أولى وأحرى» (3).

(1) تفسير الراغب (1/ 354).

(2)

تفسير البغوي (1/ 324).

(3)

طريق الهجرتين (1/ 366).

ص: 138

10 -

قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} (النساء).

قال ابن القيم رحمه الله: «تأمل قوله تعالى في الشفاعة الحسنة: {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}، وفي السيئة: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}؛ فإن لفظ (الكِفْل) يُشْعِر بالحِمْل والثقل، ولفظ (النصيب) يُشعر بالحظ الذي يَنْصَب طالبُه في تحصيله، وإن كان كل منهما يُستعمل في الأمرين عند الانفراد، ولكن لما قرن بينهما، حسن اختصاص حظ الخير بالنصيب وحظ الشر بالكِفْل» (1).

11 -

قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (الأعراف).

قال ابن القيم رحمه الله: «وأما الإخبار عن الرحمة وهي مُؤنثة بالتاء، بقوله:{قَرِيبٌ} وهو مُذَكَّر، ففيه اثنا عشر مَسْلكًا

المَسْلَك السادس:

أن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، والصفة قائمة بالموصوف لا تُفارقه؛ لأن الصفة لا تُفارق موصوفها، فإذا كانت قريبة من المحسنين فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقُرب منه، بل قُرب رحمته تبع لقُربه هو تبارك وتعالى من المحسنين

فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقُربه يستلزم قُرب رحمته، ففي حذف التاء هاهنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن الله تعالى قريب من المحسنين، وذلك يستلزم القُربين: قُربه وقُرب رحمته. ولو قال: (إن رحمة الله قريبة من المحسنين) لم يدل على قُربه تعالى منهم؛ لأن قُربه تعالى أخص من قُرب رحمته

فلا تَسْتَهِن بهذا المسلك فإن له شأنًا، وهو مُتَضَمِّن لسِر بديع من أسرار الكتاب

» (2).

(1) روضة المحبين (ص 378).

(2)

بدائع الفوائد (3/ 18، 30 - 31).

ص: 139

12 -

قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)} (الأعراف).

قال ابن القيم رحمه الله: «فَعَدَل سبحانه عن قوله (سَكَن) إلى قوله {سَكَتَ}؛ تنزيلًا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي، الذي يقول لصاحبه: افعل، لا تفعل. فهو مُسْتَجِيب لداعي الغضب الناطق فيه، المُتكلم على لسانه» (1).

13 -

قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (التوبة).

قال ابن هبيرة رحمه الله: «إنما لم يقل: (ما كُتِب علينا)؛ لأنه أمر يتعلق بالمؤمن، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له؛ إن كان خيرًا فهو له في العاجل، وإن كان شرًّا فهو ثواب له في الآجل» (2).

14 -

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)} (يونس).

قال ابن رجب رحمه الله: «وأما الصبر فإنه ضِياء، والضِّياء: هو النور الذي يَحصُل فيه نوع حرارةٍ وإحراق كضياء الشمس، بِخلاف القمر، فإنه نورٌ مَحضٌ، فيه إشراقٌ بغير إحراقٍ؛ قال اللهُ عز وجل:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} ، ومِن هُنا وَصفَ اللهُ شريعةَ مُوسَى بأنها ضياء؛ كما قال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)} (الأنبياء).

(1) إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان (ص 34).

(2)

ذيل طبقات الحنابلة (2/ 142).

ص: 140

وإن كان قد ذكر أنَّ في التَّوراة نُورًا؛ كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (المائدة: 44)، ولكنَّ الغَالب على شريعتِهم الضياء؛ لما فيها من الآصار والأغلال والأَثْقال. ووصَفَ شريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأنها نورٌ؛ لما فيها منَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمحة؛ قال اللهُ تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)} (المائدة)، وقال:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} (الأعراف)، ولما كان الصبر شاقًّا على النفوس، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه، كان ضياءً» (1).

15 -

قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} (هود).

تأمل في الجملة الأخيرة {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ، ولم يقل:(صالحون)؛ لأن الصلاح الشخصي المُنْزَوي بعيدًا لا يَأْسَى لضعف الإيمان، ولا يُبالي بهزيمة الخير، فكن صالحًا مُصْلِحًا، وراشدًا مُرْشِدًا (2).

16 -

قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم: 59).

فقوله: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} قال السعدي رحمه الله: «بمعنى أرادوها وصارت هي همهم، وانقادوا لها وصاروا مطيعين لها؛ فلذلك قال:{وَاتَّبَعُوا} ولم يقل:

(1) جامع العلوم والحكم (2/ 24 - 25).

(2)

ليدبروا آياته (1/ 109).

ص: 141

(تناولوا وأكلوا) ونحو ذلك لهذا المعنى؛ لأن هذا الذم إنما يتناول متبعي الشهوات، فمهما اشتهت نفوسهم فعلوه على أنه المقصود المتبوع» (1).

17 -

قال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} (الحج).

قال ابن القيم رحمه الله: «المُرْضِع مَن لها ولد تُرضعه. والمُرضِعة من أَلقَمت الثدي للرضيع، وعلى هذا فقوله تعالى:{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أبلغ من (مُرضِع) في هذا المقام؛ فإن المرأة قد تَذهَل عن الرضيع إذا كان غير مُبَاشِر للرضاعة، فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعه لم تَذْهَل عنه إلا لأمر أعظم عندها من اشتغالها بالرضاع.

وتأمل رحمك الله تعالى السر البديع في عدوله سبحانه عن (كل حامل) إلى قوله: {ذَاتِ حَمْلٍ} ، فإن الحامل قد تُطْلَق على المُهَيَّأة للحمل، وعلى من هي في أول حملها ومبادئه، فإذا قيل:{ذَاتِ حَمْلٍ} ، لم يكن إلا لمن ظهر حملها وصلح للوضع كاملًا أو سِقْطًا؛ كما يقال:(ذات ولد)» (2).

18 -

قال تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} (الشعراء).

«فإن قلت: لِمَ جَمَع الشافع ووَحَّد الصديق؟ قلت: لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق» (3).

(1) المواهب الربانية (ص 59).

(2)

بدائع الفوائد (4/ 21 - 22). وقد مضى ذلك (ص 80).

(3)

الكشاف (3/ 322).

ص: 142

19 -

قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)} (الأحزاب).

قال صاحب التفسير الكبير رحمه الله: «بيانًا لزيادة ثوابهن، كما بين زيادة عقابهن {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} في مُقابلة قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}، مع لطيفة وهي أن عند إيتاء الأجر ذكر المُؤْتِي وهو الله، وعندَ العذابِ لَم يُصرِّح بِالمُعذِّبِ فقال: {يُضَاعَفْ} إشارة إلى كمال الرحمة والكرم، كما أن الكريم الحي (1) عند النفع يظهر نفسه وفعله، وعند الضُّر لا يذكر نفسه» (2).

20 -

قال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} (النجم).

قال ابن عطية رحمه الله: «والضلال أبدًا يكون من غير قصد من الإنسان إليه، والغي كأنه شيء يكتسبه الإنسان ويريده، نفى الله تعالى عن نبيه هذين الحالين، وغوى الرجل يغوي: إذا سلك سبيل الفساد والعوج، ونفى الله تعالى عن نبيه أن يكون ضل في هذه السبيل التي أَسْلَكَه الله إياها، وأثبت له تعالى في (الضحى) أنه قد كان قبل النبوءة ضالًّا بالإضافة إلى حاله من الرشد بعدها» (3).

21 -

قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} (الواقعة).

قال ابن عاشور رحمه الله: «وتقديم ذِكْر الفاكهة على ذِكْر اللحم قد يكون لأن الفواكه أعز، وبهذا يظهر وجه المخالفة بين الفاكهة ولحم طير فجعل التَّخَيّر

(1) هكذا في النسخة المطبوعة. ولعلها: (الحَيِيّ).

(2)

مفاتيح الغيب (25/ 166).

(3)

المحرر الوجيز (5/ 196).

ص: 143

للأول، والاشتهاء للثاني؛ ولأن الاشتهاء أعلق بالطعام منه بالفواكه، فلذة كسر الشاهية بالطعام لذة زائدة على لذة حُسْن طعمه، وكثرة التَّخَيّر للفاكهة هي لذة تلوين الأصناف» (1).

22 -

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} (المنافقون).

«ومعنى {لَا تُلْهِكُمْ} : لا تَشْغلكم.

وقد تقول: لماذا لم يقل: (لا تشغلكم)؟ والجواب: أنَّ من الشُّغْل ما هو محمودٌ، فقد يكون شغلًا في حق، كما جاء في الحديث:«إن في الصلاة لشُغلًا» (2)، وكما قال تعالى:{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} (يس: 55)، أما الإلهاء فمما لا خيرَ فيه، وهو مذمومٌ على وجه العموم، فاختار ما هو أحق بالنهي» (3).

23 -

قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} (الإنسان).

قال الماوردي رحمه الله: «وجمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور -مع اجتماعهما في معنى المبالغة- نَفْيًا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يُؤَدَّى، فانتفت عنه المبالغة، ولم تَنْتَف عن الكفر المبالغة، فَقَلَّ شُكره؛ لكثرة النعم عليه، وكَثُر كفره - وإن قل - مع الإحسان إليه» (4).

(1) التحرير والتنوير (27/ 295).

(2)

أخرجه البخاري (1216).

(3)

لمسات بيانية (178 - 179).

(4)

النكت والعيون للماوردي (6/ 164).

ص: 144