الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - قاعدة: «من ترك الإقبال على ما ينفعه ابتُلي بالاشتغال بما يضره»
(1):
التطبيق:
1 -
قال السعدي رحمه الله: «ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع، ابتُلي بالاشتغال بما يضره؛ فمن ترك عبادة الرحمن ابتُلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.
كذلك هؤلاء اليهود لما نَبَذُوا كتاب الله اتَّبَعُوا ما تتلوا الشياطين وتَخْتَلِق من السحر على مُلْك سليمان؛ حيث أخرجت الشياطين للناس السحر، وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم» (2).
(1) القواعد الحسان للسعدي (ص 96).
(2)
تفسير السعدي (ص 60).
2 -
قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} (الأنعام).
قال ابن القيم رحمه الله: «من عُرِض عليه حق فَردَّه ولم يقبله، عُوقِب بفساد قلبه وعقله ورأيه» (1).
3 -
قال تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)} (الأحزاب).
قال ابن القيم رحمه الله: «فأخبر الله أن الفرار من الموت بالشهادة لا ينفع، فلا فائدة فيه، وأنه لو نفع لم ينفع إلا قليلًا؛ إذ لابد له من الموت، فيفوته بهذا القليل ما هو خير منه وأنفع من حياة الشهيد عند ربه.
فأخبر سبحانه أن العبد لايعصمه أحدٌ من الله إن أراد به سوءًا غير الموت الذي فَرَّ منه؛ فإنه فَرّ من الموت لمّا كان يسوءه، فأخبر الله سبحانه أنه لو أراد به سوءًا غيرَه لم يعصمه أحدٌ من الله، وأنه قد يَفِر مما يسوءه من القتل في سبيل الله، فيقع فيما يسوءه مما هو أعظم منه.
وإذا كان هذا في مُصِيبة النفس، فالأمر هكذا في مُصِيبة المال والعِرْض والبدن؛ فإن من بخل بماله أن ينفقه في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته، سَلَبه الله إياه أو قَيَّض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أُخرى، بل فيما يعود عليه بمضرته
(1) مفتاح دار السعادة (ص 99).
عاجلًا وآجلًا! وإن حَبَسَه وادَّخَره مَنَعه التَّمَتُّع به ونَقَلَه إلى غيره فيكون له مَهْنَؤُه وعلى مُخلِّفه وِزْرُه!
وكذلك من رَفَّه بدنه وعِرْضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله؛ أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك في غير سبيله ومرضاته، وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب.
قال أبو حازم رحمه الله (1): لَمَا يلقى الذي لا يتقي الله من مُعَالَجة الخلق، أعظم مما يلقى الذي يتقي الله من مُعَالَجة التقوى (2).
واعْتَبِر ذلك بحال إبليس؛ فإنه امتنع من السجود لآدم فِرَارًا أن يخضع له ويذل، وطلب إِعْزَاز نفسه؛ فَصَيَّره الله أذل الأذلين، وجعله خَادِمًا لأهل الفسوق والفجور من ذريته، فلم يرض بالسجود له ورضي أن يخدم هو وبنوه فُسَّاق ذريته. وكذلك عُباد الأصنام؛ أَنِفُوا أن يتّبعوا رسولًا من البشر، وأن يعبدوا إلهًا واحدًا سبحانه، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار!
وكذلك كل من امتنع أن يَذِل لله، أو يَبْذُل ماله في مرضاته، أو يُتْعِب نفسه في طاعته؛ لابد أن يَذِل لمن لا يَسْوَى ويبذل له ماله ويُتعِب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته؛ عقوبة له؛ كما قال بعض السلف: من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته، أمشاه الله تعالى أكثر منها في غير طاعته» (3).
(1) هو: سلمة بن دينار المخزومي، أبو حازم، ويقال له: الأعرج، عالم المدينة وقاضيها وشيخها، فارسي الأصل، كان زاهدًا عابدًا، توفي سنة: 140 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 101)، الأعلام للزركلي (3/ 113).
(2)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 245).
(3)
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 194 - 195).