الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: العموم والخصوص
(1):
ويلحق بذلك:
حَمْل المُشْتَرَك (2) على معنييه أو معانيه، ومَرْجِعُ الاستثناء، وذِكْرُ العام بعد الخاص، والعكسُ.
التطبيق:
1 -
قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (الفاتحة)(3).
في وجه ذكر الاستعانة بعد العبادة دون غيرها؛ قال ابن القيم رحمه الله: «الناس في هذين الأصلين -وهما العبادة والاستعانة- أربعة أقسام: أَجَلّها وأفضلها: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، فعبادة الله غاية مُرَادِهم، وطلبهم منه أن يعينهم عليها، ويوفقهم للقيام بها؛ ولهذا كان من أفضل ما يُسْأَل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته،
(1) العام: ما يستغرق جميع ما يصلح له بحسب وضع واحد، دفعة بلا حصر. انظر: نشر البنود (1/ 512)، معالم أصول الفقه (ص 412).
ويقابله: (الخاص) فهو كل ما ليس بعام. وعرفه المَحَلِّي بقوله: «ما لا يتناول شيئين فصاعدًا من غير حصر» . انظر: شرح الورقات للمَحَلِّي (ص 130). أو «ما لا يقتضي استغراق الجنس» . انظر: الأنجم الزاهرات على حَلّ ألفاظ الورقات (ص 145).
(2)
المشترك: هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالةً على السواء عند أهل تلك اللغة. انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 377).
(3)
تَعَلُّق هذا المثال بـ (العموم والخصوص) من جهتين:
الأولى: أنه حَذَف مُتَعَلَّق العبادة والاستعانة؛ وذلك يفيد العموم؛ فيدخل في ذلك أنواع العبادة والاستعانة؛ حيث لم يخص نوعًا بعينه.
الثانية: أنه عطف الاستعانة على العبادة، ومعلوم أن الاستعانة نوع من العبادة؛ وذلك لأهميتها.
وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لِحِبِّه معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال:«يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تَنْسَ أن تقول دُبُر كل صلاة: اللهم أعني على ذِكْرِك وشُكرك وحُسْن عبادتك» (1).
فأنفع الدعاء: طلب العَون على مرضاته، وأفضل المواهب: إسعافه بهذا المطلوب، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا، وعلى دَفْع ما يُضَاده، وعلى تكميله وتيسير أسبابه، فتأملها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قَدَّس الله رُوحه: تَأَمَّلْتُ أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيتُه في الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} » (2).
2 -
قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)} (الإسراء).
قال ابن القيم رحمه الله أخذًا من العموم في قوله: {بِإِمَامِهِمْ} (3): «فما ظن من اتخذ غير الرسول إمامَهْ، ونبذ سنته وراء ظهره وجعل خواطر الرجال وآراءها بين عينيه وأمامه، فسيعلم يوم العَرْض أي بضاعة أضاعْ، وعند الوزن ماذا أحضر من الجواهر أو خُرْثِيّ (4) المتاعْ» ا. هـ (5).
(1) أخرجه أبو داود (1522)، والنسائي (1303) بلفظ مقارب. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وصحيح سنن النسائي، والأرنؤوط في تعليقه على سنن أبي داود.
(2)
مدارج السالكين (1/ 99 - 100).
(3)
فـ (إمام) مفرد مضاف إلى معرفة (الضمير) فيعم.
(4)
أي: سَقَطه.
(5)
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم (1/ 7).
3 -
قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} (الكهف: 39).
قال ابن هبيرة رحمه الله: «ما قال: (ما شاء الله كان) ولا: (يكون)، بل أطلق اللفظ؛ لِيَعُم الماضي والمستقبل والراهن» (1).
4 -
قال تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)} (مريم).
في وجه تخصيص السلام عليه في هذه المواطن الثلاثة؛ قال ابن كثير رحمه الله: «قال سفيان بن عيينة رحمه الله: أَوْحَش ما يكون الخَلْق في ثلاثة مواطن: يوم وُلِد؛ فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت؛ فيرى قومًا لم يكن عَايَنَهم، ويوم يُبعَث؛ فيرى نفسه في مَحْشَر عظيم؛ قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا، فخصه بالسلام عليه» (2).
5 -
قال تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)} (الأنبياء).
في وجه تخصيص علمه بالجهر من القول مع أن ذلك لا يخفى؛ قال ابن هبيرة رحمه الله: «المعنى أنه إذا اشتدت الأصوات وتَغَالَبَت، فإنها حالة لا يسمع فيها الإنسان، والله عز وجل يسمع كلام كل شخص بعينه، ولا يشغله سمعٌ عن سمع» (3).
(1) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 147).
(2)
تفسير ابن كثير (5/ 217). ووجه تَعَلُّق ذلك بموضوع (العموم والخصوص) من جهة كونه قد خَصَّ هذه الأوقات الثلاثة.
(3)
ذيل طبقات الحنابلة (2/ 145). وعلاقة هذا المثال بالباب: من جهة تخصيص علمه بحالة الجهر من القول.
6 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)} (النمل).
قال السبكي رحمه الله: «فإن الله تعالى آتى داود وسليمان من نعم الدنيا والآخرة ما لا يَنْحَصِر، ولم يذكر من ذلك -في صدر الآية- إلا العلم؛ ليبين أنه الأصل في النعم كلها» (1).
7 -
قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} (الواقعة).
8 -
قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} (الكوثر).
(1) فتاوى السبكي (1/ 73).
(2)
طريق الهجرتين (1/ 141 - 142).
(3)
تفسير السعدي (ص 935).