الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - دلالات الجملة (الاسمية والفعلية):
التطبيق:
1 -
قال الأصفهاني رحمه الله (1): «إن قيل: لم ذكر {يَكْسِبُونَ} بلفظ المستقبل، و {كَتَبَتْ} بلفظ الماضي؟ قيل: تنبيهًا على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سنّ سُنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها، ومَن سنّ سُنة سيئة، فعليه وِزْرُها ووِزْرُ من عمل بها إلى يوم القيامة» (2)، فَنَبَّه بالآية أن ما أضلّوه وأثبتوه من التأويلات الفاسدة التي يعتمدها الجهلة هو اكتساب وِزْر يكتسبونه حالًا فحالًا» (3).
2 -
قال ابن كثير رحمه الله: «قال الزمخشري في قوله: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} : إنما لم يقل: (وفريقًا قتلتم)؛ لأنه أراد بذلك وَصْفَهم في المستقبل أيضًا؛ لأنهم
(1) هو: الحسين بن محمد بن المُفَضَّل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب، أديب، من الحكماء العلماء. من أهل (أصبهان) سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يُقْرَن بالغزالي، توفي سنة: 502 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 120)، الأعلام للزركلي (2/ 255).
(2)
رواه مسلم (1017). مع اختلاف يسير في اللفظ.
(3)
تفسير الراغب (1/ 241).
حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر، وقد قال عليه السلام في مرض موته:«ما زالت أَكْلَة خيبر تُعَاوِدُني؛ فهذا أوان انقطاع أَبْهَرِي» (1)» (2).
3 -
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} (الأنفال).
«فقد جاء في صدر الآية بالفعل: {لِيُعَذِّبَهُمْ} ، وجاء بعده بالاسم:{مُعَذِّبَهُمْ} ؛ وذلك أنه جعل الاستغفار مانعًا ثابتًا من العذاب، بخلاف بقاء الرسول بينهم فإنه -أي العذاب- مَوْقُوت ببقائه بينهم؛ فذكر الحالة الثابتة بالصيغة
(1) أخرجه البخاري بنحوه في صحيحه (4428). والأَبْهَر: عِرْق في الظهر، وهما أَبْهَرَان. وقيل: هما الأَكْحَلَان اللذان في الذراعين. وقيل: هو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ القلب، فإذا انقطع لم تبق معه حياة. وقيل: الأَبْهَر عِرْق مَنْشَؤُه من الرأس ويمتد إلى القدم، وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يُسَمَّى النَّأمَة، ومنه قولهم: أسكتَ الله نَأمَته؛ أي: أماته، ويمتد إلى الحَلْق فيسمى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأَبْهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوَتِين، والفؤاد مُعَلَّق به، ويمتد إلى الفَخِذ فيسمى النَّسَا، ويمتد إلى الساق فيسمى الصَّافِن. النهاية لابن الأثير (1/ 18)، م:(أبهر).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 323)، مع مُغَايَرة في عبارة الزمخشري في الكشاف (1/ 163).
(3)
زاد المعاد (4/ 113).
الاسمية، والحالة المَوْقُوتة بالصيغة الفعلية، وهو نظير قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)} (القصص)؛ فالظلم من الأسباب الثابتة في إهلاك الأمم، فجاء بالصيغة الاسمية للدلالة على الثبات، ثم انظر كيف جاءنا بالظلم بالصيغة الاسمية أيضًا دون الفعلية، فقال:{وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} ، ولم يقل:(يظلمون)؛ وذلك معناه: أن الظلم كان وصفًا ثابتًا لهم، مُسْتَقرًّا فيهم، غير طارئ عليهم، فاستحقوا الهلاك بهذا الوصف السَّيِّئ.
فانظر كيف ذكر أنه يرفع العذاب عنهم باستغفارهم، ولو لم يكن وصفًا ثابتًا فيهم، وأنه لا يهلكهم إلا إذا كان الظلم وصفًا ثابتًا فيهم، فإنه جاء بالاستغفار بالصيغة الفعلية:{يَسْتَغْفِرُونَ} ، وجاء بالظلم بالصيغة الاسمية:{ظَالِمُونَ} ، فانظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه» (1).
4 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} (هود).
قال ابن القيم رحمه الله: «أما السؤال العاشر -وهو السِّر في نَصْب سَلامِ ضَيفِ إبراهيم الملائكة، ورَفْعِ سَلامِه-: فالجواب: أنك قد عَرفتَ قول النُّحَاة فيه، أن سَلَام الملائكة تَضَمَّن جُملة فعلية؛ لأن نَصْب السَّلَام يدل على:(سَلَّمْنا عليك سلامًا)، وسلام إبراهيم تَضَمَّن جُملة اسمية؛ لأن رَفْعَه يدل على أن المعنى:(سَلامٌ عليكم). والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتَّقَرُّر، والفعلية تدل على الحُدُوث والتُّجَدُّد، فكان سَلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه صلى الله عليه وسلم، وهو مقام الفضل؛ إذ حَيَّاهم بأحسن من تحيتهم. هذا تقرير ما قالوه
…
».
(1) التعبير القرآني (ص 26).