الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية:
(التقدير والحذف والزيادة)(1):
التطبيق:
1 -
قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)} (البقرة).
(1) التقدير: المُشار إليه في هذا المبحث: هو ما ينويه المتكلم من الألفاظ في كلامه مما لم يُصَرِّح به.
والحذف: يطلق في اصطلاح العلوم العربية على إسقاط خاص
…
والأنسب باصطلاح النحاة وأهل المعاني والبيان: أنه إسقاط حركة، أو كلمة، أو أكثر، أو أقل، وقد يَصير به الكلام المساوي مُوجَزًا. كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 631 - 632).
وقد عَرَّفه بعضهم بقوله: «هو إسقاط جُزْء الكلام، أو كله لدليل» . البرهان للزركشي (3/ 102).
والزيادة: تطلق على الكلمة التي وجودها وعدمها لا يخل بالمعنى الأصلي، وإن كان لها فائدة أخرى؛ ومنه ما يسمى بـ (حروف الزيادة). انظر: كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 902).
(2)
انظر: العذب النمير (1/ 91 - 92)، وانظر أيضًا:(4/ 166 - 167).
2 -
3 -
قال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: 112).
قال ابن القيم رحمه الله: في بيان وَجْه مَجيء الواو بعد استيفاء الأوصاف السبعة المذكورة في الآية:
«وأحسن ما يُقَال فيها: إن الصفات إذا ذُكِرت في مقام التعداد، فتارة يَتَوسَّط بينها حرف العطف؛ لِتَغَايُرها في نفسها، وللإيذان بأن المُراد ذِكْر كل صفة بِمُفْرَدها، وتارة لا يتوسطها العَاطِف؛ لاتحاد موصوفها وتَلَازُمها في نفسها، وللإيذان بأنها في تَلازُمِها كالصفة الواحدة، وتارة يتوسط العاطف بين بعضها ويُحذف مع بعض بحسب هذين المقامين، فإذا كان المقام مقام تعداد الصفات من غير نظر إلى جمع أو انفراد، حَسُن إسقاط حرف العطف، وإن أُرِيد الجمع بين الصفات أوالتنبيه على تَغَايُرها، حَسُن إدخال حرف العطف.
(1) الرسالة التبوكية (ص 41).
فمثال الأول: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} (التوبة: 112)، وقوله:{مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} (التحريم: 5).
ومثال الثاني: قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} (الحديد: 3).
وتأمل كيف اجتمع النوعان في قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر)، فأتى بالواو في الوصفين الأولين، وحذفها في الوصفين الآخرين؛ لأن غفران الذنب وقبول التوب قد يُظَن أنهما يجريان مجرى الوصف الواحد لتلازمهما، فمن غفر الذنب قَبِلَ التوب، فكان في عطف أحدهما على الآخر ما يدل على أنهما صفتان وفعلان مُتغايران، ومفهومان مختلفان لكل منهما حُكْمُه، أحدهما: يتعلق بالإساءة والإعراض؛ وهو المغفرة، والثاني: يتعلق بالإحسان والإقبال على الله تعالى والرجوع إليه، وهو التوبة، فتُقبل هذه الحسنة، وتُغفر تلك السيئة، وحَسَّن العطف ههنا هذا التغاير الظاهر.
وكلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن؛ ولهذا جاء العطف في قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد: 3)، وتُرك في قوله:{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} (الحشر: 23)، وقوله:{الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (الحشر: 24).
وأما: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر: 3)، فَتُرِك العطف بينهما لِنُكتة بديعة: وهي الدلالة على اجتماع هذين الأمرين في ذاته سبحانه، وأنه حال كونه شديد العقاب فهو ذو الطَّول، وطَولُه لا ينافي شدة عقابه، بل هما مجتمعان له،
بخلاف الأول والآخِر، فإن الأولية لا تُجامِع الآخِرية؛ ولهذا فَسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» (1). فأَوَّليته أزليته، وآخريته أبديته.
فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فإن ظُهوره تعالى ثابت مع بُطُونه، فيجتمع في حقه الظُّهور والبُطُون، والنبي صلى الله عليه وسلم فَسَّر الظاهر: بأنه الذي ليس فوقه شيء، والباطن: بأنه الذي ليس دونه شيء، وهذا العلو والفوقية مُجامِع لهذا القرب والدنو والإحاطة؟
قلت: هذا سؤال حسن، والذي حَسَّن دخول الواو ههنا: أن هذه الصفات مُتقابلة مُتضادة، وقد عُطِف الثاني منها على الأول؛ للمقابلة التي بينهما، والصفتان الأُخريان كالأُوليين في المُقابلة، ونِسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة الآخِر إلى الأول، فكما حَسُن العطف بين الأُوليين، حَسُن بين الأُخريين.
فإذا عُرِف هذا فالآية التي نحن فيها يتضح بما ذكرناه معنى العطف وتركه فيها؛ لأن كل صفة لم تُعطف على ما قبلها فيها، كان فيه تنبيه على أنها في اجتماعها كالوصف الواحد لموصوف واحد فلم يحتج إلى عطف، فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهما مُتلازِمان مُسْتَمَدَّان من مادة واحدة - حَسُن العطف؛ ليتبين أن كل وصف منهما قائم على حِدَتِه، مطلوب تعيينه، لا يكتفي فيه بحصول الوصف الآخر، بل لا بد أن يظهر أمره بالمعروف بصريحه، ونهيه عن المنكر بصريحه. وأيضا فَحَسَّن العطف ههنا ما تقدم من التضاد، فلما كان الأمر بالمعروف والنهي
(1) أخرجه مسلم (2713).
عن المنكر ضدين -أحدهما طَلَب الإيجاد، والآخر طَلَب الإعدام- كانا كالنوعين المُتغايرين المُتضادين، فَحَسُن لذلك العطف» (1).
4 -
قال تعالى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)} (طه).
(1) بدائع الفوائد (3/ 52 - 54).
(2)
في الأصل: «فأفكرت في معنى اشتقاقها» ، والمثبت أعلاه من ترجمة ابن هبيرة في مقدمة الإفصاح. وهو
أوضح في المعنى.
(3)
ذيل طبقات الحنابلة (2/ 144).
(4)
السابق.
(التكرار)(1):
التطبيق:
1 -
قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (البقرة: 134، 141).
قال السعدي رحمه الله: «كَرَّرَها -أي الآية-؛ لِقَطْع التَّعَلُّق بالمخلوقين، وأن المُعوَّل عليه ما اتصف به الإنسان، لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال، لا بالانتساب المُجَرَّد للرجال» (2).
2 -
(1) التكرار: إعادة اللفظ أو مُرادِفه لتقرير معنى. البرهان للزركشي (3/ 10).
وقيل: هو ذِكْر الشيء مرتين فصاعدًا. انظر: الإكسير (ص 245).
وقيل: دلالة اللفظ على المعنى مُرَدَّدًا. انظر: التقرير في التكرير (ص 3 - 4).
(2)
تفسير السعدي (ص 70).
(3)
إعلام الموقعين (2/ 126).
(التقديم والتأخير، والترتيب)(1):
التطبيق:
1 -
قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة).
قال ابن القيم رحمه الله: «وتقديم «العبادة» على «الاستعانة» في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل؛ إذ «العبادة» غاية العباد التي خُلِقُوا لها، و «الاستعانة» وسيلة إليها؛ ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، مُتَعَلِّق بألوهيته واسمه «الله» ، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، مُتَعَلِّق بربوبيَّته واسمه «الرب» ، فَقَدَّم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، على {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ كما قَدم اسم «الله» على «الرب» في أول السورة؛ ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسْمُ «الرب» ، فكان من الشَّطْر الأول، الذي هو ثناء على الله تعالى؛ لكونه أولى به، و {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسْمُ العبد، فكان من الشَّطْر الذي له، وهو {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة» (2).
2 -
قال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} (البقرة).
قال السعدي رحمه الله: «لعل من فوائد تأخير ذلك القتيل عن ذِكْر الأمر بذبح البقرة في قصة موسى مع بني إسرائيل؛ لأن السياق سياق ذم لبني إسرائيل، وتعداد
(1) التقديم والتأخير: هو جعل اللفظ في رُتْبَة قبل رُتْبَتِه الأصلية، أو بعدها لعارض اختصاص، أو أهمية، أو ضرورة؛ وعكسه الترتيب. انظر: الإكسير (ص 145).
ونعني به هنا ما هو أوسع من ذلك، فلا نقصره على ما قُدِّم أو أُخِّر عن رُتْبَتِه، بل نذكر أيضًا توجيه ما ذُكِر قبل غيره، أو بعده، وكذلك توجيه ترتيب المذكورات على وفق ما جاء في الآية.
(2)
مدارج السالكين (1/ 97).
ما جرى لهم مما يُقَرِّر ذلك، فلو قدم ذكر القتيل على الأمر بذبح البقرة، لصارت قصة واحدة» (1).
3 -
4 -
«قيل في سبب تقديم الغفور على الرحيم: أن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة» (4).
(1) المواهب الربانية (ص 21).
(2)
يعني: قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} (الحج).
(3)
بدائع الفوائد (1/ 81).
(4)
التعبير القرآني (ص 33).
5 -
قال الراغب: «إن قيل: كيف قَدَّم هاهنا ذِكْر الآخرة وأَخَّره في قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النساء: 136)؟
قيل: يجوز أن يكون ذاك مع الواو لا يقتضي الترتيب من أجل أن الكافر لا يعرف الآخرة، ولا يُعْنَى بها، وهو (1) أبعد الأشياء عن الحقائق عنده؛ أَخَّر ذِكْره في قوله:{وَمَنْ يَكْفُرْ} .
ولما ذكر حال المؤمنين، والمؤمن أقرب الأشياء إليه أمر الآخرة، وكل ما يفعله ويتحراه يَقْصِد به وجه الله ثم أمر الآخرة؛ قَدَّم ذِكْرها؛ تنبيهًا أن مُراعاة الله عز وجل، ومُراعاة الآخرة، ثم مُراعاة غيرهما.
إن قيل: كيف اختير الترتيب المذكور في قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (البقرة: 177)؟
قيل: لما كان أولى من يتفقده الإنسان بمعروفه أقاربه
…
كان تقديمها أولى، ثم أعقبه باليتامى، فالناس في المكاسب ثلاثة: مُعِيل وغير مَعُول، ومَعُول مُعِيل، ومَعُول غير مُعِيل، واليتيم مَعُول غير مُعِيل، فمواساته بعد الأقارب أولى، ثم ذَكَر المساكين؛ وهم الذين لا مال لهم حاضرًا ولا غائبًا، ثم ذكر ابن السبيل الذي قد
(1) أي: اليوم الآخر.
يكون له مال غائب، ثم ذكر السائلين الذين منهم صادق وكاذب، ثم ذكر الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم، فكل واحد ممن أُخِّر ذِكْره أقل فقرًا ممن قُدِّم عليه» اهـ (1).
5 -
قال السعدي رحمه الله: «وقَدَّم الوصية مع أنها مُؤَخَّرة عن الدَّيْن للاهتمام بشأنها؛ لكون إخراجها شاقًّا على الورثة، وإلا فالديون مُقَدَّمة عليها، وتكون من رأس المال» (2).
6 -
قال تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} (يونس).
قال البيضاوي رحمه الله (3): «في تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولًا؛ لتُجاب دعوته» (4).
(1) تفسير الراغب (ص 379).
(2)
تفسير السعدي (ص 66).
(3)
هو: عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي، قاضٍ، مفسر، علامة، وُلِد في المدينة البيضاء (بفارس - قرب شيراز) وولي قضاء شيراز مدة، ثم صُرِف عن القضاء، فرحل إلى تبريز فتوفي فيها سنة: 685 هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي (8/ 157)، الأعلام للزركلي (4/ 110، 111)
(4)
تفسير البيضاوي (3/ 122).
7 -
قال ابن عاشور رحمه الله: «وقَدَّم الأَمنَ على الطمأْنينة؛ إذ لا تَحصل الطمأْنينة بدونه، كما أن الخوف يُسبّب الانزِعاج والقلق» (1).
8 -
قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)} (الكهف).
قال ابن عاشور رحمه الله: «تقديم المال على البنين في الذِّكْر؛ لأنه أسبق خُطُورًا لأذهان الناس؛ لأنه يرغَب فيه الصغير والكبير، والشاب والشيخ، ومن له من الأولاد ما قد كفاه» (2).
9 -
قال عون بن عبد الله رحمه الله (3): ضج -والله- القوم من الصغار قبل الكبار (4).
(1) التحرير والتنوير (14/ 305).
(2)
السابق (15/ 333).
(3)
هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، خطيب، راوية، ناسب، شاعر، كان من آدب أهل المدينة، وسكن الكوفة فاشتهر فيها بالعبادة والقراءة، . وكان يقول بالإرجاء، ثم رجع، وخرج مع ابن الأشعث ثم هرب، وصحب عمر بن عبد العزيز في خلافته، توفي سنة: 115 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 103 - 105)، الأعلام للزركلي (5/ 98)
(4)
التمهيد (2/ 84).
10 -
11 -
قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} (الحج).
قال ابن القيم رحمه الله: «أما تقديم الرجال (2)
على الرُّكْبَان ففيه فائدة جليلة: وهي أن الله تعالى شرط في الحج الاستطاعة، ولا بد من السفر إليه لغالب الناس، فذكر نوعي الحجاج؛ لقطع تَوَهّم من يظن أنه لا يجب إلا على راكب، وقَدَّم الرجال اهتمامًا بهذا المعنى وتأكيدًا، ومن الناس من يقول: قَدَّمَهم جَبرًا لهم؛ لأن نفوس الرُّكْبَان تزدريهم» (3).
12 -
قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)} (يس). وفي الآية الأخرى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} (القصص).
(1) تفسير سورة الكهف لابن عثيمين (ص 129).
(2)
والمقصود بـ (الرجال): جمع رَاجِل، وهم المُشَاة.
(3)
بدائع الفوائد (1/ 69).
قال ابن هبيرة رحمه الله: «فرأيتُ الفائدة في تقديم ذِكْر الرجل وتأخيره: أن ذِكْر الأوصاف قبل ذِكْر الموصوف أبلغ في المدح من تقديم ذِكْرِه على وصفه، فإن الناس يقولون: الرئيس الأَجَل فلان، فنظرت فإذا الذي زِيد في مدحه هو صاحب (يس) أمر بالمعروف، وأعان الرسل، وصبر على القتل، والآخر إنما حذر موسى من القتل، فَسَلِم موسى بقبوله مشورته، فالأول هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والثاني هو ناصح الآمر بالمعروف، فاستحق الأول الزيادة.
ثم تأملت ذِكْر أقصى المدينة فإذا الرجلان جاءا من بُعْد في الأمر بالمعروف، ولم يتقاعدا لبُعْد الطريق» (1).
13 -
قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)} (الشورى).
14 -
قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} (الواقعة).
«قَدَّم كونها تذكرة على كونها متاعًا؛ ليعلم العبد أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم» (3).
(1) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 148 - 149).
(2)
تحفة المودود بأحكام المولود (ص 20 - 21).
(3)
مفاتيح الغيب (29/ 423).