المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين - القواعد والأصول وتطبيقات التدبر

[خالد السبت]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالنظر الكلي -الإجمالي- في آيات السورة

- ‌1 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى الموضوع أو الموضوعات التي تدور حولها الآيات في السورة

- ‌التطبيق:

- ‌2 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى مقاصد السورة

- ‌التطبيق:

- ‌1 - (سورة العنكبوت):

- ‌2 - (سورة الرحمن):

- ‌3 - (سورة الليل):

- ‌4 - (سور: الكافرون، الإخلاص، المعوذتان):

- ‌3 - تدبُّر المعنى العام للآية للتوصُّل إلى المعنى الأساسي الذي نزلت لتقريره

- ‌الباب الثانيفي المعاني والهدايات المستخرجةوفق القواعد والأصول المعتبرة

- ‌أولاً: إعمال أنواع الدلالة في استخراج الهدايات من الآيات الكريمة

- ‌توطئة:

- ‌تطبيقات شاملة

- ‌وبعد هذا الإجمال إليك شيئًا من التفصيل في هذه الأنواع:

- ‌النوع الأول: «دلالة المنطوق»

- ‌1 - المنطوق الصريح؛ وهو نوعان:

- ‌(أ) دلالة المطابقة

- ‌التطبيق:

- ‌ب- دلالة التَّضَمُّن

- ‌التطبيق:

- ‌2 - المنطوق غير الصريح (دلالة الالتزام)

- ‌الأول: دلالة الاقتضاء

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الأولى: ما يُسْتَخْرَج من نص واحد:

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الثانية: ما يُسْتَخْرَج من مجموع دليلين فأكثر:

- ‌التطبيق:

- ‌الثالث: دلالة الإيماء والتنبيه

- ‌التطبيق:

- ‌النوع الثاني: «دلالة المفهوم»

- ‌1 - مفهوم الموافقة

- ‌الأول: الأَوْلَوي

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: المُسَاوي

- ‌التطبيق:

- ‌2 - مفهوم المخالفة

- ‌الأول: مفهوم الحصر

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: مفهوم الصفة

- ‌التطبيق:

- ‌ثانيًا: العموم والخصوص

- ‌التطبيق:

- ‌ثالثًا: الإطلاق والتقييد

- ‌التطبيق:

- ‌رابعًا: ما يُسْتَفَاد من بعض القواعد في التفسير

- ‌1 - قاعدة: «عَسَى» من الله واجبة:

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - الحُكْم المُعَلَّق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - زيادة المبنى لزيادة المعنى

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌4 - حذف المُقْتَضَى --المُتَعَلَّق- يفيد العموم النِّسْبِي

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الأوصاف المُخْتَصَّة بالإناث إذا أُريد بها الوصف، جُرِّدت من التاء، وإذا أُريد به المُبَاشَرة، أُلحِقَت بها التاء

- ‌التطبيق:

- ‌خامسًا: قواعد قرآنية

- ‌1 - قاعدة: «من تَرَك شيئًا لله عَوَّضَه الله خيرًا منه»

- ‌التطبيق:

- ‌2 - قاعدة: «الجزاء من جنس العمل»:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - قاعدة: «من ترك الإقبال على ما ينفعه ابتُلي بالاشتغال بما يضره»

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الثالثالنظر والتدبُّر في المناسبات

- ‌أ. الربط بين السورة والتي قبلها، والسورة والتي بعدها (عند القائل بأن ترتيب السور توقيفي):

- ‌التطبيق:

- ‌ب. الربط بين صدر السورة وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌ج. الربط بين الآية والتي قبلها، والآية والتي بعدها:

- ‌التطبيق:

- ‌د. الربط بين الجمل:

- ‌التطبيق:

- ‌هـ. الربط بين موضوع الآية وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌و. الربط بين المقاطع في السورة:

- ‌التطبيق:

- ‌ويلحق بذلك: ‌‌(دلالة الاقتران)

- ‌(دلالة الاقتران)

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الرابعما يُتَوَصَّل إليه بالنظر في النواحي اللّغويةوالجوانب البلاغية

- ‌1 - الحقيقة والمجاز (عند القائل به)

- ‌‌‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - ما يتصل بمرجع الضمير:

- ‌3 - ما يُؤْخَذ من الإظهار في موضع الإضمار، وعكسه

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الفروق اللفظية

- ‌التطبيق:

- ‌6 - المتشابه اللفظي

- ‌التطبيق:

- ‌7 - دلالات الجملة (الاسمية والفعلية):

- ‌التطبيق:

- ‌8 - ما يرجع إلى تصريف اللفظ:

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية:

- ‌التطبيق:

- ‌11 - الإيجاز والبسط والاستطراد

- ‌التطبيق:

- ‌12 - الأمثال والتشبيهات:

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الخامسما لا يدخل في شيء مما سبق

- ‌الأول: صور من التدبُّر لا تدخل تحت أحد الأنواع المذكورة:

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: التفسير الإشاري

- ‌التطبيق:

- ‌الباب السادسالتدبُّر العملي

- ‌الأول:‌‌ التطبيقوالعمل والامتثال

- ‌ التطبيق

- ‌الثاني: النظر في الكون والآيات المشهودة:

- ‌التطبيق:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع والمصادر

الفصل: ‌ ‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين

‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية:

(التقدير والحذف والزيادة)(1):

‌التطبيق:

1 -

قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)} (البقرة).

قال الشنقيطي رحمه الله: «الآية ونحوها من جميع آيات اتخاذهم العِجْل إلهًا فإن المفعول الثاني محذوف في جميعها، وتقديره: اتخذتم العِجْل إلهًا، ونكتة حذفه دائمًا: التنبيه على أنه لاينبغي أن يُتلفظ بأن عِجْلًا مُصْطَنعًا إله، وقد أشار إلى هذا المفعول في طه بقوله: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)} (طه)» (2).

(1) التقدير: المُشار إليه في هذا المبحث: هو ما ينويه المتكلم من الألفاظ في كلامه مما لم يُصَرِّح به.

والحذف: يطلق في اصطلاح العلوم العربية على إسقاط خاص

والأنسب باصطلاح النحاة وأهل المعاني والبيان: أنه إسقاط حركة، أو كلمة، أو أكثر، أو أقل، وقد يَصير به الكلام المساوي مُوجَزًا. كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 631 - 632).

وقد عَرَّفه بعضهم بقوله: «هو إسقاط جُزْء الكلام، أو كله لدليل» . البرهان للزركشي (3/ 102).

والزيادة: تطلق على الكلمة التي وجودها وعدمها لا يخل بالمعنى الأصلي، وإن كان لها فائدة أخرى؛ ومنه ما يسمى بـ (حروف الزيادة). انظر: كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 902).

(2)

انظر: العذب النمير (1/ 91 - 92)، وانظر أيضًا:(4/ 166 - 167).

ص: 170

2 -

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء).

قال ابن القيم رحمه الله: «فتأمل كيف اقتضت إعادة هذا المعنى قَولَه تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} ولم يقل: (وإلى الرسول)؟ فإن الرد إلى القرآن رد إلى الله والرسول، فما حَكَم به الله تعالى هو بعينه حُكْم رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يحكم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو بعينه حُكْم الله، فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه يعني كتابه فقد رددتموه إلى رسوله، وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله، فقد رددتموه إلى الله؛ وهذا من أسرار القرآن» (1).

3 -

قال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: 112).

قال ابن القيم رحمه الله: في بيان وَجْه مَجيء الواو بعد استيفاء الأوصاف السبعة المذكورة في الآية:

«وأحسن ما يُقَال فيها: إن الصفات إذا ذُكِرت في مقام التعداد، فتارة يَتَوسَّط بينها حرف العطف؛ لِتَغَايُرها في نفسها، وللإيذان بأن المُراد ذِكْر كل صفة بِمُفْرَدها، وتارة لا يتوسطها العَاطِف؛ لاتحاد موصوفها وتَلَازُمها في نفسها، وللإيذان بأنها في تَلازُمِها كالصفة الواحدة، وتارة يتوسط العاطف بين بعضها ويُحذف مع بعض بحسب هذين المقامين، فإذا كان المقام مقام تعداد الصفات من غير نظر إلى جمع أو انفراد، حَسُن إسقاط حرف العطف، وإن أُرِيد الجمع بين الصفات أوالتنبيه على تَغَايُرها، حَسُن إدخال حرف العطف.

(1) الرسالة التبوكية (ص 41).

ص: 171

فمثال الأول: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} (التوبة: 112)، وقوله:{مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} (التحريم: 5).

ومثال الثاني: قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} (الحديد: 3).

وتأمل كيف اجتمع النوعان في قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر)، فأتى بالواو في الوصفين الأولين، وحذفها في الوصفين الآخرين؛ لأن غفران الذنب وقبول التوب قد يُظَن أنهما يجريان مجرى الوصف الواحد لتلازمهما، فمن غفر الذنب قَبِلَ التوب، فكان في عطف أحدهما على الآخر ما يدل على أنهما صفتان وفعلان مُتغايران، ومفهومان مختلفان لكل منهما حُكْمُه، أحدهما: يتعلق بالإساءة والإعراض؛ وهو المغفرة، والثاني: يتعلق بالإحسان والإقبال على الله تعالى والرجوع إليه، وهو التوبة، فتُقبل هذه الحسنة، وتُغفر تلك السيئة، وحَسَّن العطف ههنا هذا التغاير الظاهر.

وكلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن؛ ولهذا جاء العطف في قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد: 3)، وتُرك في قوله:{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} (الحشر: 23)، وقوله:{الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (الحشر: 24).

وأما: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر: 3)، فَتُرِك العطف بينهما لِنُكتة بديعة: وهي الدلالة على اجتماع هذين الأمرين في ذاته سبحانه، وأنه حال كونه شديد العقاب فهو ذو الطَّول، وطَولُه لا ينافي شدة عقابه، بل هما مجتمعان له،

ص: 172

بخلاف الأول والآخِر، فإن الأولية لا تُجامِع الآخِرية؛ ولهذا فَسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» (1). فأَوَّليته أزليته، وآخريته أبديته.

فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فإن ظُهوره تعالى ثابت مع بُطُونه، فيجتمع في حقه الظُّهور والبُطُون، والنبي صلى الله عليه وسلم فَسَّر الظاهر: بأنه الذي ليس فوقه شيء، والباطن: بأنه الذي ليس دونه شيء، وهذا العلو والفوقية مُجامِع لهذا القرب والدنو والإحاطة؟

قلت: هذا سؤال حسن، والذي حَسَّن دخول الواو ههنا: أن هذه الصفات مُتقابلة مُتضادة، وقد عُطِف الثاني منها على الأول؛ للمقابلة التي بينهما، والصفتان الأُخريان كالأُوليين في المُقابلة، ونِسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة الآخِر إلى الأول، فكما حَسُن العطف بين الأُوليين، حَسُن بين الأُخريين.

فإذا عُرِف هذا فالآية التي نحن فيها يتضح بما ذكرناه معنى العطف وتركه فيها؛ لأن كل صفة لم تُعطف على ما قبلها فيها، كان فيه تنبيه على أنها في اجتماعها كالوصف الواحد لموصوف واحد فلم يحتج إلى عطف، فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهما مُتلازِمان مُسْتَمَدَّان من مادة واحدة - حَسُن العطف؛ ليتبين أن كل وصف منهما قائم على حِدَتِه، مطلوب تعيينه، لا يكتفي فيه بحصول الوصف الآخر، بل لا بد أن يظهر أمره بالمعروف بصريحه، ونهيه عن المنكر بصريحه. وأيضا فَحَسَّن العطف ههنا ما تقدم من التضاد، فلما كان الأمر بالمعروف والنهي

(1) أخرجه مسلم (2713).

ص: 173

عن المنكر ضدين -أحدهما طَلَب الإيجاد، والآخر طَلَب الإعدام- كانا كالنوعين المُتغايرين المُتضادين، فَحَسُن لذلك العطف» (1).

4 -

قال تعالى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)} (طه).

قال ابن هُبيرة رحمه الله: «قرأ عَلَيَّ قارئ: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي (84)} (طه)، ففكرت في معنى إسقاط (ها) (2) فنظرت فإذا وَضْعها للتنبيه، والله لا يجوز أن يُخاطَب بهذا، ولم أر أحدًا خاطب الله عز وجل بحرف التنبيه إلا الكفار، كما قال عز وجل: {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ} (النحل: 86)، {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا} (الأعراف: 38)، وما رأيت أحدًا من الأنبياء خاطب ربه بحرف التنبيه، والله أعلم. فأما قوله: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)} (الزخرف)، فإنه قد تقدم الخطاب بقوله: {يَارَبِّ}، فبقيت (ها) للتمكين» (3).

قال: «ولما خاطب الله عز وجل المنافقين قال: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النساء: 109)، وكرم المؤمنين بإسقاط (ها)، فقال: {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ} (آل عمران: 119)، وكان التنبيه للمؤمنين أخف» (4).

(1) بدائع الفوائد (3/ 52 - 54).

(2)

في الأصل: «فأفكرت في معنى اشتقاقها» ، والمثبت أعلاه من ترجمة ابن هبيرة في مقدمة الإفصاح. وهو

أوضح في المعنى.

(3)

ذيل طبقات الحنابلة (2/ 144).

(4)

السابق.

ص: 174

(التكرار)(1):

التطبيق:

1 -

قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (البقرة: 134، 141).

قال السعدي رحمه الله: «كَرَّرَها -أي الآية-؛ لِقَطْع التَّعَلُّق بالمخلوقين، وأن المُعوَّل عليه ما اتصف به الإنسان، لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال، لا بالانتساب المُجَرَّد للرجال» (2).

2 -

قال تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)} (النحل).

قال ابن القيم رحمه الله: «فقد تَكرَّر هذا المعنى في هذه السُّورة دون غيرها في أَربعة مواضع لِسرٍّ بديع؛ فإنَّها سُورة النِّعم الَّتي عدَّد الله سُبحانه فيها أصول النِّعم وفروعها، فعَرَّف عِباده أنَّ لهم عنده في الآخرة من النِّعم أضعاف هذه بما لا يُدرك تفاوته، وأنَّ هذه منْ بَعض نِعمِه العاجلة عليهم، وَأنَّهم إنْ أطاعوه زادهم إلى هذه النِّعم نِعمًا أخرى، ثمَّ في الآخرة يُوفِّيهم أجور أعمالهم تمام التَّوفِيَة» (3).

(1) التكرار: إعادة اللفظ أو مُرادِفه لتقرير معنى. البرهان للزركشي (3/ 10).

وقيل: هو ذِكْر الشيء مرتين فصاعدًا. انظر: الإكسير (ص 245).

وقيل: دلالة اللفظ على المعنى مُرَدَّدًا. انظر: التقرير في التكرير (ص 3 - 4).

(2)

تفسير السعدي (ص 70).

(3)

إعلام الموقعين (2/ 126).

ص: 175

(التقديم والتأخير، والترتيب)(1):

التطبيق:

1 -

قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة).

قال ابن القيم رحمه الله: «وتقديم «العبادة» على «الاستعانة» في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل؛ إذ «العبادة» غاية العباد التي خُلِقُوا لها، و «الاستعانة» وسيلة إليها؛ ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، مُتَعَلِّق بألوهيته واسمه «الله» ، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، مُتَعَلِّق بربوبيَّته واسمه «الرب» ، فَقَدَّم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، على {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ كما قَدم اسم «الله» على «الرب» في أول السورة؛ ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسْمُ «الرب» ، فكان من الشَّطْر الأول، الذي هو ثناء على الله تعالى؛ لكونه أولى به، و {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسْمُ العبد، فكان من الشَّطْر الذي له، وهو {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة» (2).

2 -

قال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} (البقرة).

قال السعدي رحمه الله: «لعل من فوائد تأخير ذلك القتيل عن ذِكْر الأمر بذبح البقرة في قصة موسى مع بني إسرائيل؛ لأن السياق سياق ذم لبني إسرائيل، وتعداد

(1) التقديم والتأخير: هو جعل اللفظ في رُتْبَة قبل رُتْبَتِه الأصلية، أو بعدها لعارض اختصاص، أو أهمية، أو ضرورة؛ وعكسه الترتيب. انظر: الإكسير (ص 145).

ونعني به هنا ما هو أوسع من ذلك، فلا نقصره على ما قُدِّم أو أُخِّر عن رُتْبَتِه، بل نذكر أيضًا توجيه ما ذُكِر قبل غيره، أو بعده، وكذلك توجيه ترتيب المذكورات على وفق ما جاء في الآية.

(2)

مدارج السالكين (1/ 97).

ص: 176

ما جرى لهم مما يُقَرِّر ذلك، فلو قدم ذكر القتيل على الأمر بذبح البقرة، لصارت قصة واحدة» (1).

3 -

قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} (البقرة).

قال ابن القيم رحمه الله: «فإنه ذكر أخص هذه الثلاثة وهو الطواف الذي لا يُشرع إلا بالبيت خاصة، ثم انتقل منه إلى الاعتكاف وهو القيام المذكور في الحج (2)، وهو أعم من الطواف؛ لأنه يكون في كل مسجد ويختص بالمساجد لا يتعداها، ثم ذكر الصلاة التي تعم سائر بقاع الأرض سوى ما مَنَع منه مانع أو اسْتُثْني شرعًا» (3).

4 -

قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} (البقرة).

«قيل في سبب تقديم الغفور على الرحيم: أن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة» (4).

(1) المواهب الربانية (ص 21).

(2)

يعني: قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} (الحج).

(3)

بدائع الفوائد (1/ 81).

(4)

التعبير القرآني (ص 33).

ص: 177

5 -

قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} (البقرة).

قال الراغب: «إن قيل: كيف قَدَّم هاهنا ذِكْر الآخرة وأَخَّره في قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النساء: 136)؟

قيل: يجوز أن يكون ذاك مع الواو لا يقتضي الترتيب من أجل أن الكافر لا يعرف الآخرة، ولا يُعْنَى بها، وهو (1) أبعد الأشياء عن الحقائق عنده؛ أَخَّر ذِكْره في قوله:{وَمَنْ يَكْفُرْ} .

ولما ذكر حال المؤمنين، والمؤمن أقرب الأشياء إليه أمر الآخرة، وكل ما يفعله ويتحراه يَقْصِد به وجه الله ثم أمر الآخرة؛ قَدَّم ذِكْرها؛ تنبيهًا أن مُراعاة الله عز وجل، ومُراعاة الآخرة، ثم مُراعاة غيرهما.

إن قيل: كيف اختير الترتيب المذكور في قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (البقرة: 177)؟

قيل: لما كان أولى من يتفقده الإنسان بمعروفه أقاربه

كان تقديمها أولى، ثم أعقبه باليتامى، فالناس في المكاسب ثلاثة: مُعِيل وغير مَعُول، ومَعُول مُعِيل، ومَعُول غير مُعِيل، واليتيم مَعُول غير مُعِيل، فمواساته بعد الأقارب أولى، ثم ذَكَر المساكين؛ وهم الذين لا مال لهم حاضرًا ولا غائبًا، ثم ذكر ابن السبيل الذي قد

(1) أي: اليوم الآخر.

ص: 178

يكون له مال غائب، ثم ذكر السائلين الذين منهم صادق وكاذب، ثم ذكر الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم، فكل واحد ممن أُخِّر ذِكْره أقل فقرًا ممن قُدِّم عليه» اهـ (1).

5 -

قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} (النساء).

قال السعدي رحمه الله: «وقَدَّم الوصية مع أنها مُؤَخَّرة عن الدَّيْن للاهتمام بشأنها؛ لكون إخراجها شاقًّا على الورثة، وإلا فالديون مُقَدَّمة عليها، وتكون من رأس المال» (2).

6 -

قال تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} (يونس).

قال البيضاوي رحمه الله (3): «في تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولًا؛ لتُجاب دعوته» (4).

(1) تفسير الراغب (ص 379).

(2)

تفسير السعدي (ص 66).

(3)

هو: عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي، قاضٍ، مفسر، علامة، وُلِد في المدينة البيضاء (بفارس - قرب شيراز) وولي قضاء شيراز مدة، ثم صُرِف عن القضاء، فرحل إلى تبريز فتوفي فيها سنة: 685 هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي (8/ 157)، الأعلام للزركلي (4/ 110، 111)

(4)

تفسير البيضاوي (3/ 122).

ص: 179

7 -

قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} (النحل).

قال ابن عاشور رحمه الله: «وقَدَّم الأَمنَ على الطمأْنينة؛ إذ لا تَحصل الطمأْنينة بدونه، كما أن الخوف يُسبّب الانزِعاج والقلق» (1).

8 -

قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)} (الكهف).

قال ابن عاشور رحمه الله: «تقديم المال على البنين في الذِّكْر؛ لأنه أسبق خُطُورًا لأذهان الناس؛ لأنه يرغَب فيه الصغير والكبير، والشاب والشيخ، ومن له من الأولاد ما قد كفاه» (2).

9 -

قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} (الكهف).

قال عون بن عبد الله رحمه الله (3): ضج -والله- القوم من الصغار قبل الكبار (4).

(1) التحرير والتنوير (14/ 305).

(2)

السابق (15/ 333).

(3)

هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، خطيب، راوية، ناسب، شاعر، كان من آدب أهل المدينة، وسكن الكوفة فاشتهر فيها بالعبادة والقراءة، . وكان يقول بالإرجاء، ثم رجع، وخرج مع ابن الأشعث ثم هرب، وصحب عمر بن عبد العزيز في خلافته، توفي سنة: 115 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 103 - 105)، الأعلام للزركلي (5/ 98)

(4)

التمهيد (2/ 84).

ص: 180

10 -

قال تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} (الكهف).

قال ابن عثيمين رحمه الله: «تأمل في حال المشرك بدأ بتعذيبه ثم ثَنَّى بتعذيب الله، والمؤمن بدأ بثواب الله أولًا ثم بالمعاملة باليُسْر ثانيًا، والفرق ظاهر؛ لأن مقصود المؤمن الوصول إلى الجنة، والوصول إلى الجنة لا شك أنه أفضل وأحب إليه من أن يُقال له قول يُسر، وأما الكافر فعذاب الدنيا سابق على عذاب الآخرة وأيسر منه، فبدأ به، وأيضًا فالكافر يخاف من عذاب الدنيا أكثر من عذاب الآخرة؛ لأنه لا يؤمن بالثاني» (1).

11 -

قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} (الحج).

قال ابن القيم رحمه الله: «أما تقديم الرجال (2)

على الرُّكْبَان ففيه فائدة جليلة: وهي أن الله تعالى شرط في الحج الاستطاعة، ولا بد من السفر إليه لغالب الناس، فذكر نوعي الحجاج؛ لقطع تَوَهّم من يظن أنه لا يجب إلا على راكب، وقَدَّم الرجال اهتمامًا بهذا المعنى وتأكيدًا، ومن الناس من يقول: قَدَّمَهم جَبرًا لهم؛ لأن نفوس الرُّكْبَان تزدريهم» (3).

12 -

قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)} (يس). وفي الآية الأخرى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} (القصص).

(1) تفسير سورة الكهف لابن عثيمين (ص 129).

(2)

والمقصود بـ (الرجال): جمع رَاجِل، وهم المُشَاة.

(3)

بدائع الفوائد (1/ 69).

ص: 181

قال ابن هبيرة رحمه الله: «فرأيتُ الفائدة في تقديم ذِكْر الرجل وتأخيره: أن ذِكْر الأوصاف قبل ذِكْر الموصوف أبلغ في المدح من تقديم ذِكْرِه على وصفه، فإن الناس يقولون: الرئيس الأَجَل فلان، فنظرت فإذا الذي زِيد في مدحه هو صاحب (يس) أمر بالمعروف، وأعان الرسل، وصبر على القتل، والآخر إنما حذر موسى من القتل، فَسَلِم موسى بقبوله مشورته، فالأول هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والثاني هو ناصح الآمر بالمعروف، فاستحق الأول الزيادة.

ثم تأملت ذِكْر أقصى المدينة فإذا الرجلان جاءا من بُعْد في الأمر بالمعروف، ولم يتقاعدا لبُعْد الطريق» (1).

13 -

قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)} (الشورى).

قال ابن القيم رحمه الله: «بدأ بذِكْر الإناث، فَقَدَّم ما كانت تُؤَخِّره الجاهلية من أمر البنات؛ حتى كانوا يَئِدُوهُن؛ أي: هذا النوع المُؤخَّر عندكم، مُقَدَّم عندي في الذِّكر، وتأمل كيف نَكَّر سبحانه الإناث، وعَرَّف الذكور؛ فَجَبَر نَقْص الأنوثة بالتقديم، وجَبَر نَقْصَ التأخير بالتعريف؛ فإن التعريف تنويه» (2).

14 -

قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} (الواقعة).

«قَدَّم كونها تذكرة على كونها متاعًا؛ ليعلم العبد أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم» (3).

(1) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 148 - 149).

(2)

تحفة المودود بأحكام المولود (ص 20 - 21).

(3)

مفاتيح الغيب (29/ 423).

ص: 182