المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الثاني: التفسير الإشاري (1): قال ابن القيم رحمه الله: «وتفسير الناس - القواعد والأصول وتطبيقات التدبر

[خالد السبت]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالنظر الكلي -الإجمالي- في آيات السورة

- ‌1 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى الموضوع أو الموضوعات التي تدور حولها الآيات في السورة

- ‌التطبيق:

- ‌2 - تدبر الآيات إجمالًا للتوصل إلى مقاصد السورة

- ‌التطبيق:

- ‌1 - (سورة العنكبوت):

- ‌2 - (سورة الرحمن):

- ‌3 - (سورة الليل):

- ‌4 - (سور: الكافرون، الإخلاص، المعوذتان):

- ‌3 - تدبُّر المعنى العام للآية للتوصُّل إلى المعنى الأساسي الذي نزلت لتقريره

- ‌الباب الثانيفي المعاني والهدايات المستخرجةوفق القواعد والأصول المعتبرة

- ‌أولاً: إعمال أنواع الدلالة في استخراج الهدايات من الآيات الكريمة

- ‌توطئة:

- ‌تطبيقات شاملة

- ‌وبعد هذا الإجمال إليك شيئًا من التفصيل في هذه الأنواع:

- ‌النوع الأول: «دلالة المنطوق»

- ‌1 - المنطوق الصريح؛ وهو نوعان:

- ‌(أ) دلالة المطابقة

- ‌التطبيق:

- ‌ب- دلالة التَّضَمُّن

- ‌التطبيق:

- ‌2 - المنطوق غير الصريح (دلالة الالتزام)

- ‌الأول: دلالة الاقتضاء

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الأولى: ما يُسْتَخْرَج من نص واحد:

- ‌التطبيق:

- ‌الصورة الثانية: ما يُسْتَخْرَج من مجموع دليلين فأكثر:

- ‌التطبيق:

- ‌الثالث: دلالة الإيماء والتنبيه

- ‌التطبيق:

- ‌النوع الثاني: «دلالة المفهوم»

- ‌1 - مفهوم الموافقة

- ‌الأول: الأَوْلَوي

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: المُسَاوي

- ‌التطبيق:

- ‌2 - مفهوم المخالفة

- ‌الأول: مفهوم الحصر

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: مفهوم الصفة

- ‌التطبيق:

- ‌ثانيًا: العموم والخصوص

- ‌التطبيق:

- ‌ثالثًا: الإطلاق والتقييد

- ‌التطبيق:

- ‌رابعًا: ما يُسْتَفَاد من بعض القواعد في التفسير

- ‌1 - قاعدة: «عَسَى» من الله واجبة:

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - الحُكْم المُعَلَّق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - زيادة المبنى لزيادة المعنى

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌4 - حذف المُقْتَضَى --المُتَعَلَّق- يفيد العموم النِّسْبِي

- ‌توضيح القاعدة:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الأوصاف المُخْتَصَّة بالإناث إذا أُريد بها الوصف، جُرِّدت من التاء، وإذا أُريد به المُبَاشَرة، أُلحِقَت بها التاء

- ‌التطبيق:

- ‌خامسًا: قواعد قرآنية

- ‌1 - قاعدة: «من تَرَك شيئًا لله عَوَّضَه الله خيرًا منه»

- ‌التطبيق:

- ‌2 - قاعدة: «الجزاء من جنس العمل»:

- ‌التطبيق:

- ‌3 - قاعدة: «من ترك الإقبال على ما ينفعه ابتُلي بالاشتغال بما يضره»

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الثالثالنظر والتدبُّر في المناسبات

- ‌أ. الربط بين السورة والتي قبلها، والسورة والتي بعدها (عند القائل بأن ترتيب السور توقيفي):

- ‌التطبيق:

- ‌ب. الربط بين صدر السورة وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌ج. الربط بين الآية والتي قبلها، والآية والتي بعدها:

- ‌التطبيق:

- ‌د. الربط بين الجمل:

- ‌التطبيق:

- ‌هـ. الربط بين موضوع الآية وخاتمتها:

- ‌التطبيق:

- ‌و. الربط بين المقاطع في السورة:

- ‌التطبيق:

- ‌ويلحق بذلك: ‌‌(دلالة الاقتران)

- ‌(دلالة الاقتران)

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الرابعما يُتَوَصَّل إليه بالنظر في النواحي اللّغويةوالجوانب البلاغية

- ‌1 - الحقيقة والمجاز (عند القائل به)

- ‌‌‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌2 - ما يتصل بمرجع الضمير:

- ‌3 - ما يُؤْخَذ من الإظهار في موضع الإضمار، وعكسه

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌5 - الفروق اللفظية

- ‌التطبيق:

- ‌6 - المتشابه اللفظي

- ‌التطبيق:

- ‌7 - دلالات الجملة (الاسمية والفعلية):

- ‌التطبيق:

- ‌8 - ما يرجع إلى تصريف اللفظ:

- ‌التطبيق:

- ‌التطبيق:

- ‌10 - التقدير والحذف والزيادة، والتكرار، والتقديم والتأخير، والترتيب بين الأمور المذكورة في الآية:

- ‌التطبيق:

- ‌11 - الإيجاز والبسط والاستطراد

- ‌التطبيق:

- ‌12 - الأمثال والتشبيهات:

- ‌التطبيق:

- ‌الباب الخامسما لا يدخل في شيء مما سبق

- ‌الأول: صور من التدبُّر لا تدخل تحت أحد الأنواع المذكورة:

- ‌التطبيق:

- ‌الثاني: التفسير الإشاري

- ‌التطبيق:

- ‌الباب السادسالتدبُّر العملي

- ‌الأول:‌‌ التطبيقوالعمل والامتثال

- ‌ التطبيق

- ‌الثاني: النظر في الكون والآيات المشهودة:

- ‌التطبيق:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع والمصادر

الفصل: ‌ ‌الثاني: التفسير الإشاري (1): قال ابن القيم رحمه الله: «وتفسير الناس

‌الثاني: التفسير الإشاري

(1):

قال ابن القيم رحمه الله: «وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ؛ وهو الذي ينحو إليه المتأخرون، وتفسير على المعنى؛ وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة والقياس؛ وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم. وهذا لا بأس به بأربعة شرائط: ألا يُنَاقِض معنى الآية، وأن يكون معنى صحيحًا في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطًا حسنًا» (2).

‌التطبيق:

1 -

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)} (البقرة).

(1) والمشهور في تعريفه: أنه تأويل للقرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف، وأنه يمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضًا. هكذا قالوا، والواقع أن هذا معناه عند المتصوفة، وإلا فهو نوع من التفسير بالاعتبار والقياس (من باب أن الشيء بالشيء يُذْكَر). وعامة ما يُذكر من هذا النوع لا يخلو من إشكال، وبعضه قَرْمَطَة وتحريف، لكن منه ما يصح إذا توفرت فيه تلك الشروط المذكورة أعلاه.

ثم لا يخفى أن ما يُذكر من هذا الطريق فأحسن أحواله -إن صح- أنه من باب المُلَح.

(2)

التبيان في أقسام القرآن (ص 79)، وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (4/ 65)، مجموع الفتاوى (2/ 27 - 28)، (6/ 376 - 377)، (10/ 78)، (11/ 42)، مجموعة الرسائل والمسائل (1/ 29)، الموافقات (4/ 231 - 232، 243 - 244)، التفسير والمفسرون (2/ 261)، مفهوم التفسير والتأويل للطيار (ص 89 - 107)، مناهل العرفان (2/ 78 - 81).

ص: 211

المعنى الظاهر:

«يسألك أصحابك -أيها النبي- عن الأهلة وتغيُّر أحوالها، قل لهم: جعل اللهُ الأهلة علامات يعرف بها الناس أوقات عباداتهم المُحَدَّدة بوقت مثل الصيام والحج، ومعاملاتهم، وليس الخير ما تعودتم عليه في الجاهلية وأول الإسلام من دخول البيوت من ظهورها حين تُحْرِمون بالحج أو العمرة، ظانين أن ذلك قُربة إلى الله، ولكن الخير هو فِعْلُ مَنِ اتقى الله واجتنب المعاصي، وادخلوا البيوت من أبوابها عند إحرامكم بالحج أو العمرة، واخشوا الله تعالى في كل أموركم؛ لتفوزوا بكل ما تحبون من خيري الدنيا والآخرة» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال السعدي رحمه الله: «ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب، الذي قد جُعِل له مُوصلًا، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ينبغي أن ينظر في حالة المأمور ويستعمل معه الرفق والسياسة التي بها يحصل المقصود أو بعضه، والمُتعلم والمُعَلِّم ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله يحصل به مقصوده، وهكذا كل من حاول أمرًا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه، فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود» (2).

2 -

قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} (النساء).

(1) التفسير الميسر (ص 29).

(2)

تفسير السعدي (ص 88).

ص: 212

المعنى الظاهر:

«ولا تؤتوا -أيها الأولياء- من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت أيديكم فيضعونها في غير وجهها، فهذه الأموال هي التي عليها قيام حياة الناس، وأَنْفِقُوا عليهم منها واكسوهم، وقولوا لهم قولًا معروفًا من الكلام الطَّيِّب والخُلُق الحسن» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال الغزالي رحمه الله: «تنبيهًا على أن حفظ العلم ممن يُفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق» (2).

3 -

قال تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} (الأعراف).

المعنى الظاهر:

«قال الله لإبليس: فاهبط من الجنة، فما يصح لك أن تتكبر فيها، فاخرج من الجنة، إنك من الذليلين الحقيرين» (3).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن عاشور رحمه الله: «هذه الآية أصل في ثبوت الحق لأهل المَحَلَّة، أن يُخرِجوا من مَحَلَّتِهم من يُخشى من سيرته فُشُو الفساد بينهم» (4).

(1) التفسير الميسر (ص 77).

(2)

الإحياء (1/ 58).

(3)

التفسير الميسر (ص 152).

(4)

التحرير والتنوير (8/ 44).

ص: 213

4 -

قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال: 33).

المعنى الظاهر:

«وما كان الله سبحانه وتعالى ليعذِّب هؤلاء المشركين، وأنت -أيها الرسول- بين ظهرانَيْهم، وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «فأشارت هذه الآية أن محبة الرسول وحقيقة ما جاء به إذا كان في القلب، فإن الله لا يعذبه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وإذا كان وجود الرسول في القلب مانعًا من تعذيبه، فكيف بوجود الرب تعالى في القلب؟ فهاتان إشارتان» (2).

وقال في موضع آخر: «وتأمل

كيف يُفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجود سرِّه والإيمان به ومحبَّته ووجود ما جاء بِه إذا كان في قوم أو كان في شخص، أفليس دفعه العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟ » (3).

5 -

قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)} (التوبة).

(1) التفسير الميسر (ص 180).

(2)

الكلام على مسألة السماع (ص 397).

(3)

إعلام الموقعين (1/ 173).

ص: 214

المعنى الظاهر:

مِن سنة الله الابتلاء، فلا تظنوا يا معشر المؤمنين أن يَتْرُكَكُم الله دون اختبار؛ ليعلم الله عِلْمًا ظاهرًا للخَلْق الذين أخلصوا في جهادهم، ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء، والله خبير بجميع أعمالكم، ومجازيكم بها (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «ولا وَلِيجَة أعظم ممن جعل رجلًا بعينه مُختارًا على كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلام سائر الأمة يُقَدِّمه على ذلك كله، ويَعْرِض كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على قوله، فما وافقه منها قبله لموافقته لقلبه، وما خالفه منها تلطف في رده وتَطَلَّبَ له وجوه الحيل، فإن لم تكن هذه وَلِيْجَة فلا ندري ما الوَلِيْجَة! » (2).

7 -

قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} (التوبة).

المعنى الظاهر:

«يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإلا تنصروه؛ فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بَلَدِه (مكة)، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور

(1) التفسير الميسر (ص 189).

(2)

إعلام الموقعين (2/ 130).

ص: 215

بـ «مكة» ، فمكثا فيه ثلاث ليال، إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا؛ وذلك بإعلاء شأن الإسلام، والله عزيز في ذاته وصفاته وملكه، حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية مَنْقَبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «كل من وافق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر خالف فيه غيره فهو من الذين اتبعوه في ذلك؛ وله نصيب من قوله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40)، فإن المعية الإلهية المُتَضَمِّنة للنصر هي لِمَا جاء به إلى يوم القيامة، وهذا قد دلّ عليه القرآن، وقد رأينا من ذلك وجَرَّبْنا ما يطول وصفه» (2).

وقال ابن القيم رحمه الله: «فَمِن أصح الإشارات إشارة هذه الآية، وهي أن من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به بقلبه وعمله وإن لم يصحبه ببدنه، فإن الله معه» (3).

6 -

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} (التوبة).

(1) التفسير الميسر (ص 193).

(2)

مجموع الفتاوى (28/ 37).

(3)

الكلام على مسألة السماع (ص 397).

ص: 216

المعنى الظاهر:

«يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وانقادت قلوبهم وأذعنت، وأقروا بألسنتهم، وعملوا بشرعه، ابدؤوا بقتال الأقرب فالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار، وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة، واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «الدنيا والشيطان عدوان خارجان عنك، والنفس عدو بين جنبيك؛ مِن سُنَّة الجهاد: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ (123)} (التوبة)» (2).

8 -

قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} (الرعد).

المعنى الظاهر:

«لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه بأمر الله ويُحْصُون ما يصدر عنه من خير أو شر؛ إن الله سبحانه وتعالى لا يغيِّر نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيَّروا ما أمرهم به فعصوه، وإذا أراد الله بجماعةٍ بلاءً، فلا مفرَّ منه، وليس لهم مِن دون الله مِن وال يتولى أمورهم، فيجلب لهم المحبوب، ويدفع عنهم المكروه» (3).

(1) التفسير الميسر (ص 207).

(2)

بدائع الفوائد (ص 225).

(3)

التفسير الميسر (ص 250).

ص: 217

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «فدلالة لفظها: أنه لا يغيِّر نِعَمه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيِّروا طاعته بمعصيته، كما قال في الآية الأخرى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الأنفال).

وإشارتها: أنه إذا عاقب قومًا وابتلاهم لم يغيِّر ما بهم من العقوبة والبلاء حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطاعة، كما قال العباس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة (1).

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» (2) فإذا مَنع الكلب والصورة دخول الملك إلى البيت، فكيف تدخل معرفة الرب ومحبته في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصُوَرها؟

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ» (3)؛ فإذا حرم بيت الرب على الحائض والجنب، فكيف بمعرفته ومحبته والتنعم بذِكْرِه على حائض القلب وجُنُبه؟

فهذه إشارات صحيحة، وهي من جنس مقاييس الفقهاء، بل أصح من كثير منها» (4).

(1) أخرجه الدينوري في المجالسة (3/ 102)، وابن عساكر في التاريخ (26/ 359) بإسناد واه.

(2)

أخرجه البخاري (3322)، ومسلم (2106).

(3)

أخرجه أبو داود (232)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (124).

(4)

الكلام على مسألة السماع (ص 397 - 398).

ص: 218

9 -

قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (الإسراء).

المعنى الظاهر:

«وكُنْ لأمك وأبيك ذليلًا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلًا ضعيف الحول والقوة» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال السعدي رحمه الله: «وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة -غير الأبوين-، فإن له على من ربَّاه حقَّ التربية» (2).

10 -

قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} (الأنبياء).

المعنى الظاهر:

«لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى تُدَبِّر شؤونهما، لاختلَّ نظامهما، فتنزَّه الله رب العرش، وتقدَّس عَمَّا يصفه الجاحدون الكافرون، من الكذب والافتراء وكل نقص» (3).

(1) التفسير الميسر (ص 284).

(2)

تفسير السعدي (ص 456).

(3)

التفسير الميسر (ص 323).

ص: 219

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «كما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا؛ كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: 22)، فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادًا لا يُرجى صلاحه؛ إلا بأن يخرج ذلك المعبود من قلبه، ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه، ويتوكل عليه وينيب إليه» (1).

11 -

قال تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)} (القصص).

المعنى الظاهر:

«ولما قصد موسى بلاد (مَدْيَن) وخرج من سلطان فرعون قال: عسى ربي أن يرشدني خير طريق إلى (مَدْيَن)» (2).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال السعدي رحمه الله: «إن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب مَنْ هذه حاله» (3).

12 -

قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)} (الروم).

(1) إغاثة اللهفان (1/ 30).

(2)

التفسير الميسر (ص 388).

(3)

تفسير السعدي (ص 618).

ص: 220

المعنى الظاهر:

«فانظر -أيها المُشاهِد- نَظَر تَأَمُّل وتَدَبُّر إلى آثار المطر في النبات والزروع والشجر، كيف يُحيي به الله الأرض بعد موتها، فينبتها ويُعْشِبُها؟ إن الذي قَدَر على إحياء هذه الأرض لمُحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير لا يُعْجِزُه شيء» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال السعدي رحمه الله: «فإذا كانت الأرض الخاشعة الخالية من كل نَبْت إذا أنزل الله عليها المطر اهتزت ورَبَت وأنبتت من كل زوج بهيج، واختلط نَبْتُها وكثرت أصنافه ومنافعه جعله الله تعالى من أعظم الأدلة الدالة على سعة رحمته وكمال قدرته، وأنه سَيُحْيي الموتى للجزاء؛ فالدليل في القلب الخالي من العلم والخير حين يُنزل الله عليه غيث الوحي فيهتز بالنبات ويُنبت من كل زوج بهيج من العلوم المختلفة النافعة، والمعارف الواسعة، والخير الكثير، والبِرّ الواسع، والإحسان الغزير، والمحبة لله ورسوله، وإخلاص الأعمال الظاهرة والباطنة لله وحده لا شريك له، والخوف والرجاء والتضرع والخشوع لله، وأنواع العبادات، وأصناف التقربات، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وغير ذلك من العلوم والأعمال الظاهرة والباطنة، والفتوحات الربانية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ أعظم من الأرض بكثير على سعة رحمة الله، وواسع جُودِه، وتَنَوّع هِبَاته، وكمال اقتداره وعزته، وأنه يحيي الموتى للجزاء، وأن عنده في الدار الأخرى من الخيرات والفضل ما لا يعلمه أحد غيره» (2).

(1) التفسير الميسر (ص 409).

(2)

المواهب الربانية (ص 93)، وقد سبق في (ص 52).

ص: 221

13 -

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} (يس: 12).

المعنى الظاهر:

«إنا نحن نحيي الأموات جميعًا ببعثهم يوم القيامة» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن كثير رحمه الله: «أي: يوم القيامة، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)} (الحديد)» (2).

14 -

قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} (الواقعة: 73).

المعنى الظاهر:

«نحن جعلنا ناركم التي توقدون تذكيرًا لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين» (3).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال ابن القيم رحمه الله: «تذكرة تُذْكَر بها الآخرة، ومنفعة للنازلين بالقَواءِ وهم المسافرون؛ يقال: أقوى الرجل: إذا نزل بالقِيِّ والقَوَى وهي الأرض الخالية، وخص المُقْوِين بالذِّكْر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين؛ تنبيهًا لعباده -والله

(1) التفسير الميسر (ص 440).

(2)

تفسير ابن كثير (11/ 565).

(3)

التفسير الميسر (ص 536).

ص: 222

أعلم بمراده من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم فى هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين» (1).

15 -

قال تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (الواقعة).

المعنى الظاهر:

«لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب» (2).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «كما أن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه حروف القرآن لا يمسه إلا بدن طاهر، فمعاني القرآن لا يذوقها إلا القلوب الطاهرة، وهي قلوب المتقين» (3).

قال ابن القيم رحمه الله: «ودلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المُتَلَوِّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي.

قال البخاري في «صحيحه» في هذه الآية: «لا يجد طعمه إلا من آمن به» (4)، وهذا أيضًا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ به وبقراءته وفهمه وتدبره

(1) طريق الهجرتين (ص 141 - 142)، وقد مضى تحت عنوان:(العموم والخصوص).

(2)

التفسير الميسر (ص 537).

(3)

مجموع الفتاوى (13/ 242).

(4)

انظر: صحيح البخاري (9/ 155).

ص: 223

إلا من شهد أنه كلام الله، تكلم (به)(1) حقًّا، وأنزله على رسوله وحيًا، ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه، فمن لم يؤمن بأنه حق من عند الله، ففي قلبه منه حرج، ومن لم يؤمن بأن الله سبحانه تكلم به وحيًا وليس مخلوقًا من جملة مخلوقاته، ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له باطنًا يخالف ظاهره، وإن له تأويلًا يُخالِف ما يُفْهَم منه ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له تأويلًا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج.

وأنت إذا تأملت قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، وأعطيت الآية حقها من دلالة اللفظ وإيمائه وإشارته وتنبيهه وقياس الشيء على نظيره واعتباره بِمُشاكِله وتأملت المشابهة التي عقدها الله سبحانه وربطها بين الظاهر والباطن- فهمت هذه المعاني كلها من الآية وبالله التوفيق» (2).

وقال في موضع آخر: «وأنت إذا تأمَّلت قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (الواقعة)، وجدت الآية من أظهر الأدلة علَى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ هذا القرآن جاء من عند الله، وأنَّ الذي جاء به رُوح مُطهَّر، فما للأَرواح الخبيثَة عليه سبيل؛ ووجدت الآية أُختَ قوله:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)} (الشعراء)، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)} (الشعراء)، ووجدتها دالة بأحسن الدَّلالَة على أنَّه لا يَمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضًا بِألطف الدَّلالَة على أنَّه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما

(1) في الأصل: (بها).

(2)

التبيان في أقسام القرآن (1/ 230 - 231).

ص: 224

فَهمه البخاري من الآية فقال في صحيحه في باب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)} (آل عمران): {لَا يَمَسُّهُ} لا يَجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالْقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الْمؤمن؛ لقَوله تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (الجمعة: 5)، وتجد تحته أيضًا أَنَّه لا ينال معانيَه ويفهمُهُ كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأنَّ القلوب النجسة ممنوعة من فهمه مصروفة عنه، فتأمَّل هذا النَّسَب القريب وعَقْد هذه الأُخُوَّة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بِأحسنِ وجهٍ وأبينِهِ، فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي رضي الله عنه (1)».

وقال: «فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: لكن تَدل الآية بإشارتها على أنَّه لا يَمس المصحف إِلا طاهر؛ لأنَّه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المُطهَّرون، لِكرامتها على الله، فهذه الصحف أولى ألَّا يمسها إلا طاهر» (2).

وقال أيضًا رحمه الله: «فحقيقة هذا أنه لا يمس محله إلا المُطَهَّر، وإشارته أنه لايجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائق قلبه إلا القلب المُطَهَّر من الأنجاس والأدناس، وإلى هذا المعنى أشار البخاري في صحيحه؛ فهذه من أصح الإشارات» (3).

(1) إعلام الموقعين (1/ 172، 173).

(2)

مدارج السالكين (2/ 391).

(3)

الكلام على مسألة السماع (ص 396).

ص: 225

16 -

قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} (الكوثر).

المعنى الظاهر:

«إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور، هو المُنْقَطِع أثره المقطوع من كل خير» (1).

ما يؤخذ من إشارة الآية:

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فمن شَنَأ شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فله من ذلك نصيب؛ ولهذا قال أبو بكر بن عَيَّاش:

أهل السنة يبقون ويبقى ذِكْرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذِكْرُهم.

وذلك أن أهل البدعة شَنَؤُوا بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبترهم بقدر ذلك، والذين أعلنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فصار لهم نصيب من قوله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4)، فإن ما أكرم الله به نبيه من سعادة الدنيا والآخرة، فللمؤمنين المُتابعين نصيب بقدر إيمانهم، فما كان من خصائص النبوة والرسالة، فلم يشارك فيه أحد من أمته، وما كان من ثواب الإيمان والأعمال الصالحة، فلكل مؤمن نصيب بقدر ذلك» (2) ا. هـ.

وقال: «أهل السنة يموتون ويحيا ذِكْرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان لهم نصيب من قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4)، وأهل البدعة شَنَؤُوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان لهم نصيب من قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر: 3)» (3).

(1) التفسير الميسر (ص 602).

(2)

مجموع الفتاوى (28/ 38).

(3)

السابق (16/ 528).

ص: 226