الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: التفسير الإشاري
(1):
التطبيق:
1 -
(1) والمشهور في تعريفه: أنه تأويل للقرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف، وأنه يمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضًا. هكذا قالوا، والواقع أن هذا معناه عند المتصوفة، وإلا فهو نوع من التفسير بالاعتبار والقياس (من باب أن الشيء بالشيء يُذْكَر). وعامة ما يُذكر من هذا النوع لا يخلو من إشكال، وبعضه قَرْمَطَة وتحريف، لكن منه ما يصح إذا توفرت فيه تلك الشروط المذكورة أعلاه.
ثم لا يخفى أن ما يُذكر من هذا الطريق فأحسن أحواله -إن صح- أنه من باب المُلَح.
(2)
التبيان في أقسام القرآن (ص 79)، وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (4/ 65)، مجموع الفتاوى (2/ 27 - 28)، (6/ 376 - 377)، (10/ 78)، (11/ 42)، مجموعة الرسائل والمسائل (1/ 29)، الموافقات (4/ 231 - 232، 243 - 244)، التفسير والمفسرون (2/ 261)، مفهوم التفسير والتأويل للطيار (ص 89 - 107)، مناهل العرفان (2/ 78 - 81).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
2 -
قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} (النساء).
(1) التفسير الميسر (ص 29).
(2)
تفسير السعدي (ص 88).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال الغزالي رحمه الله: «تنبيهًا على أن حفظ العلم ممن يُفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق» (2).
3 -
قال تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} (الأعراف).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال ابن عاشور رحمه الله: «هذه الآية أصل في ثبوت الحق لأهل المَحَلَّة، أن يُخرِجوا من مَحَلَّتِهم من يُخشى من سيرته فُشُو الفساد بينهم» (4).
(1) التفسير الميسر (ص 77).
(2)
الإحياء (1/ 58).
(3)
التفسير الميسر (ص 152).
(4)
التحرير والتنوير (8/ 44).
4 -
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال: 33).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال ابن القيم رحمه الله: «فأشارت هذه الآية أن محبة الرسول وحقيقة ما جاء به إذا كان في القلب، فإن الله لا يعذبه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وإذا كان وجود الرسول في القلب مانعًا من تعذيبه، فكيف بوجود الرب تعالى في القلب؟ فهاتان إشارتان» (2).
وقال في موضع آخر: «وتأمل
…
كيف يُفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجود سرِّه والإيمان به ومحبَّته ووجود ما جاء بِه إذا كان في قوم أو كان في شخص، أفليس دفعه العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟ » (3).
5 -
(1) التفسير الميسر (ص 180).
(2)
الكلام على مسألة السماع (ص 397).
(3)
إعلام الموقعين (1/ 173).
المعنى الظاهر:
مِن سنة الله الابتلاء، فلا تظنوا يا معشر المؤمنين أن يَتْرُكَكُم الله دون اختبار؛ ليعلم الله عِلْمًا ظاهرًا للخَلْق الذين أخلصوا في جهادهم، ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء، والله خبير بجميع أعمالكم، ومجازيكم بها (1).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
7 -
المعنى الظاهر:
«يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإلا تنصروه؛ فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بَلَدِه (مكة)، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور
(1) التفسير الميسر (ص 189).
(2)
إعلام الموقعين (2/ 130).
بـ «مكة» ، فمكثا فيه ثلاث ليال، إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا؛ وذلك بإعلاء شأن الإسلام، والله عزيز في ذاته وصفاته وملكه، حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية مَنْقَبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه» (1).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
وقال ابن القيم رحمه الله: «فَمِن أصح الإشارات إشارة هذه الآية، وهي أن من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به بقلبه وعمله وإن لم يصحبه ببدنه، فإن الله معه» (3).
6 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} (التوبة).
(1) التفسير الميسر (ص 193).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 37).
(3)
الكلام على مسألة السماع (ص 397).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال ابن القيم رحمه الله: «الدنيا والشيطان عدوان خارجان عنك، والنفس عدو بين جنبيك؛ مِن سُنَّة الجهاد: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ (123)} (التوبة)» (2).
8 -
المعنى الظاهر:
(1) التفسير الميسر (ص 207).
(2)
بدائع الفوائد (ص 225).
(3)
التفسير الميسر (ص 250).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال ابن القيم رحمه الله: «فدلالة لفظها: أنه لا يغيِّر نِعَمه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيِّروا طاعته بمعصيته، كما قال في الآية الأخرى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الأنفال).
وإشارتها: أنه إذا عاقب قومًا وابتلاهم لم يغيِّر ما بهم من العقوبة والبلاء حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطاعة، كما قال العباس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة (1).
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» (2) فإذا مَنع الكلب والصورة دخول الملك إلى البيت، فكيف تدخل معرفة الرب ومحبته في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصُوَرها؟
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ» (3)؛ فإذا حرم بيت الرب على الحائض والجنب، فكيف بمعرفته ومحبته والتنعم بذِكْرِه على حائض القلب وجُنُبه؟
فهذه إشارات صحيحة، وهي من جنس مقاييس الفقهاء، بل أصح من كثير منها» (4).
(1) أخرجه الدينوري في المجالسة (3/ 102)، وابن عساكر في التاريخ (26/ 359) بإسناد واه.
(2)
أخرجه البخاري (3322)، ومسلم (2106).
(3)
أخرجه أبو داود (232)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (124).
(4)
الكلام على مسألة السماع (ص 397 - 398).
9 -
قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (الإسراء).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال السعدي رحمه الله: «وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة -غير الأبوين-، فإن له على من ربَّاه حقَّ التربية» (2).
10 -
قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} (الأنبياء).
المعنى الظاهر:
(1) التفسير الميسر (ص 284).
(2)
تفسير السعدي (ص 456).
(3)
التفسير الميسر (ص 323).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
11 -
قال تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)} (القصص).
المعنى الظاهر:
«ولما قصد موسى بلاد (مَدْيَن) وخرج من سلطان فرعون قال: عسى ربي أن يرشدني خير طريق إلى (مَدْيَن)» (2).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال السعدي رحمه الله: «إن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب مَنْ هذه حاله» (3).
12 -
قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)} (الروم).
(1) إغاثة اللهفان (1/ 30).
(2)
التفسير الميسر (ص 388).
(3)
تفسير السعدي (ص 618).
المعنى الظاهر:
ما يؤخذ من إشارة الآية:
(1) التفسير الميسر (ص 409).
(2)
المواهب الربانية (ص 93)، وقد سبق في (ص 52).
13 -
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} (يس: 12).
المعنى الظاهر:
«إنا نحن نحيي الأموات جميعًا ببعثهم يوم القيامة» (1).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
14 -
قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} (الواقعة: 73).
المعنى الظاهر:
«نحن جعلنا ناركم التي توقدون تذكيرًا لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين» (3).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال ابن القيم رحمه الله: «تذكرة تُذْكَر بها الآخرة، ومنفعة للنازلين بالقَواءِ وهم المسافرون؛ يقال: أقوى الرجل: إذا نزل بالقِيِّ والقَوَى وهي الأرض الخالية، وخص المُقْوِين بالذِّكْر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين؛ تنبيهًا لعباده -والله
(1) التفسير الميسر (ص 440).
(2)
تفسير ابن كثير (11/ 565).
(3)
التفسير الميسر (ص 536).
أعلم بمراده من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم فى هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين» (1).
15 -
قال تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (الواقعة).
المعنى الظاهر:
«لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب» (2).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «كما أن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه حروف القرآن لا يمسه إلا بدن طاهر، فمعاني القرآن لا يذوقها إلا القلوب الطاهرة، وهي قلوب المتقين» (3).
قال ابن القيم رحمه الله: «ودلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المُتَلَوِّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي.
قال البخاري في «صحيحه» في هذه الآية: «لا يجد طعمه إلا من آمن به» (4)، وهذا أيضًا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ به وبقراءته وفهمه وتدبره
(1) طريق الهجرتين (ص 141 - 142)، وقد مضى تحت عنوان:(العموم والخصوص).
(2)
التفسير الميسر (ص 537).
(3)
مجموع الفتاوى (13/ 242).
(4)
انظر: صحيح البخاري (9/ 155).
إلا من شهد أنه كلام الله، تكلم (به)(1) حقًّا، وأنزله على رسوله وحيًا، ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه، فمن لم يؤمن بأنه حق من عند الله، ففي قلبه منه حرج، ومن لم يؤمن بأن الله سبحانه تكلم به وحيًا وليس مخلوقًا من جملة مخلوقاته، ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له باطنًا يخالف ظاهره، وإن له تأويلًا يُخالِف ما يُفْهَم منه ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له تأويلًا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج.
وأنت إذا تأملت قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، وأعطيت الآية حقها من دلالة اللفظ وإيمائه وإشارته وتنبيهه وقياس الشيء على نظيره واعتباره بِمُشاكِله وتأملت المشابهة التي عقدها الله سبحانه وربطها بين الظاهر والباطن- فهمت هذه المعاني كلها من الآية وبالله التوفيق» (2).
وقال في موضع آخر: «وأنت إذا تأمَّلت قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (الواقعة)، وجدت الآية من أظهر الأدلة علَى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ هذا القرآن جاء من عند الله، وأنَّ الذي جاء به رُوح مُطهَّر، فما للأَرواح الخبيثَة عليه سبيل؛ ووجدت الآية أُختَ قوله:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)} (الشعراء)، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)} (الشعراء)، ووجدتها دالة بأحسن الدَّلالَة على أنَّه لا يَمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضًا بِألطف الدَّلالَة على أنَّه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما
(1) في الأصل: (بها).
(2)
التبيان في أقسام القرآن (1/ 230 - 231).
فَهمه البخاري من الآية فقال في صحيحه في باب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)} (آل عمران): {لَا يَمَسُّهُ} لا يَجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالْقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الْمؤمن؛ لقَوله تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (الجمعة: 5)، وتجد تحته أيضًا أَنَّه لا ينال معانيَه ويفهمُهُ كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأنَّ القلوب النجسة ممنوعة من فهمه مصروفة عنه، فتأمَّل هذا النَّسَب القريب وعَقْد هذه الأُخُوَّة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بِأحسنِ وجهٍ وأبينِهِ، فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي رضي الله عنه (1)».
وقال أيضًا رحمه الله: «فحقيقة هذا أنه لا يمس محله إلا المُطَهَّر، وإشارته أنه لايجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائق قلبه إلا القلب المُطَهَّر من الأنجاس والأدناس، وإلى هذا المعنى أشار البخاري في صحيحه؛ فهذه من أصح الإشارات» (3).
(1) إعلام الموقعين (1/ 172، 173).
(2)
مدارج السالكين (2/ 391).
(3)
الكلام على مسألة السماع (ص 396).
16 -
قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} (الكوثر).
المعنى الظاهر:
«إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور، هو المُنْقَطِع أثره المقطوع من كل خير» (1).
ما يؤخذ من إشارة الآية:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فمن شَنَأ شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فله من ذلك نصيب؛ ولهذا قال أبو بكر بن عَيَّاش:
…
أهل السنة يبقون ويبقى ذِكْرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذِكْرُهم.
وذلك أن أهل البدعة شَنَؤُوا بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبترهم بقدر ذلك، والذين أعلنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فصار لهم نصيب من قوله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4)، فإن ما أكرم الله به نبيه من سعادة الدنيا والآخرة، فللمؤمنين المُتابعين نصيب بقدر إيمانهم، فما كان من خصائص النبوة والرسالة، فلم يشارك فيه أحد من أمته، وما كان من ثواب الإيمان والأعمال الصالحة، فلكل مؤمن نصيب بقدر ذلك» (2) ا. هـ.
(1) التفسير الميسر (ص 602).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 38).
(3)
السابق (16/ 528).