الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأَكْثِر من هذا التفكير ودَاوِم عليه، حتى تصير لك مَلَكَة جيدة في الغَوْص على المعاني الدقيقة؛ فإن القرآن حق، ولَازِم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق؛ ذلك كله حق ولا بد.
فمن وُفِّق لهذه الطريقة، وأعطاه الله توفيقًا ونورًا، انفتحت له في القرآن العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية» اهـ (1).
تطبيقات شاملة
(2):
1 -
قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (الأعراف).
2 -
(1) القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص 32).
(2)
المقصود بهذه التطبيقات: التمثيل لإعمال العلماء أنواع الدلالات، لاستخراج الحِكَم والأحكام والهدايات؛ من آي القرآن الكريم.
(3)
بدائع الفوائد (3/ 17).
قال ابن القيم رحمه الله: «وتَأَمَّل كيف افْتَتَح الآية بقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} ، والتنزيل يَسْتَلْزِم عُلُوَّ المُنَزَّل من عنده؛ لا تَعْقِل العرب من لغتها -بل ولا غيرها من الأمم السليمة الفطرة- إلا ذلك.
وقد أخبر أن تنزيل الكتاب منه، فهذا يدل على شيئين:
أحدهما: عُلُوّه تعالى على خلقه.
والثاني: أنه هو المتكلم بالكتاب المنزل من عنده لا غيره.
فإنه أخبر أنه منه، وهذا يقتضي أن يكون منه قولًا، كما أنه منه تنزيلًا. فإن غيره لو كان هو المتكلم به لكان الكتاب من ذلك الغير، فإن الكلام إنما يُضَاف إلى المُتَكَلِّم به، ومثل هذا:{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} (السجدة: 13)، ومثله:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} (النحل: 102)، ومثله:{تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 42)، فاسْتَمْسِك بحرف (مِن) في هذه المواضع، فإنه يقطع حُجَج شَغْب المعتزلة والجهمية.
وتأمل كيف قال: {تَنْزِيلٌ مِنْ} ، ولم يقل:(تنزيله)، فتضمنت الآية إثبات علوه، وكلامه، وثبوت الرسالة.
ثم قال: {الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت: 2)، فتضمن هذان الاسمان صِفَتَي القُدرة والعلم وخلق أعمال العباد وحُدُوث كل ما سوى الله؛ لأن القَدَر هو قُدرة الله؛ كما قال أحمد بن حنبل؛ فتضمنت إثبات القدر؛ ولأن عزته تمنع أن يكون في مُلْكِه ما لا يشاؤه، أو أن يشاء ما لا يكون؛ فكمال عزته تُبْطِل ذلك.
وكذلك كمال قدرته تُوجب أن يكون خالق كل شيء، وذلك ينفي أن يكون في العالم شيء قديم لا يتعلق به خلقه؛ لأن كمال قدرته وعزته يُبْطِل ذلك.
ثم قال تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر: 3)، والذنب مخالفة شرعه وأمره، فتضمن هذان الاسمان إثبات شرعه وإحسانه وفضله.
ثم قال تعالى: {شَدِيدِ الْعِقَابِ} ، وهذا جزاؤه للمذنبين، {ذِي الطَّوْلِ} جزاؤه للمحسنين، فتضمنت الثواب والعقاب.
ثم قال تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (غافر: 3)، فتضمن ذلك التوحيد والمعاد.
فتضمنت الآيتان إثبات صفة العلو، والكلام، والقدرة، والعلم، والشرع، والقَدَر، وحدوث العالم، والثواب والعقاب، والتوحيد والمعاد، وتنزيل الكتاب منه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يتضمن الرسالة والنبوة؛ فهذه عشرة قواعد الإسلام والإيمان تجلى على سمعك في هذه الآية العظيمة.
ولكن ..
خَوْدٌ تُزَفُّ إلى ضرير مُقْعَد
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . (1).
فهل خطر ببالك قط أن هذه الآية تتضمن هذه العلوم والمعارف مع كثرة قراءتك لها وسماعك إياها؟ ! وهكذا سائر آيات القرآن، فما أشَدَّها من حسرة وأعظمها من غَبْنَة على من أفنى أوقاته في طلب العلم، ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره ومعانيه، فالله المستعان» (2).
(1) شطر بيت من قصيدته النونية (1/ 1037)، وشطره الثاني:
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
يا مِحْنَة الحَسْنَاء بالعميان
وأصله شطر بيت للحسين بن الحجاج، وشطره الأول:
وكأنها لما أحلت عنده
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
انظر: المنتحل (ص 158).
(2)
بدائع الفوائد (1/ 193 - 194).