الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
صحيحُ الحمدِ مرفوعٌ إلى الله تعالى سالمًا من كلِّ عِلَّة، على أن جعلنا من خيرِ أمةٍ أُخْرِجَتْ للناس وأفضلِ مِلَّة. نحمدُه على ما اتصل إلينا من آلائه، حمدًا يزيدُنا قربًا لديه.، ونشكرُه على ما تواتر من نعمائه، شكرًا جامعًا مُسْنَدًا إليه. أنعمَ علينا بنعمة الإيمان والإسلام، وأكرمَنا ببعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وامتنَّ علينا بذلك في الكتاب العزيز فقال سبحانه وتعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سورة آل عمران: 164].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيِّكَ ورسولك سيدِنا مُحَمَّدٍ الذي رَفَعْتَ ذِكْرَهُ عَلِيًّا، وأبقيتَ حديثَهُ مَروِيًّا، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..
أما بعد، أيدك الله تعالى بالعلم، وزانك بالعمل، وحلاك بالسنة، وأيدك بالتوفيق، فهذا كتاب المدخل إلى صحيح البخاري، أضعه بين يديك، وهو مقدمات هامَّةٌ يحتاج إليها قارئ كتابِ الجامع المُسْنَدِ الصحيح المختصرِ من أمور رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وسننِه وأيامِه، للإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي رحمه الله تعالى، المعروفِ اختصارًا باسم الجامع الصحيح أو صحيح البخاري، نقدمه لجمهور القراء والطلبة والباحثين مقترنًا بمناسبتين اثنتين:
الأولى: عقدُ مجالسِ السماع للحديث النبوي الشريف، لقراءة صحيح البخاري روايةً في مسجد آشتون المركزي في منطقة مانشستر بإنجلترة.
والثانية: إعادة إصدار الطبعة السلطانية النفيسة لصحيح البخاري، وهي أصح الطبعات، ليكون هذا الكتاب مفتاحًا للصحيح، ودليلًا لمن يريد قراءته.
وقد رأينا الحاجة الماسة لكتاب مختصر سهل قريب المأخذ يكون عمدةً لقارئ الجامع الصحيح في ترجمة مؤلفه ومعرفة أحواله وتسهيل قراءة صحيحه، فوفقنا الله تعالى لتأليف هذا الكتاب الذي يجمع ستة كتبٍ في مجلَّد واحد هي:
1.
حياة الإمام البخاري.
2.
التعريف بالجامع الصحيح.
3.
التعريف بالنسخة اليونينة والطبعة السلطانية.
4.
آداب رواية الحديث.
5.
ثبت الأسانيد التي نروي بها الجامع الصحيح.
6.
دعاء ختم الجامع الصحيح.
وقد رتبناه في اثني عشر فصلًا وتمهيد وملحقين، وابتدأنا بترجمة البخاري، وذكر ثناء العلماء عليه. ودراسة عن الصحيح وأقوال الأئمة عليه، واعتناء المسلمين به، ورواياته وطبعاته وأشهر الأسانيد إليه.
وخصصنا النسخة اليونينية بالاعتناء، فتكلمنا عنها وعن أشهر فروعها. ووجهنا إلى الطبعة السلطانية النظر، لأنا نرى لكل من اشتغل بإخراجها حقًّا علينا، فعقدنا تراجم للعلماء والمصححين والمشرفين الذين خدموها، خصوصًا من أمر بطبعها وهو السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، ومن أشرف عليه وهو الغازي أحمد مختار باشا.، ومن أجاز بعد المراجعة والتدقيق النشرَ، وهما شيخ الجامع الأزهر العلامة الشيخ حسونة النواوي، وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية العلامة محمد جمال الدين
أفندي. واستخرجنا من الأرشيف العثماني مراسلات بين حاجب السلطان وبين مندوبه العالي في مصر تكشف عن كثير من أسرار الطبعة السلطانية.
وعقدنا فصلًا بسطنا فيه فوائد الاشتغال برواية الحديث وحضور مجالس السماع، وفصلًا في آداب رواية الحديث الشريف، وحكم اللَّحْنِ - أي الخطأ - في رواية الحديث الشريف، وأصولَ كتابة البلاغات والسماعات والطِّباق.
وختمنا الكتاب بدعاء ختم الجامع الصحيح، وهو دعاءٌ جمعناه سنة 1422، طبع مرتين.، وقرئ في عدة مجالس للختم، أدرجنا فيه ما ورد في صحيح البخاري من أدعية السنة.، ومنتخبات مما ذكره العلماء قبلنا في أدعية ختم البخاري. ومن الأمور المشهورة المجربة عند العلماء أن الدعاء عند ختم قراءة صحيح البخاري مستجاب.
ورغم أن مصادر ترجمة الإمام البخاري محدودة معروفة، إلا أن الباري جل جلاله فتح علينا من خلال التأمل في النصوص، والنظر في الروايات، بدرر من الفوائد كالخرائد، وبدائع من التحقيقات فرائد، نرجو أن يكون في شيء منها إرشاد للساري في دروب ترجمة الإمام البخاري، وضياء للساري في مسالك أبواب الجامع الصحيح.
واعتنينا في ثنايا الكتاب بدفع الشكوك المتناثرة، وردِّ الشبه المتفرقة، مما يُوجَّهُ إلى الإمام البخاريِّ وصحيحه، فرددنا عليها، وبيَّنَّا وجوه المغالطة فيها. وقدَّمنا لأجل ذلك بين يدي الكتاب بتمهيدٍ، شرحنا فيه مسألة وجوب العمل بخبر الآحاد، أي وجوب العمل بالحديث الصحيح وإن رواه واحد أو اثنان من الرواة الثقات الحفاظ المتقنين، راجين أن يكون عونًا للقارئ في الدفاع عن صحيح البخاري أمام المغرضين الذين يطعنون في الإسلام، أو يشككون في السنة النبوية المطهرة التي هي المصدر الثاني للدين. وما الذي يبقى من ديننا إذا هدمنا أصح كتاب في السنة، وهو
صحيح البخاري؟ وهل عرفنا معظم أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق والفضائل والآداب إلا من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام؟
ومع كل ذلك فإننا نرى أن أفضل وسيلة للرد على الطاعنين في صحيح البخاري هي تعريف الناس بهذا الكتاب الجليل.، وبيان مزاياه، وعقد المجالس لقراءته ودراسته، ليتخرج جيل من الطلبة والعلماء يشتغلون بروايته وتدريسه والدفاع عنه.
ونشير إلى أننا لم نقصد في كتابنا هذا استقصاء جميع أخبار الإمام البخاري، ولا الإحاطة بالمباحث المتعلقة بالجامع الصحيح ورواياته ومخطوطاته وطبعاته، فتلك بحور متلاطمة.، وفيافٍ واسعةٌ، قد يستغرق الكلام فيها بضع مجلدات. وما لا يُدرَك كُلُّه لا يُترَكُ قُلُّه. وقد أردنا للكتاب أن يكون قريبَ المأخذ، سهلَ المطالعة، يتجول القارئ في رياضه، ويقطف من ثماره وأزهاره، يكشف من خلاله عن بعض أسرار الجامع الصحيح، ويتمثل بين عينيه حياة مؤلفه الإمام البخاري رحمه الله تعالى. ولذلك اخترنا أن لا نثقل الكتاب بالحواشي والإحالات، فإن مصادر النصوص والروايات لا تخفى على أهل العلم، وقد أفردنا لها فِهرِسًا في آخر الكتاب.
وفي الختام، فإننا نهدي ثواب هذا الكتاب إلى جميع من خدم الجامع المسند الصحيح من العلماء والرواة، بدءًا من الإمامِ الفِربريِّ الذي سمع الصحيح من مؤلفه مرتين، وإليه تنتهي روايتنا، وانتهاءً بالإمام شرف الدين اليونينيِّ والإمام عبد الله بن سالمٍ البصري اللذَين أمضيا عمرَهما في تصحيح الجامع الصحيح وخدمته.
ونهدي الثواب بوجهٍ خاصٍّ إلى السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أمر بالطبعة السلطانية وأنفق عليها من ماله الخاص، وإلى شيخ الأزهر حسونةَ النواوي، وشيخ الإسلام محمد جمال الدين أفندي اللذَين قاما بالإشراف على تصحيحها، وإلى الغازي
أحمد مختار باشا مندوب السلطان في مصر، الذي كان لهمته العالية، ومتابعته الدؤوبة أعظم الأثر في إنجازها، وإلى العلماء الأفذاذ الستة عشر ذوي العلم المنيف، الذين قاموا بمقابلتها وتصحيحها في الأزهر الشريف، وإلى المصححين في المطبعة الأميرية العامرة، ببولاقِ مصر القاهرة، الذين أظهروا منتهى البراعة في تدقيقها، وإلى العمال الذي سهروا على تنضيد حروفها وتنسيقها.
إلى جميع هؤلاء وغيرِهم ممن ساعدوا على إخراج الطبعة السلطانية، وأظهروا لنا مخبآت النسخة اليونينية، إلى أن بدت من وراء الستار، وكشفت عن حسن وجهها الخِمار، تزهو في حُلاها بأجمل وصف، وتَمِيسُ في حَلْيِها بأحسن رَصف.، تحاكي أبهى عقود الدُّرِّ المُحَلَّاة، وتَبُزُّ أنفَسَ طُرُزِ الخزِّ المُوَشَّاة، نهدي ثواب هذا العمل، فلقد أسدَوا للمسلمين خدماتٍ جُلَّى، وطوَّقُوا أعناقنا يَدَ الدهر بمِنَنٍ عُظْمَى، فجزاهم الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته، وعن صحبه وعترته، وعنا وعن المسلمين أجمعين، إلى يوم الدين، خير الجزاء وأوفاه.
ولكل من أعاننا من أصحابنا، على نَشْرِ عَرْفِ هذا المَدخل، شكرٌ وعرفان، ودعاءٌ وامتنان، ما توالى الجديدان، وتعاقبَ المَلَوان. وصلى الله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وآله وصحبه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين.
مدينة الرباط في المملكة المغربية، لعَشْرٍ مَضَيْنَ من شهر شوال سنة 1440
خادم السنة المشرفة
محمد أبو الهدى اليعقوبيُّ الحسنيُّ