الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: اعتناء المسلمين بالجامع الصحيح
من المتفق عليه بين العلماء أنه لم يحظ كتاب بعد كتاب الله تعالى بمثل ما حظي به الجامع الصحيح للإمام البخاري من احتفاءٍ واعتناء واهتمام في جوانب متعددة منها: الرواية والسرد، والشرح، والنسخ، والتذهيب.
خدمة الجامع الصحيح بالمؤلفات:
فقد كتب عليه نحو مائة شرح، وألفت الكتب في تراجم رجاله وضبط أسمائهم، وفي وصل معلَّقاته، وحل مغلقاته، وشرح غوامض عباراته، وإعراب المشكل من كلماته، وتلخيصه واختصاره، وترتيب أحاديثه، وتأليف المستخرجات عليه أي استخراج أحاديثه بغير أسانيده، وشرح ترجمات أبوابه، وبيان الأسانيد التي يُروى بها، وشرح آخر حديث منه في الختم، وإعداد الفهارس لأحاديثه ولرواته، وغير ذلك. وقد جمع صديقنا العلامة السيد محمد عصام عرار في كتابه:(إتحاف القاري بجهود وأعمال العلماء حول صحيح البخاري) أسماء مائتين وخمسين كتابًا ونيفًا، هي غيض من فيض المؤلفات المتتالية حول الإمام البخاري وصحيحه.
ختم الجامع الصحيح في رمضان:
وقد جرت عادة العلماء في حواضر الإسلام الكبرى بغداد ودمشق وإستنبول والقاهرة وتونس وفاس ومراكش وغيرها على قراءة الجامع الصحيح في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، أو في رمضان وحده. وتقام عند الختم الولائم والاحتفالات، وتُلقى الخطب والقصائد، ويحضر العلماء والكبراء، وفي بعض البلاد كالمملكة المغربية
في ظل الدولة العلوية وتونس أيام الدولة الحفصية، يحضر السلطان مجلس الختم بنفسه، ويوزع العطايا على العلماء. وكانت هذه العادة منتشرة في دمشق وبغداد والقاهرة وإستنبول وقونية وطرابلس والجزائر ومعظم المدن الكبرى في المغرب.
وربما كانت هذه العادة قد بدأت في مدينة إشبيلية بالأندلس، في أوائل القرن السادس الهجري.، على يد الإمام القاضي أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الإشبيلي (451 - 539). يقول أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابنُ الأبَّار (595 - 658) في ترجمة الإمام الحافظ العلامة المقرئ أبي محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الرُّعَيني الحَجْري (505 - 591) تلميذ القاضي أبي بكر ابن العربي (-543) من كتاب التكملة لكتاب الصلة:
"وقَرأ على شُريحٍ صحيح البخاري في رمضان سنة 534، وحكى أنه قرأه في إحدى وعشرين دُولةً [أي نَوبةً]. قال: وقد اجتمع للسماعِ نحو ثلاثمائة من أعيان طلبة البلاد. وكان شريح رحمه الله بطول العمر قد انفرد بعلو الإسناد، لسماعه إياه من أبيه وأبي عبد الله بن منظور عن أبي ذرٍّ، فكان الناس يرحلون إليه بسببه، وقد كان عيَّن لقراءته شهر رمضان، فيكثر الازدحام عليه في هذا الشهر كل سنة، ويتواعد أهل الأقطار المتباعدة للاجتماع فيه عنده. وكان أبو عبد الله النميري الحافظ موعودًا بقراءته في تلك السنة، فارتُقب مقدمُه من غرناطةَ بلده، والناس مجتمعون للسماع، فلم يصل لعذر منعه. فحظي ابن عبيد الله [المترجم] بهذه القراءة، ويقال إنه نُصب له كرسيٌّ يقعد عليه للإسماع. وشُهرت [أي هذه القراءة] لكثرة من رحل من سامعيها ومن حدث بها بعد ذلك".
ومما يتعلق بهذا البحث ختم الصحيح يوم المولد النبوي، فقد كان بعض العلماء قديمًا