الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى الذُّهلي في مسألة (لفظي بالقرآن مخلوق)، فإن الذهلي كان متشدِّدًا يرمي بالبدعة كل من يقول بذلك. ومع أن الإمام البخاري صرح مرارًا بأنه لم يقل ذلك، إلا أن خصومه اتهموه بالقول باللفظ، وحشدوا العامة ضده، وحذروا الناس منه، حتى خرج من نيسابور وحيدًا. وبقي البخاري صامدًا يحاول أن يوقف هذا المدَّ الذي سلك مسلكًا خطأً، وأبى أن يتراجع لأجل تسكين العامة وإرضاء خصومه، وفضل أن يرحل من بلد إلى بلد، إلى أن ضاقت به الأرض، ولم ينحرف عن الحق قِيد شعرة. وكان جوابه أن أفعالنا مخلوقة وأن ألفاظنا من أفعالنا، وهو مذهب أهل السنة الذي تمسك به بعد ذلك الإمام أبو الحسن الأشعري ومن تبعه من أهل السنة.
وكان البخاريُّ يرى أن أفعال العباد مخلوقة، وتصدى في هذه المسألة للمعتزلة، فألف كتابًا في الرد عليهم. وكان يرى أن الإيمان قولٌ وعمل، وأنه يزيد وينقص.
صفة البخاري:
وردت صفة البخاري عن الحسن بن الحسين البزاز قال: " رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم شيخًا، نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير ".وربما سبب نحوله ما روي أنه كان قليل الأكل جدًّا، فقد مكث أربعين عامًا يأكل الخبز وحده لا يأكل معه الإدام. فلما مرض ذكر الأطباء أن دواءه الإدام، فامتنع حتى ألح عليه العلماء والطلبة، فقبل أن يأكل مع الخبز سُكَّرًا. وكان يحب القثاء ويؤثره على البطيخ أحيانًا.
أخلاق البخاري:
كان الإمام البخاري واسع الكرم، كثير الإنفاق على الطلبة، شديد الورع في المال والكسب، يصون لسانه عن الغيبة، لا يتكلف التواضع، بل هو فيه سجية. ولم يكن يغضب لذم ولا يفرح بمدح، فقد كان يحلف أن المادح له والذام من الناس هما عنده
سواء. ومع تواضعه الشديد فقد كان مترفعًا بالعلم، متعززًا به، يعرف قدر العلم الذي شرفه الله تعالى به، يعز العلم، ويبذله لأهله، ويصونه عن غير أهله.
ولم يكن البخاري يتكسَّب بالحديث، أو يتقاضى أجرًا عليه من الناس، ولا يقبل عليه عطاءً، بل كان يحسن إلى طلبة الحديث، ويتعاهدهم بالنفقة، ويوصيهم بكتمان ذلك. ولم يؤلف كتبه للملوك، ولم يحدِّث بين أيديهم.
ومن أمثلة تواضعه أنه كان مرةً يبني رباطًا خارج بخارى، فكان ينقل اللَّبِنَ بنفسه، رغم أنه اجتمع كثيرٌ من الناس لإعانته على ذلك. فقال له ورَّاقه: يا أبا عبد الله إنك تُكفى ذلك، فقال: هذا الذي ينفعني.
وكانت للبخاري جاريةٌ فأرادت مرةً الدخول عليه، فعثرت بمِحبرة بَين يديه، فقال لها.: كيف تمشين.؟ فقالت: إِذا لم يكن طريقٌ كيف أمشي؟ فبسط يديه وقال: اذهبي فقد أعتقتُكِ. فقيل له: أغضبتك وأعتقتها! فقال: أرْضيتُ نفسي بما فعلت.
وكأن البخاري أراد أن يعمل هنا بقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران: 134]، ولكنه ستر أمره بقوله:"أرضيتُ نفسي بما فعلت".
وتميَّز البخاري من بين كثير من الفضائل بثلاث خصال:
1.
كان قليل الكلام.
2.
كان لا يطمع فيما عند الناس.
3.
كان لا يشتغل بأمور الناس، بل كان كل شغله في العلم.
وكان شديد الثبات على الحق، لا يعدل عنه مهما لقي في سبيل ذلك من الصعاب
والشدائد. ومن أمثلة ذلك موقفه من قضية خلق أفعال العباد وأن ألفاظنا من جملة أفعالنا. فقد روي أنه لما دخل البخاريُّ مدينة مروَ استقبله عالمُ مروَ الإمام الحافظ أحمد بن سيار المروزي (-268) فيمن استقبله، فقال له: يا أبا عبد الله، نحن لا نخالفك فيما تقول، ولكن العامة لا تحمِل ذا منك. فقال البخاري: إني أخشى النار: أُسألُ عن شيءٍ أعلمه حقًّا أن أقول غيره.
وكان البخاري شديد الزهد مقبلًا على الآخرة معرضًا عن زخارف الدنيا. دعاه أحد أصحابه إلى بستانٍ جميل قد أجرى الماءَ في أنهاره، وكان صاحب البستان مُعجَبًا به.، فسأل الإمامَ البخاريَّ: كيف ترى؟ فأجابه: هذه الحياة الدنيا.
وكان البخاري متعبدًا، يختم القرآن في رمضان في كل يوم ختمة. ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة. وكان يجتمع إليه أصحابه في رمضان فيصلي بهم إمامًا.، ويقرأ في كل ركعة قدر عشرين آية، يلازم ذلك إلى أن يختم.
وكان يحرص على تحرير نيته في كل عملٍ، يقول وراقه:
رأيته استلقى على قفاه يومًا ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث، فقلت له: يا أبا عبد الله! سمعتك تقول يومًا: إني ما أتيت شيئًا بغير علمٍ قطُّ منذ عقلت، فأي علم في هذا الاستلقاء؟ فقال: أتعبنا أنفسنا في هذا اليوم، وهذا ثغرٌ من الثغور، خشيت أن يَحدثَ حدثٌ من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أُهبةَ ذلك، فإن غافصنا العدوُّ كان بنا حَراك. قوله: غافصنا.: أي أخذنا على حين غِرَّةٍ.