الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: من أقوال الإمام البخاري
* رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وكأنِّي واقف بين يديه، وبيدي مِروحةٌ أذُبُّ بها عنه، فسألتُ بعض المعبِّرين فقال لي: أنتَ تَذُبُّ عنه الكذبَ، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح ..
* دخلتُ على الحُمَيْدِيِّ (وهو من أبرز شيوخه) وأنا ابنُ ثماني عشْرة سنَة، وبينه وبين آخر اختلافٌ في حديث، فلما بَصُرَ بي الحُمَيْدِيُّ، قال: جاء مَنْ يفصِلُ بيننا. فعرضا عليَّ، فقضيتُ للحُميديِّ، وكان الحقُّ معه.
* ما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به.
* ما اغتبتُ أحدًا قطُّ منذ علمت أن الغيبة حرام.
* إنِّي لأرجو أن ألقى اللهَ ولا يحاسبُني أنِّي اغتبت أحدًا من هذه الأمة.
* ما أتيتُ شيئًا بغير علم قطُّ منذ عقلت.
* ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأتُ بحمد الله تعالى والثناء عليه ..
* وقال لورَّاقه محمد بن أبي حاتم، بعد ما أملى عليه كثيرًا من الحديث وخشي أن يكون قد ملَّ: طِبْ نفْسًا، فإن أهل الملاهي في ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجار في تجاراتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
* ذكر عمر بن مجاهد أنه دخل على محمد بن سَلَامٍ البِيكَنْدِيِّ (-225) بعد انصراف البخاري، فقال له: لو جئت قبل ذلك لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألفَ حديثٍ. قال:
فخرجت في طلبه حتى لحقتُه، وسألته:
- أنت الذي يقول: إني أحفظ سبعين ألف حديث؟ فأجاب البخاري:
- نعم، وأكثر. ولا أحدِّثك بحديثٍ عن الصحابة والتابعين إلا عرَّفتُكَ مولدَ أكثرهم، ووفاتَهم، ومساكنَهم. ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصلٌ أحفظه حفظًا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ومن جواهر كلام الإمام البخاري هذه النصيحة التي نصح بها أبا العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمذاني، وهذه قصتها كما ساقها الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المِزِّيُّ (654 - 742) في تهذيب الكمال: عن أبي المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن إبراهيم بن الفضل البخاري، قال: لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمذاني عن قضاء الري، ورد بخارى سنة ثماني عشرة وثلاث مائة لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل محمد بن عبيد الله البلعمي، سماه أبو الحسن التميمي، فنزل في جوارنا، قال: فحملني معلمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الختلي إليه. وقال له: أسألك أن تحدث هذا الصبي بما سمعت من مشايخك رحمهم الله، فقال: مالي سماع، قال: فكيف وأنت فقيه، فما هذا؟ قال: لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إِلَى طلب الحديث، ومعرفة الرجال، ودراية الأخبار، وسماعها، فقصدت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ ، ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في معرفة الحديث، فأعلمته مرادي وسألته الإقبال علي بذلك. فقال لي: يا بني، لا تدخل في أمر إِلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره. قال: فقلت له.: عَرِّفني حدود مَا قصدت له ومقادير مَا سألتك عنه. قال:
"اعلم أن الرجل لا يصير محدثًا كاملًا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعًا، مع أربع.،
كأربع، مثل أربع، في أربع، عند أربع، بأربع، على أربع، عن أربع، لأربع. وكل هذه الرباعيات لا تتم له، إلا بأربع، مع أربع. فإذا تمت له كلها هان عليه أربع، وابتلي بأربع. فإذا صبر على ذلك أكرمه الله في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع.
أما الأربعة التي تحتاج إلى كتابتها فهي:
أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرائعه، والصحابة ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم. مع أسماء رجالهم، وكناهم، وأمكنتهم، وأزمنتهم. كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع الترسُّل، والبسملة مع السورة، والتكبير مع الصلوات .. مثل المسندات.، والمرسلات، والموقوفات، والمقطوعات. في صغره. وفي إدراكه، وفي كهولته، وفي شبابه. عند فراغه، وعند شغله، وعند فقره، وعند غناه. بالجبال، والبحار، والبلدان، والبراري. على الأحجار، والأصداف، والجلود، والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق. عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه.، وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره .. لوجه الله تعالى طالبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله منها، ولنشرها بين طالبيها ومجتنيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده.
ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع من كسب العبد أعني: معرفة الكتابة، واللغة، والصرف، والنحو. مع أربع هي من إعطاء الله تعالى أعني: القدرة، والصحة، والحرص.، والحفظ.
فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع: الأهل، والولد، والمال، والموطن. وابتلي بأربع: شماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء ..
فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله في الدنيا بأربع: بعز القناعة، وبهيبة النفس، ولذة العلم، وحياة الأبد. وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، ويسَقي من أراد من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم.، وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة.
فقد أعلمتك يَا بني مجملًا جميع ما كنت سمعت من مشايخي متفرقًا في هذا الباب، فأقبلِ الآن على ما قصدتني له، أو دع".
قال: فهالني قوله وسكتُّ متفكرًا، وأطرقت نادمًا، فلما رأى ذلك مني قال:"فإن لا تطق احتمال هذه المشاق كلها فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلُّمه وأنت في بيتك قارٌّ ساكنٌ، لا تحتاج إلى بُعد الأسفار وطي الديار وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث.، وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة، ولا عزه بأقل من عز المحدث".
فلما سمعت ذلك نقض عزمي في طلب الحديث، وأقبلت على علم ما أمكنني من علمه بتوفيق الله ومَنِّه، فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبي يا أبا إبراهيم.
فقال أبو إبراهيم: إن هذا الحديث الذي لا يوجد عند أحد غيرك خير من ألفٍ حديث يوجد مع غيرك.