المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم اللحن عند قراءة الحديث: - المدخل إلى صحيح البخاري

[محمد أبو الهدى اليعقوبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌تمهيد في وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌الفصل الأول: التعريف بالإمام البخاري

- ‌اسمُ البخاري ونِسبتُه:

- ‌تاريخ ولادة البخاري:

- ‌أصلُ البخاري:

- ‌والدُ البخاري:

- ‌ام البخاري

- ‌أسرة البخاري:

- ‌طلبُ البخاريِّ للعلم:

- ‌1. كتب الإمام عبد الله بن المبارك (118 - 181):

- ‌2. كتب الإمام وكيع بن الجراح (129 - 197):

- ‌رحلات البخاري:

- ‌شيوخ البخاري:

- ‌نبوغ البخاري:

- ‌حفظ البخاري:

- ‌امتحان علماء بغداد للبخاري:

- ‌علم البخاري بالعربية:

- ‌تصدر البخاري للتحديث:

- ‌شهرة البخاري:

- ‌تلاميذ البخاري:

- ‌وَرَّاقُ البخاري:

- ‌مُسْتَمْلي البخاري:

- ‌مذهب البخاري في الفقه:

- ‌مذهب البخاري في الاعتقاد:

- ‌صفة البخاري:

- ‌أخلاق البخاري:

- ‌محنة البخاري في نيسابور:

- ‌آثار المحنة:

- ‌محنة البخاري في بلده:

- ‌ثروة البخاري:

- ‌مقتنيات البخاري:

- ‌البخاريُّ والرماية:

- ‌مؤلفات البخاري:

- ‌وفاةُ البخاري:

- ‌الخلفاء العباسيون الذين عاصرهم البخاري:

- ‌الفصل الثاني: ثناء العلماء على الإمام البخاري

- ‌الفصل الثالث: من أقوال الإمام البخاري

- ‌الفصل الرابع: التعريف بالجامع الصحيح

- ‌العنوان التام للجامع الصحيح:

- ‌معنى الجامع وموضوعاتُه:

- ‌سبب تأليف الجامع الصحيح:

- ‌وقت ابتداء تأليف الجامع الصحيح:

- ‌النسخة الأصلية للجامع الصحيح:

- ‌هل استوعب البخاري جميع الصحيح:

- ‌حرص البخاري في الجامع الصحيح:

- ‌شرط البخاري في الجامع الصحيح:

- ‌كيف وصل إلينا الجامع الصحيح:

- ‌منهج البخاري في تبويب الجامع الصحيح:

- ‌تراجم أبواب الجامع الصحيح:

- ‌ أمثلةٌ من تراجم أبواب البخاري:

- ‌بداية الجامع الصحيح:

- ‌آخر الجامع الصحيح:

- ‌أسانيد البخاري في الجامع الصحيح:

- ‌استحالة الخطأ في الجامع الصحيح:

- ‌الجهة الأولى الفرق بين كلام البخاري وكلام النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الجهة الثانية: الفرق بين العصمة والإتقان:

- ‌حكمة تكرار الأحاديث:

- ‌الأحاديث المُعَلَّقةُ:

- ‌المتابَعات:

- ‌الانتقاد على البخاري:

- ‌رجال صحيح البخاري:

- ‌طبقات الرواة:

- ‌موقف البخاري من آل البيت النبوي:

- ‌موقف البخاري من الشعر:

- ‌إحصاءات في الجامع الصحيح:

- ‌أهم مختصرات الجامع الصحيح:

- ‌أهم شروح الجامع الصحيح:

- ‌الفصل الخامس: ثناء العلماء على الجامع الصحيح

- ‌الفصل السادس: روايات الجامع الصحيح

- ‌رواية إبراهيم بن معقل النسفي:

- ‌رواية حماد بن شاكر النسفي:

- ‌رواية البَزْدَوِي:

- ‌رواية الفربري:

- ‌أشهر تلاميذ الفربري:

- ‌أشهر أصول الجامع الصحيح:

- ‌سبب اختلاف روايات الجامع الصحيح:

- ‌الفصل السابع: النسخة اليونينية

- ‌المبحث الأول: ترجمة اليونيني

- ‌المبحث الثاني: وصف النسخة اليونينية

- ‌المبحث الثالث: مكان النسخة اليونينية:

- ‌المبحث الرابع: أشهر فروع النسخة اليونينية:

- ‌1. نسخة شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (-733)

- ‌2. نسخة الغزولي: وهو شمس الدين محمد بن أحمد المقرئ الغزولي (697 - 777)

- ‌3. نسخة المتصوف: وهو محمد بن إلياسَ بنِ عثمانَ المتصوفُ

- ‌4. نسخة البصري: وهو الإمام عبد الله بن سالم البصري المكي (-1134)

- ‌المبحث الخامس: مقدمة النسخة اليونينية

- ‌نص مقدمة اليونيني

- ‌الفصل الثامن: الطبعة السلطانية لصحيح البخاري

- ‌تمهيد في أهم الطبعات قبل الطبعة السلطانية

- ‌1. طبعة بومبي في الهند

- ‌2. الطبعة الحجرية سنة 1279 بالمطبعة المصرية

- ‌3. طبعة دار الطباعة العامرة في بولاق

- ‌5. طبعة بولاق سنة 1296

- ‌6 - 1307.6.طبعة المطبعة البهية للسيد محمد مصطفى

- ‌7. طبعة دار الطباعة العامرة في إستنبول

- ‌المبحث الأول: التعريف بالطبعة السلطانية

- ‌الطبعة الأميرية سنة (1314 - 1315):

- ‌ترجمة النص الأول:

- ‌المبحث الثاني: جدول رموز الطبعة السلطانية

- ‌المبحث الثالث وثائق الطبعة السلطانية

- ‌ختم الوقف السلطاني:

- ‌تقرير شيخ الإسلام

- ‌تقرير شيخ الأزهر

- ‌قصيدة الشيخ سليمان العبد

- ‌مقدمة المصححين

- ‌المبحث الرابع: تصحيحات الطبعة السلطانية

- ‌المبحث الخامس: تراجم المعتنين بالطبعة السلطانية

- ‌السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌العلماء الذين اشتغلوا بمقابلة الطبعة السلطانية

- ‌1. الشيخ حسونة النواوي

- ‌2. الشيخ سليم البِشري:

- ‌3. السيد علي الببلاوي:

- ‌4. الشيخ أحمد الرفاعي:

- ‌5. الشيخ إسماعيل الحامدي

- ‌6. الشيخ أحمد الجيزاوي

- ‌7. الشيخ حسن العِدْوي

- ‌8. الشيخ سليمان العبد

- ‌901.9.الشيخ يوسف النابلسي

- ‌ 1316.10.الشيخ بكري عاشور

- ‌11. الشيخ عمر الرافعي

- ‌ 1313.12.الشيخ محمد حسين الأبريري

- ‌13. الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي

- ‌ 1322.14.الشيخ هارون عبد الرازق

- ‌15. الشيخ حسن الطويل

- ‌16. الشيخ حمزة فتح الله

- ‌17. السيد محمد غانم

- ‌18. عبد السلام باشا المويلحي

- ‌المصححون للطبعة السلطانية

- ‌1. السيد محمد الحسيني

- ‌2. الشيخ محمود مصطفى

- ‌من تآلفيه وتحقيقاته النفيسة:

- ‌3. الشيخ نصر العادلي

- ‌4. محمد بن علي المكاوي

- ‌وهذا نص مقدمة تصحيحاته للطبعة السلطانية:

- ‌المندوب العالي للسلطان بمصر أحمد مختار باشا

- ‌شيخ الإسلام محمد جمال الدين أفندي

- ‌أعضاء لجنة التدقيق في إستنبول

- ‌1. عبد القادر راشد أفندي:

- ‌2. إسماعيل حقي أفندي:

- ‌3. أحمد عاصم أفندي:

- ‌4. حسن حلمي أفندي:

- ‌الفصل التاسع: اعتناء المسلمين بالجامع الصحيح

- ‌خدمة الجامع الصحيح بالمؤلفات:

- ‌ختم الجامع الصحيح في رمضان:

- ‌قراءة الجامع الصحيح عند الخطوب:

- ‌وَلَعُ العلماء بقراءة الجامع الصحيح:

- ‌رواية الصغار لصحيح البخاري:

- ‌رواية النساء لصحيح البخاري:

- ‌كرسي صحيح البخاري:

- ‌جيش البخاري:

- ‌إقبال العوام على صحيح البخاري:

- ‌اهتمام السلاطين بصحيح البخاري:

- ‌الفصل العاشر: فوائد سماع كتب الحديث

- ‌1. اتصال السند:

- ‌2. تقوية الحفظ:

- ‌3. ضبط متون الأحاديث:

- ‌4. ضبط أسماء الرواة:

- ‌5. الاستزادة من العلم:

- ‌6. الاطلاع على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7. كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌8. سماع الحديث طاعة:

- ‌9. الحصول على الإجازة:

- ‌10. التدرب على الصبر:

- ‌الفصل الحادي عشر: آداب رواية الحديث

- ‌فضيلة الأدب:

- ‌آداب طلب العلم:

- ‌آداب مجالس الحديث:

- ‌أهمية ضبط القراءة:

- ‌قواعد الضبط والتصحيح:

- ‌آداب المُعيد:

- ‌خطبة درس صحيح البخاري:

- ‌كتابةُ السماع:

- ‌1. بداية السماع:

- ‌2. اسم السامع:

- ‌3. اسم المُسْمِعِ:

- ‌4. عنوان الكتاب المسموع:

- ‌5. المقدار المسموع:

- ‌6. ضبطُ الفَوت:

- ‌7. مكان السماع:

- ‌8. القارئ:

- ‌9. عدد مجالس السماع:

- ‌10. تاريخ السماع:

- ‌11. السامعون:

- ‌12. حال السامع وقت السماع:

- ‌13. خط الشيخ:

- ‌كتابة البلاغات:

- ‌كتابة الطباق:

- ‌الإجازة:

- ‌حكم اللحن عند قراءة الحديث:

- ‌الفصل الثاني عشر: الأسانيد إلى الجامع الصحيح

- ‌الإسناد المعتمد:

- ‌تعليقات على الإسناد:

- ‌الإسناد الثاني من طريق الكزبري:

- ‌الإسناد الثالث من طريق قريشَ الطبرية:

- ‌الإسناد الرابع من طريق أبي الفتح المِزِّي:

- ‌الإسناد الخامس للنسخة اليونينية من طريق الروداني:

- ‌الإسناد السادس للنسخة اليونينية من طريق القسطلاني:

- ‌الإسناد السابع إسناد المغاربة برواية ابن سعادة:

- ‌أسانيدنا بالجامع الصحيح إلى أعلام المحدثين

- ‌أبو المحاسن القاوقجي (-1305):

- ‌عبد الغني المجددي (1235 - 1296):

- ‌محمد بن علي السنوسي (1202 - 1276):

- ‌إبراهيم بن عبد القادر الرياحي (-1266):

- ‌عبد الرحمن بن محمد الكزبري (-1262):

- ‌محمد عابد السندي (-1257):

- ‌ابن عابدين (-1252):

- ‌عبد الرحمن بن سليمان الأهدل (-1250):

- ‌محمد بن علي الشوكاني (1173 - 1250):

- ‌الأمير الكبير (-1232):

- ‌عبد الله بن حجازي الشرقاوي (-1227):

- ‌صالح بن محمد الفُلَّاني العمري (1166 - 1218):

- ‌السيد مرتضى الحسينيُّ الزَّبيديُّ (-1205):

- ‌شمس الدين السفاريني (-1188):

- ‌ولي الله الدهلوي (-1176):

- ‌شهاب الدين المَنيني (-1172):

- ‌إسماعيل بن محمد العجلوني (-1162):

- ‌ابن عقيلة المكي (-1150):

- ‌عبد الله بن سالم البصري (-1134):

- ‌برهان الدين الكوراني (-1101):

- ‌عبد الباقي الحنبلي (-1071):

- ‌ابن غازي المكناسي (-919):

- ‌الحافظ الإمام جلال الدين السيوطي (-911):

- ‌الحافظ العسقلاني (-852):

- ‌محمد بن جابر الوادي آشي (-749):

- ‌ابن خير الإشبيلي (-575):

- ‌القاضي عياض بن موسى (-544):

- ‌الملحق: دعاء ختم البخاري

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌حكم اللحن عند قراءة الحديث:

ولما كان من عادة المشايخ الإجازة في مجالس الختم فإن على كاتب السماع والطباق أن يشير إليها باختصار غيرِ مُخِلٍّ، فيذكر اسم المجيز، ونوع الإجازة، ومن دخل فيها. فيكتب مثلًا:"وأجاز لي روايته"، أو:"وأجاز للحاضرين عامة مروياته". ومن عادة العلماء الإجازة العامة في مجلس الختم للحاضرين.

‌حكم اللحن عند قراءة الحديث:

ازدادت في المدة الأخيرة بين طلبة العلم الرغبة في طلب الأسانيد والإجازات وسماع كتب الحديث، وهو أمرٌ حسنٌ، يُعدُّ إحياءً لعلم الرواية والإسناد في عصر صار الغالب على طلاب الشريعة فيه أخذ العلم من الجامعات والإنترنت. وازداد معه تعلق الطلبة بالإجازات، مع إهمال طلب علوم الآلات، وصارت الإجازات سلَّمًا للشهرة، وادعاء أهلية العلم، وهو خلاف ما عليه العلماء. قال العلامة أبو العباس أحمد بن علي البوسعيدي الهشتوكي (-1046):

"الحاصل أن مطلق الإجازة عندهم لا يدل على الإتقان.، ولا على الدراية، وإنما توسعوا مجازًا، إعادةً وإدماجًا لمن حصَّل الشرطَ ولو بعد حين". وقال الحافظ أبو طاهر السِّلفي في الوجيز مبيِّنًا شرط الأداء: "ولكن الشرط فيه المبالغة في الضبط والإتقان، والتوقي من الزيادة والنقصان".

فالمُجيز بالرواية لا يُشترط في صحة إجازته أهليته بمعرفة اللغة والنحو والصرف وغيرها من العلوم، فتصح الإجازة من عاميٍّ لمثله.، لأنها إذنٌ بالرواية، لا يشترط فيها إلا العدالة، لكن السماع لا يصح إلا على من وُجدت فيه أهلية الضبط لتمييز الخطأ من الصواب في العربية ليتجنَّب اللحن إذا قرأ الحديث، أو قُرئ عليه.

فإذا أراد المجيز أن يُسمع كتابًا سواء تحمله بالسماع أو الحضور حال الصغر أو تحمله

ص: 246

بالإجازة فلا بد له من تحقيق شرط الضبط والإتقان عند الأداء، وإلا لم يصح أداؤه.، ولم يصح سماع من سمع منه، لغياب شرط الضبط، ولما ينتج عن ذلك من الخطأ والتحريف في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة الشيخ عبد الهادي الأبياري في شرح مقدمة القسطلاني: "ينبغي للشيخ أن لا يروي الحديث بقراءة لحَّانٍ أو مصحِّفٍ، فقد قال الأصمعي: أخوفُ ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يَدخل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمهما رويتَ عنه ولحنتَ فيه كذبتَ عليه" .. وقال العلامة الأبياريُّ أيضًا: "وينبغي لطالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يَسلم به من اللحن والتحريف. وقال شعبةُ: مثل الذي يطلب الحديث بلا عربية كمثل رجل عليه بُرْنُسٌ ولا رأسَ له".

وقد اشتهرت فتوى للإمام قاضي سِجِلْمَاسَةَ عبد الملك بن محمد التاجَمُّوعْتِيِّ (-1118) في حكم قراءة صحيح البخاري بالخطأ واللحن أجاب بها على استفتاء أرسل به إليه العلامة أحمد بن عبد القادر التستاوي المغربي (-1127) سنة ألف وست وتسعين، استشهد بما جاء فيها عدد من علماء المغرب، وهي في كتاب نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر للتستاوي نفسه، وهو مخطوط في خزانتنا، نسوق منها ما يتعلق بالغرض. قال العلامة التستاوي:

"أما بعد، أصلح الله شانك، وبالهداية والتوفيق زانك، فإنا رأينا أناسًا في قرى البادية يحرصون على قراءة الجامع الصحيح للبخاري، ويرون ذلك من تعظيم شعائر الله، وهم لا يعرفون ما يلزمهم في دينهم، وإن رأوا مجلس فقه يتعلمون منه أمر دينهم لا يعبأون بذلك، ويرون الحُرمةَ لقارئه سواء كان من أهل ذلك الشان إلخ.

ص: 247

فأردنا منك أن تبين للناس ما نُزِّل إليهم، وما تقرر عند العلماء لعلهم يتذكرون.

وهل جاهلٌ بالعربية يُقدَّم لذلك، أم لا؟

وما الحدُّ الذي يكفيه، ولا بد منه؟

وهل يحرم الاستماع له، أم لا؟

وهل يتعين على الفقيه نُصح من أراد قراءته وحضوره من العامة، أم لا؟

وهل يلزمه أن يأمرهم بالكتب التي يتعلمون منها فرائضهم كالرسالة أو غيرها، ولا يساعدهم فيما لا ينبغي شرعًا؟

وهل فاعل ذلك وهو يعلم من نفسه الجهل متجاسرٌ بالمنصب النبوي؟

وهل يتعين على قاضي البلد زجرُهم وحملُهم على ما ينبغي شرعًا، أم لا؟

بَيِّن لنا ذلك كله، وابسطه بسطًا يليق بنا، وامزج كلامك بمقامع موافقة للحق، يعرف منها الجاهل قدره، ولا يتعدَّى طوره".

ومما جاء في الجواب: "الجواب والله ولي التوفيق: أن قراءة الجامع الصحيح لأمير المؤمنين سيدي أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي بقصد التيمُّن والتبرك بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، والتفقه فيه والتفطن لمآخذ الأئمة ومدارك أقوالهم بقدر الاستطاعة لا بقصد الاستنباط - إذ هو شيء مفروغٌ منه تولاه النُّقَّاد من الأئمة المجتهدين كالإمام مالك وأصحابه كالشافعي وصاحبه الإمام أحمد والإمام النعمان أبي حنيفة وغيرهم - من أفضل القربات وأعمال البر لمن يتقن ذلك ويُحسنه نحوًا ولغةً وأخذًا من أفواه علماء هذا الشان، لا من الكتب من غير تدريب المشايخ.

ص: 248

وقد سُئل الإمام الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك عمن يتصدر لتعاطي الحديث الشريف وقراءته وهو يعلم من نفسه أنه لا يُحسن فأجاب: بأنه داخلٌ تحت وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليَّ متعمدًا» ، وهو حديث متواترٌ، وهو ظاهرٌ ضرورةً [فيمن] علم من نفسه عدم الأهليه لذلك ثم أقدم عليه جراءةً وتعمُّدًا. اللهم سَلِّمْ، اللهم سلِّمْ" .. ثم قال في آخر الجواب:

"والمقدم على قراءة البخاري جراءةً وجسارةً - وهم غالب أهل وقتنا، ما أقلَّ حياءَهم - من غير تحصيل أدواته، والأخذِ عن أهله، لا يحلُّ الجلوس ولا الإيواء إليه، ولا سماع ذلك، خشية أن يحملَ عنه شيئًا على غير وجهه.، فيكون مثلَه إذا حدَّث به، وهو ممن لا أهلية فيه كذلك. وينبغي بل ويجب على من يُسمع منه زجر من لا أهلية ولا قابلية فيه عن تناول ذلك وتعاطيه والتصدُّر به، وأدبُه إن لم ينتهِ بما يراه كافيًا في حقِّه من السجن وغيره".

والاعتماد في ذلك على إجازة الشيوخ مجردةً عن تحصيل ما لا مَنْدُوحَةَ عنه من الأدوات، ومعرفة مصطلح أهل هذا الشان اغترارٌ وجهالةٌ بتعليق المجيزين ذلك على الشرط المعتبر عند أهل الأثر، وبالضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه

".

وقال بعد كلامٍ نقلناه قبل: "والحاصلُ أن تناول المجترئين على الله ورسوله صحيحَ البخاري وقراءَته لتحصل لهم الجلالة والمَهابةُ في عيون العامة وقلوبها بالبادية وغيرها سببٌ في خراب الديار وقِلَّة العمران. ولقد شاهدنا كثيرًا من البلدان كان يُقرأ فيها على غير وجهه قد خربت [واندثرت]، وكيف لا وهو عماد الدين وقول سيد المرسلين، [ففي] تحويله وتحريفه تخريب له، وكذلك كان الجزاء جزاءً وِفاقًا.

ص: 249