الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتعلمون منه أمر دينهم لا يعبأون بذلك، ويرون الحُرمةَ لقارئه سواء كان من أهل ذلك الشان إلخ".
وجاء في جواب العلامة التاجَمُّوعْتِيِّ ما يؤكد انتشار قراءة صحيح البخاري في البوادي.: "وقد عمَّتِ البلوى وخصوصًا في قرى البوادي ومداشرها بتجاسُر الطلبة الذي يشارطونهم للائتمام بهم والنيابة في فصل بعض القضايا الشرعية بينهم على قراءة صحيح البخاري، ويرون الإمساك عن قراءته في شهر رمضان حسبما تقرر بذلك العرف في شهر رمضان بالديار المغربية نقصًا في حقهم، وغضًّا من منصبهم، فيُقْدمون على ما لا يحسنون ويبوؤون بعظيم".
وسيأتي الاستفتاء والجواب في موضعهما بإذن الله تعالى، عند التحذير من اللحن في قراءة الحديث. وقد نقلنا السؤال والجواب من نسخة خطية في خزانتنا من كتاب نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر للعلامة التستاوي.
اهتمام السلاطين بصحيح البخاري:
ويتجلى اهتمام السلاطين بصحيح البخاري في عدة مظاهر، منها تكليف النساخ والمذهِّبين والمسفِّرين بكتابة أجمل نسخ صحيح البخاري، ليضعوها في خزائنهم. ومنها ما تقدم من تعيين كراسي صحيح البخاري. ومنها الاهتمام بقراءة صحيح البخاري، وعقد المجالس لذلك في القصور، ويأتي ملوك المغرب في طليعة ملوك الإسلام في هذا المجال، ولا يزالون يحافظون على عادة قراءة الصحيح في قصورهم، وعادة حمل صحيح البخاري في أسفارهم، ولا تعجب إذا علمت أنه ربما يكون من أهم أسباب نجاة الملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى من الموت عند قيام الانقلابيين بقصف طائرته، أنه كان يحمل معه نسخة من صحيح البخاري.
ومن هذه الأمثلة: لما أتمَّ السلطان الحسن الأول (-1311) رحمه الله تعالى بناء قصر الرباط وأراد افتتاحه أقام احتفالًا عظيمًا تم فيه ختم صحيح البخاري. ولما أراد الاحتفال بعيد الفطر سنة 1290، أقام احتفالًا مَهيبًا ختم فيه صحيح البخاري، وحضره العلماء والأعيان، وقد ألقيت فيه بهذه المناسبة أكثر من خمسين قصيدة.
ولما خرجت المسيرة الخضراء سنة 1395 لاسترجاع الصحراء المغربية أمر الملك الحسن الثاني (1348 - 1420) رحمه الله تعالى بعقد مجالس صحيح البخاري رجاء بركته، فتم ختم الصحيح مئات المرات في جميع أنحاء المغرب في مدة وجيزة.
ولا يزال صحيح البخاري يُقرأ في المغرب كل عام في رمضان في معظم مساجد المغرب الكبرى في سائر المدن، ويختم ليلة القدر، ويحضر أمير المؤمنين الملك محمد السادس مجلس الختم، حيث يقوم أحد كبار العلماء من الذين قرأوا الصحيح خلال الشهر بختم الصحيح بين يدي الملك، فيشرح حديث الختم فيه، ويشتغل الحاضرون بالتسبيح والتهليل والدعاء. وهي سنةٌ حميدة اندثرت في العديد من البلاد الإسلامية، وبقي المغرب متمسكًا بها محافظًا عليها، وما هي إلا إحدى مآثر ملوك الدولة العلوية المجيدة.