الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بداية الجامع الصحيح:
قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاريُّ رحمه الله تعالى آمين:
"بسم الله الرحمن الرحيم. باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولُ الله جلَّ ذكره {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [سورة النساء: 163] " ..
حدثنا الحُميدي عبد الله بن الزبير قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيميُّ أنه سمع علقمةَ بن وقَّاصٍ الليثيَّ يقول.: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها أو إلى امرأة يَنكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه» ".
ابتدأ البخاري كتابه الجامع الصحيح بموضوع بدء الوحي، وفي هذا الابتداء حكمة دقيقة، تدل على بعد نظره، ومعرفته بطرائق الاستدلال وتأسيسه لمناهج التأليف. فبما أن الكتاب يتعلق بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فإن أول ما يجب من المقدمات هو إثبات نبوة صاحب هذه الأحاديث وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان الأدلة على صدقه. وهذا ما فعله الإمام البخاري في هذا الباب، حيث ساق الأحاديث التي تصف بدء نزول الوحي.، وفيها شهادة زوجه السيدة خديجة رضي الله عنها له، وشهادة ورقة بن نوفل له.، ووصف حاله عند نزول الوحي عليه، وشهادة قومه له بالصدق في حديث هرقلٍ.
ثم جعل أول حديث في هذا الباب حديث النية، وهو حديث لا صلة له بموضوع بدء الوحي، تيمنًا بهذا الحديث، ولبيان وجوب تصحيح النية قبل الشروع في طلب العلم، وللإشارة إلى أنه لم يشتغل بتأليف هذا الصحيح إلا بنية خالصة لله تعالى، وأخيرًا
ليكون كالمقدمة له بين يدي كتابه. وذلك أنه لم يكن من عادة المؤلفين في القرون الأولى وضع مقدمات للكتب التي يؤلفونها، لكن الإمام البخاري جعل حديث «إنما الأعمال بالنيات» كالمقدمة لكتابه .. وقد عمل الإمام البخاري بقول الإمام عبد الرحمن ابن مهدي (135 - 198): "من أراد أن يؤلف كتابًا فليبدأ بحديث «إنما الأعمال بالنيات» . وفي جعل الحديث في موضع المقدمة تخلُّصٌ من أن يبدأ بكلام من عنده كتابًا خاصًّا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقدم قوله على قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وأول شيخ روى عنه البخاري في الصحيح هو عبد الله بن الزُّبير الحُميدي القرشي (-219) روى عنه حديث النية هذا. والسبب في تقديمه للرواية عنه ما يجب له من الإجلال من بين شيوخه لأنه قرشيٌّ، فأراد البخاري أن يعمل بالحديث النبوي صلى الله عليه وسلم:«قدموا قريشًا ولا تَقَدَّمُوها» . [أخرجه البيهقي]، وهي علة سياقته للحديث مختصرًا.
ومن المعاني الخفية التي أرادها البخاري من سياق هذا الحديث بإسناد شيخه الحميدي.، مع أن الحديث غير تام، وإسناده سُداسي نازلٌ، أن في هذا الإسناد تصريحًا من كل راوٍ بالسماع من شيخه، وليس فيه عنعنة، [أي عن فلان عن فلان مما قد يوهم عدم السماع]. والبخاري يُلْمِحُ بذلك إلى أن الأصل في الرواية هو التصريح بالسماع، فإذا عدَل الراوي عن السماع إلى العنعنة، فلا بد من النظر في حديثه والبحثِ عن ثبوت سماعه من شيخه. وهذا باب من العلم كان البخاري إمامًا فيه، قد حرره أحسن تحرير، فلم يَروِ في أصل كتابه حديثًا فيه عنعنة إلا وقد ثبت عنده فيها السماع. فكأنه أراد أن يقول في مقدمة الكتاب: إن كلَّ ما أسوقه في هذا الكتاب مما ليس فيه تصريح بالسماع قد ثبت عندي سماع راويه له. وليس الكلام في المتابعات والشواهد والمعلقات، فإنها ليست مقصود الإمام البخاري في الصحيح.