الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تكاد تسمع باسم ثالث". وهذا يشير إلى مكانة هذا الرجل في العلم والحفظ والتحقيق، وناهيك باقترانه بالعلامة الشهير الشيخ محمد محمود بن التلاميذ الشنقيطي التُّركُزي (1245 - 1322).
ويظهر من المقدمة التي قدم المكاوي بها لجدول الخطأ والصواب الذي أصدره للطبعة السلطانية أنه لم يكن مصححًا بالمطبعة الأميرية.، خلاف ما شاع، وإنما كان من المشتغلين بإقراء صحيح البخاري، المتمكنين فيه.
وذكر في جدول الخطأ والصواب للطبعة الثانية في بولاق المشتهرة عند أهل مصر بالطبعة الفاكهاني أنه اشتغل أيضًا بتصحيح صحيح مسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي، ووصف نفسه في الطرة بخادم الحديث في مصر. لذلك لا يُستغرب بعد هذا حديثُ السيد محمد رشيد رضا السابق عنه.
وقول السيد محمد رشيد رضا بأنه توفي قريبًا، قاله وقت صدور العدد الثاني من المنار، وذلك في يوم السبت 26 ربيع الثاني سنة 1317، مما يفيد بأن وفاة الشيخ محمد المكاوي كانت قبيل هذا التاريخ بوقت يسير.
وهذا نص مقدمة تصحيحاته للطبعة السلطانية:
"الحمد لله الذي حفظ الشريعة المحمدية من التغيير والتبديل مدى الأيام، ووفق من أراده لتجديدها في كل زمان من العلماء الأعلام، فبذلوا الوُسع في ضبطها في القديم والحديث، وألفوا الدواوين في أحكامها من الفقه والحديث. أحمده حمدًا متواترًا على الدوام، وأشكره على ما أسبغ على خادمي السنة من مسلسل الإنعام. وأصلي وأسلم على سيدنا محمد المرفوع الرتبة على جميع الأنام، وعلى آله وصحبه الذين شيدوا أركان دين
الإسلام، وبعد فيقول المرتجي محو المساوي محمد بن علي بن محمد بن عليٍّ الشهيرُ بالمكاوي، الجُدِّيُّ مولدًا، المصري إقامةً، الحنفي مذهبًا، الخلوتي طريقةً:
إنه لما تعلقت إرادة مولانا أمير المؤمنين، مولى ملوك العرب والعجم، خادم البيت والحرم، صاحب السيف والقلم، مولانا السلطان ابن السلطان، السلطان عبد الحميد خان الثاني، أيد الله الإسلام بشوكته، ومتع المسلمين بإعلاء كلمته، بطبع صحيح البخاري بالمطبعة المصرية، الكائنة ببولاق مصر المحمية، وقفًا للمسلمين على نفقته، إحسانًا من لدن جلالته، قد دعاني صاحب الدولة والإقبال، والمهابة والإجلال، المبيد العدا بسيفه البتار، الغازي أحمد باشا مختار، أن أباشر الطبع مع علماء التصحيح، لما لي من الاطلاع على متن البخاري الصحيح. فلشهرتهم في التصحيح وما يتعلق به من الفنون، قد وثقتُ بهم في ضبط هذا الكتاب المصون.
وقد كان ولله الحمد والمنة، بذلوا الوسع وجَدُّوا واجتهدوا أثابهم الله الجنة، حتى أتمُّوا طبعه مشكولًا مطرَّزًا بالحواشي البديعة المثال، المحتوية على ما لرواة البخاري من الخلاف وصحيح الأقوال. فجاء بحمد الله على ألطف شكل وأحسن بيان، حتى فاق أصوله في الصحة والإتقان.
ثم بعد انتهاء الطبع والحصول عليه، قد استصوب حضرة الغازي المشار إليه أن يعاد نظره بالجامع الأزهر المصون، لعلوِّ مكانة مشايخه في العلوم والفنون، فأرسل نسخة منه لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير، المحقق المدقق العالم النحرير، المغترف من العلوم بالمنهل العذب الراوي، العلامةِ الشيخ حسونةَ النواوي، شيخ الجامع الأزهر، ومفتي الديار، نفع الله بعلومه ما تعاقب الليل والنهار. فجمع ثمانية عشر عالمًا من الأساتذة، من رؤوس العلماء المحققين الجهابذة، فجمعوا المتون والشروح
والفهارس، وقرأوا الكتاب من أوله إلى آخره في عدة مجالس، وما عثروا عليه من التحريف والغلط، جُمع في جدول على أحسن نمط، وطُبع مع الكتاب، ليستفيد منه المحدثون والطلاب.
ولما كان العبد الفقير معتادًا قراءة البخاري لنصرة الإسلام، ولإصلاح ولاة الأمور والحكام، قد قرأته بالنسخة السلطانية المشار إليها، لأنها صارت في بلاد الرسلام المعول عليها، بعد قراءة السادة الززهريين، الراسخين في العلم والتمكين، فوجدت فيها من التحريف جملة وافرة. فأداءً لأمانة العلم ولما أعد الله تعالى لذلك في الآخرة، قد جمعتها في هذا الجدول لإلحاقه بالكتاب لأنه صار كَلُبِّ اللباب.
وقد عارضته على شيخ الشيوخ العلامة، الحبر البحر الفهامة، الحافظ المتقن المُجيد، مربي الطلاب بهديه وعلمه المفيد، من انتهت إليه رئاسة العلوم في هذا الزمان، وفاق في جميع الفنون الرؤوس والأقران، الأستاذ الشيخ سليم البِشري شيخ السادة المالكية، نفع الله به وبعلومه آمين، وراجعته فيه من أوله إلى آخره، وما كان فيه احتمالٌ أو تأويل حذفته منه فرارًا من التطويل.
وبعد تهذيبه وتنقيحه، قدمته للغازي ليأمر بما يراه في أشنه، فاطلع على ما حواه من أصول وفروع، ولمَّا أحاط به ووافقه ذلك المشروع، أمر بطبعه لتَعُمَّ الفائدة، إذ ما من عائدة إلا وفيها فائدة. فامتثلت أمره وله في ذلك الفضل، وطبعت منه عِدَّةً زُهاء الأصل، على نفقتي ولله المنة، راجيًا منه أن يثيبني بالجنة، بغير حسابٍ مع السابقين، ولعلي أُدرج في طائفة المحدِّثين، نقلة حديث خير الأنام، وقد يُكرم الطفيليُّ في ساحة الكرام. جعله الله خالصًا لوجهه الكريم، ونافعًا للأمة من فيضه العميم".