الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: التعريف بالجامع الصحيح
العنوان التام للجامع الصحيح:
الجَامِعُ المُسْنَدُ الصَّحِيحُ المُخْتَصَرُ مِنْ أُمُورِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَنِهِ وَأيَّامِهِ. وهذا العنوان عندنا هو الصواب. وهو الذي ذكره الحافظ أبو نصر أحمد بن محمد البخاري الكَلاباذي (323 - 398) في طالعة كتابه أسماء رجال الصحيح المُسَمَّى الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، وهو مصدرٌ قديم معتبر قريب العصر من المؤلف وقد وصفه الذهبي في ترجمته بأنه "عارف بصحيح البخاري". وقد أثبت هذا الاسم جماهير العلماء كالقاضي عياض (-544) والنووي (-676) وابن الصلاح (-643) وابن رُشيدٍ السبتي، وغيرهم.
ويروى: الجامع الصَّحيح المختصر المسند من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُنَنه وأيَّامه، كما ورد على بعض النسخ الخطية المسنَدة، ولكننا نرى أن هذا العنوان بهذا الشكل قد دخله شيء من الغلط في ترتيب الكلمات، والصواب ماأثبتناه لسببين:
السبب الأول: أن من القواعد في ذكر الصفات تقديم العام على الخاص، ليكون في ذكر الخاص بعد ذلك زيادة فائدة بنوع من التخصيص. مثال ذلك في النِّسب وصف إنسان بأنه عربي هاشمي، فلا يصح هنا تقديم الهاشمي على العربي، لأن الهاشمي لا يكون إلا عربيًّا، فلا يكون في الكلمة زيادة فائدة، وكلام العقلاء مَصونٌ عن ذلك. فإذا قلنا (العربي) فإن السائل يستفيد معرفة ذلك وربما يتساءل من أي القبائل أو البطون هو، فيأتيه الجواب مخصِّصًا بكونه هاشميًّا.
وكذلك الأمر هنا، فإن وصف المسنَد أعمُّ من وصف الصحيح، وبينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلق، فكل صحيحٍ مسنَدٌ، وليس كل مسندٍ صحيحًا، فالصحيح أخصُّ من المسند مطلقًا، والمسند لفظ عامٌّ يشمل الصحيح وغيره، فتقديمه على الصحيح واجب. ونحن ننزه من هو دون الإمام البخاري بمئات المراحل عن الوقوع في مثل ذلك، فكيف بالإمام البخاري وقد وصل في العلم إلى أعلى المراتب، وتمكن في العربية، ونظم الشعر، وحفظ مائة ألف حديث من الصحيح من كلام أفصح الفصحاء صلى الله عليه وسلم. فلا بد أن يكون وضع العنوان على هذا الشكل: الجامع المسند الصحيح، بتقديم العام على الخاص، لتكون كل كلمة في موضعها من العنوان مفيدة.
السبب الثاني: أن الجار والمجرور (من أمورِ) متعلقان بقوله (المختصر) لا بقوله (المسند)، ولو كان الجار والمجرور متعلقًا بقوله:(المسند) لوجب استعمال حرف الجر (إلى) أو (عن)، فالحديث إما أن يُسند إلى فلان، أو يُسند عنه، أما أن يُسند من أموره فهذا ما لا يصح في كلام الناس. ولا يُقال: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، أو في المسند تضمين، لأن ذلك بعيدٌ في العناوين، ويحتاج إلى تكلّفٍ وتمحُّلٍ يُخرج الكلام عن أسلوب العرب الفصحاء. فلا محيد عن تأخير كلمة (المختصر) لتجاور معمولها وهو الجار والمجرور فيكون الكلام هكذا متسقًا:(المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم). ومما يؤيد ذلك أن أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُننه وأيامه واسعة، وأن البخاري لم يقصد في هذا الكتاب إلى جمعها، وأنه قد انتخب الصحيح من ستمائة ألف حديث، وأنه قد ألف الجامع الكبير والمسند الكبير، وقد قصد في الصحيح إلى الاختصار مما قد حفظه وجمعه من تلك الأمور والسنن والأيام.
ولا حرج في اختصار العنوان عند تداول الكتاب على نحو: (الجامع الصحيح) أو