الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- الكتب الجامعة للرواية عن الإمام أحمد
بعد أن دون أصحاب الإمام أحمد وتلامذته المنصوص عنه تلقيًّا من فِيه، من أجوبته، وفتاويه، واستقر المنصوص عنه في كتب " مسائل الرواية عن الإمام أحمد " كما تقدم، انتدب لجمع كتب المسائل هذه بالإسناد، وترتيبها على أبواب العلم، في:" ديوان واحد جامع " عدد من شيوخ المذهب، وكبار أئمته المتقنين بما يصح أن نطلق عليه:" معلمة الفقه الحنبلي " أو " معلمة فقه الإمام أحمد " وإن تجوزنا قلنا: " الموسوعة المسندة لفقه الإمام أحمد ".
* منهم:
1-
أبو جعفر محمد بن أبي عبد الله الهمداني، يلقب:" مَتُّوْيَه " - بفتح الميم، وتشديد التاء المثناة مضمومة، وسكون الواو، وفتح الياء- كما ضبطه ابن ماكولا في:" الإكمال ": (7/ 206) . وقد تتابع الناس على الغلط في ضبطه، بلفظ:" مَنُّوْنَه " بنونين
…
وله نظير بهذا الضبط كما في: " سير أعلام النبلاء ": (10/ 24) .
وقد ترجمه ابن أبي يعلى في: " الطبقات ": (1/ 332) . والعليمي في: " المنهج الأحمد ": (1/ 350) .
ولم يزيدا في جر نسبه على ما ذكر، وعمدتهم ما قاله الخلال،
وسياقه لدى الذهبي في: " السير ": (11/ 331) في ترجمة الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- قال: " وألف- الخلال- كتاب " الجامع " في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر وقد قال في كتاب: " أخلاق أحمد ابن حنبل ": لم يكن أحد علمت غني بمسائل أبي عبد الله قط ما عنيت بها أنا، وكذلك كان أبو بكر المرُّوذي- رحمه الله يقول لي: إنه لم يُعنَ أحد بمسائل أبي عبد الله ما عُنيت بها أنت إلا رجل بهمدان، يقال له: مَتُّوْيَه، واسمه: محمد بن أبي عبد الله، جمع سبعين جزءا كبارا " انتهى.
2-
ثم قيض الله- سبحانه- تلميذ أبي جعفر العالم، الرحالة صاحب التصانيف الدائرة، والكتب السائرة: تلميذ تلامذة الإمام أحمد: أبا بكر الخلال: أحمد بن محمد بن هارون، المتوفى ببغداد 311 هـ. المدفون بوصية منه جوار شيخه المروذي، الذي اختص به، وأكثر الرواية عنه خاصة في:" جامعه " - رحمهما الله تعالى- فصرف عنايته وأنفق عمره بجمع روايات مشايخه تلامذة الإمام أحمد عن الإمام أحمد بأخبرنا وحدثنا، ولم يكن قبله للإمام مذهب مستقل، حتى تتبع هو نصوص أحمد ودونها وبرهنها بعد الثلاث مئة، كما قاله الذهبي- رحمه الله تعالى-، وحصلت له رواية قدر كبير من كتبهم في:" مسائل الرواية عنه "، فطاف، ورحل إلى: الشام، وطرسوس، وحلب، والجزيرة، وفارس، وكرمان، والمصيصة، وأنطاكية، ومصر وأسند عمن لقيه، وجمع ما رواه عنهم من علوم
الإمام أحمد في: أصول الدين، وأصول الفقه، والحديث، والرجال، والتاريخ، والأخلاق، والآداب، وألف فيها كتباً، منها في " مسائل التفقه " كتابه:" الجامع الكبير " في نحو عشرين سفراً.
وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: في نحو أربعين مجلداً.
وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: في نحو عشرين سفرا أو أكثر
وقال الذهبي -رحمه الله تعالى-: في بضعة عشر مجلداً، أو أكثر
وقال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: في نحو مائتي جزء.
قال ابن بدران: " ولا معارضة بين قوليهما؛ لأن المتقدمين كانوا يطلقون على الكراس، وعلى ما يقرب من الكراسين: جزءاً، وأما " السفر " فهو ما جمع أجزاء، فتنبه ".
وكتابه هذا ورد بعدة أسماء:
" الجامع الكبير " و " جامع الروايات " و " الجامع لعلوم الإمام أحمد " و " الجامع في الفقه " و " الجامع لعلوم شيخ مشايخه " و " المسند من مسائل أحمد بن حنبل " و " الجامع المسند لمسائل الإمام أحمد بن حنبل " و " الجامع ".
وظاهر أن بعضها حكاية من بعضهم عن اسم الكتاب، أو موضوعه، أو اختصار لعنوانه.
وقد أبان عنه عدد من أئمة الحنابلة منهم: ابن الجوزي في: " مناقب الإمام أحمد ": (618) وابن تيمية في: " الفتاوى ": (34/111) وابن القيم في: " إعلام الموقعين "(1/29 - 32)
والذهبي في " سير أعلام النبلاء ": (11/ 331)(14/297) وفي: " تذكرة الحفاظ ": (3/ 785) وابن كثير في: " تاريخه ": (11/ 166) وابن عبد الهادي في: " معجم أسماء الكتب ": (ص 55) والخطيب في: " تاريخ بغداد ": (5/ 112) وابن بدران في: " المدخل ": (ص/46- 47) والطوفي في: " شرح الروضة ": (3/627)، وقال بعد ذكر رواة المسائل:" وغيرهم ممن ذكرهم أبو بكر في أول: " زاد المسافر وهم كثير وروى عن أكثر منهم، ثم انتدب لجمع ذلك أبو بكر الخلال في: جامعه الكبير ثم تلميذه أبو بكر في: زاد المسافر فحوى الكتابان علماً جما من علم الإمام أحمد- رضي الله عنه " انتهى.
ومن مجموع كلام هؤلاء الأئمة بينوا عن هذا الكتاب أموراً مهمة منها:
اسمه، وعدد أجزائه، ومجلداته، كما تقدم، وأنه كتب فيه وروى عن نحو مائة نفس من تلامذة الإمام أحمد كما أشار إليه الذهبي، وأنه فاته الكثير وهذا واضح لمن وقف على مقدار كتب مسائل الرواية عن الإمام أحمد كما تقدم، وأنه أضاف إلى ذلك النقل عنهم بالوسائط بواسطة، أو واسطتين، فأكثر.
وأن كتابه هذا مرتب على أبواب العلم، وأنه اجتهد وبذل الطاقة والوسع في ترتيبه، وتهذيبه، وتبويبه، وجمع مادته، وأنه بنى مَا دَوَّنَهُ في هذا الكتاب على الإسناد وما أسنده بناه على التلقي
والمشافهة، لا على الوجادة والإجازة، يوضح ذلك قول الخطيب البغدادي في " تاريخه ":(5/ 113) عن أبي بكر عبد العزيز غلام الخلال وتلميذه، قال:" قد رسم في كتابه ومصنفاته إذا حدث عن شيوخه يقول: أخبرنا، أخبرنا، فقيل له: إنهم قد حكوا أنك لم تسمعها وإنما هي إجازة، قال: سبحان الله، قولوا في كتبنا كلها: حدثنا " انتهى.
فيكون مذهب الخلال: التسوية بين: " حدثنا وأخبرنا " على السماع والتلقي، وهو مذهب جماعة من المحدثين كما بينه علماء الاصطلاح، وأفرده الطحاوي والمنذري في رسالة مستقلة وهما مطبوعتان- والحمد لله-.
ومع ما فاته من علم هذا الإمام، فقد أصبح هذا الجامع العظيم أصلا في المذهب، ينهل منه الماتنون، ويفزع إليه المثبتون للروايتين فأكثر مع عمل الجمع والتوجيه والتأليف بين الروايات.
قال ابن الجوزي في: " المنتظم: " 6/ 174 ": " كل من تبع هذا المذهب يأخذ من كتبه " انتهى.
أقول: ولذا يصح أن نسميه: " ابن حنبل الصغير ".
ومن ثم أخذ الأصحاب عن هذا الكتاب الجامع، واشتغلوا في تأليف المختصرات، وتحرير الروايات، وإقامة المتون، ونشر الشروح على مر العصور.
وكان من أول من قام بوضع متن لمذهب أحمد سلك فيه
مسلك الاجتهاد في ترجيح الروايات المنقولة عنه: أبو القاسم الخرقي: عمر بن الحسين البغدادي ثم الدمشقي، المتوفى سنة 334 هـ بدمشق بسبب إنكاره منكراً فضربه أهل دمشق حتى مات، وكان من أهل بغداد فانتقل إلى دمشق لما كثر الرفض وظهر فيها سب الصحابة عام 321 هـ على المنابر بأمر أميرها علي ابن بليق، وكان وقت خروجه من بغداد أودع كتبه فاحترقت في الفتنة ولم ينج منها إلا " المختصر " هذا المشهور بالإضافة إليه:" مختصر الخرقي "، وسيأتي البيان عنه مفصلا في أول ذكر المتون المخدومة بشرح ونحوه. والله أعلم.
- نُسَخُهُ الخَطِّيَّة:
انظر عن الموجود منها تفصيلا حسناً في مقدمة تحقيق: كتاب: " السنة " للخلال (ص/ 34) ومقدمة تحقيق: كتاب الوقوف من مسائل الإمام أحمد بن حنبل الشيباني " (1/ 141- 148) .
هذا وقد حصل بالتتبع أن الموجود منه الكتب الآتية:
- كتاب الوقوف.
- كتاب الترجل.
- كتاب أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض.
- كتاب أحكام النساء.
- المطبوع منه:
طبعت الكتب الأربعة المذكورة من " الجامع " والحمد لله رب العالمين.
3-
ثم قفى الخلال: تلميذه المشهور باسم: غلام الخلال: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن دارا، المتوفى يوم الجمعة سنة (363) هـ؛ وهنا خبر اتفاق عجيب ذكره الخطيب في تاريخه، وعنه العليمي في " المنهج الأحمد " وعنهما الزركلي في:" الأعلام " قال: " إن الإمام أحمد بن حنبل، عاش 78 سنة، ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وأبا بكر المروزي، عاش 78 سنة ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وأبا بكر الخلال، عاش 78 سنة ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، فلما كان صاحب الترجمة- غلام الخلال- في مرض موته حَدَّث عُوَّادَهُ بهذا الخبر وقال: أنا عندكم إلى يوم الجمعة فكان كما قال، وعاش 78 سنة، ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة " انتهى.
ألف في المذهب: " التنبيه " و " المقنع " و " زاد المسافر فاجتهد في جمع الروايات، وترتيبها، وتنقيحها، وترجيحها، والظاهر من وصف الطوفي المتقدم لكتابه: " زاد المسافر" أنه يحاكي: " الجامع " لشيخه الخلال.
ولا نعلم من خبره شيئاً فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولأبي بكر غلام الخلال: مقام محمود في تحرير المذهب وتنقيحه؛ ولهذا كتب غلام الخلال على نسخته من: " مختصر الخرقي " قوله: " خالفني الخرقي في ستين مسألة ولم يسمها " قال القاضي أبو الحسين ابن الفراء: " تتبعتها فوجدتها: ثمان وتسعين
مسألة " وساقها في ترجمته من الطبقات، وطبعت مفردة. ثم سجلت رسالة علمية في الجامعة الإسلامية.
4-
ثم جاء بعد غلام الخلال: تلميذه: إمام الحنبلية في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم: أبو عبد الله الحسن بن حامد البغدادي ت سنة 403 هـ فألف كتابه: " الجامع في المذهب ". نحو أربعمائة جزء في عشرين مجلداً.
وفي ترجمته من " الطبقات "(2/ 171- 176) ساق ابن أبي يعلى مادة كتابه مما قرأه في بعض مصنفاته قال:
" اعلم أن الذي يشتمل عليه كتابنا هذا من الكتب والروايات المأخوذة من حيث نقل الحديث والسماع منها:- فذكر منها خمسة وثلاثين كتابا-: منها كتاب: " مختصر الخرقي " وأربعة وثلاثين من كتب المسائل عن الإمام أحمد- فسماها، ثم ذكر أسانيده إلى كل كتاب منها- وهكذا وقع لهذا الإمام من التتبع والاستقصاء، والتحوط بإسنادها طبقة بعد طبقة حتى بلغ بها الإمام أحمد- رحم الله الجميع-. ثم ذكر عن الحسن بن حامد قوله:
" قال أبو عبد الله بن حامد: اعلم- عصمنا الله وإياك من كل زلل- أن الناقلين عن أبي عبد الله- رضي الله عنه ممن سميناهم، وغيرهم، أثبات فيما نقلوه، وأمناء فيما دونوه، وواجب تقبل كل ما نقلوه، وإعطاء كل رواية حظها على موجبها، ولا تعل رواية وإن انفردت، ولا تنفى عنه وإن عزبت، ولا ينسب إليه في مسألة رجوع إلا
ما وجد ذلك عنه نصا بالصريح، وإن نقل: كنت أقول به وتركناه، وإن عري عن حد الصريح في الترك والرجوع: أقر على موجبه، واعتبر حال الدليل فيه لاعتقاده، بمثابة ما اشتهر من روايته
…
" إلى آخر كلامه- رحمه الله تعالى- الذي مضمونه الكلام في مسألتين:
الأولى: الرد على من قدح في رواية الكوسج ومسائله عن أحمد، بأنها رواية عنه في القديم أول حاله، وقد ثبت أن الكوسج عرضها على الإمام فما أنكر عليه حرفاً.
وقد سبق تقرير ذلك المعنى في الجزء الأول من: " الطبقات: 1/43 - 44، 113 - 115 "
والمسألة الثانية: في اختلاف أصحابه في كتبه هل يقال: فيها قديم ولا حكم له؟ وبسط الجواب عنها (1/175- 176) .
5-
بعد هذا استقر عصر الرواية في القرن الخامس الهجري وَدُوِّنَ علم أحمد، وفقهه وثبت في الدفاتر والكتب والطروس، وبقي لأهل العلم تناقل هذه الكتب وتلقيها بالإسناد إلى مؤلفيها، بالإجازة، والسماع على ما هو مدون في كتب الفهارس، والمشيخات، والأثبات. من هنا فما بعد في طبقات علماء المذهب تفنن الناس في تأليف المتون في المذهب على الرواية، فمنهم من انتخب رواية واحدة وعقدها على أنها هي المذهب، ومنهم من ألف على الروايتين، ومنهم من ألف عليهما فأكثر ومنهم من أضاف إلى ذلك اجتهادات الأصحاب وتراجيحهم، واختياراتهم في الأوجه، والاحتمالات، والتخاريج، ونحوها، كما يأتي مفصلا في التمهيد بين
يدي الكلام على كتب المتون.
6-
حتى قيض الله في القرن التاسع شيخ المذهب في زمانه العلامة المرداوي علاء الدين علي بن سليمان، المتوفى سنة 885 هـ - رحمه الله تعالى- فصارت هذه الكتب الناقلة للرواية واختيارات الأصحاب من بطون الكتب هي أمامه مثل كتب الرواية الناقلة مشافهة أمام الخلال فمن ذكر بعده إلى زمن الحسن بن حامد، فألف المرداوي- رحمه الله تعالى- كتابه الحافل في جمع الروايات والتخاريج، والأوجه، والاحتمالات، والأقوال في المذهب باسم:" الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف " فضم بذلك الروايات، وجمع شمل المذهب فيها، وجعل المختار منها ما قاله الأكثر منهم كما في:" المدخل " لابن بدران (222) فصار بهذا " ديوان المذهب " ويصح أن نطلق عليه: " مكنسة المذهب في الروايات " كما أطلق ابن رجب على كتاب " الفروع ": مكنسة المذهب، أي من حيث كثرة الفروع. والله أعلم.
- هذه خلاصة موجزة لكتب الرواية في المذهب، المفردة والجامعة، وتناقلها بالرواية والإسناد طبقة بعد طبقة.
ثم تنوعت بعد ذلك مؤلفاتهم في المتون، ينهلون من هذه الكتب المسندة، فيستخلصون المذهب، رواية وتخريجاً، نثراً ونظماً، وشرحاً، وتعليقاً، وحاشية، وهكذا في مجموعة مباركة من المؤلفات المختصرة، والمتوسطة، والمطولة، تعرف من تراجم علماء المذهب وكتبهم فيه. والله أعلم.