الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع عشر: كتب المذهب بين فقه الإمام وفقه الأصحاب
هل هي المأثور عن الإمام أحمد نصًّا أم نقل لمعاني كلامه ومفهوم جوابه والتخريج عليه.
هذا أهم البحوث، وأجلها في هذا المدخل الثامن، والجواب عليه يحتاج إلى تتبع كلام السابقين عن هذا المبحث، ومعرفة الكتب المعتمدة، والكتب المنتقدة، ومعرفة اصطلاح أحمد، بخاصة محل الخلاف منه
…
إلى آخر ما هنالك من معارف يحسن تتبعها من فقيه النفس، له دربة متينة، ومعرفة عميقة بالمذهب أصلا وفرعاً. والجواب عليه - أيضاً - يكون بعد تتبع التعقبات الحاصلة من بعض الأصحاب على بعضهم الآخر في مواضع نص فيها ذلك الصاحب على أنها المذهب، وليست المذهب، وسبب الغلط، ومستند التغليط.
والجواب - جملة - لم أجد من حَرَّرَ السؤال عنه، فضلا عن وجود الجواب عنه مفصلا.
لكن وجدت لفتة نفيسة، ودرة ثمينة لأبي عبد الله الحسن ابن حامد البغدادي، المتوفى سنة (403 هـ) .
هذه الإفادة الغالية ختم بها كتابه: " تهذيب الأجوبة " فقال: (باب البيان عن المسائل التي يذكر أن الخرقي- رحمه الله تعالى- أخطأ فيها:
قال الحسن بن حامد رحمه الله: اختلف أصحابنا في كتاب الخرقي وتأليفه لذلك في مسألتين:
أحدهما: هل ذلك نقل على معاني كلامه، ومفهوم جوابه، وقياس منصوصه، لا أن سائر ما نقله مأثور نقلاً؟ فقالت طائفة من أصحابنا: إنه بناه على المعاني والأقيسة، وعلى قود مقالة هذه الطائفة تُخَطِّئه في كثير من المسائل مما لا توجد منصوصة عن أبي عبد الله في كتب أصحابه المشهورين بالنقل عنه.
وقالت طائفة أخرى من أصحابنا: إنه أخطا في مسائل وحصروا عددها بأنها سبع عشرة مسألة، وهذا منسوب إلى شيخنا عبد العزيز غلام الخلال.
والذي يؤخذ به عندي أن يحمل كتاب الخرقي على إثباته مأثوراً نقلاً عن أبي عبد الله - رحمة الله عليه - باختصار الألفاظ وتقريب الأبواب، وما وجد في كتابه يضاف إلى مذهب أبي عبد الله بمثابة الإضافة فيما نقله الراوون عنه نطقاً لا غير ذلك، ولا فرق بين أن يوجد ما ذكر برواية مسندة إليه أو لا يوجد ذلك إلا في كتاب مفرد وبالله التوفيق) .
ثم ذكر عدداً من الأمثلة، ثم قال:
(قال ابن حامد - رحمة الله عليه -: وهذه المسائل عندي سالمة على المذهب مستقيمة، منها ما هو بين في نص جوابه، ومنها ما هو يُخَرَّج على أصله، وكل مسألة فيها بَيِّنَة من مكانها، إذا تأملها المنعم للنظر، علم صحتها، وقوام طريقها، وإنما غاب ذلك على طائفة بعد تأملها؛ لدقة أماكنها وخفي مطلبها، وكل مسألة منها بمن الله وعونه قد أوضحناها إيضاحاً بيناً ينفي بذلك كل شبهة، وبالله التوفيق) انتهى.
من هنا أسوق فوائد في الجواب، تفتح الأفق لمن اتجهت همته لتحرير الجواب عنه، فأقول:
أولاً: إن فقه الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - قد تَمَيَّزَ برواية تلامذته الثقات، ودونوه في كتب المسائل عنه، وَجَمَعَهُ من بَعْدُ تلامذتهم الأثبات، في الكتب الجوامع لكتب مسائل الرواية، كما تقدم.
ثانياً: هذه الكتب إلى الآخر منقولة إلينا بالإسناد إلى الآخر كما تقدم، ويأتي في المبحث بعد هذا، ومؤلفوها من ثقات أئمة المذهب، وكبارهم، وأصحاب التخصص الدقيق في معرفة المذهب.
ثالثاً: للإمام ألفاظ اصطلح عليها في الجواب على السؤال وفتيا كل سائل له، بما فيهم العوام، وكانوا يعرفون مراده واصطلاحه في جوابه.
ثم هذه المصطلحات تولاها الأصحاب من بعد بالفسر والبيان فمنها مصطلحات صريحة في منزلتها من أحكام التكليف الخمسة: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.
ومنها مصطلحات اختلف بَعْدُ في ترددها بين حكمين لكنهم بينوا الراجح، وعدلوا عن المرجوح.
وهذه إفادة غالية للمنتسب إلى المذهب، لينظر إذا كان مؤلف الكتاب من طبقة المتقدمين، ومن قاربهم من المتوسطين، ما هو رأيه في اصطلاح الإمام المختلف فيه.
فقد تكون الرواية عن الإمام واحدة في المسألة لكن لفظه في الفتيا والجواب عليها مما اختلف الأصحاب فيه، فيكون الاختلاف من قبلهم لا من قبل الإمام.
رابعاً: الأصل حمل الكتاب على الصحة والسلامة، وأما الغلط، والوهم، ونحوهما، فمن الأمور العارضة، التي لا يخلو منها كتاب سوى كتاب الله - تعالى - لاسيما ومؤلفو هذه الكتب من الذين لهم اختصاص في دراية المذهب، وتنقيحه.
خامساً: المؤلفون في المتون في المذهب، وما يلحقها على طرائق متعددة، منهم من يتقيد بلفظ الإمام المأثور وينص على ما في المسألة من رواية فأكثر.
ومنهم من يسوق المتن مستخلصاً له من الرواية عن الإمام، عن المأثور نصاً حيناً، ومعنى حيناً آخر
ومنهم من يسوق المتن على المعنى بصياغة منه لفقه الإمام.
ومنهم من يضم إلى المأثور عن الإمام ما يلحقه من فقه الأصحاب عن طريق التخريج فترى من الأوجه، والاحتمالات والتخاريج، وقياس المذهب، ولازم المذهب، ومفهوم الخطاب، وما مد به المؤلِّف ظِّلَ المذهب على قدر كبير من الفروع والجزئيات.
سادساً: هؤلاء المؤلفون في المذهب من الماتنين وغيرهم، احتاطوا لذلك، فاصطلحوا على عبارات للتفرقة بين ما هو مأثور عن الإمام، وما هو من عمل الأصحاب بطريق التخريج، أو النقل والتخريج ونحوهما مما يسوغ إلحاقه بلا نزاع مذهباً للإمام، وهي على ما يأتي:
1-
حيث لا خلاف في المذهب عبروا بقولهم: رواية واحدة. بلا خلاف في المذهب.
2-
قول الإمام عبروا عنه بقولهم: نَصًّا. نص عليه. في المنصوص عنه. وعنه.
3-
التنبيهات بلفظ الإمام أو إشارته
…
عبروا عنها بقولهم:
أوما إليه أحمد. أشار إليه. دل كلامه عليه.
إلى غير ذلك مما تقدم مبسوطاً في هذا المدخل.
4-
وعبروا عما دونوه في المذهب بطريق التخريج، بعدة عبارات منها:
وجه. احتمال. تخريج. توجيه. نقل وتخريج.
كما تقدم ذلك مشروحاً مفسراً.
5-
وعند الاختلاف عبروا بألفاظ تواطأوا عليها للترجيح والاختيار، منها: في الأصح. في الصحيح. وهي المذهب. اختاره عامة الأصحاب
…
إلى آخر ألفاظ تقدمت كذلك.
سابعاً: ومن وراء هذا ما إن يُخرج المؤلف كتابه في المذهب، متناً، أو شرحاً، أو نظماً، أو حاشية، أو تعليقاً، ونحوها، إلا ويتلقفه علماء المذهب، ويعرضونه قراءة، ويستعرضونه إقراءاً، ويقررون خطوطهم عليه تزكية، أو ملاحظة وتتبعاً، وصدق من قال:" لا يضيء الكتاب حتى يُظلم "، وللحواشي خاصة مزية في تحرير المذهب المدون في المتون.
ومن خلال هذا تتجلى منزلة الكتاب، ومدى اعتماده، وتصحيح ما وقع فيه من وهم، أو غلط، أو سقط، وما جرى مجرى ذلك مما يعتري البشر
وهنا تجد ترشيحات علماء المذهب للكتب المعتمدة، وبياناتهم عن الكتب المنتقدة.
وخذ هذا بدءًا من أول متن ألِّف في المذهب: " مختصر الخرقي " فإن غلام الخلال عبد العزيز بن جعفر خطَّأه في سبع عشرة مسألة، وساقها ابن حامد في: " تهذيب الأجوبة: (ص/ 684- 703) . ونازع غلام الخلال فيها.
وخالف الخرقي في ثمان وتسعين مسألة، ذكرها ابن أبي يعلى
في: " الطبقات 2/ 76- 118 ".
ثم اختلف الأصحاب في التحكيم بينهما بعد في هذه المسائل إذ سُلِّم في بعضها دون الآخر
وهذا كتاب: " المجرد " لأبى يعلى ت سنة (458 هـ) ، منتقد كما تقدم؛ إذ ألفه في أول حياته.
وهكذا كما ترى في البيانات عنه في: " كتب المذهب ".
وانظر " المبحث الثالث " من: " المدخل الأول ": لاستكمال مهام هذا المبحث.