المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوالب صياغة الخبر: - المدخل في فن التحرير الصحفي

[عبد اللطيف محمود حمزة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌تقديم:

- ‌من مؤلفات أستاذنا الدكتور عبد اللطيف حمزة وبحوثه:

- ‌هذا الكتاب:

- ‌الكتاب الأول: الرأي العام

- ‌الصحافة والرأي العام:

- ‌تعريف الرأي العام:

- ‌الفرق بين الرأي والسخط والعام والاتجاه العام

- ‌أنواع الرأي العام:

- ‌دور الصحافة في تكوين الرأي العام:

- ‌القانون والرأي العام:

- ‌الرقابة على الصحف:

- ‌نشأة الرأي العام في مصر:

- ‌مصادر الكتاب الأول:

- ‌الكتاب الثاني: فن الخبر

- ‌نشأة الخبر وأهميته

- ‌تعريف الخبر:

- ‌في سبيل الحصول على الخبر:

- ‌تقويم الخبر:

- ‌مذاهب نشر الخبر:

- ‌قوالب صياغة الخبر:

- ‌الحوادث الداخلية أو المحلية:

- ‌الأخبار الخارجية:

- ‌طبيعة اللغة التي يكتب بها الخبر:

- ‌تحرير العنوان

- ‌التعليق على الخبر:

- ‌الطرائف المتصلة بالخبر:

- ‌الخبر والمجتمع:

- ‌الأخبار من الزاوية الأخلاقية، وزاوية

- ‌الذوق الصحفيّ والخبر:

- ‌مصادر الكتاب الثاني:

- ‌الكتاب الثالث: فن المقال

- ‌فنون المقال

- ‌المقال القصصيُّ:

- ‌مقال الاعترافات:

- ‌المقال الكاريكاتوري:

- ‌مقال الخواطر والتأملات:

- ‌المقال العلمي:

- ‌المقال الصحفيّ:

- ‌المقال الافتتاحي:

- ‌العمود الصحفي:

- ‌عمود الموضوعات الإنسانية:

- ‌عمود الرياضة والفنون:

- ‌الحملة الصحفية:

- ‌الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب:

- ‌الكتاب الرابع: فن التقرير

- ‌المجلة

- ‌المقال في المجلة:

- ‌القصة في المجلة:

- ‌وظيفة التقرير الصحفيّ وأهميته:

- ‌فن الحديث الصحفيّ وأنواعه:

- ‌مراحل إعادة الحديث الصحفي، ونموذج له

- ‌التحقيق الصحفي وأنواعه وقواليه

- ‌مصادر التحقيق الصحفيّ، ونموذج له:

- ‌الماجريات وطريقة تحريرها:

- ‌الماجريات البرلمانية:

- ‌الماجريات القضائية:

- ‌الماجريات الدبلوماسية:

- ‌الماجريات الدولية:

- ‌تحرير الصورة والإعلان:

- ‌مصادر الكتاب الرابع:

- ‌الخاتمة: مستقبل التحرير الصحفيّ في مصر

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌قوالب صياغة الخبر:

‌قوالب صياغة الخبر:

لصياغة الخبر الصحفيّ حتى الآن قوالب ثلاثة أو أربعة، هي:

أولًا: قالب السرد الصحفيّ.

ثانيًا: قالب الحديث المنقول.

ثالثًا: قالب القصة الإخبارية.

رابعًا: القالب غير الفنيّ.

وسنفصل القول بعض الشيء في القوالب الثلاثة الأولى لصلتها الوثيقة بالفن الصحفي من حيث هو، أما القالب الأخير الذي لا صلة له بهذا الفن، فقد دعا إلى ذكره هنا رأيٌ لبعض العلماء، ذهبوا فيه إلى أن من الجائز أن يصاغ الخبر صياغة غير فنية، أيّ: بدون عنوان، وبدون خطة، وبدون شرح، فإن ذلك ربما يضطر القاريء إلى قراءة الخبر كله من أوله إلى آخر، وبهذه الطريقة تكون معلومات القراء كافية لتكوين الرأي العام، أما التأنق في كتابة الخبر، والمبالغة في اتباع الطرق الفنية في صياغته، فقد تصرفان بعض القراء عن مطالعته، وتحملهم على الاكتفاء بالعنوان، أو على الأكثر بجزء يسير من مقدمات الأخبار.

غير أن هذا الرأي لا يظفر إلّا بعدد قليلٍ جدًّا من الأنصار، وإن كانت بعض الصحف تسلك هذه الطريقة في طائفة قليلة من أخبارها التي قَلَّ أن تلتفت إليها أنظار القراء.

وقبل أن نخوض في الكلام عن القوالب الثلاثة التي أشرنا إليها، يجدر بنا أن نلفت النظر إلى ما يلي:

ص: 125

"إنه كثيرًا ما يحدث أن يُكَلَّفَ الصحفيُّ بتغطية موضوعٍ شاملٍ لكل هذه القوالب الثلاثة، وفي هذا الحالة يتطور التكوين الفنيّ لكتابة الخبر، ويصبح أدنى إلى التعقيد، ولكنه لا يخرج في مجموعه عن الشكل الفنيّ لكتابة الخبر، وهو الشكل الذي سنشرحه بعد الفراغ من الكلام عن الأشكال الفنية الثلاثة لكتابة الخير.

وهذا بالقالب الأول من القوالب الفنية.

قالب السرد:

تعتبر طريقة السرد أيسر الطرق الفنية على الإطلاق، ومع هذا وذاك، فإن أنسب الصور الفنية لصياغة الخبر بهذه الطريقة هي صورة الهرم المقلوب، بمعنى أن يكون للخبر صدر LEAD، وجسم أو صلب BODY، وسنشرح بعد قليل ما هو المقصود بهذين اللفظين، ففي الصدر تكتب خلاصة الأخبار بعبارات قصيرةٍ، فيها عنصر الإثارة، وفي الجسم أو الصلب تكتب الحقائق واحدةً إثر الأخرى حتى نهايتها.

ولنضرب لذلك مثلًا من حياة الطلبة في الجامعة، وهو:

نتائج امتحانات الفترة الأولى بكلية الآداب.

ويمكن نشر هذا الخبر بطريقة السرد على هذا النحو:

نسبة النجاح في الفترة الأولى لامتحانات كلية الآداب لا تتجاوز 20%، وهذا هو مصدر الخبر، أما الجسم فإنه يتألف من الحقائق الآتية:

الحقيقة الأولى: أعلنت كلية الآداب اليوم نتيجة امتحان الفترة الأولى في جميع الأقسام للعام الدراسي 1955- 1956.

الحقيقة الثانية: ظهر أن النتيجة غير مرضية؛ لأن نسبة النجاح في جميع الأقسام بوجهٍ عامٍّ لا تتجاوز 20%، فقد تقدم للامتحان عدد

ص: 126

كذا.. ونجح من هؤلاء عدد كذا.. ورسب الباقون، وعددهم كذا.. ونجح من هؤلاء عدد كذا.. ورسب الباقون وعددهم كذا.."

الحقيقة الثالثة: غير أن نسبة النجاح في أقسام اللغة العربية والصحافة والتاريخ كانت أعلى منها في بقية الأقسام الأخرى، فقد بلغت هذه النسبة في قسم اللغة العربية 40%، وفي قسم الصحافة 50%، وفي قسم التاريخ 60%.

الحقيقة الرابعة: وقد تبين من الإحصاء الأخير أن الراسبين بسبب المرض أو الأعذار القهرية التي حالت دون دخولهم الامتحان تبلغ نسبتهم 7% من جميع المتقدمين لامتحان الفترة الأولى، ولهؤلاء الحق في امتحان الدور الثاني.

على أن قالب السرد يأخذ أحيانًا شكل الحكاية الصغيرة، وهنا تحكي الجريدة الخبر لا على شكل هرم مقلوب، ولكن على شكل هرم معتدل، وذلك كما في الخبر البسيط الذي نشرته جريدة "أخبار اليوم" القاهرية بتاريخ 21/ 10 / 1967 على النحو التالي:

هس، ولا كلمة

الزبون يجلس على كرسيّ الحلاقة، ووجهه مُغَطَّى بالصابون، وجاكتته معلقة على الحائط وراءه، ورأسه محشوة بكلام الحلاق الذي لا يفرغ. شاب يتسلل إلى الصالون، جسمه في حركة غريبة، أصبعه فوق أنفه وفمه في حركة تحذير للحلاق بألّا يتكلم. كعب رجله مرفوع، وهو يمشي على أطراف أصابعه. ابتسامة شفتيه تطل من عينيه، وفي هدوءٍ مدَّ يده وأخذ جاكتة الزبون وخرج، والحلاق يبتسم هزلًا وهو يكتم السر، سر صديق يعابث صديقه، ويعمل فيها مقلبًا طريفًا. الزبون ينتهي من الحلاقة ويقف على الأرض ملتفتًا إلى الوراء، يسأل عن جاكتته، الحلاق يضحك

ص: 127

ثم يضحك، وهو يشير إلى الخارج وشفتاه تتمتم: ما خدها صاحبك، واختفت الابتسامة وابتلع الحلاق ضحكته عندما انقلبت المسألة جدًّا. كان الاثنان ضحية لص ظريف، وانتقل الأمر إلى قسم البوليس.

قالب الحديث المنقول:

في هذه الطريقة من طرق نشر الخبر، تظهر عناية الصحيفة بالخطب والبيانات والرسائل، ونحوها من المواد التي يسجلها المخبر الصحفيّ، ويسلك في كتابتها طريقة المستطيلات الكبيرة والصغيرة، حتى ينتهي من نقل هذه المادة.

وتمثل المستطيلات الصغيرة الكلام المنقول بنصه تمامًا، كما تمثل المستطيلات الكبيرة ملخص هذا الكلام وشرحه للقراء، وذلك على النحو الأتي:

ومن السهولة بمكان أن نتصور حديثا منقولا عن رئيس الحكومة المصرية حول موضوع "تسليح الجيش" فإن هذا الحديث يمكن تقطيعه إلى أجزاء يستقل كل جزء منها بفكرة من الأفكار المتصلة بالموضوع، ثم نرى المخبر الصحفي يتبع هذا الجزء بشيء من التلخيص أو الشرح،

ص: 128

ولا أقول التعليق؛ لأن التعليق وظيفة أخرى، وطريقته في الكتابة مخالفة.

وغنيٌّ عن البيان أن الحديث المنقول شيء، والحديث الصحفيّ المعروف شيء آخر، كما سنعرف ذلك في فصول أخرى من هذا الكتاب إن شاء الله.

مثال ذلك ما نشرته صحيفة الأهرام بتاريخ 2/ 12 / 1959

استئناف العلاقات الدبلوماسية

بين الجمهورية العربية وانجلترا

اتفقت حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وحكومة المملكة المتحدة، على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بدرجة قائم بالأعمال، اتفقتا على أن يكون السيد كمال الدين خليل، هو القائم العربيّ في لندن، وأن يكون المستر"كولن كرو" هو القائم البريطاني في القاهرة.

"وهذا هو صدر الخير أو خلاصته" ثم أخذت الأهرام بعد ذلك في التفاصيل، متبعةً في ذلك طريقة الحديث المنقول على النحول التالي:

كرو يعلن اغتباطه بعودة العلاقات

قال مستر كرو: إنه يعتبر البيان المشترك خطوة مفيدة للغاية في تنمية العلاقات بين البلدين.

وأضاف كرو: إنه ينتظر وصول خطاب تعيينه من مستر "سلوين لويد" وزير خارجية بريطانيا ليقوم بتقديم هذا الخطاب إلى وزارة الخارجية العربية.

ثم أتت الصحيفة بتفسير عارضٍ لهذه العبارة السابقة، فقالت ما يلي:

والمعروف أن أوراق اعتماد القائم بالأعمال إنما تقدم إلى وزير الخارجية

ص: 129

طبقًا للعرف الدبلوماسيّ، بينما تقدم أوراق الوزير المفوض أو السفير إلى رئيس الدولة.

ثم مضت الأهرام تقول:

وقال كرو -الذي يعمل لأول مرة في القاهرة ومنطقة الشرق الأوسط: إن عملية تسلم السفارة البريطانية من جديد سيستغرق ثلاثة أسابيع على الأقل، إلى أن يصل باقي موظفي السفارة من لندن، وخاصَّة القنصل الجديد، وإلى أن يتم ذلك ستمضي السفارة السويسرية في تصريف أمور البريطانيين، ومنح تأشيرات السفر.

وعلمت الأهرام من تصريح لمستر "آرثر جفري" المستشار الاقتصادي للسفارة البريطانية، أن عملية استئناف العلاقات ستتم في هدوء، ولن يرفع العلم البريطانيّ فوق مبنى السفارة إلّا بعد تسلمها نهائيًّا.

عنوان الخبر:

للخبر في أية صيغة من صيغه، أو قالب من قوالبه، عنوان يعرف به، ويدل عليه، وكتابة العنوان بحاجة إلى مهارة فنيةٍ، يمكن الحصول عليها بالممارسة وطول التجربة.

غير أنه يشترط في كتابة العنوان -على أية حال- أن تتوافر فيها أمورٌ منها:

أولًا: المطابقة التامة بين عنوان الخبر وموضوع هذا الخبر، فكثيرًا ما نرى بعض الصحف الشعبية تضع للخبر عنوانًا مثيرًا جذابًا، ولكنه ليس مطابقًا لواقع هذا الخبر بحالٍ ما، وليس من شك في أن هذا نوع من الكذب على القراء يضر بالصحيفة، ويدخل اليأس إلى قلوب قرائها.

ثانيًا: الإثارة: ولكن بشرط ألّا تعتمد هذه الإثارة على التهويل الكاذب، والمخرفة المعمية، والتهويش الخداع، وإلّا فقدت الجريدة ثقة القراء بها، وصعب عليها أن تسترد هذه الثقة.

ص: 130

والملاحظ أن بعض الأخبار ربما احتاج إلى عنوانات كثيرة، يوضع بعضها تحت بعض، وتخالف الجريدة في نوع الحروف التي تكتب بها هذه العنوانات، فهي تخالف الجريدة في نوع الخطوط التي تستعمل في كتابتها؛ كأن تكتب السطر الأول بالخط الثلث، والثاني بخط الرقعة، والثالث بالخط الفارسيّ، وهكذا.

ثالثًا: القصر: ولا بد للعنوان -على أية حالٍ- من أن يكون قصيرًا بقدر الإمكان، وأن يكون في الوقت نفسه قويّ الدلالة على فحوى الخبر، وكثيرًا ما تجد الصحف تختار من موضوع السرد الصحفيّ، أو الحديث المنقول، أهم جملةٍ فيه لتكون عنوانًا للخبر نفسه، وقد تكون هذه الجملة تصريحًا لوزير، أو لرجل مسئول، مثال ذلك قول بعض الصحف:

وزير التموين يقول: "إن الرغيف الأبيض سيظهر غدا".

أو قول بعض الصحف: "مجلس الأمن يقرر فرض العقوبة على إسرائيل".

رابعًا: كثيرًا ما يكون العنوان في العادة جوابًا لسؤال: "ماذا"، وقلما يكون جوابًا "لسؤال: أين، أو لسؤال: متى.

قالب القصة الإخبارية:

في هذا القالب تتبارى الصحف، ويظهر مقدرتهم الفنية، ويتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في صياغته، وللقصة الإخبارية أصول عند أهل هذه الحرفة قلَّمَا يتعدونها إلى غيرها، وقَلَّمَا يتصرفون تصرفًا ظاهرًا في بعضها، ومن هنا كان الفرق كبيرًا بين الكتابة الأدبية الخالصة، والكتابة الصحفية الخالصة.

فبينما نرى الصحفيُّ مقيدًا بهذه الأصول أو الصور الفنية للقصة الإخبارية؛ إذ بنا نرى الأديب طليقًا من جميع هذه القيود، حرًّا في الوقت

ص: 131

نفسه في اختيار الوقت الذي يكتب فيه إنتاجه الأدبيّ، حرًّا كذلك في المادة التي يخلق منها هذا النتاج. فما هي القوالب الصحفية التي يجب على الصحفيّ أن يصب فيها قصته الإخبارية؟

اتفق رجال الصحف على أن تكون هذه القوالب Paterns على شكل "هرم مقلوب"، بمعنى: أن الصحفيّ يأتي بالفكرة الرئيسية، أو ما يسمى: بالصدر The lead أولًا، ثم يأتي بالتفاصيل أو الجسم بعد ذلك.

وعكس هذا تمامًا يحدث في المقال، فإن الفكرة النهائية أو الخلاصة تأتي في النهاية، وأما الشواهد، والتفاصيل فتكون قبل ذلك، أي: أن القالب الفنيَّ للمقال الصحفيِّ يجب أن يكون على شكل هرم قائم أو معتدل.

ويشترك في تحرير الخبر الصحفيّ عادةً رجلان: هما المخبر أو المحرر الصحفيّ خارج الدار، والمراجع أو المحرر الصحفيّ داخل الدار، فالمخبر أو المحرر خارج الدار واسمه: Sub Editor، هو الذي يأتي بالأخبار مصوغة على عجل، وبشكل من الأشكال حيثما اتفق.

ولكن متى وصلت هذه الأخبار إلى المراجع، فإنه يقوم بصياغتها من جديد، ثم يبعث بها -كما سبق أن قلنا- إلى سكرتير التحرير، وهذا الأخير هو المسئول الحقيقيّ عن أخبار الصحيفة، وعن الملائمة التامة بين جميع المواد من حيث الموضوع، والسياسة العامة، والإخراج الفنيّ في النهاية.

ص: 132

ونعود إلى القصة الخبرية فنرى أنها تتألف -كما قلنا- من جزءين هامين هما: الصدر The lead، والجسم The Body.

أما صدر الخبر:

فينبغي أن تتوافر فيه شروط منها:

أولًا: أن يشتمل على أهم النقط الرئيسية للقصة الخبرية.

ثانيًا: أن يكتب في جملة واحدة، أو جمل قصيرة ليست بالكثيرة، ولكنها مثيرة بقدر المستطاع، وليس من المفروض أن تكون بينها أدوات الربط.

ثالثًا: أن يكوِّنَ إجابةً واضحةً عن ستة أسئلة معروفة، وهي:

من، ماذا، متى، أين، كيف، ولماذا.

فمن الذي اشترك في الحادث؟ وماذا حدث فيه؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان هذا الحادث؟ وما الطريقة التي تم بها؟

رابعًا: أن تكون ملامح القصة الخبرية واضحةً في صدرها، بحيث تتميز عن غيرها، كي يستطيع القارئ أن يكتفي بها -أي: بملامح القصة الإخبارية في صدرها- عن تكملة قراءة القصة كلها إن ضاق وقته عن هذه التكملة.

الأسئلة الستة وطريقة استخدامها:

قلنا: إنه ينبغي للمحرر الصحفيّ قبل كتابة الخبر بأية طريقة من الطرق أن يلقي على نفسه الأسئلة المعروفة التي هي:

ص: 133

من، ومتى، وأين، وماذا، وكيف، ولماذا؟

غير أن من الأخطاء التي يتورط فيها المبتدئون من غير المجربين أن يحاولوا الإجابة على هذه الأسئلة بطريقةٍ آليةٍ بحتة، لا حظَّ لها من الذوق وحسن التناول، على حين أنه ينبغي للمحرر الذكيّ دائمًا قبل الإجابة على هذه الأسئلة أن يوازن بينها موازنةً دقيقةً وسريعةً وجيدةً في وقت معًا، فيبدأ بالأهم منها، ثم المهم وهكذا.

ومقياس الأهمية هنا هو القارئ قبل كل شيء آخر، فمن الجائز في بعض الأحيان أن يكون اسم الشخص الذي وقع عليه الحادث من الأسماء اللامعة في المجتمع، وفي هذه الحالة تكون الإجابة عن السؤال: مَنْ؟ هي المقدمة على بقية الأسئلة، ومن الجائز أن تكون الطريقة التي حدث بها الحادث غريبةً كل الغرابة، فتصبح في نظر القراء هي الأهم، وفي هذه الحالة تكون الإجابة عن السؤال: كيف؟ هي المقدمة وهكذا.

نعم، يجب على المحرر أن يفاضل بذوقه الصحفيّ بين الأسئلة الستة المعروفة، وعليه مع هذه المفاضلة أن يقوم بعمل آخر، هو أن يرجيء الإجابات على بعض هذه الأسئلة إلى فقرةٍ أخرى من الفقرات الاستهلالية التي يتألف منها صدر الخبر، ففي ذلك توفير للحرية التي يجب أن يتمتع بها المحرر في تحرير الخبر، وفيه إطلاق له ولقلمه من القيود المصطنعة التي يضعها نقاد الصحف، وبغير هذه كله تخرج المادة الصحفية بعيدةً عن الذوق الصحفيِّ الذي أشرنا إليه، وتبدو وكأنها مفتقرةٌ إلى المعنى الإنسانيّ، أو اللون الاجتماعيّ، أو الجذب النفسيّ الذي يحتاج إليه القارئ دائمًا في قراءة الخبر.

وفي هذا المعنى يقول الأستاذ نيل1 NEAL:

1 في كتابه: News Getting & news writing p. 314.

ص: 134

"لكي ينجح المحرر الصحفيّ في كتابة الخبر الداخليّ، يجب عليه أن يحسب حساب القارئ العاديّ أولًا، والذي لا شك فيه -مثلًا- أن الإحصاءات قلَّمَا تهم هذا القارئ العاديّ، ولكن الذي يعنيه حقيقةً إنما هو انفعاله بالحادث الذي يقرؤه، كما لو كان أحد شهوده، أو كان أحد المشتركين فيه، وإذ ذاك فقط يتخيل القارئ نفسه في هذا الموقف، فيقبل على قراءة الحادث، ويتابع قراءته إلى نهايته".

وعلى ذلك، فالمحرر الصحفيّ بإزاء الأسئلة التقليدية المعروفة، يؤدي بسرعة كبيرةٍ ولباقةٍ ظاهرةٍ عملين في وقت معًا:

أولهما: المفاضلة السريعة بين الإجابات الست السابقة.

ثانيهما: إعمال الذوق الصحفيّ في هذه المفاضلة.

وإليك أيها القارئ بعض الأمثلة اليسيرة لتوضيح هذه القاعدة:

قرأت عن الحادثة المفزعة التي غرقت فيها السيدة أسماء فهمي عميدة معهد التربية العالي للمعلمات، وعرفت أنها كانت تقود سيارتها، وهي عالمة بفساد شكائمها "فراملها"، ومع ذلك فقد جازفت السيدة المذكورة، وقادت سيارتها إلى ترعة عند أول شارع الهرم، وكان من نتيجة هذا، أنها غرقت دون أن ينقذها أحد.

في هذا المثال وجدنا اسمًا لامعًا في المجتمع، هو اسم السيدة أسماء فهمي، ولذا رأينا جميع الصحف تبدأ قصة هذا الخبر بذكر الاسم أولًا، ولو ماتت هذه السيدة بطريقة طبيعية لما احتاج الأمر إلى أكثر من ذكر اسمها في قائمة الوفيات بشكل من الأشكال، ولكن لأنها ماتت بهذه الطريقة المروعة، ولكونها عَلَمًا من الأعلام المشهورة في مصر في تلك الآونة، فقد اقتضى ذلك ذكر اسمها أولًا، ثم كيفية الحادث نفسه ثانيًا، ثم تفصيل الحادث في نهاية الأمر.

ص: 135

أما انفعال القراء بهذا الحادث فيأتي بطريقتين:

أولاهما: صلة السيدة أسماء فهمي بكثيرين من المشتغلين بالتعليم الجامعيّ، وغير التعليم الجامعيّ، وبالطالبات اللائي يتعلمن بالمعهد العالي، وبأسر الطالبات.... إلخ.

والثانية: أن يتخيل القارئ نفسه في موقف مشابه لهذه الحادثة المفزعة، وهذا يضطره إلى متابعة القصة الخبرية، وإلى أن يدخر في أعماق نفسه هذه التجربة أو الموعظة.

وإليك مثلًا آخر:

هب أنك أيها القارئ علمت نبأ صبية صغار كانوا يلعبون في بيت أحدهم، ودخلوا غرفة من غرف البيت هي غرفة "المكتب"، وفتح الصبي مكتب والده، وأخرج من أحد أدراجه "مسدسًا"، فدعت غريزة حب الاستطلاع في هذا الصبيّ إلى معرفة كنه هذه الآلة الغريبة في نظره، ونظر زملائه من الصبية، وبينما تداعب أنامله الصغيرة هذا المسدس -وكان محشوًّا بالرصاص- انطلق في صدر المسكين، فوقع قتيلًا لساعته.

لا شكَّ أن تلاحظ أن الطريقة التي وقع بها هذا الحادث هي الأهم، وهي التي تلفت نظر القارئ قبل غيرها، وهنا وجب على الصحيفة التي تنشر هذا الخبر أن تُعْنَى بكيفية الحادث أولًا، وتجعل من العنوانات الكبيرة والعنوانات الصغيرة، ومن الجمل التي يتألف منها صدر الخبر أداةً طيبةً لبيان الصورة التي وقع بها هذا الحادث المؤلم، أما الزمان والمكان وأسماء الأشخاص فأمور تأتي بعد ذلك.

ومهما يكن من شيءٍ، فالذي نلاحظه غالبًا في القصص الخبرية بالصحف أن سبب وقوع الحادث من جهة، وكيفية الوقوع من جهةٍ ثانيةٍ، هما العنصران اللذان يميزان حادثةً ما عن الحوادث الأخرى، ثم يزداد

ص: 136

القارئ معرفةً بهذا الحادث، بعد ذلك عند ذكر المكان والزمان، وذلك كله ما لم يكن الشخص المصاب في الحادثة من الأسماء المشهورة، أو الشخصيات البارزة، وذلك كله أيضًا ما لم يكن في الأسماء المتصلة بالحادث ما يحرك اهتمام طائفة بعينها من سكان القطر أو المدينة التي تنشر فيها الصحيفة.

مثال ذلك:

غرق عشرون شابًّا كانوا في زورق صغيرٍ لم يتسع لهم جميعًا إلَّا بصعوبةٍ، حين اصطدم هذا الزورق بصخرةٍ في النيل، لم ينتبه لها الشبان الراكبون لتزاحمهم في الزورق.

في مثل هذا الحادث نجد أن سبب الوقوع، وصورة هذا الوقوع، هما اللذان استرعيا اهتمام القراء بالصحيفة، وفي مثل هذه الحالة تجد الصحيفة نفسها مضطرةً إلى العناية التامَّةِ بهذين العنصرين من عناصر الخبر، مضطرةً إلى قلة العناية بالأشخاص الذين غرقوا، أو الوقت الذي غرقوا فيه، أو قلةً مرجئة ذلك كله إلى الفقرة أو الفقرات التي تأتي بعد الفقرات الأولى عادةً.

وعلى هذا، فإن المهم في صدر الخبر دائمًا أن يكون من المرونة الكافية؛ بحيث يتشكل بأشكال الحوادث، هذا من جهةٍ، ومن جهة ثانيةٍ، ينبغي أن يحذر المحرر التفاصيل الكثيرة التي يحشو بها صدر الخبر، فإن في ذلك ما يعوق القارئ منذ اللحظة الأولى عن متابعة القراءة.

وهذا وذاك يتطلبان من المحرر على الدوام أن يكون واسع الحيلة، حسن التناول، جميل الذوق، دقيق التصرف في كل حالة من حالات نشر الخبر، وهو في هذا كله أشبه بالمحامي الذي يُعِدُّ لكل قضيةٍ من القضايا حلًّا مخالفًا كل المخالفة للحل الذي يُعِدُّه للقضية الأخرى، أو أشبه بالمدارس الذي يفهم الأطفال بطريقة تخالف طريقة المراهقين، ويشرح لهؤلاء بطريقة غير طريقة الشبان الذين تجاوزوا العشرين، وهكذا.

ص: 137

طرق التجديد في صياغة صور الخبر:

لاحظنا مما تقدم أن لصدر الخبر أهميةً خاصةً في الصحف، فعليه تعتمد هذه الصحف دائمًا في إثارة القراء، وصحيحٌ أن الإجابة عن الأسئلة الستة المعروفة تساعد في الغالب على إشباع فضول القاريء، وتدفعه إلى متابعة القراءة ما دام لديه مُتَّسَعٌ من الوقت لذلك، ولكن المحرر الخبير بشئون الصحافة يستطيع الخروج أحيانًا على القوالب المعروفة، ويمكنه أن يستحدث بعض الطرق التي يصوغ فيها أخباره، وكثيرًا ما يكون ذلك منه استجابةً لرغبات القراء، أو مطابقةً لمقتضى الحال، أو استرعاءً للأذهان، ونحو ذلك.

ومن طرق التجديد في صياغة الأخبار على سبيل المثال ما يلي:

أولًا: حشد جميع عناصر الإثارة في الجملة الأولى من الجمل التي يشتمل عليها الصدر، وهي الجملة التي تقوم مقام العنوان في معظم الأحيان، كأن يقول:

- صياح ديك يسبب موت طبيب.

- فأر صغير يعطل حركة المرور.

- جمل المحمل يلوذ بعابدين.

- زوجة رئيس وزراء تُرَى في نقطة البوليس.

- سفينتان من سفن القضاء توشكان أن تصطدما.

ولكن على الصحف بعد ذلك أن تحافظ على حماسة القارئ الذي يقرأ صدرًا من هذا النوع.

ثانيًا: من طرق التجديد في صدر الخبر، أن تعمد الصحيفة إلى رسم صورةٍ وصفيةٍ تلفت النظر إلى الشخص الأول والأهم في القصة الإخبارية؛ كأن تبدأ عنه بمثل هذه العبارة:

ص: 138

"كان وجهة ممتقعًا، وكانت شفتاه تتمتمان بحركاتٍ وألفاظٍ غير مفهومة.... إلخ".

ثالثًا: من طرق التجديد كذلك، الاعتماد على المفارقات والمفاجآت؛ كأن تقول: فلان الكناس يكتشف أنه الوريث الوحيد لأكبر رجل إقطاعي في الصعيد.....".

مثال آخر:

"في صوتٍ هادئٍ واضح النبرات، وبألفاظٍ محددةٍ لا غموض فيها ولا إبهام، وفي ثقةٍ كاملةٍ بسلامة الموقف، واقتناعٍ تامٍّ واطمئنانٍ كاملس ببراءة الذمة، استطاع رئيس الوزراء أن يواجه الأسئلة التي وجهت إليه أمس في مؤتمر صحفيٍّ عقده بمكتبه ليرد فيه على الحملات الصحفية الأخيرة بشأن التصرفات التي نسبتها إليه بعض الصحف في الأيام القليلة الماضية".

رابعًا: الإتيان أحيانًا بالمقدمة الاستفهامية؛ كأن تقول:

"هل من حق الزوج أن يضرب زوجته إذا رفضت أن تعلق ثيابه؟ تلك هي المشكلة التي واجهت قاضي محكمة الوايلي صباح أمس".

وتستخدم المقدمات الوصفية كذلك عندما يكون المكان الذي حدث فيه الحادث أهم من الحادث نفسه، ومن الأشخاص المشتركين فيه، وأكثر ما يكون ذلك في الحفلات، والمهرجانات، والمعارض العامة، والحدائق، والأماكن التي تبدو فيها الطبيعة في أحسن زينتها، وفي الرحلات التي تحتاج لركوب البحر، أو لصعود الجبل، ونحو ذلك.

خامسًا: المقدمة الاستفهامية، مثال ذلك:

هل من حق الزوج أن يضرب زوجته إذا رفضت أن تعلق ثيابه؟ تلك هي المشكلة التي واجهت قاضي المحكمة الوايلي صباح أمس.

هل ظهر بالأسكندرية قاتل مجهول ارتكب نفس الجريمة الغامضة التي ارتكبت في الصعيد؟

ص: 139

سادسًا: من طرق التجديد في صدر الخبر أيضًا، الاعتماد على التصريحات المنقولة، فكثيرًا ما يأتي الكاتب في أول الخبر الصحفيِّ بتصريحٍ هامٍّ لشخصيةٍ كبيرةٍ مرموقةٍ، ويظل هذا التصريح -برغم ذلك- أهم نقطة من نقط القصة الخبرية كلها، فإذا صادف الصحفيّ مثل هذه التصريحات، بادر بأن يؤلف منها صدرًا للقصة الإخبارية، مثال ذلك: أن صحيفةً من الصحف نقلت قول المستر "تشمبرلين":

"أستطيع أن أجد حلًّا للقضية المصرية في وقت أقل من الوقت الذي يكفي لشرب فنجان من القهوة".

سابعًا: ومن طرق التجديد في صياغة صدر الخبر أيضًا، الطريقة التي يسميها الأوربيون في كتبهم "أنت وأنا" ويقصدون بها نقل القارئ إلى جو القصة منذ بداية الأمر؛ كأن يبدأ المحرر قصته الإخبارية بقوله:"نحن الآن في مكان كذا"، ثم يتم القصة، غير أن هذه الطريقة أقرب للإذاعة، وأشبه بها، وأصلح لها.

ثامنًا: المقدمة الإنسانية، كالتي تحكي قصة رجلٍ فقد بصره، وفقد ولده الوحيد، وصبر على ذلك سنوات عدة، وبعدها رجع إليه بصره بعد أن اهتدى إلى ولده.

تلك وأمثالها طرق لتجديد صدر الخبر، وهي لا تعدو كونها في الواقع مجرد أمثلةٍ من هذا التجديد، وفي وسع الكاتب الصحفيِّ اللبق أن يهتدي إلى أحسن منها، وليس ما قدمناه من الحديث عن صدر الخبر إلَّا وصفًا موضوعيًّا لهذا الجزء من الخبر، وهو وصفٌ يستعين به المبتدئون في الصحافة، أما الذين مارسوها زمنًا طويلًا فإنهم يخترعون كل يوم جديدًا في كتابة هذا الجزء الهامِّ من أجزاء الخبر، وهو الصدر أو المقدمة.

على أن التجديد في صياغة الخبر لا يقتصر فقط على الجزء الأول من أجزائه وهو الصدر، بل يتعداه إلى الطريقة التي يختارها المحرر.

ص: 140

والطريقة هنا غير القوالب الفنية لصياغة الخبر، وهي القوالب التي تحدثنا عنها فيها سبق.

فهناك -كما يقول الأستاذ جلال الحمامصي-1 طريقتان لنشر الخبر:

أولاهما: الطريقة التقليدية المعتادة -أو الطريقة الإخبارية المباشرة- وهي التي تعتمد على تركيز المقدمة "بريد الصدر" حول أهم ما في الخبر، محاولين بذلك الإجابة على واحدةٍ أو أكثر من الشقيقات الخمس "بريد الأسئلة الخمسة".

والثانية: أن يحول التركيز إلى زاويةٍ أخرى من زوايا الخبر، على أساس أن هذه الزاوية تضفي على النبأ ضوءًا يجذب القارئ إلى قراءته، وهي طريقة تستعمل كثيرًا في كتابة الأخبار ذات الطابع الشخصيّ، وهنا يُسَمَّى الشخص أو المكان الذي يدور حوله الخبر:"المحور الأساسيّ في الخبر"، فهو الذي يجب أن تسلط عليه الأضواء في المقدمة "المصدر" وما يليها.

مثال للطريقتين معًا:

يصح أن نضرب المثل هنا بالعامل الذي عثر على ثلاثة آلاف جنيه مصريّ في شرفة منزلٍ لأحد التجار، وهو يشتغل بدهان هذا المنزل في غيبة صاحبه، وقد كافأته الحكومة بتمليكه "شقة" جميلة في أحد المنازل المبنية حديثًا.

ويمكن كتابة هذا الخبر بإحدى الطريقتين الآتيتين:

الطريقة الأولى -وهي الطريقة المعتادة:

الصدر:

تسلم عامل نقاش من السيد رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، عقدًا

1 انظر كتاب: "من الخبر إلى الموضوع الصحفيّ" 117و 118.

ص: 141

بتمليك شقة جميلة في منزل من المنازل التي بنيت حديثًا، وهذا العقد مكافأةً له على أمانته.

الصلب:

كان العامل النقاش حامد إبراهيم يجلس مع أسرته للغداء ظهر أمس، حين وقفت ببابه دراجة "موتوسيكل" ففتح الباب، وإذا بجندي من جنود الشرطة يسلمه خطابًا يُدْعَى فيه إلى المثول بين يدي رئيس الوزراء ليسلمه عقدًا بتمليكه شقة جميلة في البيت رقم 15 بمدينة النصر "قرب مصر الجديدة".

وفي اليوم التالي، ذهب حامد إبراهيم إلى وزارة الداخلية؛ حيث سلمه السيد رئيس الوزراء هذا العقد بعد أن أثنى عليه لأمانته وشهامته.

الطريقة الثانية: "محور الخبر":

روى العامل حامد إبراهيم قصة عثوره على مبلغ ثلاثة آلاف جنيه مصري، في شرفة المنزل الذي كان يشتغل بدهانه في غيبة صاحبه، قال حامد لبعض أصدقائه في المقهى الذي تعود الجلوس فيه كل مساء:

فرغت من دهان الغرف التي يتألف منها المنزل، ثم وصلت إلى الشرفة، فوجدت بها على الأرض كومةً من الجرائد القديمة، وعندما أردت أن ألقي بها في الطريق، تبين لي أن بها حزمة كبيرة من الأوراق المالية، وأخذت أعد هذه الأوراق؛ فإذا بها ثلاثة آلاف جنيه، فارتعشت أناملي واشتد خفقان قلبي، وذهبت على الفور إلى مركز البوليس وسلمتها له.

ودعاني بعد ذلك السيد رئيس الحكومة وأثنى على أمانتي، وسلمني عقدًا أصبحت به مالكًا للشقة الجميلة التي أسكنها.

والعامل حامد إبراهيم يعيش الآن في هذه الشقة مع زوجته وأولاده وأمه العجوز.

ص: 142

وبعشر المبلغ الذي عثر عليه -وهو ما يستحقه بنصِّ الشرع- حصل حامد على أثاثٍ جديدٍ، وزوّد بيته بجهاز تليفزيون.

بالطريقة الأولى: صيغ الخبر صياغةً تقليديةً حكت تسلم العامل للجائزة من السيد رئيس الوزراء، وتمليكه الشقة الجديدة مكافأةً له على أمانته.

وبالطريقة الثانية: دارت القصة الإخبارية كلها حول محور واحد فقط هو "العامل حامد إبراهيم" وكيف عثر على هذا المبلغ، وسلمه إلى مركز البوليس، وكيف يعيش في منزله الجديد، وبهذه الطريقة الأخيرة ظهرت العناية "بروح الخبر" دون ما يشتمل عليه من المعلومات الشكلية، ومنها مقابلة العامل للسيد رئيس الوزراء.

ولا شك في أن الطريقة الأخيرة أدنى إلى نفوس القراء من الأولى، وأكثر حيوية، وأكثر إشباعًا لهؤلاء القراء، واجتذابًا لاهتمامهم.

وهكذا يكون التجديد في صياغة الخبر؛ إما في صياغة الصدر، وإما في الطريقة التي يكتب بها الخبر نفسه على النحو الذي شرحناه.

صلب الخبر:

يفرغ المحرر من كتابة الصدر على الوجه المتقدم، وبعد ذلك يأخذ في كتابة التفاصيل شيئًا فشيئًا، والمُتَّبَعُ في كتابة التفاصيل عادةً أن تكون على شكل فقراتٍ متكاملةٍ Block Paragraphs، كل فقرة منها تؤلف وحدة مستقلة بذاتها، بحيث يمكن حذف أية فقرة عندما تحتاج الصحيفة إلى ذلك، بشرط عدم الإخلال بالمعنى العام، أو بالقيمة العامة للخبر نفسه إذ ذاك.

وهذا فرق آخر بين الآدب والصحافة، فنحن في الأول نرى أن جميع الفقرات التي يتألف منها المقال الأدبيّ آخذٌ بعضها بحجز بعض، بحيث

ص: 143

إذا حذفنا فقرةً منها، أضر ذلك بالمعنى، لكننا في الخبر الصحفيّ نستطيع أن نستغني عن بعض الفقرات التي يتألف منها عند الحاجة.

والخبر الصحفيّ في هذه الحالة يكون أشبه بالقصيدة العربية، كل بيتٍ فيها وحدةٌ قائمةٌ بذاتها، ويستطيع الشاعر أو القارئ أن يحذف من هذه الوحدات ما يشاء، أو يُقَدِّمُ بعضها ويؤخِّرُ بعضها متى شاء، فلا يضر ذلك بالقصيدة.

وكما سبق أن ذكرنا، تستطيع الصحيفة أن تفرق من حيث القصة الخبرية بين الطبعة التي تصدر في العاصمة، والطبعة التي تصدر في الأقاليم، فهناك قصة خبرية تهم العواصم الكبرى في الجمهورية العربية، وهناك قصة خبرية تهم الأقاليم، وعلى الجريدة أن تراعي هذا الفرق بينهما مراعاةً دقيقةً، وتستطيع أن تملأ الفراغ الناتج عن هذا الإجراء بشتَّى الأخبار التي تهم القراء.

ولا شك أن ذلك مزيةً من مزايا الشكل الهرمي في كتابة الخبر الصحفيّ، فلو لم يكن الخبر مصوغًا على شكل هرم مقلوب، لما استطاعت الصحف أن تحدث هذه التغييرات المطلوبة عند الحاجة، ولعجزت الصحيفة عن أن تمد كل بيئةٍ محليةٍ بالأخبار التي تناسبها.

والآن، نعود إلى الكلام عن الخبر الذي يكتبه المحرر الصحفيّ، مستخدمًا فيه جميع القوالب الفنية المعروفة إلى الآن، وهي: قالب السرد، وقالب الحديث المنقول، وقالب القصة الإخبارية.

وسنضرب المثل هنا بخبر من الأخبار، علينا أولًا أن نحكي خلاصته كما يلي1:

في إحدى نقابات العمال جاء المرشح الجديد لمركز النقيب، واتهم النقيب السابق بأنه أساء استعمال أموال النقابة، وتصرف فيها لمصلحة مؤيديه.

1 أورد هذا الخبر الأستاذ الحمامصي في كتابه "المندوب الصحفيّ" ص111.

ص: 144

وفي اليوم السابق للانتخابات تجمهر أفراد هذا الفريق أمام دار النقابة يريدون اقتحامهما بالقوة؛ وإذ ذاك تحصن النقيب السابق ومؤيدوه بمبنى النقابة.

وتصل الشرطة إلى مكان الحادث وتحاول التدخل.

ولكن المرشح الجديد لمنصب النقيب يخطب في العمال ويدلي بتصريحاتٍ هامةٍ.

وتخشى الشرطة أن يفلت الأمر من يدها، فتستعمل الغازات المسيلة للدموع، ثم تضطر بعد ذلك إلى إطلاق بعض الأعيرة النارية؛ فيصاب عددٌ من العمال وينقلون إلى المستشفى.

كيف نكتب صدر هذا الخبر؟

إن خبرًا كهذا، لا بد أن يكون صدره طويلًا؛ لأنه يشتمل على وقائع كثيرة، ولا بُدَّ في خبرٍ مثله أن تتركز نقطة البداية في تجمع العمال حول دار النقابة؛ لأن هذا التجمع هو الذي أدّى إلى إلقاء الخطب والتصريحات المثيرة، وإلى الصدام بين الشرطة والعمال، وإلى وجود ضحايا.

بعد ذلك يمكن للمحرر الصحفيّ أن ينتقل إلى الإجابة عن سؤال: ماذا؟ أي: ما الذي حدث حتى أدى إلى هذه النتائج؟

وفي فقرات قصيرةٍ ومركزةٍ بعد ذلك يذكر المحرر وقائع الحادث واحدة بعد أخرى، ويقدم للقارئ هيكلًا هرميًّا لهذه الوقائع، وكل ذلك دون أن يغرق القارئ في مزيد من التفصيلات التي لا مكان لها إلّا "صلب الخبر".

وعلى هذا تمكن كتابة "صدر الخبر" على النحو التالي:

صدر الخبر:

حاول ألف عامل من عمال نقابة "كذا" اقتحام دور نقابتهم بعد

ص: 145

ظهر أمس، متأثرين بأن أحد زعمائهم "فلان" متهم باسم النقيب السابق، وتصرف في مبالغ كبيرة من أموال النقابة لمصلحة مؤيديه.

وقع تصادم بين الشرطة وبعض النقابيين، أدّى إلى حدوث إصابات من الفريقين، والسبب في ذلك أن الاتهام جاء في الليلة السابقة لموعد اجتماع الجمعية العمومية لإجراء انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة.

بادرت الشرطة إلى محاصرة مبني النقابة، وفي داخل المبنى تحصَّن النقيب السابق، ومعه مؤيدوه.

حاولت الشرطة إبعاد العمال قليلًا عن مبنى النقابة، ولكن العمال رفضوا ذلك.

اضطرت الشرطة إلى استخدام الغازات المسيلة للدموع، ثم إلى إطلاق بعض أعيرة نارية أصابت عشرة من العمل بحروج بالغةٍ، ونقلوا إلى المستشفى.

بنى زعيم العمال الثائرين "فلان" اتهامه للنقيب السابق على تقريرٍ وضعته لجنة خاصة كلَّفتها الجمعية العمومية غير العادية، وبحثت في الإعانات العمالية التي صرفت في العام الماضي.

وقد جاء في هذا التقرير أن اللجنة تشك في أن هذا الإعانات اتبعت في صرفها الإجراءات التي نص عليها قانون النقابة:

وأخيرًا نأتي إلى:

صلب الخبر

وفيه يأتي الصحفيُّ بالتفصيلات الكثيرة لما تضمنه الصدر من الوقائع الكثيرة، فيبدأ مثلًا في شرح المزيد من البيانات المتصلة بالحادث، ويتكلم عن الطريقة التي حدث بها التجمع أمام دار النقابة، فهل كانت هناك دعوة سابقة، أم أن التجمع جاء بمحض المصادفة؟

ص: 146

ثم يأتي بتفاصيل أخرى عن الصدام الذي وقع بين المتظاهرين ورجال الشرطة، ويشرح للقارئ كيف نصح رجال الشرطة بالامتناع عن التظاهر، ثم يصف حالة المصابين الذين نقلوا إلى المستشفى، ويذكر أسماءهم واحدًا واحدًا كلما استطاع ذلك، ثم ينتقل بعد ذلك إلى وصف زعيم العمال الساخطين وهو يقف بينهم وبيده نسخة من تقرير اللجنة يلوح بها لمؤيديه، وينذرهم بأن النقابة على وشك الإفلاس بسبب تصرفات المجلس السابق والنقيب السابق.

وهنا يجب على المحرر أن يقتبس من كلام زعيم العمال الساخطين بعض أقواله، ومنها على سبيل المثال:

"إن ما وصلت إليه حالة النقابة المالية يهددنا جميعًا بخطرٍ كبيرٍ، ويحتِّمُ علينا جميعًا أن نتخذ الإجراء الحازم لحفظ حقوقنا".

ومثل قوله:

"لقد سرقوا أموالنا وأنتم الضحايا، بل إن أولادكم أيها العمال هم الذين سيدفعون الثمن" وهكذا.

ويعود المحرر الصحفيُّ بعد كل ذلك إلى سرد الوقائع الباقية واحدةً بعد أخرى، ثم يعود إلى المزيد من الأقوال المقتبسة من تقرير اللجنة، وهي الأقوال التي استشهد بها زعيم العمال الثائرين في تحريضهم ضد الثورة، وأخيرًا يصل المحرر الصحفيُّ إلى الفقرة النهائية أو الختامية للخبر.

وهذه ليست لها قواعد مضبوطة في الحقيقة على الرغم من أن لها أهمية كبيرة؛ لأنها آخر ما يقرع سمع القارئ من القصة الإخبارية، ويتوقف اختيار الفقرات الختامية على طبيعة الموضوع الصحفيّ ذاته، والمهم ألًّا يترك الصحفيُّ قراءه معلقين أو حائرين، فإن كلمة واحدة في هذه الحالة

ص: 147

تزيل الشك والتردد، وعلى ذلك يمكن أن تكون الفقرة الختامية لهذه القصة الإخبارية بصورةٍ من هذه الصور، فمثلًا:

الصورة الأولى:

وما زال الخلاف بين الفريقين المتنازعين على أَشُدِّه، وستحسم هذا النزاع نتائج الانتخابات التي ينتظرون إعلانها في ساعة متأخرة من مساء اليوم.

الصورة الثانية:

وتواصل النيابة التحقيق، وستستمع إلى أقوال رئيس النقابة السابق، في الساعة العاشرة من صباح اليوم.

الصورة الثالثة:

وإذا ظلّت الاضطرابات مستمرةً اليوم كذلك، فقد يصدر وزير الشئون الاجتماعية قرارًا بتأجيل الانتخابات إلى وقت آخر.

وفي هذا المثال المتقدم من أمثلة الخبر الصحفيّ، وجدنا المحرر يصطنع الطرق الفنية الثلاث المتبعة إلى الآن في تحرير الأخبار، وهي طريقة السرد، وطريقة الحديث المنقول، وطريقة القصة الإخبارية.

فاستخدم طريقة السرد؛ لأنه سرد وقائع الحادث واحدةً بعد أخرى، وبالترتيب الذي وقعت به تمامًا، واستخدم طريقة الحديث المنقول؛ لأنه أورد كثيرًا من كلام زعيم العمال الساخطين، ومن كلام التقرير الذي كتبته اللجنة، واستخدم طريقة القصة الإخبارية؛ لأن الخبر كان له صدر أجاب عن الأسئلة التقليدية، ومن سؤال "لماذا"، وأن السبب في هذا الحادث كان هو الأهم في الواقع، كما كان للخبر صلب اشتمل على التفاصيل كما رأينا.

ص: 148