المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحرير الصورة والإعلان: - المدخل في فن التحرير الصحفي

[عبد اللطيف محمود حمزة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌تقديم:

- ‌من مؤلفات أستاذنا الدكتور عبد اللطيف حمزة وبحوثه:

- ‌هذا الكتاب:

- ‌الكتاب الأول: الرأي العام

- ‌الصحافة والرأي العام:

- ‌تعريف الرأي العام:

- ‌الفرق بين الرأي والسخط والعام والاتجاه العام

- ‌أنواع الرأي العام:

- ‌دور الصحافة في تكوين الرأي العام:

- ‌القانون والرأي العام:

- ‌الرقابة على الصحف:

- ‌نشأة الرأي العام في مصر:

- ‌مصادر الكتاب الأول:

- ‌الكتاب الثاني: فن الخبر

- ‌نشأة الخبر وأهميته

- ‌تعريف الخبر:

- ‌في سبيل الحصول على الخبر:

- ‌تقويم الخبر:

- ‌مذاهب نشر الخبر:

- ‌قوالب صياغة الخبر:

- ‌الحوادث الداخلية أو المحلية:

- ‌الأخبار الخارجية:

- ‌طبيعة اللغة التي يكتب بها الخبر:

- ‌تحرير العنوان

- ‌التعليق على الخبر:

- ‌الطرائف المتصلة بالخبر:

- ‌الخبر والمجتمع:

- ‌الأخبار من الزاوية الأخلاقية، وزاوية

- ‌الذوق الصحفيّ والخبر:

- ‌مصادر الكتاب الثاني:

- ‌الكتاب الثالث: فن المقال

- ‌فنون المقال

- ‌المقال القصصيُّ:

- ‌مقال الاعترافات:

- ‌المقال الكاريكاتوري:

- ‌مقال الخواطر والتأملات:

- ‌المقال العلمي:

- ‌المقال الصحفيّ:

- ‌المقال الافتتاحي:

- ‌العمود الصحفي:

- ‌عمود الموضوعات الإنسانية:

- ‌عمود الرياضة والفنون:

- ‌الحملة الصحفية:

- ‌الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب:

- ‌الكتاب الرابع: فن التقرير

- ‌المجلة

- ‌المقال في المجلة:

- ‌القصة في المجلة:

- ‌وظيفة التقرير الصحفيّ وأهميته:

- ‌فن الحديث الصحفيّ وأنواعه:

- ‌مراحل إعادة الحديث الصحفي، ونموذج له

- ‌التحقيق الصحفي وأنواعه وقواليه

- ‌مصادر التحقيق الصحفيّ، ونموذج له:

- ‌الماجريات وطريقة تحريرها:

- ‌الماجريات البرلمانية:

- ‌الماجريات القضائية:

- ‌الماجريات الدبلوماسية:

- ‌الماجريات الدولية:

- ‌تحرير الصورة والإعلان:

- ‌مصادر الكتاب الرابع:

- ‌الخاتمة: مستقبل التحرير الصحفيّ في مصر

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌تحرير الصورة والإعلان:

‌تحرير الصورة والإعلان:

انتهينا من الحديث عن التحرير بفنونه المختلفة؛ من خبر، إلى مقالٍ، إلى تقريرٍ، وبقيت كلمة أخيرة عن تحرير الصورة، وأخرى عن تحرير الإعلان، ومحرر الأولى يعرف في الأسرة الصحفية، بمحرر الصورة، والمحرر الثاني يعرف:"بمحرر الإعلان".

أهمة الصورة:

من المعروف أن المعلومات التي تصل إلينا عن طريق الصور والرسوم، ربما كانت أوضح من المعلومات التي تصل إلينا عن طريق الكلمات المكتوبة؛ لأن هذه الأخيرة تتميز بطبيعتها الرمزية.

بل إن المعاني التي تعطيها الصور والرسوم قد تكون أقل قابليةً للخطأ وسوء الفهم من المعاني التي تعطيها الكلمات المكتوبة، ثم إن الجاذبية التي نشعر بها نحو الصور والرسوم تضمن إطالة التذكر للشيء الذي تعبر عنه هذه المواد.

ونحن نعرف أن الحياة نفسها مليئة بالخبرات العاطفية التي لا تستطيع الكلمات وحدها أن تصف واحدة منها، وذلك كما في حالة الجندي في أثناء تعرفه لنيران الأعداء في إحدى المعارك الحربية، وكما في حالة إنسان سبق أفراده في تسلق جبل شاهق، وكما في حالة إنسان فقد بصره أو سمعه ونحو ذلك.

إن الخبرة السابقة الخصبة، والمقدرة اللغوية البالغة، هما شرطان لفهم المشاعر الدقيقة، والمعاني الكثيرة التي تنطبق عليها الإجراءات العاطفية المعقدة.

ص: 537

وكثيرًا ما نمزج الصور بالألفاظ كما في الصحف المصورة ونحوها، وكذلك تحتاج الصور الصحفية إلى قدرة في كتابة الألفاظ المعبرة عنها، وهو ما يسمى: بتحرير الصورة.

ومع هذا وذاك، فإن هناك أنواعًا من الصور الممتازة بوضوحها، قادرةً على التعبير عن نفسها بنفسها؛ بحيث لا تحتاج في الحقيقة إلى توضيحٍ ما، والمثال على هذه الأنواع يوجد في مجموعة الصور المعروفة باسم:"أسرة الإنسان" وهي تمثِّل كل أنواع الجنس البشريّ في أجزاءٍ كثيرةٍ من العالم، وتعبِّرُ بالرسم عن "الأخوة البشرية" دون حاجةٍ إلى توضيحات لفظية، إلّا أن أمثال هذه الصورة القوية الدلالة، الشديدة الوضوح، نادرة، ومعنى ذلك أن حاجة الصورة إلى التحرير، أو إلى الألفاظ التي تساعد على فهمها؛ لتبقي حيةً لا غنى عنها إلى الأبد.

إن الصور بمدلولها الواسع تعتبر بلا ريبٍ لغةً عالميةً، شأنها في ذلك شأن الموسيقى، ولذا أُثِرَ عن الفيلسوف "كونفشيوس" أنه قال:"إن صورةً واحدةً تعدل ألف كلمة".

ولا يخفى علينا ما للصورة من قدرةٍ على محو "الأمية البصرية" إذا صح هذا التعبير، فإن كثيرًا من الناس يعرفون من خلال الصور شيئًا غير قليل من عادات الشعوب البعيدة، وما له دراية بالحياة التي تتبعها ونحو ذلك.

وتعتبر الصورة في الصحيفة من أهم وسائل الإعلام والإيضاح في وقت ما، بل إنها تعتبر كذلك من أكبر أدوات الإثارة والتوجيه والإرشاد، وذلك كله فضلًا عن الإعلان.

وتتنوع الصورة الصحفية تنوعًا كبيرًا؛ فهناك صور الشخصيات، وصور الأماكن، وصور التجارب، وصور المواقف الإنسانية، وصور الألعاب الرياضية، وهكذا تستعمل الصور في الصحف على أوسع نطاقٍ ممكنٍ حتى ليخيل إلى الصحفيِّ أنه بحاجةٍ إلى أن يضع الصورة بجوار كل فقرة جديدة.

ص: 538

أو كل خير صغير أو كبير، أو كل شخصية يأتي ذكرها في كلامه، أو كل فكرة أو حقيقة، ولو لم تكن في حاجة إلى التوضيح، وهكذا، والسبب في ذلك: أن الصورة تضفي على العبارات حيويةً ومعنًى وإحساسًا وعاطفةً، ونحو ذلك.

على أن الصورة التي تعنى بها الصحف عادةً هي التي تعبر عن حركة أو موقف أو موضوع، ولذلك تستخدم الصورة عادةً في الأحوال التي يحتاج الإيضاح فيها إلى عامل الحركة، أو عامل الإيضاح، بل يمكن استخدام مجموعة من الصور لبيان حركة معينة، أو عدة حركات، ونحو ذلك.

يقول اللورد نور ثكليف:

"ربما كان التحرير المصاحب للصورة من أشق الأعمال الفنية في الصحيفة" وهو كذلك في الحقيقة، فلا يقف التعليق على الصورة عند وصف ما فيها من الأشخاص، أو المعالم، أو المناسبات، ولكن يجب أن يضيف المحرر إلى هذا الوصف شيئًا آخر، فيضيف إلى اسم صاحب الصورة مثلًا: أنه عالم من العلماء المعدودين في نوع خاصٍّ من العلوم، أو أنه لا عب كرة ممتاز بمهارته في الأوساط الرياضية، ونحو ذلك.

كذلك يجب على محرر الصورة أن يلفت نظر القارئ إلى مركز الأهمية في الصورة بطريقةٍ لا شعورية، بحيث يشعر القارئ أنه إنما ينظر من تلقاء نفسه إلى تلك النقط الهامة في الصورة التي أمامه.

ثم إن أسلوب تحرير الصورة يحتاج كذلك إلى توفر عوامل الجذب والتشويق، وإلى حسن اختيار اللفظ المناسب، المشتمل على أكبر قدر ممكن من التعبير، وكثيرًا ما يوفق محرر الصورة إلى أن يكتب تحتها حكمة من الحكم البالغة، أو مثلًا من الأمثال السائرة، أو عبارة من العبارات الكثيرة الورود على لسان الصورة المنشورة في الصحف، أو جملةً من الجمل تدل على إحدى لوازمه وهكذا.

ص: 539

ولا يتسنى لمحرر الصورة ذلك إلّا إذا كان على حظٍّ ما من الثقافة والاطلاع في السياسة، وفي الأدب، وفي التاريخ، والاجتماع، والوقوف التامِّ على طبقات المجتمع، وما تمتاز به كل طبقةٍ من حيث الزيّ، أو التقاليد، أو الأخلاق، أو العادات.

إن محرر الصورة -سواء أكانت شمسية أم كاريكاتورية - يجب أن يكون ممتازًا بصفات لا تقل في مجموعها عن الصفات التي يتحلى بها محرر التحقيق الصحفيّ، وبذلك يستطيع أن يقوم بهذا العمل الفنيّ الذي تعرف له الصحافة مكانته وخطورته، وتُقَدِّرُ له دقته، وصعوبته، وتختار له من المحررين من يتوافر فيه الشعور الكامل بكل هذه الأشياء.

والصور "Cuts" عنصر هام في الصحيفة الحديثة، وهي تشمل الصور الفوتوغرافية، والرسوم البيانية، والخرائط، والكاريكاتير، وما إليها، وإذا كانت بعض الصور تنشر التجميل، أو لأنها تمثل شخصيات تدورحولها المادة الصحفية، فإن بعض الصور كذلك تستطيع أن تحل محل الكلمات، فتنقل إلينا خبرًا أو رأيًا.

والصورة التي تنقل الخبر هي الصورة الفوتوغرافية التي التقطت لإحدى لحظات الحدث المعبرة، أما الصورة التي تنقل الرأي، فهي الكاريكاتير الذي ينقد في سخرية شخصًا أو فكرةً.

ولعل أول صورةٍ صحفيةٍ في تاريخ الصحافة المصرية، هي الصورة التي نشرتها الأهرام في الرابع من شهر مارس سنة 1881، وهي صورة فرديناند دليسبس ومعه طفلة، ثم كانت "الجريدة" أول صحيفة تستخدم صورًا فوتوغرافية للأشخاص والأماكن مع الأخبار والحوادث الهامة، وكان ذلك ابتداءً من الثامن والعشرين من شهر يونيه سنة 1908.

ولما كان الإعلام أهم وظائف الصحف في العصر الحديث، فقد

ص: 540

أصبحت الصورة الخبرية تتمتع بمكانةٍ ملحوظةٍ بين مواد الصحيفة، وزاد من اهتمام الصحف بنشر الصور الخبرية نجاحها في وسائل الأعلام الأخرى التي تعتمد عليها، وهي:"المجلة، والسينما، والتليفزيون".

ولا مبالغة في القول بأن الصورة قد تكون أفضل من ألف كلمة، فإن آلة التصوير الحديثة تستطيع أن تسجل من اللقطات البارعة، والمشاهد المعبرة، ما يعجز الكلام عن وصفه، مهما بلغ من الفصاحة والبيان.

فلا غرو بعد هذا أن أصبح المصوِّر الصحفيُّ الحديثُ محررًا ومصورًا يتخير اللقطات التي تنقل إلى القارئ خبرًا، أو تيسر لذهنه استحضار مشهد معين، وكذلك أصبح المراسل الحديث يجيد التصوير حتى لا يفوته استخدام عدسته كما يستخدم قلمه.

والصورة الخبرية قد تكون مستقلةً تروى بدقائقها، وبما يصحبها من عباراتٍ قليلةٍ موضوعًا كاملًا، كما أنها قد تصحب خبرًا فتوضحه، وتلقي الضوء على تفاصيله.

والكلام الذي يصحب الصورة "Coption" يراعى في عبارته دائمًا أن تكون موجزة بقدر الإمكان، فالأصل هنا، هو الصورة، والكلام لمجرد التوضيح المختصر.

وقد أصبح من وظائف وكالات الأنباء في العصر الحاضر نقل الصور الخبرية -فضلًا عن نقل الأخبار- إلى مشتركيها، بل إن الصورة الخبرية أصبحت لأهميتها تنقل بالراديو، حتى تحقق الغرض منها في سرعة الوصول إلى القارئ؛ كالكلمة سواء بسواء.

وتعتمد وظيفة التسويق بدورها على الصورة اعتمادًا كبيرًا، ومما لا شك فيه أن الإعلان التجاريّ الحديث، أصبح يعتمد على الصورة أكثر من الكلام؛ لترويج ما يدعو إليه سواء كانت صورة فوتوغرافية، أم رسمًا يدويًّا أم كاريكاتيرًا.

ص: 541

وسأكتفي هنا بأن أضرب الأمثلة على تحرير "الصورة" مما نشر في صحيفة "السياسة الأسبوعية" التي كان يشترك في تحريرها الشيخ عبد العزيز البشري، وقد مرَّ ذكره في فصل عنوانه:"المقال الكاريكاتوري":

فتحت الصورة الخاصة "بزيور باشا" كتب العبارة التي أثرت عن هذا الوزير، وكانت مثارًا لسخرية المصريين في زمانه، وهي قوله:"لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

وتحت الصورة التي رسمت لعدلي يكن "باشا" كتب المحرر هذا البيت من الشعر:

لا معنى بكل شيء ولا

كل عجيب في عينه بعجيب!

وتحت الصورة التي رسمت لعبد الخالق ثروت "باشا"، وكان يعرف لشدة كتمانه باسم "أبي الهول" كتب المحرر:

لي في ضمير الدهر سر كامن

لا بد أن تستله الأقدار!

وفي الصورة التي رسمت للدكتور محجوب ثابت، وكان معروفًا بتعدد شخصياته، كتب المحرر:

ليس على الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

وتحت الصورة التي رسمت لإسماعيل سِرِّي "باشا"، كتب المحرر هذه العبارة:

لا أبالي إزاء نفع الأقارب والأصهار

أجف النيل أم ذرت الأثمار!

وتحت الصورة التي رسمت لعبد الحميد سعيد "بك" من أعضاء الحزب الوطني، كتب المحرر هذا البيت من الشعر:

من أطاق التماس شيء غلابًا

واغتصابًا لم يلتمسه سؤالًا

وتحت الصورة المرسومة لطلعت حرب، منشيء بنك مصر، كتب المحرر هذه العبارة لقاسم أمين:

ص: 542

"الوطنية الصحيحة تعمل كثيرًا، ولا تعلن عن نفسها"

وتحت الصورة المرسومة لإسماعيل صدقي "باشا" كتب المحرر هذه العبارة:

"من ذخائر الأمم!! "

وتحت الصورة المرسومة لمحمد محمود "باشا"، وكان معروفًا بالشمم والتكبر، كتب المحرر:

وإني لمن قوم كان نفوسهم

بها أنف أن تسكن اللحم والعظما!

أما الصورة التي رسمت للشيخ أبي الفضل الجيزاوي، شيخ الجامع الأزهر، فكتبت تحتها العبارة الآتية:

"الحمد لله، لم يبق إلّا مائة ألف جنيه و 500 سهم بنك عقاري قديم، حتى أنقطع لعبادة الله، والزهد في الدنيا! "

قد لا يدرك شباب الجيل الحاضر ما لهذه العبارات التي استعان بها المحرر في تحرير الصورة الكاريكاتورية السابقة من قوة الدلالة؛ لأنهم لم يعاصروا شخصياتها، ولكن الواقع أن كل عبارةكتبها محرر الصورة جاءت ملخصة أحسن التلخيص للأوصاف التي لصاحب الصورة، دالةً أقوى الدلالة على مغزاها ومرماها والقصد من نشرها، أو نشر المقال الذي كتب من أجلها، وهل يستطيع ذلك إلّا كاتبٌ ماهرٌ ألَمَّ بموضوع الصورة إلمامًا جيدًا، وعرف ما حولها من الظروف والملابسات معرفة جيدة؟

وقل مثل ذلك في الصورة التي تشتمل على المناظر، أو الحوادث، أو ما يتصل بالأخبار، أو التقارير الصحفية على اختلاف أشكالها، فإن المحرر في كل حالة من هذه الحالات محتاج إلى دقة بالغة، ومهارة ظاهرة في تحرير الصورة التي يجعلها مصاحبةً للخبر، أو التقرير الصحفيّ الذي ينشره بالصحيفة.

ص: 543

من أجل ذلك ينبغي أن يتعاون المخبر، أو محرر التقرير، أو المقال، مع محرر الصورة، وبدون هذا التعاون لا يتم تحرير الصورة التي تعتبر جزءًا متممًا للتقرير أو الخبر أو المقالة، وكثيرًا ما يكون محرر الصورة هو كاتب الخبر أو التقرير أو المقالة، وفي ذلك ما يدل دلالةً صريحةً على مدى التعاون الذي لا بد من وجوده بين هذين المحررين.

تحرير الإعلان:

أما الإعلان -سواء أكان في مجلة أم في صحيفة- فإنه يحتاج إلى استيفاء الخطط الأربع الآتية، وهي:

أولًا: خطة تهدف إلى تشويق القارئ، وجذب انتباهه للشيء المعلن عنه في الصحيفة.

ثانيًا: خطة تهدف إلى مخاطبة وجدان القارئ، حتى يشعر بالحاجة الماسة إلى الحصول على هذا الشيء المعلن عنه، وإلى أنه سيسد حاجةً قويةً من حاجاته.

ثالثًا: خطة تهدف إلى حسن العرض، وفيها يبذل المحرر أقصى الجهد، حتى ينجح في لفت نظر القارئ.

رابعًا: خطة تهدف إلى حسن تحرير الإعلان، أو العناية بالعبارة التي تستخدم في تحريره.

وقد رتَّبَ الأستاذ "هوتشكس Hotchkiss" في كتابه: "تحرير الإعلان". Advertising copy تلك الخطط الأربع على النحو المتقدم، ثم زاد على ذلك أنه وضع نسبةً مئويةً لكل منها، على النحو الآتي:

50% لخطة التسويق.

25% لمخاطبة وجدان القارئ.

25% لطريقة العرض.

10% للتحرير.

ص: 544

ثم قال الأستاذ: ومع ذلك، فهي العشرة الأخيرة في المائة، فإذا فشلت هذه الأخيرة في مهمتها، فشل معها كل ترتيب سابق1.

فانظر إلى قوله:

"ومع هذا وذاك، فهذه العشرة في المائة للتحرير هي العشرة الأخيرة"!!

فإنها تدل دلالة كبيرة على عظم الأهمية التي للتحرير من بين عناصر الإعلان، على الرغم من صغر النسبة المئوية التي له، بالقياس إلى النسب الأخرى.

ومهما يكن من شيءٍ فإن على محرر "الإعلان" أن يسأل نفسه عند الكتابة هذه الأسئلة التالية:

ما هي الفكرة الأساسية للإعلان؟

وما الصلة بين الإعلان ونفس القارئ؟

وأيّ أسلوبٍ يجدر به اتباعه في تحرير الإعلان الذي أمامه؟

ولا شكَّ الإجابة عن جمع هذه الأسئلة تحدد الأسلوب الذي يتبع في التحرير.

أسلوب تحرير الإعلان:

إن هذا الأسلوب المتبع في تحرير الإعلان، إما أن يكون منطقيّ الصورة، وإما أن يكون عاطفيّ الصورة، وإما أن يجمع بين الأمرين.

في الأسلوب المنطقيّ الصورة، يذكر المحرر الإعلاني مميزات السلعة، معتمدًا في ذلك على الحقائق التي لا تقبل الجدل، متخففًا ما أمكن من المصطلحات العلمية التي تدق على ذهن القارئ العاديّ.

وفي الأسلوب العاطفيّ الصورة، يخاطب المحرر الإعلانيّ نفوس القراء،

1 Advertising Copy by: Hotchkiss p. 6

ص: 545

ويثير أخيلتهم جهد المستطاع، ويدعوهم إلى ما يسمى:"التسامي الحضاري"، ومعناه: تمشي الإنسان مع المخترعات الحديثة، وعدم التخلف عنها، وبذل أقصى الجهود في الإفادة منها، مهما كلفه ذلك من مالٍ في شراء هذه الأشياء.

وليعلم المحرر الإعلانيّ هذه الحقيقة، وهي أن الإنسان مسوق بالعاطفة أكثر منه مسوقًا بالعقل أو المنطق، وهو لهذا يستجيب للإعلان العاطفيّ، ولكنه في نفس الوقت يشعر بالحاجة القوية إلى بعض المبررات العقلية التي تجعله يعتقد أن استجابته العاطفية تستند إلى الحق دائمًا، وفي سبيل هذه الغاية يسلك المحرر الإعلانيّ طرقًا شتَّى لنجاح إعلانه، منها:

أولًا: طريقة القصة:

وذلك بأن يخترع المحرر قصةً صغيرةً حول الشيء المعلن عنه، وكثيرًا ما يتوخى المحرر الإعلاني أن تكون هذه القصة الإعلانية في ذيل قصةٍ من القصص الأدبية، أو الصحفية التي تنشرها المجلة أو الصحيفة، بقصد إمتاع القراء، وكثيرًا ما يتوخَّى المحرر إيجاد الصلة بين هذه القصة الأدبية، والقصة الإعلانية.

ثانيًا: طريقة الوصف:

والقاعدة المتبعة في ذلك إلى اليوم هي قولهم: "تجنَّب أن تقول بالألفاظ ما يمكن أن تقوله بالصور"، على أن الصور في ذاتها قد لا تؤثر في أكثر من حاسةٍ واحدةٍ فقط من حواس القارئ، هي حاسة النظر، وفي هذه الحالة، يجب على المحرر الإعلانيّ أن يقوم بإتمام التأثير في بقية الحواس، كحاسة الشم، وحاسة الذوق، وحاسة اللمس، وحاسة السمع، ولايتأتى كل ذلك إلّا عن طريق اللفظ الذي يتوخَّى فيه المحرر الإعلانيّ الدقة البالغة، حتى يعبر عن جميع الإحساسات التي تعجز الصورة عن التعبير عنها.

وبهذه الطريقة يتعاون التحرير والصورة على أداء مهمة التأثير في القارئ.

ص: 546

مثال ذلك: صورة نوع خاص من الصابون، كالنوع المعروف باسم:"بالموليف"، فإن الصورة هنا لا تكفي لأن تعطي للقارئ فكرةً عن رائحته الجميلة، ولا عن تأثيره في البشرة، وإذا ذاك يجب على المحرر الإعلانيّ أن يجعل تحريره مكملًا للصورة التي يعلن بها عن هذا النوع من أنواع الصابون.

ثالثًا: طريقة الكلمات التي تشبه الحكمة أو المثل

القرش الصغير يصنع القرش الكبير، وذلك في مجال الدعوة إلى الإقبال على صناديق التوفير.

رابعًا: طريقة العمود الصحفيّ

كثيرًا ما يكون العمود الصحفيّ وسيلةً ناجحةً من وسائل الإعلان؛ إذ يحدث أن تخصص بعض الصحف أعمدة، أو صفحات كاملة، تكتب فيها عن بعض الموضوعات التي تهم الجمهور، كموضوع "المنزل الحديث"، وموضوع "المسرح الحديث"، وموضوع "الراديو" أو "التليفزيون"، وهنا ينتهز المعلنون هذه الفرص فيحيطون هذه الأعمدة أو الصفحات بإعلانات عن سلعٍ، أو أشياء تتصل بهذه الموضوعات المتقدمة، فحول "المنزل الحديث" يعلنون عن الثلاجات والأدوات الكهربائية اللازمة لراحة السيدة ربة المنزل، وحول موضوع "الراديو" أو "التليفزيون" يعلنون عن الأجهزة المختلفة لهذين الجهازين، وهكذا، وكثيرًا ما يتمُّ الاتفاق بين الصحيفة والمعلنين على هذه الطريقة، والسبب في ذلك أن الصحف -بالقياس إلى الإعلان- لا تبيع مساحة بيضاء في الواقع، وإنما تبيع إلى جانب ذلك جوًّا نفسيًّا، وإطارًا فكريًّا، فيهما يعيش الإعلان الناجح، وبطريقهما يتفنن المحررون في انتهاز الفرص لنشر الإعلان.

ومهما يكن من شيء، فأهم ما في التحرير الإعلانيّ من حيث هو أمران:

أولهما: اختيار الألفاظ.

ص: 547

وثانيهما: القوالب الفنية.

وقد تحدثنا عن هذا الأخير بغاية الإيجاز.

أما الألفاظ التي يستخدمها المحرر في الإعلان، فإنها تحتاج -كما قلنا- إلى اختيارٍ دقيقٍ من جانب المحرر، وهو اختيار يُبْنَى دائمًا على ذكائه، وعلى معرفة تامةٍ بدلالات الألفاظ، وما لها من قوة الإيحاء.

والقاعدة في ذلك هي: أن الألفاظ الشائعة الاستعمال هي الأولى بالاستعمال، ومن ثَمَّ كان محظورًا على محرر الإعلان أن يلجأ إلى معاجم اللغة، أو يستشير كبار اللغويين في لفظ من الألفاظ، أو أسلوب من الأساليب، أو طريقة من طرق الأداء التي أشرنا إلى بعضها.

والخلاصة: أن تحرير الإعلان يمر غالبًا في خطوات أربع:

الأولى: كتابة العنوان الأول، أو العنوان الكبير، والقصد منه عادة هو جذب انتباه القارئ.

الثانية: كتابة العنوان الثاني، أو العنوان الصغير، والقصد منه هو إثارة اهتمامه.

الثالثة: شرح الإدعاءات التي يدعيها المنافسون للسلعة المعلن عنها، والرد على هذه الإدعاءات، والقصد من هذه الخطوة هو إقناع القارئ.

الرابعة: الخاتمة، وكثيرًا ما تكون في جملةٍ واحدةٍ من الجمل القوية المؤثرة، والقصد منها هو حمل القارئ على الإقدام على شراء السلعة، وهو مرتاح الضمير، كبير الثقة بالفائدة.

تلك هي الخطوات الأربع التي يمر فيها محرر الإعلان غالبًا، ولكن ليس من الضروري مطلقًا أن يمر تحرير الإعلان بجميع هذه الخطوات في إعلانه عن كل سلعة من السلع، فقد يكتفي التحرير أحيانًا بأقل من نصفها؛ إذ المدار في كل ذلك على المرحلة الإعلانية التي يمر بها، ونحن نعلم أن الإعلان يمر بمرحلة الارتياد أولًا، فمرحلة المنافسة ثانيًا، فمرحلة المحافظة

ص: 548

على السمعة في نهاية الأمر، ولكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث خطة للتحرير خاصة بها.

ومهما يكن من شيءٍ، فللرسالة الإعلانية في ذاتها جانب نفسيّ، وآخر فنيّ، وفي الأخير تهتم بالألوان والظلال، وبما تحمل هذه الأشياء من المعاني إلى القارئ، وفي الأول تهتم الصحيفة بأمور أخرى، من أهمها: التحرير، وهنا ننصح لكتاب الرسائل الإعلانية بدراسة جزء من علم البلاغة.

ولا نعني بهذا الجزء المحسنات اللفظية، وإنما نعنى به المحسنات المعنوية، وهي كثيرة جدًّا في هذا العلم أو الفن، ومنها على سبيل المثال في البلاغة العربية:"قالب المدح بما يشبه الذم، وقالب الحض بما يشبه التحذير".

ومن الأمثلة على هذا الأخير عبارة كتبت يومًا في عربات السكة الحديدية بمدينة لندن، إعلانًا عن السجاير المصرية، هذا نصها:

"الدخان ممنوع، ولو كانت سجاير البستاني".

مر صديقٌ لي بحيّ من أحياء القاهرة، هو حيّ مصر القديمة، فوجد عبارةً مكتوبةً على باب فوَّال -أعنى بائع الفول المدمس- هذا نصها:

"إذا خلص الفول أنا غير مسئول"

فعجبت لهذه العبارة الإعلانية البديعة Slogan، ودهشت لهذا القدر من التوفيق في كتابة هذه العبارة، ولصدورها من رجل أميٍّ هدته سليقته الإعلانية إلى اختيارها؛ بحيث تؤثر في الجمهور تأثيرًا ليس إلى إنكاره من سبيل.

وقديمًا كانت الأزجال والأشعار والمواليا تقوم بمهمة الإعلان عن السلع خير قيام، والأدب العربيّ حافل بأمثلة شتَّى من هذا القبيل، وحسبنا هنا أن نشير إلى بائع الخُمُر -بضم الخاء- جمع خمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها ورقبتها وصدرها، فقد قيل: إن تاجرًا من تجار هذه الخُمُر

ص: 549

بالعراق، أوشك على الإفلاس يومًا ما، فلجأ إلى شاعر من الشعراء صنع له أبياتًا ينادي بها على هذه السلعة، أولها:

قل للمليحة في الخمار الأسود، ماذا صنعت بزاهدٍ متعبد

إلخ.

وهي أبيات مشهورة تصور هذا الزاهد العابد، وقد خرج من محرابه وترك صلاته منذ اللحظة التي وقع فيها بصره على تلك المرأة المليحة التي وضعت على رأسها هذا الخمار الأسود!

وبهذه الأشعار راجت بضاعة التاجر العراقيّ، وأثرى ثراءً عظيمًا.

والأمثلة على هذه الأضراب البلاغية في الإعلان كثيرة جدًّا، يعرفها المعلنون بالسليقة.

ص: 550