الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماجريات وطريقة تحريرها:
"الماجرى" لفظ مركب من كلمتين هما: "ماء" و"جرى" بمعنى "ما حدث" وهو اصطلاح صحفيّ لا يجرى بمعناه اللغويّ على الأحداث التي تقع في أي مكان، كالطريق، أو المنزل، أو المدرسة، أو المكتب، أو الجامعة، أو الملعب، ونحو ذلك، وإنما يقصد بهذا الاصطلاح كل ما يحدث في الجلسات التي تعقدها الهيئات العامة ذات الصلة الوثيقة بمصلحةٍ عليا من مصالح الوطن الذي تصدر فيه الصحيفة، والأوطان التي تربطها به علاقة ما 1.
ونحن نعرف أن الصحف في وقتنا هذا تفرد مكانًا خاصًّا لهذه الجلسات، وتكل إلى محرريها وصف ما يدور بها من مناقشات، وما يتخذ فيها من قرارات، وإن كانت الإذاعة في الوقت الحاضر -كما سيكون التليفزيون في وقت قريب- منافسًا خطيرًا للصحافة في هذا الباب- مع فارق واحد بينهما في ذلك، هو أن الإذاعة لا تعلق في الغالب على هذه الجلسات بالذات فور إعلانها، إلّا من حيث إنها نبأ من الأنباء، وهناك فارق آخر هو أن التليفزيون يمكنه أن يعرض هذه الجلسات على الجمهور كما هي تمامًا، وكذلك تفعل الإذاعة إن أرادت، على حين أن قلم المحرر الصحفيّ لهذه
1 يرجع الفضل في استحداث هذا الاصطلاح إلى الأساذ المرحوم الدكتور محمود عزمي، الرئيس السابق لمعهد التحرير والترجمة والصحافة بجامعة القاهرة، فهو الذي أطلق هذا الاسم على هذا الفن من فنون الصحافة الحديثة في المحاضرات التي ألقاها على طلبة هذا المعهد.
الماجريات يؤدي دورًا هامًّا في تصويرها للقارئ، بما يتفق وسياسة الجريدة، فيحذف ما يشاء أن يحذف من أقوال الأعضاء، ويثبت ما يشاء أن يثبته منها.
أما هذه الهيئات العامة ذات الصلة الكبرى بمصالح الوطن الذي تصدر فيه الجريدة فكثيرة، من أهمها: مجالس النواب، والمحاكم على اختلاف أنواعها، والمؤتمرات السياسية في بلاد تربطها بها مصلحة عليا، والمؤتمرات أو الجلسات الهامة التي تعقدها جميع المنظمات الدولية التي تشترك فيها أكثر من دولتين من دول العالم، ومن الأمثلة على هذه المنظمات: عصبة الأمم فيما مضى، ومؤتمر نزع السلاح، وهيئة الأمم المتحدة، ومؤتمرات جامعة الدول العربية، ومؤتمر العمال الدوليّ، ونحو ذلك.
والعناية بالجلسات التي تعقدها هذه المجتمعات، أو المنظمات، أو الهيئات، وتسجيل المناقشات التي تدور فيها، والقرارات التي تتخذها، ووصف الجو المحيط بكل جلسة من هذه الجلسات، كل ذلك موضوع "الماجريات الصحفية" التي نتحدث عنها.
ورُبَّ قائلٍ يقول: وما الفرق إذن بين الأخبار والماجريات؟ والجواب أن بينهما فروقًا، من أهمها ما يلي:
أولًا: أن الماجرى يتناول أعمال الهيئات التي أشرنا إليها، وهذه الهيئات قسمان؛ أحدهما ذو صبغة وطنية أو محلية، ومنه المحاكم ومجالس النواب، والمؤتمرات الوطنية التي تنعقد في مناسبات خاصة، والآخر ذو صبغة عالمية، ومنه الهيئات الدولية الكبرى؛ كهيئة الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة، ومنها -كما نعرف- مؤتمرات العمال الدولية، ومؤتمرات الصحة العالمية، والبنك الدوليّ للإنشاء والتعمير، ومجلس الأمن، ولجنة حقوق الإنسان، والمجلس الاقتصاديّ الاجتماعيّ، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية.
وعلى حين يجب على محرر "الماجريات الصحفية" أن يعنى بهذه الجلسات عنايةً خاصةً، ويكتب عنها تقريرًا من نوع خاصٍّ، نرى محرر الأخبار لا تعنيه هذه الأمور، ولا يكلف من قبل الصحيفة بشيء منها، بل تقف عنايته عند نتائج هذه الماجريات، ومواعيد حدوثها، والأمكنة التي حدث فيها.
ثانيًا: أن الماجرى ليس مجرد سردٍ للأخبار والحقائق، يقصد به إلى مجرد الإعلام، لكنه -أي: الماجرى- يشتمل على عنصرين في وقت معًا، وهما:عنصر الإعلام، وعنصر التوجيه والإرشاد، وقد يضاف إليهما عنصر التعليق البسيط، في غضون التقرير متى دعت الضرورة لذلك، والماجرى على هذا الوجه عبارة عن تقرير مفصل لحادث كبير، عقدت له جلسات هامة، حضر فيها ممثلون عن الدول التي تصدر فيها الصحيفة، أو الدول التي تربطها بها مصلحة كبيرة.
ثالثًا: أن مهمة الأخبار يمكن أن يقوم بها صحفيّ ناشيء، أو مخبر مبتديء، على حين أن الماجريات يجب ألَّا يضطلع بها إلّا صحفيون من ذوي الخبرة الطويلة والثقافة العريضة، وخاصةً فيما يتصل بالماجريات الدبلوماسية والدولية، فإن هذين النوعين من الماجريات يحتاجان في الواقع إلى أفق سياسيٍّ واسعٍ، وإلى علم بالسياسة مكتمل.
ولسائل كذلك أن يسأل: ما الفرق بين الماجرى الصحفيّ، والتحقيق الصحفيّ؟
ونقول: إن بينهما فروقًا منها:
أولًا: أن التحقيق أعم، والماجرى أخص، أي أن الماجرى يمكن اعتباره -بشيء من التساهل- نوعًا من التحقيق- ولكن لا يمكن أن يعتبر التحقيق نوعًا من أنواع الماجريات بحالٍ ما.
ثانيًا: أن التحقيق الصحفيّ -كما رأينا- قائم في أكثر الأحيان على دراسات المتخصصين، وآراء الفنيين، وقد يقتصر مجهود المحرر الصحفيّ في هذه الحالة على جميع هذه الآراء، وتسجيل هذه الدراسات، أو عرضها بشكل يحذب التفات القارئ، ويشركه في التفكير الجديّ للوصول إلى حل من المحلول لهذه المشكلة التي يعرض لها التحقيق.
أما في الماجريات فالمجهود كله واقع على كاهل المحرر، والتنظيم كله صادر منه أيضا، والماجريات على هذه الصورة الأخيرة ذاتيةً في كثير من الأحيان، أي: أنها تحمل -إلى حد ما - طابع كاتبها، على حين أن التحقيق الصحفيّ موضوعي في أكثره، أي: أنه لا يحمل -في الغالب- مثل هذا الطابع.
ثالثًا: أن التحقيق الصحفيّ يعتمد دائمًا على الصور الكثيرة التي لا غنى له عنها، أما الماجريات الصحفية فأقل حاجةٍ إلى هذا العنصر؛ إذ يكتفي كاتب الماجريات بصورةٍ واحدة فقط للقاعة التي حدثت فيها المناقشات، أو للشخصية البارزة التي استطاعت السيطرة على هذه المناقشات، وقد تظهر هذا الماجريات في الصحيفة بدون صور على الإطلاق.
رابعًا: أن الماجريات الصحفية إنما تتناول الحوادث القريبة، أو ما يطلق عليه "حوادث الساعة"، بينما التحقيق الصحفيّ يمكن أن يتناول الحوادث البعيدة، أو الموضوعات التي توصف بالجدة الزمنية، كمشكلة الغلاء، ومشكلة البطالة، ومشكلة الزواج والطلاق، ومشكلة الروتين الحكوميّ.
أنواع الماجريات وطرق تحريرها:
إننا إذا ذهبنا نحصي الماجريات الصحفية بوجهٍ عامٍّ وجدناها أربعة أنوع:
1-
الماجريات البرلمانية.
2-
الماجريات القضائية.
3-
الماجريات الدبلوماسية.
4-
الماجريات الدولية.
وبدهيّ أن محرر هذا الفن من فنون الصحافة يحتاج إلى معرفة دقيقة باللغة اليومية، إن كانت الماجريات مما يتصل بدور النيابة أو القضاء، وباللغات الأجنبية إن كانت الماجريات مما يتصل بالسياسة، وخاصة ما دار منها في إحدى منظمات هيئات الأمم.
أما الطريقة العامة التي تتبع في تحرير الماجريات فشبيهة بالطريقة العامة التي تتبع في كتابة القصة الإخبارية، ومعنى ذلك باختصار: أن محرر الماجريات لا بد له من كتابة العنوانات الكبيرة، فالتي أصغر منها؛ لكي يلفت إليها نظر القارئ، وعلى محرر الماجريات بعد ذلك أن يجعل لهذا النوع من التقرير الصحفيّ صدرًا، يثبت فيه أهم النتائج التي يشتمل عليها التقرير، وصلبًا يحتوي على التفاصيل، ومنها كلمات المؤيدين، وردود المعارضين، وصف الجوّ الذي كاد يسود الجلسة، وتسجيل القرارات التي اتخذتها.
على أن هناك فرقًا تجب مراعاته دائمًا بين القصة الخبرية والتقرير الذي على شكل ماجريات، ويأتي هذا الفرق من ناحية التفاصيل في كل منهما، وهذه التفاصيل في القصة الإخبارية ليست لها الأهمية التي للتفاصيل في الماجريات الصحفية.
ولتوضيح ذلك نقول: إنه بينما تستطيع الصحيفة أن تتصرف دائمًا في تفاصيل القصة الخبرية، فتحذف ما تريد أن تحذفه، وتثبت ما تريد أن تثبته تبعًا لظروف الطباعة، أو لظروف المساحة المخصصة للأخبار؛ إذ بالصحيفة لا تستطيع في أغلب الأحيان أن تتصرف في تفاصيل
الماجريات الصحفية، وخاصةً ما كان منها يتصل بالأمور السياسية، ففي هذه الحالات الأخيرة نرى التفاصيل تشتمل على القرارات، أو البيانات، أو الكلمات التي تصدر عن الملوك والرؤساء والوزراء ممن يشتركون في مؤتمر دبلوماسيّ، أو آخر دوليٍّ، وفي هذه الحالة يصعب على المحرر الصحفيّ أن يحذف من هذه المواد كلها شيئًا ما، إلّا عند الضرورة القصوى.
وفي مجال تحرير الماجريات الصحفية يتفاوت الكُتَّابُ، وتظهر الفروق الواسعة بينهم في الكتابة.
فهذا كاتب يميل إلى الإلمام بالموضوع في إيجاز، ويركز معلوماته تركيزًا خاصًّا، فيورد أهم الأحداث التي جرت داخل الجلسة، ويسجل أهم الأحاديث التي دارت بها، ولا يكترث لغير ذلك من الحوادث الصغيرة، أو الأحاديث العابرة، أو التي لا تؤثر في المجرى العام لسير الجلسة نفسها.
ومثل هذا الكاتب أو المحرر، نراه يجهد نفسه كثيرًا في التفرقة بين الغَثِّ والسمين من هذه الحوادث، والمناقشات العامة والخاصة، وقصده من ذلك واضح، هو توفير وقت القارئ، أو كما يقول الأستاذ "ويكهام ستيد" فيما يلى:
"إن من الضروري لكل صحيفة تريد لنفسها النجاح والرواج، أن تحرز في كل يوم نصرًا جديدًا في الإخراج، تتغلب به على عنصر الملل والركود عند القارئ، وكثيرًا ما يكون ذلك عن طريق التحرير الصحفيّ قبل أي شيء آخر".
ثم إن هناك كاتبًا آخر-على العكس من الأول- يميل إلى الإسهاب والتفصيل، ويحرص الحرص كله على تسجيل شاردة وواردة، ويصور الجو العام للجلسة، ويطيل في ذلك، حتى ليصف للقراء ملابس الأعضاء، وألوان هذه الملابس، وحركات المتحدثين، وطريقة كل منهم في كلامه، وجداله، ومتى ارتفع صوته في هذا الجدال، ومتى انخفض،
ويجعلنا باختصار نشعر شعورًا كاملًا بأننا شهدنا معه الجلسة البرلمانية، أو القضائية، أو الدولية.
غير أن هذه الطريقة القائمة على الإسهاب لا تصلح إلّا للطبعات التي تصدرها الصحيفة للأقاليم، لا للعاصمة؛ حيث الناس في تلك الجهات النائية يجدون الوقت الكافي لقراءة هذه التفاصيل، والاستمتاع بما فيها من أوصاف كثيرة، وتعليقات طريفة.
أما الطبعة التي تصدر في العاصمة، فلا يصلح لها شيء من ذلك؛ إذ الناس في العاصمة يعرفون للوقت قيمته، فلا يميلون إلى تلك المواد الصحفية التي نسي محررها تقدير هذه التفرقة.
وهذا كاتبٌ ثالثٌ تراه يخلط بين المذهبين السابقين، ويجمع بين الطريقتين الآنفتين؛ يوجز في مواطن الإيجاز، ويسهب في مواطن الإسهاب، ويتحاشى الإيجاز الذي يضيع الفائدة على القراء، كما يتحاشى الإسهاب الذي يطغى على جزء كبير من وقتهم، ويصرفهم عن عملهم، ولذلك يحفظ لنفسه طريقًَا وسطًا، لا تفريط فيه ولا إفراط.
نستطيع بعد ذلك أن نقف وقفةً قصيرةً عند كل ضرب من الأضرب الأربعة السابقة للماجريات، لنشرح شيئًا من الطرق المتبعة في كتابته، والأمور التي ينبغي توافرها في كاتبه ومحرره.