الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماجريات الدولية:
ليس من السهل في حقيقة الأمر أن يفصل الباحث فصلًا تامًّا بين الماجريات الدبلوماسية، والماجريات الدولية، فكل من هذين النوعين من الماجريات إنما يقوم على السياسة الخارجية للحكومة، بوصفها ذات مصالح وعلاقات خاصة بالدولة الأخرى، أو بعبارةٍ أخرى: بوصفها عضوًا من أعضاء الأسرة الدولية في العالم أجمع.
غير أن الفرق الأوحد بين النوعين: أن الأول -وهو الدبلوماسي- أضيق نطاقًا من الثاني، وهو الدوليّ، فكل دولة -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- تدور في فلك دول أخرى قريبة منها في الاتجاه السياسيّ، أو تدور هذه الدول معها في هذا الفلك السياسيّ، فحيث تعقد المؤتمرات بين رؤساء هذه الدول المتشابهة في السياسة، أو بين وزراء الخارجية فيها؛ فهذا هو الماجري الدبلوماسيّ، وحيث تعقد الاجتماعات الدولية الكبيرة التي تشترك فيها الدول بصفةٍ عامةٍ، فتلك هي الماجريات الدولية، ومع هذا وذاك، لا يزال الفصل بين النوعين فصلًا تامًّا في غير مقدور البحث العلميّ إلى يومنا هذا.
ففي الوقت الذي تكتسب فيه هذا الكتاب، حضرت إلى مصر لجنةٌ خماسيةٌ يرأسها المستر "روبرت مانزيس R. Menzis" رئيس الوزارة الاسترالية، وكذلك في أوائل شهر سبتمبر سنة 1956، وقد جاءت هذه اللجنة لتفاوض رئيس الجمهورية العربية المتحدة في أمر " تدويل قناة السويس"، وقبلت مصر المفاوضة، ولكن على غير هذا المبدأ؛ لأن مصر كانت قد فرغت من تأميم القناة، وبقيت مصممة على موقفها هذا إلى اليوم.
فهل تعتبر هذه اللجنة التي أشرنا إليها مؤتمرًا دبلوماسيًّا؟ أم تعتبرها مؤتمرًا دوليًّا؟
الواقع أنها تعتبر مؤتمرًا دوليًّا دبلوماسيًّا في وقت معًا.
ومثل ذلك يمكن أن يقال بالقياس إلى مؤتمر لندن، وهو المؤتمر الذي عقد في أغسطس من السنة المذكورة. وكان قوامه ثلاثًا وعشرين دولة، اجتمعت بلندن، للنظر في نفس المشكلة المتقدمة، وهي مشكلة قناة السويس، فهو يعتبر في نظرنا ذا صبغة مزدوجة.
أما المارجريت التي تختص بجميع المنظمات الدولية؛ مثل عصبة الأمم فيما مضى، ومؤتمر نزع السلاح، وجلسات الأمم المتحدة بفروعها المختلفة1، ومؤتمر الكتلة الآسيوية الأفريقية الذي اجتمع في باندونج، وغيرها من الاجتماعات العامة التي يباح للصحفيين حضورها في الأعم الأغلب، فكلها مجتمعات دولية بحتة، والتقارير التي تكتب عنها تعتبر من الماجريات الدولية التي لاشك في دولتيها.
وقد اخترنا أن نضرب المثل هنا بالمؤتمر الذي الذي عقدته الكتلة الأسيوية الإفريقية، وهو:
مؤتمر باندونج:
هو المؤتمر الذي تألف من الدول الآسيوية والإفريقية، التي تجمعها غاية واحدة، هي الوقوف بين الكتلتين الشرقية والغربية، كما تسعى لتحقيق هدف معين، هو محاربة الاستعمار، وتحقيق التعاون بينهما في الميادين الاقتصادية، والثقافية، والسياسية.
1- وهذه الفروع حسب ورودها في ميثاق الأمم المتحدة هي:
1-
الجمعية العامة.
2-
مجلس الأمن.
3-
المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
4-
مجلس الوصاية.
5-
محكمة العدل الدولية.
6-
الأمانة.
ولأن هذا المؤتمر يعتبر في الواقع أجلَّ حادثٍ سياسيٍّ في عام 1955، فقد اخترناه مثلًا من أمثلة الماجريات الدولية، وسنعتمد في ذلك على صحيفة "الأهرام" الصادرة في يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر أبريل من السنة المذكورة، وقد صدرت يومئذ وفي صفحتها الأولى هذه العنوانات الكبيرة التالية:
مؤتمر باندونج يقر مبادئ السلام العالميّ:
مناشدته العالم خفض القوات المسلحة:
وتحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل:
الرئيس جمال عبد الناصر يشيد بنجاح المؤتمر في جلسته الختامية:
ثم قالت الأهرام:
انتهت أمس في باندونج اجتماعات المؤتمر الأفريقيّ الآسيويّ الأول، وقد اجمعت الدول السبع والعشرون التي اشتركت فيه على اتخاذ قرارات في مختلف المسائل التي بحثتها، وفي مقدمتها برنامج لتحقيق السلام العالميّ، تضمن عشرة مبادئ، وهي:
1-
احترام حقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة.
2 احترام سيادة جميع الدول، ووحدتها.
3-
الاعتراف بحق المساواة بين جميع الأجناس، والقوميات.
4-
عدم التدخل في شئون الدول الأخرى.
5-
حق كل دولة في الدفاع عن نفسها بمفردها، أو بالاشتراك مع غيرها، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة.
6-
الامتناع عن استخدام أية تدابير، أو اتفاقات جماعية لصالح
أية دولة من الدول الكبرى، والامتناع كذلك عن الضغط على الدول الأخرى.
7-
الامتناع عن أعمال التهديد، أوالعدوان، أو استخدام القوة من جانب أية دولة.
8-
تسوية كل المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
9-
تنمية المصالح المتبادلة، وزيادة التعاون.
10-
احترام العدالة، والالتزامات الدولية.
وفيما يلي ما تلقيناه من الجلسة الختامية للمؤتمر:
باندونج في 24:
من ممدوح طه مندوب "الأهرام" الخاص، و"جيبون سيموندز" مراسل "الأهرام" الخاص.
أنفضَّ مساء الجمعة المؤتمرُ الآسيويّ الأفريقيّ الأول، وأعلن في البيان الرسميّ الذي صدر بهذه المناسبة، أن الدول السبع والعشرين التي اشتركت فيه، وافقت بالإجماع على القرارات التي اتخذت بشأن كل المسائل التي بحثتها.
عقد المؤتمر مرة أخرى:
وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد عرض على المؤتمر أن يعقد اجتماعه القادم في القاهرة، واقترح "شواين لاي" في جلسة اليوم أن ينعقد المؤتمر مرة أخرى، وقد وافق المؤتمر على ذلك، ولكن دون تحديد موعد الاجتماع ومكانه.
التنديد بالأسلحة الذرية:
وقبل أن يعقد المؤتمر جلسته الأخيرة، قامت لجنة فرعية بإعداد صيغة البيان الرسميّ عن أعمال المؤتمر، بينما أعدت لجنة أخرى صيغة قرار بالتنديد بالأسلحة الذرية.
تقرير اللجنة الاقتصادية:
وكانت اللجنة الاقتصادية قد انتهت من أعمالها، وأعدت تقريرًا بذلك، تجنبت أن تشير فيه إلى مسألة حظر تصدير المواد الاستراتيجية من الدول الغربية إلى الصين الشيوعية.
قيود التعليم بالمغرب العربيّ:
ونددت اللجنة الثقافية في تقريرها ببعض الدول الاستعمارية التي لا تزال تحرم الشعوب الخاضعة لها من الحقوق الأساسية، ولا سيما فيما يتعلق بالتعليم، كما هو الحال في تونس، والجزائر، ومراكش بحيث تحرم فرنسا شعوب تلك البلاد من تعلم لغتهم الأصلية، وهي اللغة العربية.
التنديد بالاستعمار:
كانت الدول المناهضة للشيوعية في اللجنة الفرعية المكلفة بوضع صيغة قرار المؤتمر عن التنديد بالاستعمار، متمسكةً بوجوب النص في القرار على التنديد أيضًا بأعمال التسلل السياسيّ، والحركات الهدامة.
ولكن الدول الأخرى؛ ومنها الصين، والهند، ومصر، وبورما، وسوريا وغيرها، رأت أن يكتفي بالنص في القرار على الاستعمار في كل أشكاله، بدون الإشارة إلى أعمال التسلل السياسيّ، والحركات الهدامة، على اعتبار أن ذلك موضوع آخر لا علاقة له بالاستعمار.
وقد اجتمعت هذه اللجنة اليوم وتمكنت -بعد مناقشات طويلة، وتبادل في وجهات النظر- من الاتفاق بالإجماع على الاكتفاء بالنص في القرار على التنديد بالاستعمار بكل أشكاله ومظاهره1.
1 كان المقصود من إضافة العبارة "بكل أشكاله ومظاهره" انتهاء الخلاف الذي نشب بين أعضاء اللجنة حول تحديد معنى كلمة "الاستعمار"؛ إذ رأت بعض الدول المرتبطة بالأحلاف الغريبة أن هذا المعنى يشمل العلاقة بين الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، راجع تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية عن مؤتمر باندونج.
وكان السودان، وليبيا، ولبنان، من الدول التي تضامنت مع العراق، وتركيا، وغيرها من الدول المناهضة للشيوعية.
معجزة في آخر لحظة:
وكان قد بدا للكثيرين أن لا سبيل للاتفاق، وخاصةً بعد أن طالت المناقشات، واقترب الموعد المحدد لعقد الجلسة الختامية للمؤتمر، وشاع أن المؤتمر سيضطر إلى إرجاء جلسته الختامية، ولكن حدثت معجزة في آخر لحظة، بعد أن رأت الوفود المختلفة أنه لا بد من أن يصدر المؤتمر قرارًا يندد فيه بالاستعمار بأي شكل، وإلّا فإن الرأي العام العالميّ سينظر إلى المؤتمر على أنه قد أخفق، ولم يتفق أعضاؤه فيما بينهم على المسألة الرئيسية التي اجتمعوا من أجلها، وهي مسألة الاستعمار!
التعايش السلميّ:
وتعرضت اللجنة المكلفة بإعداد صيغة القرار الخاص بالمعايشة السلمية بين مختلف النظم السياسية، لصعوبات مماثلة، ولكنها تغلبت عليها في النهاية.
ويقول المراقبون السياسيون: إن موافقة المؤتمر على إسقاط عبارة: "أعمال التسلل السياسيّ والحركات الهدامة" من القرار الخاص بالتنديد بالاستعمار يعد نصرًا للشيوعين، ومن تضامنوا معهم، ومعنى هذا: أن الدول الموالية للغرب، والمناهضة للشيوعية اضطرت في النهاية إلى التسليم بوجهة نظر معارضيها.
برنامج لتحقيق السلام:
ووافق المؤتمر على برنامج لتحقيق السلام في العالم، ويتألف هذا البرنامج من النقاط العشر الآتية:
ثم ذكر المحرر الصحفيّ القرارات العشرة التي ذكرها في مقدمة التقرير.
كلمات الوفود:
ولما عقد المؤتمر جلسته الختامية في المساء، أبدى نحو عشرين وفدًا رغبتهم في إلقاء كلماتٍ لمناسبة انتهاء أعمال المؤتمر، فتمَّ الاتفاق على تخصيص خمس دقائق لكل وفد.
كلمة وفد أفغانستان:
وكان أول الخطباء في هذه الجلسة، السردار: محمد نعيم، وزير خارجية أفغانستان، وقد استهلها بقوله:
"لقد جئنا إلى هذا المؤتمر وقلوبنا مليئة بأمل عظيم، ونحن نغادره اليوم وقلوبنا مفعمة بأمل عظيم"، ثم قال:"لقد أوضحت الدول الآسيوية الأفريقية المشتركة في هذا المؤتمر، أن رغبتها هي ذات الرغبة المشتركة لصون السلم والمعارف الإنسانية".
كلمة وفد أندونيسيا:
وتكلم بعده السيد: على ساسترو إميد جوجو، رئيس وزراء أندونيسيا فقال:
"إن المؤتمر لم يتخذ قرارًا يقيم الأرض ويقعدها، أو يخلق عهدًا جديدًا، ويكاد هذا لا يثير أية دهشة، فالغرض الذي من أجله وجهت الدعوة إلى هذا المؤتمر هو اجتماع زعماء الدول الآسيوية، والأفريقية، لتبادل وجهات النظر بغيةَ تحقيق تفاهم أفضل، وهذا هو ما فعله المؤتمر".
وأردف قائلًا: "إن مناقشاتنا قد أظهرت بعض الخلافات، وتعارضًا في الآراء، وكان لا بد أن نتوقع هذا، نظرًا لاتساع الرقعة الجغرافية التي تشغلها الدول الممثلة هنا، وفي هذا العالم المضطرب الذي تسوده الشكوك
وعدم التفاهم، يجب أن نعتبر أيّ تحقيق، وأيّ تفاهم في أي جزء منه مرحلة في سبيل التقدم".
كلمة شواين لاي:
وتكلم بعده شواين لاي، رئيس حكومة الصين الشيوعية، فبدأ خطابه بالإعراب عن شكره لدول "كولومبو" الخمس، صاحبة فكرة الدعوة إلى هذا المؤتمر، ثم وجَّه التحية إلى رجال الحكومة الأندونيسية التي استضافت وفود المؤتمر، وإلى رئيس هذه الحكومة السيد: علي ساستر وأميد جوجو
ومضى فقال: إن المؤتمر سيكون له أثره العظيم في المساعدة على مقاومة الاستعمار، وتأمين السلم، وتحقيق المزيد من التفاهم، وإن أهميته تتضح مما أسفر عنه من تفاهم بين الدول الآسيوية والأفريقية، واتفاق على بعض المسائل الكبرى".
ثم قال: "إن هذا المؤتمر قد أظهر الحقيقة الواقعة، وهي أن وجهات نظرنا متباينة فيما يتصل بالكثير من المسائل، وقد ناقشنا جانبًا من هذه الخلافات، ولكنها لم تمنعنا من الوصول إلى اتفاقٍ مشتركٍ على الخطوات المؤدية إلى السلم العالميّ، والاتفاق على المسائل الاقتصادية.
ثم أشار إلى أن شعور الدول الآسيوية والأفريقية يشارك بعضها بعضًا ذات المصير، وذات الرغبات، وعرض لموقف حكومته من عدة مسائل، يتناولها البيان المشترك فقال:
إن الشعب الصينيّ يعرب عن عطفه التام، وتأييده الكامل لشعوب مراكش، وتونس، والجزائر، في كفاحها للفوز بالحكم الذاتيّ، وكذلك اللاجئين العرب الذين يعملون على نيل حقوقهم الإنسانية.
وأعرب شواين لاي أيضًا عن عطف الصين الشيوعية على أندونيسيا، في جهودها لتحرير "غينا" الجديدة من الاستعمار.
وقال: إن القرارات التي اتخذها المؤتمر بشأن هذه المسائل وغيرها مما
يساعد على إزالة ما هناك من توترٍ بسببها، ثم تحدث عمَّا تقتضيه الضرورة من تنفيذ أصحاب الشأن في الهند الصينية، للاتفاق الذي تَمَّ في جنيف، كما قال بوجوب عمل ذوي الشأن في كوريا على الوصول إلى حلٍّ عاجلٍ لمشكلات هذه الدولة المجزأة.
وهنا أكد شواين لاي حق بلاده في تحرير فرموزا، فقال:
"إن الصين والولايات المتحدة يجب أن تتفاوضا وتعملا معًا على إزالة التوتر القائم في الشرق الأقصى، وخاصةً في تايوان، "فرموزا"، وبديهيّ أن هذا لا يؤثِّر بحالٍ من الأحوال في مطالب الشعب الصينيّ العادلة، وهي استخدام ما له من حقوق السيادة في تحرير تايوان "فرموزا".
وأخيرًا قال شواين لاي:
"إني آمل أن تتكرر كثيرًا الاتصالات بين الدول الآسيوية والأفريقية، وأن تجرى الاتصالات الودية بين شعوب هذه الدول".
واختتم كلمته بالإعراب عن أمانيه الطيبة لجميع أعضاء الوفود، وسلامة العودة إلى أوطانهم.
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر:
وألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطابًا في هذه الجلسة الختامية، ضمنه رأيه في المؤتمر، وشكره للدول الداعية إليه، والدولة المضيفة، هذا نصه:
"إن مؤتمرنا يقترب من نهايته بعد مداولاتٍ وديةٍ مثمرةٍ استغرقت ثمانية أيام، وقد سبقت هذه الأيام الثمانية استعدادات واسعة النطاق، وجهود بدأتها السكرتيرية المشتركة للمؤتمر، فكانت عظيمة الفائدة حقًّا، ولا شك في أن مؤتمرنا قد أحرز نجاحًا عظيمًا؛ لأن السلم والتعاون الدوليّ سيفيدان فائدةً عظيمةً من التضامن والانسجام اللذين كشفت عنهما قراراته، وأن قضية السلم تستمد إلهامًا عظيمًا بما أبدته جميع الدول
الآسيوية والأفريقية من اهتمامٍ بالغٍ، وتأييدٍ تامٍّ فيما يتصل بمسألة حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير.
ثم قال: إن كثيرًا من الفضل في نجاح المؤتمر يرجع للجهود الشخصية للسيد: علي ساسترو جوجو، رئيس المؤتمر، وإلى خبرته، وطول أناته، كما أن روح أعضاء الوفود التي اتسمت بطول الأناة، والرغبة في التوفيق، ساعدت في جعل مداولاتنا تنهج نهجًا إنسانيًّا في الأوقات التي بدا فيها ألّا مندوحة من وقوع الخلاف!
واختتم الرئيس عبد الناصر كلمته بشكر الحكومة الأندونيسية، على ما أظهرته من كرم الضيافة، وشكر الدول الداعية إلى المؤتمر لاتخاذها الخطوة الأولى في سبيل عقده.
بهذه الطريقة السابقة كتبت "الأهرام" في صفحتها الأولى تقريرها عن هذا "الماجرى الدبلوماسيّ" الخطير الذي تمخض عن القرارات العشرة لمؤتمر باندونج.
وقد اتبعت الصحيفة في كتابة هذا التقرير على وجه التقريب، نفس الطريقة المتبعة في كتابة الخبر، ومعنى ذلك: أنها جعلت للتقرير عنوانًا رئيسيًّا كبيرًا هو:
مؤتمر باندونج يقرر 10:
مبادئ لصون السلام العالميّ
ثم أعقب ذلك بعنوانات هي:
- مناشدته العالم خفض القوات المسلحة.
- وتحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل.
الرئيس عبد الناصر يشيد بنجاح المؤتمر في جلسته الختامية:
وعلى أثر ذلك أتت الصحيفة على القرارات العشرة التي هي ثمرة هذا المؤتمر.
ومن كل ما سبق تألف ما يسمى: "صدر الخبر" أو الماجرى، ثم انتقلت "الأهرام" من ذلك إلى "الجسم"، أو الصلب، أو التفاصيل، فرأيناها تجعل لكل تفصيلٍ منها عنوانًا خاصًّا، حتى إذا وصلت إلى الجزء الخاص بالقرارات العشرة أولته عنايةً تامةً، وعادت تكتب هذه القرارات "بالبنط" الأسود، أو الظاهر، وأعطت لكل قرار منها رقمًا مستقلًّا به.
ثم عُنِيَ التقرير بعد كل هذا بالخاتمة، وقد اقترنت هذه الخاتمة بكلمات رؤساء الوفود، وقد اكتفى المحرر الصحفيّ بأربع كلمات؛ منها كلمة رئيس الحكومة المصرية، وبها انتهى التقرير.
على أن مؤتمر باندونج -بالرغم من سعة رقعته، ونبل غايته- يعتبر نموذجًا صغيرًا للماجريات الدولية، وذلك إذا قيس بالاجتماعات الكبيرة التي تعقدها هيئة الأمم المتحدة، وتدعو إليها أكثر دول العالم كله، بما في ذلك دول الكتلة الشرقية، ودول الكتلة الغربية، ودول الكتلة الآسيوية والأفريقية، التي عقدت أول مؤتمر لها في "باندونج".
ولعل من أوضح الأمثلة على جلسات هيئة الأمم منذ نشأتها إلى اليوم، تلك الجلسات العاصفة التي عقدتها الهيئة بسبب "أزمة قناة السويس"، وذلك منذ شهر أكتوبر سنة 1956.
على أن هيئة الأمم المتحدة لم تشهد أخطر ولا أعنف من الجلسات التي عقدتها في أوائل نوفمبر سنة 1956، وذلك على أثر العدوان الثلاثيّ المسلَّح على مصر، وهو العدوان الذي دبرته كلٌّ من انجلترا وفرنسا وإسرائيل، في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر عام 1956.
غير أن هذه الجلسات العنيفة الخطيرة التي نشير إليها، قامت بتسجيلها على شكل "ماجريات دولية" إذاعة الحكومة المصرية، بما لم يدع للصحف الوطنية أية فرصة لمنافستها في ذلك.
والذي لا شكَّ فيه أن الإذاعة المصرية كانت تفرض شخصيتها على هذه الماجريات الدولية، بل كانت تتدخل في طريقة عرض الماجريات بما يتفق ووجهة النظر المصرية البحتة، وكان من حقها أن تفعل ذلك، وأكثر منه، وراء غاية هامة، هي تعبئة الشعور القوميّ الذي كان من أكبر واجبات الصحافة والإذاعة في مصر والشرق، في مثل ذلك الظرف.