الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمود الرياضة والفنون:
قيل: إن القارئ العادي للصحيفة، كما دلت الإحصاءات الكثيرة على ذلك، يلقي نظرةً سريعةً على العنوانات البارزة فيها، ثم يقلب صفحاتها على عجلٍ بحثًا وراء الفكاهات، والصور الكاريكاتورية، ونحوها، وأخيرًا يستقر بصره في صفحتي المرأة والرياضة1.
ولسنا ندري إن كان هذا صحيحًا بالقياس إلى الشعب الأمريكيّ، أو الشعب الأوروبيّ، وإلى أيٍّ حدٍّ يكون صحيحًا كذلك بالقياس إلى الشعب المصريّ خصوصًا، والشعوب العربية عمومًا؟
والمعروف -على أية حالٍ- أن الصحف العربية تخصص للألعاب الرياضية والمسرح والسينما حيزًا يلفت أنظار الجمهور القارئ.
فلنقف وقفةً ما عند صفحتي الرياضة والفنون في الصحيفة، ولنشر إلى أهم القواعد والأصول المتبعة في تحريرها هاتين الصفحتين، أو العمودين في العادة.
صفحة الألعاب الرياضية:
نرى معظم الصحف التي تصدر في العالم -في الوقت الحاضر- تفرد صفحةً أو أكثر لأعمدة الألعاب الرياضية، ولعل السبب الحقيقيّ في اهتمام الصحافة الحديثة بهذه الصفحة بالذات، هو انتشار الألعاب الرياضة، والروح الرياضيّ في أكبر أقطار العالم المتحضر، ومن ثَمَّ كان على الصحف
1 راجع كتاب "كيف تصبح صحفيًّا" للأستاذ كارل وارين، الترجمة العربية للأستاذ عبد الحميد سرايا، ص 195.
أن تخضع خضوعًا تامًّا للأمر الواقع، وأن تستجيب لرغبات الجماهير في العناية التامة بهذه الأعمدة، ومعلوم أن أهم الألعاب الرياضية التي تسترعي نظر القارئ، هي: كرة القدم، وكرة السلة، ولعبة التنس، ولعبة الجولف، والسباحة، والمصارعة، والملاكمة، وسباق الخيل، وسباق السيارات، وسباق الدراجات، وصيد الحمام.
والذي لا شك فيه أن العنصر الرئيسيّ في جميع الألعاب هو: عنصر المنافسة، وأن الدافع الحقيقيّ إلى تتبع أخبارها في الصحف هو: الإعجاب بالبطولة.
والذي لا شك فيه أيضًا أن الجمهور في كل بلدٍ من بلاد العالم تقريبًا يتهافت -كما قلنا- على قراءة أخبار الرياضة، حتى لتشعر الصحيفة أنها لو أغلقت هذا الباب هبط توزيعها إلى درجة كبيرة، ولذلك اهتمت الصحف جميعها بصفحة الرياضة، وكان في هذا الاهتمام معنى الدعاية بالمجان، وهي دعاية يتدفق بها الذهب في جيوب مديري الملاعب، والمسارح على اختلاف ألوانها!
وكثيرًا ما نجد في الصحف الكبرى أن لكل نوعٍ من الأنواع الرياضية المتقدمة محررًا خاصًا به، يكتب أخباره ويحاول أن يأتي -عقب ذلك- بالنقد الفني لهذه الأخبار.
فإذا أعلن يومًا عن مباراة رياضيةٍ نهض المحرر المختص على الفور، وجمع المعلومات التامة عن المشتركين في هذه المباراة، وعني بالبطولات التي أحرزوها، ورجح كفة فريق على فريق، ووصف المباراة وصفًا دقيقًا من جميع الوجوه، ولم ينس أن يذكر موقف المتفجرين على المباراة، وطريقة تشجيعهم لهذا الفريق أو ذاك، وباختصار يذكر كل ما يرضي كلًّا من
اللاعب والقارئ الذي لم تتح له فرصة الحضور بنفسه لمشاهدة المبارة، أما القارئ الذي شهد المباراة ففي استطاعة المحرر الرياضيّ أن يمده بمعلومات جديدة، قلَّمَا يستطيع الحصول عليها بمجهوده الذاتيّ.
من أجل ذلك يعني كثير من الصحف في وقتنا هذا "بالمحرر المختص" وتتوخى فيه دائمًا أن يكون من ذوي الخبر العامة التامة، والمرانة المتصلة، حتى أننا لنرى المحرر الرياضيّ يرتفع في بعض الأحيان إلى مستوى المحرر السياسيّ أو المحرر الأدبيّ، أو المحرر العلميّ.
ولكن، كيف يؤدي هذا المحرر الرياضيّ عمله عادةً؟ وكيف يرضي فضول قرائه كذلك؟
دلت التجربة على أن هذا المحرر يتبع في كتابة مادته طائفة من القواعد، منها على سبيل المثال:
أولًا: تركيز الانتباه في نقطة واحدة على الدوام، هي السير اللعب في ذاته، وحركات اللاعبين أنفسهم، وذلك بغض النظر ما أمكن عن شعور النظارة.
ثانيًا: إن كان ولا بد من العناية بشعور النظارة، فليكن ذلك دائمًا لغايةٍ واحدةٍ فقط، هي وصف الجو الوجدانيّ المحيط باللعب، ومقدار الصلة بين هذا الجو العاطفيّ، وحركات اللاعبين في المباراة، ذلك أن لتشجيع الجمهور أثرًا لا سبيل إلى إنكاره في الفريقين المتنافسين على السواء.
ثالثًا: عرض الحقائق الخاصة باللعب عرضًا مجردًا عن الهوى، مجردًا كذلك عن مشاعر النظارة الذين لايصح بحالٍ من الأحوال- أن يعتبرهم المحرر الرياضيّ جزءًا من أجزاء المباراة.
رابعًا: من حق المحرر الرياضيّ -بعد ذلك- أن يكتب تعليقًا على المباراة، وينبغي له عندئذ أن يجعل هذا التعليق زاخرًا بالحياة، معبرًا عن الواقع.
خامسًا: كتابة الخبر والتعليق بأسلوب جذاب، يصف المباراة، ويذكر الأطوار التي مرت بها، ويصف النتيجة التي انتهت إليها.
على أن هذا الوصف يتطلب من المحرر قدرةً بلاغيةً من نوع معينٍ، ولكن مهما كانت هذه القدرة البلاغية التي ندعو إليها، فلا يصح أن تكون حائلًا دون استخدام الألفاظ الفنية -ولو كانت عامية- وهي الألفاظ التي اصطلح الرياضيون عليها، ولهذا السبب الأخير اشترطت الصحف في محررها الرياضيّ أن يكون عالمًا بتاريخ اللعبة الرياضية، وأن يكون ممارسًا لها منذ مدة.
سادسًا: في صياغة القصة الرياضية يحسن أن يتبع نظام القصة الخبرية، فيعني المحرر الرياضيّ بالأسئلة الستة المعروفة، ويصوغ القصة على شكل هرم مقلوب، تأتي فيه النتائج والأخبار المهمة أولًا، ثم تأتي التفاصيل بعد ذلك.
سابعًا: على المحرر الرياضيّ أن يعني العناية كلها بنتيجة المباراة، وعليه أن ينوه بالفائز دائمًا، كما أن عليه أن يشرح للقراء مغزى النتيجة التي انتهت بها المباراة، ولا بأس من التعرض في أثناء ذلك لبعض وجوه الضعف في الفريق الخاسر، والإشارة العابرة إلى المهم من أخطائه، ولكن بقصد التوجيه والإرشاد، لا بقصد السخرية والإيذاء، فإن السخرية في مثل هذه الحالة خطأ أدبيّ جسيمٌ لا يتفق مطلقًا والروح الرياضية.
وفي يدي عند كتابة هذا الفصل صحيفة "أخبار اليوم" الصادرة في 28 أكتوبر سنة 1956، وقد نشرت في صفحتها الرياضية أخبارًا كثيرةً؛ منها الخبر الآتي بالعنوانات الآتية:
الزمالك والمصري يتعادلان 2 إلى 2:
أحمد سليم يسجل هدف التعادل في الوقت الضائع
ثم أت الصحيفة بعد هذه العنوانات بـ "صدر الخبر" فكان على النحو الآتي:
تعادل الفريقان: الزمالك المصري 2-2، وسجل "أحمد سليم" هدف التعادل للزمالك في الوقت الضائع، كما سجل "عبده سليم" هدفي المصري، وأصاب "خليل" هدفًا للزمالك
…
جمهور الدرجة الثالثة يلقي بالفوراغ في الملعب.
ثم أتت الصحيفة على "صلب الخبر" وفيه التفاصيل على النحو الآتي:
الشوط الأول:
تبادل الفريقان الهجوم منذ البداية، وبعد 15 دقيقة شدد الزمالك الهجوم على دفاع المصري، ولكنه لم يستغل جناحه الأيمن، وتمكن دفاع المصري من صد هجمات الزمالك التي كانت جميعها غير محكمة.
شدد الدفاع المصري حراسته على "خليل" الذي اضطر لتغيير مركزه أكثر من مرة لمراوغة الدفاع، أضاع هجوم الفريقين فرصًا كثيرةً، وقبل نهاية الشوط الأول بدقيقة تمكن "العيوطي" حارس مرمى الفريق المصري من صد قذيفة قوية من قدم "شريف الفار" أرسلها على بعد 40 ياردة، وانتهى الشوط الأول بدون أهداف.
الشوط الثاني:
بدأ الشوط الثاني بهجوم الزمالك، وبعد 7 دقائق رد "شريف" الكرة إلى "خليل" الذي انفرد بمرمى المصري، فسدد كرةً مرت بجوار القائم
الخشبي، وبعد 14 دقيقة أحرز "عبده سليم" متوسط هجوم الفريق المصري الهدف الأول من قذيفة قوية لم يستطع "محمد عبد الله" صدها، وبعد 22 دقيقة أحرز "خليل" هدف التعادل للزمالك إثر تمريرة من "شريف الفار"، وبعد دقيقة احتسب الحكم ضربة جزاء لصالح المصري، سجل بعدها "عبده سليم" الهدف الثاني للمصري، وعلى الأثر تكتل فريق المصري أمام مرماه للاحتفاظ بفوزه، ولعب "عبده سليم" متوسط هجوم بمفرده، وقبل نهاية الشوط الثاني بعشر دقائق سيطر فريق الزمالك على الكرة حتى نهاية المباراة، وتمكن "أحمد سليم" من إصابة هدف التعادل للزمالك قبل النهاية بنصف دقيقة، وذلك في الوقت الضائع إثر قذيفة من "علاء" صدت في الدفاع المصري، فتلقفها "أحمد سليم" وسجل الهدف الثاني للزمالك.
هكذا ركز المحرر الرياضي انتباهه في نقطة واحدة هي سير اللعب، وحركات اللاعبين، وغض النظر عن شعور النظارة.
بل إن المحرر الرياضيّ أغفل هذا الشعور تمامًا في مقاله أو عموده، فلم يذكر عنه كلمة واحدة، واكتفى إذ ذاك بصورةٍ شمسيةٍ كبيرةٍ نشرها في أقصى الشمال من يسار صفحة الرياضة، وجاء بها على خمسة أعمدة من هذه الصفحة، وكتب تحتها العبارة الآتية:
"ثورة الجمهور على الحكم في مباريات الزمالك والمصري، ثار الجمهور عندما احتسب الحكم ضربة جزاء ضد الزمالك، وأخذ يلقي الفوارغ، وهجم على الملعب، ويرى رجال البوليس وهم يحاولون تهدئة الحالة".
وبهذه الصورة الشمسية استغنى المحرر -كما قلنا- عن وصف مشاعر النظارة، وأعطى فكرة عن الجو المحيط باللعب، وأوضح مقدار الصلة بين حركات اللاعبين وتشجيع الجمهور.
ثم هكذا عرض المحرر الرياضيّ بصحيفة "أخبار اليوم" الحقائق الخاصة بالمباراة التي أجريت بين فريق الزمالك وفريق المصري، وتجرَّدَ المحرر في أثناء ذلك عن التحيز لأحد الفريقين، كما تجرَّدَ أيضًا عن مشاعر النظارة، ثم إن المحرر الرياضيّ الذي أمامنا، توخى أن يكتب خبر المباراة على شكل قصة خبرية لها "صدر" ولها "صلب" وأجاب عن بعض الأسئلة الستة، وعني بذكر النتيجة ووصفها، ولم ينس في أثناء ذلك كله أن يوجه النقد من حينٍ لآخر إلى اللاعبين، ويلفت أنظارهم إلى الأخطاء التي كانوا يرتكبونها، ولم ينس هذا المحرر مطلقًا أن ينوه ببعض الممتازين من اللاعبين، وأن يسجل حركاتهم في الملعب، وأن يستخدم في أثناء ذلك كله الألفاظ المصطلح عليها بين الرياضيين أنفسهم، كألفاظ:
هدف التعادل، والتعادل، والمرمى، والجناح، ومتوسط هجوم، وضربة جزاء، إلخ، ولا يكاد يعاب على هذا العمود الرياضيّ الذي أتى على شكل قصة خبرية أكثر من أن محرره لم يُقَسِّمْ "صلب الخبر" إلى فقرات، تبدأ كل فقرةٍ منها بسطرٍ جديدٍ، فإنه بدلًا من أن يفعل ذلك، اكتفى بالفصل بين كل فقرةٍ وأخرى، بنقطة أفقية هكذا "..... ".
ولا شك أن هذه الصفحة الرياضية التي ينشر فيها هذا العمود الرياضيّ لم تتسع -فيما يظهر- للتعليق الفنيّ على المباراة، بما يعطي للقارئ فكرةً كاملة الوضوح، تامة البناء، ظاهرة المعالم.
صحفة الفن:
الفن تعبير شخصيٌّ حرٌّ، يشيع الفرح والبهجة والهدوء والاطمئنان في النفس البشرية، والفن تعبير عن الحياة في جميع العصور التي مرت بها، ورسالة الفنان مطابقة دائمًا لشعوره وإحساساته، وهي تقص علينا قصته كما تخيلها وأحس بها.
والفنان هو وحده صاحب الحق في أن يتصرف في الطبيعة من حوله، فيرسمها لنفسه وللناس بالصورة التي يمليها عليه إحساسه وشعوره.
نظرت سيدةٌ إلى لوحةٍ فنيةٍ رائعةٍ، لمنظر من مناظر الطبيعة في أبهى مظاهرها، فصاحت في وجه الرسام قائلةً:
لكن الطبيعة يا سيدي ليست كذلك!، فأجابها الفنان من فوره قائلًا:"لكن، ألَا تحبين يا سيدتي أن تكون الطبيعة كذلك"؟
تلك هي بعض الأسباب التي من أجلها تعنى البشرية كلها بالفن من حيث هو، وتلك هي بعض الأسباب التي من أجلها تزيد الصحافة من عنايتها بالفنون على اختلافها، وهذه الفنون في ذاتها قسمان: قسم خيالي، وآخر واقعي.
أما الخياليّ: فلا يتقيد بقيود من أي نوع، ومن هنا كانت الحرية أصلًا من أصول الفن، وسببًا من أسباب بقائه ونمائه، بحيث إذا حرمها الفن حرم الحياة كلها على الفور.
وأما الفن الواقعيّ: ففيه تشترك اليد مع الذهن، أي: أنه فنُّ يحتاج إلى مادةٍ تعمل فيها اليد بوحيٍ من الذهن، ومن هنا أطلق على الفنون الخيالية اسم:"الفنون الجميلة" أو "الفنون الرفيعة"، كما أطلق على الفنون الواقعية اسم:"الفنون العملية"، أو الفنون التطبيقية":
فمن الفنون الخيالية: الشعر، والرسم، والتصوير، والزخرفة، والتمثيل، والموسيقى، ومن الفنون التطبيقية: صناعة السجاد، وصناعة الأثاث، ونحو ذلك.
وللصحف -في الأعم الأغلب- عناية بالفنون الجميلة أو الفنون الرفيعة
تهتم بأخبارها، وتتصل بذويها، وتحرص على تتبع ما يخرجون من ثمرات قرائحهم، وما يعملون فيه أذواقهم، ومواهبهم، ولعلها -أي: الصحف- بالموسيقي، والمسرح، والغناء، والسينما، أشد عنايةً، وأعظم اهتمامًا، ولذا تراها غاصةً بالأعمدة الفنية حول حفلة غنائية لسيدة الغناء السيدة "أم كلثوم"، أو الموسيقار "محمد عبد الوهاب"، أو رواية من الروايات التي تمثل على مسرح الأوبرا، أو الأزبكية، أو التي تظهر كل يوم في دور السينما بنوع أخصّ.
وإنك لترى هذا الرجل الذي يحضر الحفلة الأولى لكل تمثيلية، أو لكل فيلمٍ سينمائيٍّ، أو هذا الرجل الذي يحييه الجمهور بين حين وآخر بابتسامة لطيفة، وهو جالس في الصف الأول، أو "اللوج" الظاهر من"ألواج" المسرح، فتعلم أنه "الناقد المسرحيّ"، وهو معروف لأكثر النظارة، لأن اسمه يظهر يوميًّا في باب السينما والمسرح، من أبواب الصحف الكبرى في العاصمة.
فما السبب -يا ترى- في هذا الاحترام الذي يتمتع به هذا الرجل من جانب النظارة؟
إن السبب في ذلك -غالبًا- هو الخوف من قلم هذا الكاتب، حتى لكأن نجاح "التمثيلية" أو "الفيلم" مرهون بنقده، فإذا أهمل الناقد المسرحيّ الكتابة عن إحدى المسرحيات، أو قال عنها: إنها رديئة، سقطت من أعين الناس، وانزعج لذلك المشتغلون بالمسرح، أو القائمون على إخراج الرواية، أما إذا كتب الناقد المسرحيّ رأيه في المسرحية، وأثنى عليها بوجهٍ ما، فإن الجمهور يقبل عليها، ورجال المسرح يربحون من وراء ذلك الأموال الطائلة، وكثيرًا ما يأتي نجاح الرواية بسبب تحامل الناقد المسرحيّ عليها، وقسوته في نقدها، فقد يدفع ذلك بالكثير من الناس إلى رؤية الرواية بنفسه، ومحاولة الحكم عليها بنفسه، فإمَّا وافق الناقد المسرحيّ، وإما خالفه، ولكن كيف يؤدي الناقد المسرحيّ عمله غالبًا، وما الشروط التي لا بد من توافرها في النقد؟
أولًا: يبادر الناقد المسرحيّ إلى حضور المسرحية التي يريد نقدها، ولكنه قبل الذهاب إلى المسرح لهذا الغرض، عليه أن يحرص كل الحرص على قراءة القصة التي سيشهد إخراجها في المسرح أو في السينما، وعليه أيضًا أن يطَّلِعَ على المقالات التي كتبت عن هذه القصة في الصحف، أو المحاضرات والأحاديث التي أذيعت عنها في الإذاعة، أو النوادي العامة والخاصة، ما أمكنه ذلك، ومتى تجمع لديه -من وراء هذه الجهود- قدر كبير من المعلومات، أمكنه أن ينقد الرواية نقدًا جيدًا، ويسير غورها جيدًا، ويعطي كل ذي حقٍّ حقَّه من المؤلفين أو المخرجين أو الممثلين، وغيرهم.
ثانيًا: يشترط في الناقد المسرحي أن تكون لديه ثقافة مسرحية واسعة، وذلك فضلًا عن علمه التام بالمسرحية التي أمامه من حيث المبنى والمعنى، وكم يكون جميلًا -في ذلك الوقت- أن يكون الناقد المسرحيّ مؤلفًا مسرحيًّا قد مارس هذا الفن منذ مدةٍ كافيةٍ، ذلك أن الفرق كبير بين الناقد الأدبيّ، والناقد المسرحيّ.
فهذا الأخير لا يكتفي بدرس المسرحية وحدها، بل عليه أن يهتم بالممثلين أنفسهم، ويعني بنقد طرائقهم في التمثيل والإلقاء، كما عليه أن يتعرض كذلك لنقد ملابس الممثلين، وزخارف المسرح، وحركة الإضاءة، وليس له العذر -مع هذا وذاك- في أن ينسى أن يسجل آراء الجمهور، ويصف الجو الوجدانيّ الذي صحب مشاهدة التمثيل، وأصوات الموسيقى التي صحبت الممثلين، أو تلك التي تسمع في الفترات الفاصلة بين فصول الرواية، ونحو ذلك.
والحق أن واجب الناقد المسرحيّ ثقيلٌ جدًّا، فعليه أن يعد نفسه للقيام بهذا الواجب إعدادًا حسنًا، وإلّا فشل فشلًا ذريعًا في أداء مهمته.
ثالثًا: يشترط في الناقد المسرحيّ كذلك، أن يكون نزيهًا في الحكم، عفَّ اللفظ في النقد، مهذَّبَ العبارة في التوجيه، وإلّا سقطت هيبته، من أعين الجمهور، وسقطت معه "صفحة الفنون"، ثم ما أسرع ما يتهمه الناس بعدئذ بأنه لا يكتب للفن، وإنما يكتب سعيًا وراء الربح الماديّ البحت، وربما بالغ أعداؤه كذلك فاتهموه بمد يده إلى أصحاب المسارح ودور السينما، يأخذ منهم الرشوة في سبيل كلمةٍ طيبةٍ يمدح بها عملهم؛ من حيث لا يستحقون شيئًا من هذا المدح.
رابعًا: أما اللغة التي تستخدم في نقد المسرح والسينما، فلسنا بحاجةٍ إلى القول بأنها ينبغي أن تكون في مستوى أعلى من اللغة التي يستخدمها المحرر الرياضيّ؛ إذ المسرح والسينما كالشعر والموسيقي من الفنون الرفيعة التي يجب أن يصطنع لها الكاتب لغةً مكافئةً لها، من حيث السموِّ والرفعةِ، وتصل هذه اللغة إلى الذروة على أيدي النقاد المثقفين الذين يتعرضون لنقد الروايات الإنسانية الخالدة، وللقصص الفلسفية الرائعة.
وفي باب المسرح والسينما -من أبواب الصحيفة الحديثة- يجد القارئ أخبارًا عن الممثلين والممثلات، وملخصًا لبعض القصص السينمائية أحيانًا، وإن وجدت فرقة موسيقية، أو فرقة "باليه" بالمدينة، كان على الصحيفة أن تبادر إلى نشر كل ما يتصل بهذه الفرق، من ذكر أسماء القطع الفنية، وأسماء العازفين، والراقصين، وطرق العزف أو الرقص، وغير ذلك من المعلومات التي يرحب بها قراءة هذه الصحفة من صفحات الجريدة.
ويعنى هذا الباب -فيما يعنى به كذلك- بالفرق الاستعراضية على اختلافها، وإن كانت السينما قد طغت على الصحف في هذا الميدان طغيانًا مبينًا، بحيث لم تدع لها فرصةً للتنافس معها في شيء من ذلك.