المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تحرير العنوان 1: لم يكن للصحف العربية إلى وقتٍ قريبٍ كبير - المدخل في فن التحرير الصحفي

[عبد اللطيف محمود حمزة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌تقديم:

- ‌من مؤلفات أستاذنا الدكتور عبد اللطيف حمزة وبحوثه:

- ‌هذا الكتاب:

- ‌الكتاب الأول: الرأي العام

- ‌الصحافة والرأي العام:

- ‌تعريف الرأي العام:

- ‌الفرق بين الرأي والسخط والعام والاتجاه العام

- ‌أنواع الرأي العام:

- ‌دور الصحافة في تكوين الرأي العام:

- ‌القانون والرأي العام:

- ‌الرقابة على الصحف:

- ‌نشأة الرأي العام في مصر:

- ‌مصادر الكتاب الأول:

- ‌الكتاب الثاني: فن الخبر

- ‌نشأة الخبر وأهميته

- ‌تعريف الخبر:

- ‌في سبيل الحصول على الخبر:

- ‌تقويم الخبر:

- ‌مذاهب نشر الخبر:

- ‌قوالب صياغة الخبر:

- ‌الحوادث الداخلية أو المحلية:

- ‌الأخبار الخارجية:

- ‌طبيعة اللغة التي يكتب بها الخبر:

- ‌تحرير العنوان

- ‌التعليق على الخبر:

- ‌الطرائف المتصلة بالخبر:

- ‌الخبر والمجتمع:

- ‌الأخبار من الزاوية الأخلاقية، وزاوية

- ‌الذوق الصحفيّ والخبر:

- ‌مصادر الكتاب الثاني:

- ‌الكتاب الثالث: فن المقال

- ‌فنون المقال

- ‌المقال القصصيُّ:

- ‌مقال الاعترافات:

- ‌المقال الكاريكاتوري:

- ‌مقال الخواطر والتأملات:

- ‌المقال العلمي:

- ‌المقال الصحفيّ:

- ‌المقال الافتتاحي:

- ‌العمود الصحفي:

- ‌عمود الموضوعات الإنسانية:

- ‌عمود الرياضة والفنون:

- ‌الحملة الصحفية:

- ‌الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب:

- ‌الكتاب الرابع: فن التقرير

- ‌المجلة

- ‌المقال في المجلة:

- ‌القصة في المجلة:

- ‌وظيفة التقرير الصحفيّ وأهميته:

- ‌فن الحديث الصحفيّ وأنواعه:

- ‌مراحل إعادة الحديث الصحفي، ونموذج له

- ‌التحقيق الصحفي وأنواعه وقواليه

- ‌مصادر التحقيق الصحفيّ، ونموذج له:

- ‌الماجريات وطريقة تحريرها:

- ‌الماجريات البرلمانية:

- ‌الماجريات القضائية:

- ‌الماجريات الدبلوماسية:

- ‌الماجريات الدولية:

- ‌تحرير الصورة والإعلان:

- ‌مصادر الكتاب الرابع:

- ‌الخاتمة: مستقبل التحرير الصحفيّ في مصر

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌تحرير العنوان 1: لم يكن للصحف العربية إلى وقتٍ قريبٍ كبير

‌تحرير العنوان

1:

لم يكن للصحف العربية إلى وقتٍ قريبٍ كبير عنايةٍ بالعنوان من حيث العرض أو التحرير، وليست الصحف العربية وحدها هي التي أهملت العنوان، بل إن الصحف الأوروبية والصحف الأمريكية شاركتها أيضًا في هذه الظاهرة.

لكنك حين تتصفح نسخةً من صحيفة يومية تصدر في أيِّ بلدٍ من بلاد العالم المتحضر في أيامنا هذه، تجد الأمر على عكس ذلك، بل تجد أنواعًا شَتَّى من هذه العنوانات، وكل نوع منها يؤدي وظيفة خاصة، ويستطيع القارئ الحديث بنظرةٍ واحدةٍ سريعةٍ يلقيها على الصحيفة أن يلم بجميع الأنباء، وأن يعرف في الوقت نفسه أهم هذه الأنباء، فإن كان لديه مُتَّسَعٌ من الوقت، انتقل من العنوانات إلى صدور الأخبار ليزداد بقراءتها علمًا بالحوادث، وإن كان لديه وقت أكثر من هذا، فرغ لقراءة التفاصيل، ولا يحدث ذلك في الواقع إلّا نادرًا.

نخلص من كل هذا إلى أن الصحيفة الحديثة مضطرةً إلى أن تبذل أكبر جهد مستطاع في كتابة العنوان ما دامت ظروف القراء -وخاصة في المدن الكبيرة- لا تسمح لهم بأكثر من قراءة السطور القليلة التي يتألف منها العنوان، ثم السطور القليلة التي تتألف منها صدور الأنباء.

1 رجعنا في هذا الفصل إلى كتب من أهمها كتاب بعنوان: News Ediging. by Westey فانظر الفصلين التاسع والعاشر من هذا الكتاب.

ص: 187

إن صنيع الصحف الحديثة في ذلك؛ كصنيع المحال التجارية في الوقت الحاضر، حين تعنى هذه المجلات "بالفترينات".

والحقيقة -كما يقول الأستاذ "وستلي" في كتابة: "تحرير الأخبار": إن العنوانات لا ينبغي أن ننظر إليها فقط على أنها النوافذ التي تطل منها على الصحف، بل يجب أن ننظر إليها كذلك على أنها من المصادر الرئيسة للإعلام، وخاصةً بالنسبة للقراء الذين تضطرهم ظروفهم دائمًا إلى القراءة العجلى على نحو ما أشرنا إليه فيما سبق.

ومع هذا وذاك، فهناك الحقيقة التي تقول: ثلاثة أشياء تجذب القارئ إلى قراءة المقال:

أولها العنوان، وثانيها طريقة العرض، وثالثها اسم الكاتب والمحرر الذي كتب المقال، ومعنى ذلك أن الطريق إلى شهرة الكاتب الناشئ، إنما هو في حسن اختيار العنوان، وفي حسن كتابة المقال بعد ذلك، فالشهرة آتية بعدهما لا محالة.

من الذي يقوم بصياغة العنوان؟ :

يقوم بصياغة العنوان في الغالب قسم بالصحيفة يقال له: "قسم المراجعة" ويتألف هذا القسم عادة من رؤساء الأقسام المختلفة، ومعهم نائب رئيس التحرير، وهذا الأخير يشترط فيه أن يكون ذا حس دقيق بالأخبار على اختلافها، وقدرة تامة على التمييز بين هذه الأخبار من حيث القيمة الخبرية ذاتها، وبذلك يستطيع في سهولة ويسرٍ أن يختار لصحيفته العنوانات الدائرية العريضة، أو ما يسمى في اللغة الأوروبية:"المانشتات"1 وقد اعتادت الصحف المصرية الحالية أن تبذل قصارى

1 فكرنا كثيرًا في ترجمة لكلمة: "مانشيت" فآثرنا أن نترجمها بكلمة: "العنوان الدائري" لتكون الترجمة دقيقة وسليمة ومطابقة للفظ الأصليّ في وقت معًا، فالمانشيت في اللغات الأجنبية لفظ يطلق عللى ردن القميص الذي يدور حول معصم اليد، وأنت حين تمسح بنسخة من صحيفة لتطويها، وتجعل منها دائرة تجد "العنوان الدائريّ" يلتف حول عنق الصحيفة تمامًا، كما يلتف الردن حول معصم اليد.

ص: 188

جهدها في العناية بهذه العنوانات الدائرية، وهي عنايةٌ لم تشهد لها مثيلًا في الصحافة الماضية، التي كانت تصدر في البلاد العربية، كما أنها لا تشهد لها مثيلًا في الصحف الأوروبية.

ومهما يكن من شيء، فعلى نائب رئيس التحرير ومعاونيه أن يسألوا أنفسهم دائمًا:

لماذا نكتب العنوان؟ وهل للعنوان وظيفة في الحقيقة؟ وهل تكتب الصحيفة العنوان لمجرد العادة، والجري وراء التقاليد؟ أم أنها تعنى بكتابة العنوان؛ لأنه يخدم غرضًا بالذات من أغراض الصحيفة؟

إن عليهم أن يناقشوا كل هذه الأسئلة، أو يجعلوها على الأقل في أذهانهم دائمًا عند كتابة العنوانات التي تحتاج إليها الصحيفة، ثم عليهم بعد هذا كله، أو مع هذا كله، أن يجيبوا عن هذه الأسئلة من وجهة نظر الصحيفة أولًا، ومن وجهة نظر القراء بعد ذلك.

ومع هذا وذاك، فهناك حقيقة لا ينبغي أن نغفل عنها أو نتجاهلها، وهي أن نائب رئيس التحرير -سواء رضي هو أو رضي رؤساؤه، أم لم يرض هو، ولم يرض رؤساؤه- هو المسئول الحقيقيّ عن الخبر.

ومعنى ذلك أنه مضطر أن يعكس شخصيته إلى حدٍّ ما على صياغة الخبر بعنوانه وصدره وبقية أجزائه، ذلك أن الأخبار لا تحدث في الفراغ، ولا يمكن أن تصاغ بشكل آليّ.

وهذا وذاك، لا يطعن في قدسية الخبر التي سبق أن أشرنا إليها، وألزمنا جميع الصحف بالمحافظة عليها، وذلك أن انعكاس شخصية المحرر على

ص: 189

صياغة الخبر ليس مطلقًا العبث بجزئية واحدة من جزئيات الخبر، ولكن معناه صياغة الخبر بالطريقة التي تَنُمُّ عن شخصية محررة، أو شخصية الصحيفة التي تنشر، وعلى نائب رئيس التحرير ومعاونيه أن يبرزوا جدية الخبر، معتمدين في ذلك على إجادة التحرير من جانبٍ، وعلى طريقة العرض أو نوع الحروف التي تستخدم في عرض العنوان من جانبٍ آخر، فلعلهم يشيرون بكتابة العنوان بالخط الثلث، ولعلهم يشيرون بكتابته بالخط النسخ، ولعلهم كذلك يشيرون بكتابته بالخط الرقعة، وهم لسبب أو لآخر يتحكمون في أحجام الحروف واختيارها، من أي نوع من هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا.

وهنا ينبغي أن نلفت أنظار الطلبة الذين يدرسون الصحافة بالجامعة إلى الفرق بين الصحف العربية والصحف الأجنبية من هذه الناحية.

فالصحف العربية تعتمد على الخطوط، كما أوضحنا ذلك، والصحف الأجنبية لا تعتمد على الخطوط، وإنما تعتمد على الحروف، ولهذا تملك المطابع والصحف الأجنبية مجموعة كبيرة من طرز الحروف "جمع طراز". كالطراز القوطي، والطراز الروماني، والطراز الحديث، ونحو ذلك، ولكل واحد من هذه الطرز علامة خاصة، أو رقم معين يعرف به في المطبعة، وما على المحرر إلّا أن يشير إلى علامة هذا الطراز أو ذاك؛ ليعرف عامل المطبعة نوع الطراز الذي اختاره المحرر ليحقق به غرضًا معينًا في ذهنه.

ونعود إلى عمل نائب رئيس التحرير ومعاونيه، فنراهم يجتهدون في تحرير العنوان؛ بحيث يجذب نظر القارئ بسرعة كبيرة، ونراهم يحاولون أن يكون العنوان متفقًا كل الاتفاق مع شخصية الصحيفة؛ إذ المعروف لدى الجميع أن لكل صحيفةٍ من الصحف أسلوبها الخاصِّ في عرض الخبر، ونائب رئيس التحرير هو المسئول الأول عن مطابقة العنوان لشخصية الصحيفة التي ينتمي إليها، ففي ذلك ما يعين على شهرتها من جانب، وعلى

ص: 190

انتشار التوزيع عن طريق البيع في "الأكشاك" والأماكن العامة من جانب آخر.

ومعنى ذلك باختصار: أن فن كتابة العنوان من الفنون الدقيقة التي تتطلب مهارةً خاصةً وذوقًا خاصًّا، ولا يستطيع أي شخص في أسرة التحرير أن يَدَّعِي لنفسه الكمال في الوصول إلى هذه الغاية، ما دام متفقًا مَعَنَا في أن العنوان يجب أن يحتل المكانة الأولى من وظائف الإعلام، ويجب أن يعتمد عليه أولًا في القيام بهذه الوظائف.

وقبل أن ندع الكلام عن نائب رئيس التحرير ومعاونيه، وعن الواجب عليهم نحو كتابه العنوان المعبر عن شخصية الصحيفة، يجب أن ننبه الأذهان هنا إلى شيءٍ هامٍّ، وهو أن يكون العنوان مفهومًا فهمًا تامًّا للقراء، فلا يصح للمحرر بحالٍ من الأحوال أن يلجأ إلى ألفاظ تكون غامضة لدى القراء، واختصارات ومصطلحات يعجزون عن فهمها، وإن كان من الحق أن يقال عن ظاهرة استخدام الاختصارات وأوائل حروف الكلمات: إنها أوضح في الصحف الأجنبية منها في الصحف العربية، فالصحيفة الأجنبية -على سبيل المثال- تستخدم الحرفين.A. P لتدل بهما على وكالة الأنباء المعروفة باسم:"الأسوشييتدبرس" كما تستخدم الحروف. U. S. A للدلالة على الدولة التي تحمل اسم الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا.

أما نحن في الصحف العربية فلا نلجأ إلى شيء من ذلك، لِأَنَّ ذلك ليس من طبيعة اللغة العربية التي تكتب بها هذه الصحف.

ما هو العنوان؟ وما أهم أشكاله في الصحف؟

يمكن تعريف العنوان في الصحيفة بأنه السطر، أو مجموعة الأسطر التي جمعت بحروف كبيرة لتسبق موضوعًا أو قصةً خبريةً، وتلخص هذا

ص: 191

الموضوع أو القصة الخبرية، غير أنه من الخطأ أن نعتقد أن كلمة:"عنوان" تنصب فقط على العنوانات الدائرية "المانشتات" وغيرها من عنوانات الصفحة الأولى وحدها، كما أنه من الخطأ أيضًا أن ننظر إلى كلمة:"عنوان" على أنها تعني: الجزء العلوي وحده من عنوانات الصحف دون سائر الأجزاء الأخرى، من الخطأ أن نعتقد ذلك؛ إذ أن العنوان في الواقع يشمل كل الوحدات التي تسبق صدور الأخبار والموضوعات التي تنشر عنها الصحيفة، وهذا كله من حيث تعريف العنوان.

أما أشكال العنوان، أو أنواعه، فأمرها بسيط في الصحف العربية، على حين أن هذه الأشكال والأنواع تتعدد في الصحف الأجنبية:

فهناك في تلك الصحف الأجنبية العنوان المكتوب على شكل هرم مقلوب، وفيها العنوان المكتوب على شكل سلم متدرج، وهناك العنوان المكتوب على شكل أسطر متساوية في بداياتها، متساوية في نهاياتها.

ولكل شكلٍّ من هذه الأشكال، أو نموذجٍ من هذه النماذج، عددٌ خاصٌّ من الكلمات، وحجمٌ خاصٌّ للحروف التي تجمع منها الكلمات، ورقم خاص يدل عليه، ويهدي المطابع إليه، وما على كاتب العنوان في الصحيفة الأجنبية إلّا أن يشير إلى رقم النموذج الذي يختاره لكتابة العنوان، ومن السهل بعد ذلك على عامل الجمع في المطبعة أن يقوم بتنفيذ ذلك على الوجه الذي أراده المحرر.

والأمر على خلاف ذلك في الصحف العربية، فليس لها مثل هذا النظام إلى الآن، وربما يكون لها مثله في المستقبل القريب، وليس أمام الصحف العربية في الحالة الراهنة، إلّا أن تقيد نفسها بحدود الأعمدة التي تنشر عليها هذا العنوان أو ذاك، فيبعث المحرر إلى الخطاط في الصحيفة بتعليماتٍ خاصة يشير فيها إلى عدد الأعمدة التي يمتد عليها العنوان، وإلى السعة

ص: 192

أو العمق الذي يشير به، وما على الخطاط إلّا أن يقوم بتنفيذ ذلك، وإذا كان ولا بُدَّ من أن يتألف العنوان من أسطر يكمل بعضها بعضًا؛ فينبغي أن تراعى في ذلك بعض القواعد الهامة ومنها:

أولًا: أن يشتمل السطر الأول على كلمات قليلة توضح المعنى العام للمقال.

ثانيًا: أن يشتمل السطر الثاني على ألفاظ تزيد رغبة القارئ في القراءة، وتفتح شهيته لها.

ثالثًا: أن يشتمل السطر الثالث -إن وجد- على معلومات تساعد في الربط بين العنوان ومقدم المقال.

رابعًا: أن تكون ألفاظ العنوان بأسطره الثلاثة، أو الأربعة، مطابقةً لمضمون المقال، وبدون ذلك يشعر القارئ بنوع من الغرابة، ويرى أن الفجوة واسعة بين العنوان والمقال، وقد يجعله ذلك زاهدًا في قراءته -كما سنشير إلى ذلك بعد.

خصائص كتابة العنوان:

للصحف أن تختلف في الطريقة التي يكتب بها العنوان، وللصحف أن تعبر كل منها عن شخصيتها المميزة لها في كتابة العنوان، ولكن ثَمَّ أصولٌ عامةٌ لا مَفَرَّ لجميع الصحف من اتباعها في كتابة عنواناتها؛ بحيث تتوافر لها خصائص منها:

أولًا: تركيز عبارات العنوان؛ بحيث يجب تجريده من جميع الألفاظ التي يمكن الاستغناء عنها.

ثانيًا: تفضيل الفعل المضارع في صياغة العنوان، والحكمة في ذلك هي أن يشعر القارئ بأنه يعيش في جو الموضوع، أو الحادث الذي تنشر

ص: 193

عنه الصحيفة، وإن كانت هذه الطريقة مألوفة في الصحف الأجنبية أكثر منها في الصحف العربية، على أن هذه الطريقة معروفةٌ لدى البلغاء ورجال الأدب وكتاب القصة بنوع خاص.

ثالثًا: أن تكون ألفاظ العنوان ملائمةً بقدر المستطاع لطريقة عرضه، وللطراز أو النموذج الذي جمع به، أو الخط الذي اختاره المحرر لكتابته.

فالعنوان الكبير الحجم، أي: المكتوب بالخط العريض، تلائمه الألفاظ المختصرة، أو القليلة العدد، والعنوان الأصغر، أو العنوان غير الرئيسي، وهو المجموع في حروف متوسطة الحجم، يمكن أن يحتاج الألفاظ أكثر، وهكذا.

والغاية من هذه التوصيات هي تركيز عبارات العنوان، وتوفير الحيز الذي يمكن استغلاله في إضافة حقائق هامة من حقائق الخبر.

وأنت ترى من ذلك أنه لكي يحقق المحرر كل هذه الأغراض، لا بُدَّ له من أمور كثيرة:

أولًا: استيعاب دقيق لِكُنْهِ الخبر، أو الموضوع الذي يكتب له العنوان؛ فيحاول المحرر أن يعرف جيدًّا أيّ أجزاء الخبر أو الموضوع أولى بالتقديم، وأيُّها أشد لفتًا لأنظار الجمهور، وأيُّها كذلك أهم من سواه في نظر الصحيفة.

ثانيًا: حصيلة لغوية كبيرة تعين المحرر على حسن اختيار الألفاظ؛ بحيث تقوى على تأدية الوظائف التي للعنوان، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك.

ثالثًا: حاسة دقيقة، وقدرة ظاهرة على بناء الجملة، أو الجمل التي يشتمل عليها العنوان، بحيث لا تحتمل غموضًا أو إبهامًا، ولا تتسع لتأويلات مختلفة، ولعل خير ما يعين المحرر على بناء هذه الجمل، وعلى نجاحها في تأدية الغرض المطلوب منها، المفاضلة بين الأسئلة التقليدية الستة عند

ص: 194

الإجابة عنها، والأسئلة هي:"من، متى، أين، ماذا، كيف، لماذا؟ ".

ويستطيع المحرر عن طريق هذه المفاضلة أن يخلص إلى الإجابة التي تهم القراء والصحيفة أكثر من الإجابات الأخرى، فيقدمها على سواها، ويجعلها مادة العنوان.

نعم، إن كل جزء من العنوان يعتبر وحدةً لغويةً، أو جملةً مفيدةً قائمةً بذاتها، ولكن لا ينبغي أن يتعارض ذلك مع مبدأ تجريد العبارة أو الجملة أو الوحدات اللغوية التي يتألف منها العنوان من جميع الألفاظ التي يمكن الاستغناء عنها.

وغنيٌّ عن البيان بعد هذا وذاك، أنه يجب على المحرر أن يتجنب تكرار الألفاظ التي ترد في العنوان الواحد، كما أن عليه أن يختار الألفاظ والمصطلحات الصحيحة الدلالة بقدر الإمكان، وأن يبذل جهدًا واضحًا في اختيار الفعل المضارع الذي لا يصح أن يحل محله فعلٌ آخر بحالٍ ما.

كتابة العنوانات الفرعية:

تعمد الصحف كثيرًا إلى تقسيم الموضوع، أو القصة الخبرية إلى أجزاء، وتجعل لكل جزء منها عنوانًا فرعيًّا، وتنظر إلى هذه العنوانات الفرعية على أنها فواصل بين أجزاء الموضوع الواحد، أُرِيدَ بها التغلب على ملل القارئ، كما تنظر الصحف إليها كذلك على أنها معالم في طريق القراءة تجذب إليها نظر القارئ، وتهديه في أثناء القراءة، وتلقي في روعه أن الموضوع الذي يقرؤه لم يطل عرضه بالصحيفة إلّا لفائدة جديرة بالحصول عليها، وقد تستخدم الصحف بدلًا من العنوانات الفرعية فواصل طباعية كالنجوم، أو الرسوم الصغيرة، أو الفراغات البيضاء، ونحو ذلك.

وعلى هذا، فالعنوانات الفرعية في الصحيفة تعتبر في نظر الكثيرين فواصل أكثر منها عنوانات بالمعنى المفهوم لهذه الكلمة، ومع هذا فإن

ص: 195

كثيرًا من الصحف تبذل في تحرير هذه العنوانات الفرعية، مثل العناية التي تبذلها في العنوانات الكبرى، أو الأصلية، والمتبع في أكثر الصحف هو أن يتضمن العنوان الفرعيّ إحدى الحقائق الهامة التي تشتمل عليها الفقرة التالية لهذا العنوان الفرعيّ.

ومهما يكن من شيءٍ فلا ينصح الخبراء كثيرًا بالإسراف في استخدام العنوانات الفرعية، حتى لا تتجاوز الغرض المقصود منها.

على أننا نلفت النظر هنا كذلك إلى العنوانات الخاصة ببقايا الموضوعات، أو القصص الخبرية التي سبق نشرها في صفحات متقدمة، فقد يحدث أن ينشر موضوع كبير في الصفحة الأولى، وتنشر بقيته في صفحات أخرى، وهنا تشير الصحيفة إلى مكان هذه البقية، وعند كتابة البقية، إما: أن يكرر المحرر نفس العنوان الأساسيّ للموضوع أو للقصة، وإما أن يكتفي بالجزء الأول منه، مثال ذلك: إذا كان العنوان الأساسيّ "زيارة الدكتورة نيكروما للرئيس جمال عبد الناصر" فللمحرر -عند كتابة البقية- أن ينشر العنوان كاملًا، وله أن يكتفي بقوله:"زيارة الدكتور نيكروما".

لك أيها القارئ أن تطبق هذه الأصول على تحرير العنوان في الصحافة التي تقرؤها، وفي وسعك أن تنقد الطرق المختلفة في تحرير العنوان بهذه الصحف، وأن تتعرف على شخصية الصحيفة من خلال عنوانها على النحو الذي أشرنا إليه.

ص: 196