الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب:
منذ القدم والمعركة حامية بين الحاكم والمحكوم حول مسألة "حرية الرأي"، وتشتد هذه المعركة دائمًا كلما تأزمت الأمور أمام الحاكم، وخاصةً في ظروف الحرب، أو الثورة أو الانقلاب، أو الظروف التي تخضع فيها الأمة لحكومةٍ أجنبيةٍ عنها، وفي كل واحدٍ من تلك الظروف يشعر الحاكم بأنه في غاية الحرج، فلا هو يستطيع أن يكاشف الأمة بأسرار الموقف السياسيّ، ولا الشعب صابرٌ على أن يقاد في الطريق كما تقاد الأنعام، وفي كل ظرف من الظروف المتقدمة يضطر الحاكم إلى فرض الرقابة التامة على الصحف والكتب، وذلك أقصى ما يستطيع الحاكم نفسه أن يفعله في مثل هذه الظروف.
أما الشعب -ممثلًا في الكتب والصحافة- فإنه يسلك في سبيل غايته طرقًا خاصةً، ليس هنا موضع إحصائها، ولكنا نسوق طرقًا منها على سبيل المثال.
نحن نعرف أن الأدب أسبق في ظهوره من الصحافة، ونذكر أن الأدباء -في عصور الاضطهاد الدينيّ والسياسيّ- ذهبوا مذاهب شتَّى في مقاومة الاضطهاد، على أي شكل من أشكاله، ولعل أقدم صورة من صور النقد السياسيّ حفظها لنا التاريخ، هي صورة "القصص على ألسنة الحيوان" كما تظهر لنا في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.
وقد صرَّحَ لنا هذا الكاتب بأن له أغراضًا أربعةً من وضع هذا الكتاب:
أولها: إقبال العامة على قراءته.
ثانيها: انتفاع الخاصة بهذه القراءة.
ثالثها: رغبة النساخ في انتساخه على مدى العصور.
رابعها: وهو "الأقصى" خاصٌّ بالفيلسوف نفسه.
وهنا سكت "ابن المقفع" عن بيان هذا الغرض الرابع الذي وصفه "بالأقصى"، وفهم القراء، وفهم الخليفة العباسيّ إذ ذاك، وكان "أبو جعفر المنصور" أن الكتاب موجه إليه، وإلى حكومته، وأن القصد منه توجيه اللوم إليه، وإلى حكومته.
وثَمَّ طريقةٌ أخرى من الطرق الأدبية الخالصة في التعبير عن الآراء والنظريات والمذاهب المخالفة، وهي:"طريقة الرؤيا والأحلام"، وهي وسيلة الكتاب والشعراء إلى نقد المجتمعات، والحكومات، ومن الأمثلة عليها "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعَرِّي، ورسائل الوهراني، وهو أديب مغربيٌّ وفد إلى مصر في العصر الأيوبيّ، سعيًا وراء وظيفة حكومية، ففشل في الحصول عليها، فصب جام غضبه على حكام مصر، وكبرائها على هذه الصورة.
بل إن من الطرق التي سلكها بعض المصريين في نقد حكامهم أحيانًا، "طريقة الجنون"، أو الظهور بمظهر العته الذي لا يعاقب عليه القانون.
"ففي العصر الطولونيّ، وجزء من العصر الإخشيديّ، عرفت مصر شخصيةً عجيبةً كل العجب في تاريخها، هي شخصية "سيبويه المصريّ"، وكان رجلًا يظهر الحمق والجنون، واشتهر عنه ذلك، فاختفى وراء هذه الصفة، وأخذ يهجو الحكام والأمراء، فلم يكن أحدٌ منهم قادرًا على أن يأخذه بقوله؛ لأنه مجنون!
ولكن الناظر في كلامه، وأهاجيه، يحس إحساسًا عميقًا بأنه في الواقع
إنما يعبر عن آراء الشعب المصريّ في زمانه أصدق تعبير1.
ثم أتى دور الصحافة، وأخذت تحل محل الأدب في مقاومة الظلم والطغيان، وتنوعت طرق هذه الأخيرة، كما سبق أن تنوعت طرق الأولى في سبيل هذه الغاية، وسجَّلَ تاريخ الصحافة المصرية -تنوع خاص- بعض الطرق التي لجأت إليها الصحف الشعبية في القرن الماضي، ومنها على سبيل المثال:
طريقة "النديم" في صحيفته المعروفة باسم "التكيت والتبكيت" وهي صحيفة كتبها "النديم" باللغتين، أو اللهجتين: العربية، والعامية، وكتب باللهجة الأخيرة قصصًا شعبيةً للعامة، سخر فيها من كثير من الأوضاع الشاذة في المجتمع المصريّ الحديث، منذ التقت فيه الحضارة الحديثة بالحضارة الشرقية الموروثة، وكتب باللهجة الفصحى مقالاتٍ وقصصًا رمزيةً للخاصةِ، منها على سبيل المثال: أقصوصته التي كتبها بعنوان:
مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي:
"والإفرنجيّ كلمة أطلقها المصريون في القرن الماضي على مرض الزهري، والكاتب يستعمل هذا اللفظ هنا استعمالًا رمزيًّا؛ لأنه رمز به إلى الخراب الذي عم البلاد بسبب إسراف إسماعيل، كما رمز بكلمة "المصاب" إلى مصر التي أصبحت تعاني المرض والفقر بسبب هذا الإسراف، ورمز بكلمة
1 انظر كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش"، طبعته أخبار اليوم، في سلسلة "كتب اليوم " ص91.
"مجلس طبي" إلى العقلاء الناصحين للأمة المصرية، الذين عليهم أن يفكروا في مخرجٍ لها من هذه الأزمة1.
وكان من ألمع الكتاب الصحفيين بمصر في القرن الماضي، وإمام السخرية في العصر الحديث غير مدافع "يعقوب بن صنوع" الذي اتخذ لنفسه اسم "أبي نظارة"، وسلك في سخريته بحكومة إسماعيل طريقين، هما: طريق المحاورات الصحفية، وطريق القصص المسرحية، ونجح فيهما نجاحًا لا نظير له في الحقيقة، حتى لقد خافه الخديو اسماعيل، واضطر إلى نفيه، وكما سمى "يعقوب بن صنوع" نفسه:"بأبي نظارة" فقد سمى الخديو إسماعيل: "بشيخ الحارة" وسمى الفلاح المصري: "بأبي الغلب". .. إلخ.
وما دمنا نتحدث عن الصور الأدبية والصحفية لنقد الحكام الطغاة، ومحاربة الظلم والاستبداد، فلا ننسى الإشارة إلى أديب مصر في القرن الماضي، وهو إبراهيم المويلحي، وإلى بعض طرقه في ذلك.
ومن هذه الطرق المقالات التي كتبها بعنوان: "ما هنالك"، وهي مقالات كتبت في نقد الحكومة العثمانية، والفساد العثمانيّ، وفي نفس الوقت أخافت الحكام في مصر، فقد خشوا أن يكتب فيهم "المويلحي""ما هنا" بدلًا من "ما هنالك".
ومن الطرق الأدبية الخالصة التي عمد إليها "إبراهيم المويلحي" كذلك، وشاركه فيها ابنه "محمد المويلحي" طريقة القصة الطويلة، فقد كتب المويلحي الكبير -إبراهيم- قصة موسى بن عصام في نقد الاحتلال الإنجليزي، والتهكم على رجاله، وكتب المويلحي الصغير -محمد- قصة "عيسى بن هشام" في نقد المجتمع المصريّ، ونقد حكامه.
أما الكاتب الأول: فالظاهر أن رجال الاحتلال تنبهوا إليه، وحاولوا
1 المصدر المتقدم، من ص112-114.
دون صدوره على هيئة فصول متتابعة في جريدة "مصباح الشرق" التي كان يصدرها المويلحي.
أما الكتاب الثاني لصاحبه "محمد المويلحي" فقد نشر تباعًا على صفحات "مصباح الشرق"، وجمعت فصوله -فيما بعد- في كتابٍ لم يزل بأيدينا إلى اليوم.
ويطول بنا القول لو أردنا أن نشير إلى كل طريقة من الطرق التي سلكها الأدباء ورجال الصحافة في محاربة الظلم الذي يقع أحيانا من الحكومة في مثل الظروف التي أشرنا إليها في أول حديثنا هذا.
وفي القرن الذي نعيش فيه، طلع علينا الأدباء ورجال الصحافة بطرق كثيرةٍ؛ بعضها قديم، وبعضها مبتكر، وليس يعنينا هذا الفصل أن نذكر شيئًا عن هذه وتلك، بقدر ما يعنينا -في الواقع- أن نشير إلى بعض الحيل التي لجأت إليها الصحف المصرية في مثل الظروف التي أشرنا إليها، تحت ضعط الرقابة التي فرضها الحاكم عليها.
والصحافة تعرف أن من أسلم طرق الهروب من الرقابة، طريق "الكاريكاتور" سواء أكان عن طريق القلم، أم عن طريق الرسم، أم عن طريق الصورة، والطريق الآخير أوقع وأسلم من الطريق الأول في الغالب، ولذلك تعتمد الصحافة الحديثة اعتمادًا ظاهرًا على الرسم الكاريكاتوري؛ لأنه الرسم الذي يفهمه الشعب على اختلاف طبقاته، في حين أن القلم الكاريكاتوري العلميّ قد لا يستطيع أن يفهمه من الشعب غير الطبقة الخاصة.
غير أن الرسم والتصوير خارجان عن التحرير، فما هي أهم الحيل التي يلوذ بها الفن الصحفيّ اليوم في هذا الميدان الأخير؟
تستطيع صحيفة مصرية حديثة كمجلة "خيال الظل" للأستاذ "حافظ
عوض، أو مجلة "الاثنين" التي تصدرها دار الهلال، أن تمد القارئ بطائفة من هذا الحيل!
وربما كان من أهمها حيلة:
اختراع الشخصيات:
فإذا عجزت الصحافة في مصر عن أن تصف الحكام الظالمين -في وقت ما- بأنهم "حمير"، أو بأن الذين يقرون منهم مبدأ المحسوبية "حمير"، فإن صحفيًّا حديثًا -كالأستاذ مصطفى أمين- باتفاقه مع رسام قدير، كالرسام "رخا" يستطيع أن يبتكر شخصية "حمار أفندي" لتظهر في مجلة "الاثنين"، وتوجه النقد لاذعًا إلى الحكام في أخذهم بمبدأ المحسوبية تارةً، وعجزهم عن محاربة الغلاء تارةً أخرى.
وإذا عجزت الصحافة في مصر عن أن تكشف الستار عن سياسة الحكام الذين أثروا عن طريق الحرب، وسمحت لهم ضمائرهم بالاتجار في أقوات الشعب، فإن مجلة "الاثنين" تستطيع كذلك أن تبتكر شخصية "غني حرب" وهي شخصية رجل أثري على حساب الشعب، وأصبح الفرق عظيمًا ومخجلًا في الواقع بينه وبين هذا الشعب.
وإذا عجزت الصحافة في مصر عن مواجهة الحكام الطغاة الذين أسكرتهم السلطة، وغرهم النفوذ، فإن "مجلة الاثنين" تستطيع أن تبتكر شخصية "سكران باشا طينة" لتعبر عن رأيها في هؤلاء الحكام، وتردهم إلى شيء من التواضع والصواب.
ومهما يكن من شيء، فلعل أبدع شخصية ابتكرتها "مجلة الاثنين" في أثناء الحرب العالمية الأخيرة، هي شخصية "ابن البلد":
ابن البلد:
ولندع الأستاذ "مصطفي أمين" يصف لنا هذه الشخصية التي اشترك في رسمها كذلك مع الرسام "رخا" حيث يقول1:
".... ابن البلد ثائر على المتبع في هذا البلد، فهو يحب المرشح إلى أن ينتخب، والضعيف إلى أن يقوى والفقير إلى أن يغنى، والحزب إلى أن يتولى الوزارة، وهو يكره القوي إلى أن يضعف، والحاكم إلى أن يستقيل والظالم إلى أن يعزل".
"وهو لا يكف عن الابتسام، وبعض الناس يحسب ابتسامته جهلًا ورضى بالخنوع، والبعض الآخر يرى ابتسامته دليلًا على السخرية والاستخفاف".
"وابن البلد حاضر النكتة، يلقيها ولايهمه أن تصيب أو تخيب، وقد يتعثر فيها الكبير، وقد تؤلم الصغير، ولكنها دائمًا برئيةً، لا يقصد منها أن تنفع أحدًا أو تضر أحدًا، اللهم إلّا أن تظهر طبيعته الساخرة التي ورثها من توالي عهود الظالمين".
"وهو رجل طيب القلب، لا يتعصب ضد دين أو جنس، ولا يحقد على أحد، ولا ينتقم من مغلوب، ولا يمد خنجره في جريح".
"كم اضطهدوه وعذبوه، وكم طردوه وانتهروه، ولكنه لا يستطيع إلّا أن يقول لهم كلمته الخالدة خلود الأهرام: "معلهش" أو "ربنا يسامحهم"، أو "منهم لله"!!
"وقد يعد بعضهم هذا التسامح دليلًا من أدلة الضعف، ولكنه يعدها رجولة، والرجولة عنده نصيحة".
1 راجع "ثورة الصحافة" للأستاذ سامي عزيز، ص9، وما بعدها.
"إنه يحني رأسه أمام الطغيان، ولكنه -في الوقت نفسه- يلعن في قلبه الطغاة المتجبرين".
"ابن البلد رجل خلق من الطبيعة وحدها، والحكمة التي تجري على لسانه هي حكمة السليقة -فقد لا يقصدها- والقبلة التي يضعها على يدي القوي، قد تخرج من فمه ولا يشعر بها، أما اللعنة التي يرسلها فهي من قلبه، وقد يكون لها -دون أن يعلم- أثر أشد فتكًا من رصاص المدفع الرشاش"!
"هذا هو ابن البلد الذي ولدته" مجلة الإثنين".... ادعوا له أن يعيش".
ولقد كانت الحكومات لا تنتبه إلى هذه الشخصيات التي تخترعها الصحافة من حينٍ لآخر، إلّا بعد فوات الوقت، وبعد أن يكون القراء قد علموا بها، وفهموا قصدها، وأصبحت كل واحدة من هذه الشخصيات ذات صورة واضحة كل الوضوح في أذهانهم، وصار لكل لفظ من الألفاظ التي تجري على ألسنة هذه الشخصيات مغزًى قوي في أذهانهم.
وهناك حيلٌ أخرى عمدت إليها الصحافة، عدا حيلة "اختراع الشخصيات"، منها التعليق على حوادث البلاد الأخرى تعليقًا يمكن تطبيقه على حوادث مصر نفسها، وكأنما الكاتب الصحفيّ في مصر يقول لحكومته في هذا التعليق وأشباهه:"إياك أعنى، واسمعي يا جارة"!.
والأمثلة على هذا كثيرة، منها:
أن إحدى الصحف انتهزت يومًا ما فرصة اعتداء الفرنسيين على رئيس جمهورية "لبنان"، واعتقالهم "رياض الصلح" رئيس الوزارة، وفرضهم
على الجمهورية اللبنانية رئيس وزارة آخر، واستعانتهم على ذلك بالدبابات والجنود، والطائرات، فأخذ الأستاذ "مصطفى أمين" يكتب المقالات الفنية التي وصف فيها هذا الحادث، كما وصف تدخل فرنسا في شئون لبنان، وكيف أن فرنسا داست على استقلال هذا البلد الشقيق، وكأنما كان الأستاذ "مصطفى أمين" يتحدث في الواقع عن حادث 4 فبراير، وكيف تدخل الإنجليز في شئون مصر الداخلية، وفرضوا عليها رئيس وزارة بالدبابات، والجنود والطائرات، وسائر أدوات المظاهرات العسكرية الإرهابية، وفهم القراء في مصر ما قصدت إليه "مجلة الإثنين" من أنها تشير إلى هذا الحادث، وأنها تسخر من رئيس الحكومة المصرية الذي ظفر بالحكم على أسنة الرماح الإنجليزية، وهي هنا حكومة الوفد، وكان على رأسها مصطفى النحاس "باشا"،
وكما يتحدث الصحفيّ عن حوادث وقعت في بلاد لبنان، وكان لها نظائر في مصر، فكذلك يستطيع أن يتحدث عن خطوبٍ وقعت في بلاد غير لبنان؛ كالصين، أو الهند، أو فارس، ونحو ذلك.
وجملة القول: أن مجلة "الإثنين" بالذات، عمدت إلى طريقتين إلى الآن، وهما: طريقة ابتكار الشخصيات، وطريقة انتهاز الفرص والحوادث الخارجية الشبيهة بالحوادث المصرية، وبهذه الطريقة الأخيرة، وقفت الصحافة المصرية يومًا من الأيام تنقد نواب البلاد، كما نقدت من قبل رجال الحكومة في عيب من العيوب الخطيرة، وداء من الأدواء الوبيلة، هو "داء المحسوبية" الذي منيت به البلاد المصرية في العهود الماضية كلها، غير أن الصحافة بدلًا من أن توجه اللوم للنواب المصريين، أخذت توجه هذا اللوم إلى النواب اللبنانيين، أو السوريين، أو العراقيين، حتى تفلت بهذه الطريقة من قلم الرقيب.
وهذا كله فضلًا عن الطرق الأدبية الطابع في ذاتها، مثل النبوءات،
والرؤى والمنامات، واختراع الخرافات، والتحدث على ألسنة الطيور، وطريقة الحوار القصير بين أستاذ وتلميذه، ونحو ذلك.
ثم إن الصحافة الحديثة لم تسلك طريق المقال على شكلٍ من الأشكال فحسب، بل طرقت طريق الفنون الصحفية الأخرى؛ كفن الحديث الصحفيّ، وفن التحقيق الصحفيّ، على لسان شخصيةٍ مبتكرةٍ لا وجود لها في عالم الحقيقة.
وبهذه الطريقة تنكر وضعًا من الأوضاع الغريبة في المجتمع أو في الحكومة، وتستطيع في الوقت نفسه أن تفلت من يد الرقابة.
ولعل من خير الأمثلة على هذه التحقيقات الخيالية، ذلك التحقيق الصحفيّ الذي نشرته "مجلة الإثنين" بعنوان:"كيف يعيش محمد أفندي" والتحقيق الصحفيّ الذي نشرته أيضًا بعنوان: "كيف يعيش الأسطى إبراهيم"
وقد جاء كلا التحقيقين تعبيرًا صادقًا عن شعور الشعب المصريّ بالأزمة الشديدة التي أحس بها في غضون الحرب العالمية الثانية.
ثم إن من الحيل الصحفية التي نراها بين آنٍ وآخر، كتابة الرسائل التي يتجه بها القراء إلى رئيس التحرير، على أن تدور هذه الرسائل حول شخصيات خيالية، أو رحلات وهمية، أو مشاهداتٍ لا نصيب لها من واقع الأمة التي تصدر فيها الصحيفة، وهي طريقة أدبية قديمة، عمد إليها الكتاب الأوروبيون، كما نجد ذلك في الرسائل "الفارسية، لمونتسكيو، والرسائل "الإنجليزية" لفولتير، وغيرها.
وفي هذه الرسائل وأمثالها، يتخيل الكاتب شخصًا غريبًا عن البلاد، جاء لزيارتها، ولفت أنظار أهلها بغرابة ملابسه، وغرابة سلوكه، كما لفت نظره ما وجد منهم من تصرفاتٍ عجيبةٍ، وآراءٍ غريبةٍ، فأخذ ينقد كل وضع يراه، وصورة يقع عليها، وعبَّرَ عن ذلك كله بطريق الرسائل.
ومن هذا القبيل، يمكن أن يعتبر كتاب الدكتور "طه حسين" بعنوان:
"مرآة الضمير الحديث" أو الرسائل "الجاحظية" التي توجه بها "طه حسين" -يومًا ما - إلى رئيس الوزارة في مصر، وهو المهندس حسين سري.
وهذا كله من جانب الصحفيين، أما الأدباء غير الصحفيين، فقد كانت لهم وسائلهم الخاصة بهم في نقد الحكومة والمجتمع، ومن أهم هذه الوسائل: القصص، كما نجد ذلك في قصة "مذكرات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، و "جنة الحيوان" لطه حسين، و"المعذبون في الأرض" له أيضًا، إلّا أن وسائل الأدباء ليست مما نهدف إليه في بحث خاص بالصحافة، فليس من حقنا إذن أن نرسل القول في هذا اللون من ألوان الأدب.
والخلاصة: أن على الأدباء، ورجال الصحف واجبًا ثقيلًا، لا مفر من أدائه، وهذا الواجب هو: محاسبة الحكام، وبذل النصيحة لهم وللمحكومين على السواء، فإذا كانت الظروف ظروف سلمٍ وأمانٍ، ولم يحتج الأديب أو الصحفيّ إلى التورية في كلامه، وإن كانت الظروف ظروف حربٍ وظلامٍ، فلا يجوز لرجال الأدب والصحافة أن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال الظلم، أو البطش، أو الخيانة، ذلك أن الطبيعة وهبتهم من الذكاء ما يمكنهم من الوصول إلى غرضهم، ومن الأسلحة ما هو بمثابة الحيل التي توصلهم إلى هذا الغرض.
مصادر الكتاب الثالث:
1-
The Kemsley Manual of Journalism.
by: Hadson
2-
Newspaper writing and Editing
by: Bleyer. Willard Crosvenor 1932.
3-
An Interoduction to Journalism.
by: Bond، Frank Fraser، 1954.
4-
Commission on Freedom of the Press.
by: Univ. of Chicago Press، 1947.
5-
Business Journalism، its Function and Furure.
by: Elfenbeen. Tuban، 1954.
6-
Modern Feature writing.
by: Reddick.
7-
Journalistic Writig.
by: Hyde.crandt Milnor، 1946.
8-
American Journalism.
by: Mott Frank Lutber، 1950.
9-
Journalison.
by: Olson،Kenneth.
10-
Writing the Feature Article.
by: Steigleman.
11-
The Complete Journalism.
by:F. Mansfield.
12-
Journalism.
by: Wickman، Stead.
13-
جنة العبيط، للدكتور زكي نجيب محمود.
14-
ثورة في الصحافة، للأستاذ سامي عزيز.
15-
أدب المقالة الصحفية في مصر، للدكتور عبد اللطيف حمزة.
16-
مستقبل الصحافة والأدب في مصر، للدكتور عبد اللطيف حمزة.
17-
فن المقالة، للدكتور يوسف نجم، ط1967 في بيروت.
18-
فيض الخاطر، لأحمد أمين.
19-
ساعات بين الكتب، لعباس محمود العقاد.
20-
الفصول، لعباس محمود العقاد.
21-
حصاد الهشيم، للمازني.
22-
صندوق الدنيا، للمازني.
23-
الأيام، لطه حسين.
24-
في المرآة، لعبد العزيز البشري.
25-
الأسلوب، لأحمد الشايب.
26-
في الميزان الجديد، لمحمد مندور.
هذا عدا الصحف والمجلات التي تصدر في مصر.