المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطرائف المتصلة بالخبر: - المدخل في فن التحرير الصحفي

[عبد اللطيف محمود حمزة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌تقديم:

- ‌من مؤلفات أستاذنا الدكتور عبد اللطيف حمزة وبحوثه:

- ‌هذا الكتاب:

- ‌الكتاب الأول: الرأي العام

- ‌الصحافة والرأي العام:

- ‌تعريف الرأي العام:

- ‌الفرق بين الرأي والسخط والعام والاتجاه العام

- ‌أنواع الرأي العام:

- ‌دور الصحافة في تكوين الرأي العام:

- ‌القانون والرأي العام:

- ‌الرقابة على الصحف:

- ‌نشأة الرأي العام في مصر:

- ‌مصادر الكتاب الأول:

- ‌الكتاب الثاني: فن الخبر

- ‌نشأة الخبر وأهميته

- ‌تعريف الخبر:

- ‌في سبيل الحصول على الخبر:

- ‌تقويم الخبر:

- ‌مذاهب نشر الخبر:

- ‌قوالب صياغة الخبر:

- ‌الحوادث الداخلية أو المحلية:

- ‌الأخبار الخارجية:

- ‌طبيعة اللغة التي يكتب بها الخبر:

- ‌تحرير العنوان

- ‌التعليق على الخبر:

- ‌الطرائف المتصلة بالخبر:

- ‌الخبر والمجتمع:

- ‌الأخبار من الزاوية الأخلاقية، وزاوية

- ‌الذوق الصحفيّ والخبر:

- ‌مصادر الكتاب الثاني:

- ‌الكتاب الثالث: فن المقال

- ‌فنون المقال

- ‌المقال القصصيُّ:

- ‌مقال الاعترافات:

- ‌المقال الكاريكاتوري:

- ‌مقال الخواطر والتأملات:

- ‌المقال العلمي:

- ‌المقال الصحفيّ:

- ‌المقال الافتتاحي:

- ‌العمود الصحفي:

- ‌عمود الموضوعات الإنسانية:

- ‌عمود الرياضة والفنون:

- ‌الحملة الصحفية:

- ‌الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب:

- ‌الكتاب الرابع: فن التقرير

- ‌المجلة

- ‌المقال في المجلة:

- ‌القصة في المجلة:

- ‌وظيفة التقرير الصحفيّ وأهميته:

- ‌فن الحديث الصحفيّ وأنواعه:

- ‌مراحل إعادة الحديث الصحفي، ونموذج له

- ‌التحقيق الصحفي وأنواعه وقواليه

- ‌مصادر التحقيق الصحفيّ، ونموذج له:

- ‌الماجريات وطريقة تحريرها:

- ‌الماجريات البرلمانية:

- ‌الماجريات القضائية:

- ‌الماجريات الدبلوماسية:

- ‌الماجريات الدولية:

- ‌تحرير الصورة والإعلان:

- ‌مصادر الكتاب الرابع:

- ‌الخاتمة: مستقبل التحرير الصحفيّ في مصر

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الطرائف المتصلة بالخبر:

‌الطرائف المتصلة بالخبر:

يميل الكثير من الباحثين إلى تشبيه مواد الصحيفة أيضًا بهرم، قاعدته الأخبار، وكل ما فوق هذه القاعدة من موادٍّ تنشر في الصحيفة لا بُدَّ أن تعتمد على هذه الأخبار؛ فالمقال، والعمود، والحديث، والتحقيق والماجريات، والطرائف، كلها مواد ترتكز ارتكازًا قويًّا جدًّا على هذه القاعدة، وبدونها لا يكون هناك مبرر ما لإحدى هذه المواد لكي تملأ بها الصحيفة جزءًا من فراغها بشكلٍ أو بآخر.

فالخبر إذن هو الأساس الذي تبنى عليه الصحيفة من أساسها، ثم تأتي بعد ذلك بقية المواد التي يرتفع بها بناء الصحيفة، فمن هذه المواد بطبيعة الحال التعليق على الأنباء، ومنها كذلك المقال الافتتاحيّ الذي يُعَبِّرُ عن رأي الصحيفة في الأهم من هذه الأنباء.

ولكن: هل بهذا التعليق الصحفيّ ذي المقال الافتتاحيّ تنتهي الصحيفة من واجبها نحو القراء؟

كلَّا، فإن أمام الصحيفة واجبًا من نوعٍ آخر، هو النظر في هذه الأنباء من زاوية أو زوايا جديدة، هذا الزوايا الجديدة هي التي تعطي للخبر قيمةً، وهي التي توضح للقراء كيف أن مندوب الأخبار لديه حاسة سادسة، هي هذه الحاسة التي يشم بها الأخبار، ويقدر بها كل خبر منها تقديرًا خاصًّا.

فإذا كان من هذه الأخبار-في نظر الصحيفة- ما يستحق أن تبحث فيه عن طائفة من التفاصيل الهامة، أتت بهذه التفاصيل وهي واثقةٌ من أنها ستجذب اهتمام القارئ، وستجعله يفهم الغير فهمًا جديدًا قد يخالف

ص: 205

فهمه الأول عند قراءته الخبر مجردًا من التعليق، وقد يخالف فهمه الثاني عند قراءته الخبر بهذا التعليق، وقد يتفق معهما، ولكن بزيادةٍ هامةٍ لها خطرها في نظر الصحفيون من جانبٍ، ونظر القارئ من جانبٍ آخر.

وكثيرًا ما تكون هذه التفاصيل التي تأتي بها الصحفية ذات طابعٍ إنسانيٍّ بحت، ومثل هذا الطابع من التفاصيل قَلَّ أن يتسع له مجال القصة الإخبارية، وقَلَّ أن يكون واضحًا فيها وضوحًا بينًا، وقلما يعني به كاتب الخبر أية صورة من صور هذه الكتابة.

هذه التفاصيل التي تنشرها الصحيفة استجابةً منها لرغبةٍ كامنةٍ في نفس القارئ، يطلق عليها الصحفيون الأوربيون اسم Features، أي:"طرائف" وهذه الطرائف تعتبر جزءًا من الأخبار لا ينفصل عنها -كما قلنا، والغاية منها في الأعمِّ الأغلب، إنما هي تسلية القارئ، وإذا ذهبت تسأل: ما هي أكثر المواد قراءة في الصحيفة الحديثة في الوقت الحاضر؟ أهي مادة المقال الافتتاحيّ؟ أم صفحة الأدب، أم العلم، أم الفن؟ فالجواب: كلّا، لا هذه، ولا تلك، وإنما هي مادة "الطرائف".

خذ لك مثلًا: خلع الملك فاروق عن العرش، إنه يعتبر خبرًا من الأخبار الهامة، والطريقة التي تَمَّ بها هذا الخلع، والزمان والمكان، ونحو ذلك، يعتبر قصةً من القصص الخبرية الخطيرة، أما الحديث عن طباع الملك فاروق، أو عاداته في النزهة والرياضة والصيد والحفلات، ونحو ذلك، فتعتبر من الطرائف، والقارئ بحاجةٍ ماسةٍ إلى عشرات من هذه الأخيرة؛ ليشبع بها نفسه من جهةٍ، وليزداد بها إحساسًا بالخبر في ذاته من جهةٍ ثانيةٍ.

مثالٌ آخر: اغتيال رئيس حكومة من الحكومات، إنه خبر من الأخبار، أما إذا أتى من يقص علينا قصة هذا الخبر، ويبحث لنا عن أسبابه ونتائجه، ويحكي لنا كثيرًا عن الظروف التي أحاطت بهذا الحادث، ويتنبأ

ص: 206

بكل آثاره في المستقبل، ويذكر لنا علاقات القتيل ببعض النساء أو الرجال ونحو ذلك، فهذه هي "الطرائف".

مثالٌ ثالثٌ: يأتي مندوب الصحيفة أحيانًا بنبأ حريق لم يسبب إلّا خسائر بسيطة، وترى الصحيفة أن مثل هذا الخبر قد لا يحظى بقدرٍ ما من الإثارة، ثُمَّ سرعان ما تزداد قيمة هذا الخبر في نظر الصحيفة، وفي نظر القارئ، إذا تضمن أنه كانت في البيت الذي احترق عجوز شمطاء استطاع الجيران أن ينقذوها، أو أن الحريق إنما تسبب عن عبث أطفال كانوا يعدون بأنفسهم حفلة عيد الميلاد في منزل أحدهم، فالحريق في ذاته خبر من الأخبار المحلية، وطريقة الحدوث وزمانه ومكانه والأشخاص الذين أصيبوا به هو القصة الخبرية، أما التفاصيل الأخرى فإنها من "الطرائف".

مثال رابع: عندما يأتي المندوب للصحيفة بنبأ تصادم، يشعر إذ ذاك بأن القراء قد سئموا مثل هذه الأخبار واعتادوها، وأنهم قد لا يضيّعون وقتًا ما في قراءتها بالصحيفة، ولكن إذا قيل لهم بعد ذلك: إن هذا التصادم جاء بسبب أن السائق أفلتت من يده عجلة القيادة؛ لأن نحلةً قرصته وطارت، فإن الخبر يصبح له وجه آخر، وإذ ذاك تُعْنَى الصحيفة بمثل هذه التفاصيل، وتكتبها في شكل "طرائف".

وهنا يقفز سؤال إلى ذهن الباحث: ما الفرق في هذه الحالة بين القصة الخبرية والطرائف؟

والجواب عن ذلك: أن القصة الخبرية إذا اشتملت على العنصر الإنسانيّ، وغلب عليها عنصر التسلية، فإنها تصبح شيئًا قريبًا جدًّا من الطرائف، وقد قلنا مرارًا: إنه ليس هناك خطٌّ يفصل تمامًا بين كل فَنٍّ من فنون الصحافة الحديثة والفن الآخر، فالأصح دائمًا أن يقال: إن هذه

ص: 207

الفنون يتداخل بعضها في بعض؛ كتداخل الألوان في قوس قزح، ولكن لا يمنع ذلك مطلقًا من تمييز كل لون من هذه الألوان عن الآخر.

ومن هنا كانت "الطرائف" Features" من الأمور التي يختلف العاملون في حفل الصحافة اختلافًا كبيرًا في تحديد معناها؛ فمنهم من يشترط في هذه المادة اعتمادها فقط على الجانب الإنسانيّ، ومنهم من يشترط فيها أن تهدف فقط إلى مجرد التسلية، ومنهم من يقول: إنها أيّ نوعٍ، أو قدرٍ من المعلومات، تملأ به الصحيفة ما تخلف عندها من الفراغ بعد كتابة الأخبار بأنواعها، والأعمدة على اختلافها، وما إلى ذلك، وعند هؤلاء أنه ما دامت هذه التفاصيل أو المعلومات ليست معلقةً في الهواء، أو بمعنًى آخر: ليست مقطوعة الصلة بالأخبار، فإنها تصلح لأن يطلق عليها اسم: "الطرائف".

أما نحن فلا نتصور الأمر فوضى على هذا النحو، وإلّا لكانت مادة "الطرائف" من المواد التافهة في الجريدة، على حين أن الإحصاءات دلت على أنها هي التي تستحوذ على اهتمام القراء أكثر مما عداها من مواد الجريدة.

أجل، ليست الطرائف في نظرنا هي المواد التافهة في الصحافة الحديثة؛ لأنها في الحقيقة هي التي تعطي للخبر قيمةً، فضلًا عن أنها تزود القارئ بمعلوماتٍ شائقةٍ لا يتسع لها الخبر في ذاته من جهة، ولا يمكن إيرادها بطريقة التعليق عليه من جهة ثانية.

بل إن الطرائف الخبرية ترفع من قدر الصحيفة في نظر القارئ، وتدفعه إلى قراءتها، ولو كانت سياستها بما يخالف رأي هذا القارئ، وطريقتها مما تتنافى مع ذوقه تمامًا، ومن هنا رأينا أن الصحافة الأمريكية قالت - وهي على الحق فيما قالت: إنها لا تحتاج لكي تكون صحافةً للانتماء إلى حزب سياسيٍّ لكي تعيش، وذلك أنها تستمد بقاءها، وتعتمد في قوتها على عناصر ذاتية، ومقومات فنية تستميل بها قراءها، ومن هذه الفنون- بل من أولها في الواقع- فن "الطرائف".

ص: 208

وهذا الذي يقال في الصحافة المقروءة، يقال مثله كذلك في الصحافة المسموعة، ونعني بها: الإذاعة، والصحافة المرئية -التليفزيون.

فهل يستمع الجمهور للبرنامج الثقافيّ؟ وهل يستمع لنقد الكتب؟ وهل يستمع للتعليق على الأنباء؟ الواقع أنه قَلَّ أن يستمع إلى شيءٍ مما سبق بقدر ما يستمع للطرائف، ولما يشبه الطرائف من شتَّى أنواع التسلية.

وليس معنى ذلك أننا ندعو القارئ بطريقةٍ غير مباشرة إلى إهمال المواد الصحفية والإذاعية كلها فيما عدا مادة الطرائف؟ لا، بل نحن ندعوه إلى الأخذ من كل مادةٍ من هذه المواد بقدر معين، وإلّا لكان كمن يجلس إلى مائدةٍ حافلةٍ بألوان الطعام، ولكنه لا يصيب إلّا واحدًا فقط من هذه الألوان، ومثل هذا الرجل لا بد أن يكون مريضًا بمرضٍ يمنعه من أن يكون حرًّا في أن يَمُدَّ يده لشتَّى الطعوم التي تملأ المائدة.

وصدق من قال1: لقد أصبحت النظرية القائلة بأن الناس يقرءون الأخبار؛ لأنها تهزهم، أو تثيرهم نظريةً أثرية، فقدت تأثيرها لكثرة ما كررها الناس، والواقع أن الناس يقرءون الصحف للاطلاع على ما فيها من معلومات، وبدافع من حب الاستطلاع، وبقصد المتعة والتسلية.

وقد جاء في نتيجة إحصاءٍ لبعض المجلات الأمريكية، في 23 من آب أغسطس، سنة 1958 ما يلي:

1-

أن قراء الأخبار المحلية يشكلون نسبة 48%.

2-

أن قراء الأخبار العامة يشكلون نسبة 40%.

3-

أن المهتمين بالطب والصحة العامة يشكلون نسبة 37%.

4-

المتتبعين لأخبار الجرائم يشكلون نسبة 28%.

1 عن الصحفيّ المحترف، الترجمة العربية، لفؤاد موياساتي، ص71.

ص: 209

5-

المتتبعين لأخبار العلوم يشكلون نسبة 28%.

6-

المتتبعين للأخبار الفكاهية يشكلون نسبة 30%.

7-

المتبعين للأخبار السياسية الوطنية يشكلون 23%.

8-

المتبعين للأخبار الخارجية يشكلون نسبة 21%.

ومن ثَمَّ أصبح على مؤسسات الإعلام، على اختلاف أشكالها ودرجاتها؛ كالصحيفة، والمجلة، والكتاب، ومحطة الإذاعة، والتلفزيون، ونحو ذلك، أن تستجيب لرغبات الجمهور، وأن تدرس هذه الرغبات بين حين وآخر، وأن تتعرف ذوق الجمهور، وأن تقدم له ما يتفق معه تمامًا، وألّا تتعالى عليه بوجهٍ من الوجوه، وإلّا جاء يومٌ اضطرت فيه كل وسيلة من وسائل الإعلام التي تَقَدََّمَ ذكرها أن تعلن إفلاسها، وشهر عجزها عن مجاراة القراء والمستمعين على السواء.

كيف تجمع الطرائف؟ :

الطرائف المتصلة بالأخبار هي -كما قلنا- التفاصيل التي تكمل هذه الأخبار، وتلقي عليها ضوءًا خاصًّا، وتزيد من قدرتها على جذب القارئ، وتضفي عليها من الرواء والصفاء ما يضمن بقاءها عنصرًا هامًّا من عناصر الصحيفة الناجحة في الوقت الحاضر.

من أجل هذا، كثيرًا ما ترى سكرتير التحرير يطلب إلى معاونيه أن يقوموا بتحويل مادةٍ من المواد الخبرية في الصحيفة من صورة أخبار إلى صورة طرائف، فإذا أتى إلى الصحيفة خبر عن شخصية بارزة في العالم بادر سكرتير التحرير إلى إحداث نوعٍ من المنافسة بين المحرريين، في أنه يستطيع أن يزود الصحيفة بأكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه الشخصية البارزة، ويراجع سكرتير التحرير كل ذلك، ويختار أكثره

ص: 210

إمتاعًا للقارئ، أو يجمع من المحررين كل ما جمعوه من المعلومات التي يضمن أنها تجذب القارئ.

ويكون عمل سكرتير التحرير في هذه الحالة تأليف نسيج إنساني من طرازٍ معينٍ، يعتبر في الواقع من أوضح الأمثلة للطرائف، ويوضِّحُ الجوانب الغامضة في تلك الشخصية، بشرط أن تكون موضع اهتمام القارئ في ناحيةٍ من النواحي.

وإذا حدث مثلًا أن زار رئيس إحدى الجمهوريات مسجدًا من مساجد القاهرة، فإن الصحيفة في هذه الحالة تبادر إلى الحصول على معلومات تاريخية وإنسانية مسليةً عن هذا المسجد، وتتحف بها القارئ، وهنا تقدم الصحيفة لونًا جديدًا من ألوان الطرائف، يكون مخالفًا للون الأول.

وإذا فرضنا أن هدهدًا طار من قفصه في حديقة الحيوان، وأن الصحيفة أرادت أن تقدم بعض الطرائف إلى القراء بمناسبة هذا الحادث، فإنها في هذه الحالة قد تتحدث عن صيد أول هدهدٍ في العالم، وقد تحتال على القارئ، حتى تسوق له شيئًا من قصص القرآن؛ مثل: قصة الهدهد وسليمان، ونحو ذلك.

وفي صحيفة الأخبار التي كان يحررها الصحفيّ المعروف "أمين الرافعي" نشر خبر1 عن فأرة تسببت في إطفاء نور القاهرة، هذا نصه:

فأرة أطفأت نور القاهرة

"حدث مساء السبت الماضي حادثٌ غريبٌ في بابه، ويكاد يكون فريدًا فيه، ذلك أن فأرةً كانت تسير تحت الآلات البخارية الكهربائية بمعمل شركة النور، وكانت تنتقل من مكان إلى آخر في طمأنينةٍ، فحدث

1 راجع صحيفة الأخبار بتاريخ 28/ 22/ 1922.

ص: 211

أنها وقفت على سلكٍ من أسلاك الآلة المولدة للكهرباء، قوتها أربعة آلاف كيلو واط، وتعطي الكهرباء تحت ضغط عشرة آلاف فولت، ولو أن الفأرة مشت على سلك واحد لما حدث حادث، ولكنها قفزت من سلك إلى آخر، ولطول ذيلها لمست السلكين معًا في آنٍ واحدٍ، فأحدث ذلك اتصالًا بين السلكين، وعليه مَرَّ تيار قوي جدًّا، أحدث قوسًا كبيرًا من النار، فصعقها، وأذاب بعض الأسلاك النحاسية، فوقفت الآلة، وانطفأ نور العاصمة، وبعد الحادثة وجدت الفأرة يابسةً، فوضعت في كمية من الكحول لحفظها".

لا شكَّ أن هذه قصةٌ إخباريةٌ صغيرةٌ، تصلح في الوقت نفسه لأن تكون طرفةً من الطرائف التي تسوقها الصحافة الحديثة، وفيها عنصر "الغرابة"، وهو العنصر الذي جعل لهذا الخبر قيمةً، كما أن فيها كذلك عنصر الطرافة؛ لأن القراء لم يعتادوا على مثل هذه الحوادث العجيبة؛ ولأن الفأرة الضئيلة استطاعت أن تحرم سكان القاهرة من نعمة الضوء مدةً ليست بالهينة.

ولو أن حادثًا كهذا حدث في أيامنا هذه، لتسابقت الصحف إلى شركة النور تسأل المدير والعمال، ثم يخرج المندوبون إلى الجماهير في الطرقات والدور فيسألونهم: كيف فوجئوا بهذا الحادث؟ وكيف كان تصرفهم وقت وقوعه؟ وما الذي صنعه سائق السيارة، وهو ينهب الأرض نهبًا ليسعف راكبًا في مهمة خطرة؟ ومن مجموع هذه الإجابات يستطيع الصحفيّ أن يستكمل هذه الطريفة.

إن الطرائف إذن بمثابة التوابل، أو المشهيات في مائدة الصحافة، وهي من أجل ذلك محبوبة من جانب القراء جميعًا، وتكون مقبولةً في نظرهم أكثر من ذلك إذا كانت ذات أنواع شتَّى، وصورٍ متعددةٍ، وفي هذا المجال تتنافس الصحف، وتتبارى أذهان المحررين، فقد تكون

ص: 212

الطرائف الإخبارية ذات طابع تاريخيّ، أو ذات طابعٍ جغرافيٍّ، أو ذات طابعٍ إخباريٍّ يشبه القصة الإخبارية، وهنا ينبغي للكاتب أن يؤخر نهاية القصة، أو يبطيء في الكشف عن عقدتها الفنية بقدر المستطاع، ذلك لأن الطرائف الخبرية لا تشتمل في الغالب على أخبار هامة، ولا تهدف إلى تزويد القارئ بهذه الأخبار الهامة، وإنما هي أشبه شيء بالمشهيات فوق المائدة، لا تحتوى على العناصر الرئيسية للغذاء، وإنما تشتمل على عناصر تثير شهوة الآكلين باستمرار.

أنواع الطرائف:

تستطيع بسهولةٍ أن تدرك أن الطرائف على أنواعٍ شتًّى، وألوانٍ متعددةٍ، ولكن أشهرها في الغالب هذا الذي نعرضه فيما يلي:

أولًا: الطرائف الإنسانية.

ثانيًا: الطرائف التاريخية.

ثالثًا: الطرائف الخاصة بتراجم الرجال.

رابعًا: الطرائف الجغرافية.

خامسًا: الطرائف الخاصة بالأدب.

سادسًا: الطرائف الخاصة بالعلم1.

سابعًا: الطرائف الخاصة بالفن.

ثامنًا: الطرائف الهزلية.

وذلك فضلًا عن أنواع أخرى -ربما كانت أقل أهميةً- مثل الطرائف الموسمية، وطرائف أيام الإجازات، والطرائف الخاصة بأصحاب المهن، ونحو ذلك.

1 L، Compbell، Exploring journalism، ch، ،Entertainment p ، 484.

ص: 213

والملاحظ دائمًا أن الصحيفة اليومية أكثر عنايةً بالطرائف التي تتوافر فيها صفة "الحالية"، على حين أن المجلات الدورية هي التي تهتم بالطرائف الفنية والأدبية والعلمية.

والملاحظ أيضًا أن مادة الطرائف بوجهٍ عامٍّ، أقرب إلى المجلة الدورية منها إلى الصحيفة اليومية، ومع ذلك فعلى الطرائف تعتمد الصحيفة دائمًا في ملء الفراغ المتخلف عن المواد الصحفية المعتادة، ولهذا يجب أن يكون لها رصيدٌ كافٍ من هذه الطرائف كلما أمكنها ذلك.

وكما أن للأخبار الخارجية وكالات تحصل منها الصحف على هذه الأخبار، فكذلك "للطرائف" المتصلة بالأخبار وكالات تقدم هذه الطرائف للصحف التي تطلبها بين حينٍ وآخر، وفي مثل هذه الحالة تستطيع الوكالة أن توفر على الصحف مهمة البحث عن معلوماتٍ من هنا وهناك، وتعفيها من مئونة الاتصال المباشر بالأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم في الخبر، أو الأماكن التي وقع فيها الحادث.

أسلوب كتابة الطرائف:

الحق أن قوة هذه المادة من المواد الصحفية -وهي مادة الطرائف- إنما تأتي دائمًا من الطريقة التي تتبع في كتابتها، من أجل ذلك ينصح علماء الصحافة كل من يمارسون كتابة هذا النوع أن يتوخوا دائمًا أن تكون كل كلمة من الكلمات، أو عبارةٍ من العبارات قادرةً على المشاركة في هذا الموضوع، مضيفةً إليه أثرًا من الآثار، لا يكون إلّا بها، ولا معنًى له بدونها.

كما ينصح العلماء أيضًا بألّا يحرص الكاتب على أن يقدم كل ما يعرفه من التفاصيل عن الموضوع، بل يكتفي بالإشارة عن العبارة، ويكون بمثابة المضيف اللبق، لا يقدم إلى ضيوفه كل ما يملك في بيته من شتَّى ألوان الطعام، ولكن يقدم إليهم ما يشتهونه منها فقط.

ص: 214

كما ينصحونه كذلك بأن يصطنع في كتابة الطرائف أسلوبًا قريبًا من أسلوب القصة أو الرواية، ومعنى ذلك أن يتوخى الطرق التي من شأنها أن تخلق التأثير في نفس القارئ، وكما يؤثر استخدام الأساليب الخفيفة الروح، بما فيها من تشبيهاتٍ لطيفةٍ، وعباراتٍ جذابةٍ، وألوانٍ ساخرةٍ، وأساليب تتدفق بالحياة والحركة.

وأخيرًا يوصي النقاد بأن يقسِّمَ كاتب الطرائف موضوعه إلى فقرات، كما يقسِّم القصة أو المسرحية إلى فصول ومشاهد؛ بحيث لا تظهر للقارئ كأنها كتلة مصبوبة، أو شيء ملقى في الطريق، أو مادة تملأ فراغًا في الصحيفة لا أكثر ولا أقل.

وما أشبه هذه المادة من مواد الصحافة الحديثة -وهي مادة الطرائف- بمادةٍ نجدها دائمًا في كتب الأدب العربيّ، ولا يخلو منها كتاب من كتب الجاحظ على الأخصِّ، وهي مادة النوادر والملح1.

والقارئ لكتب الأدب العربيّ من جهةٍ، والمتتبع لسير الأدباء -ونخص بالذكر منهم الكتّاب- من جهةٍ ثانيةٍ، يرى كيف كان لهذه النوادر والملح تأثير كبير في ذوق الأديب العربيّ، وكيف كانت مادة من أهم المواد في تثقيفه وتأهيله لأنه يصبح كاتبًا له شأنه، وله قلمه، وله ظرفه، وله أدبه.

ولا يتسع المجال هنا لضرب الأمثلة على هذه النوادر والملح من الأدب العربيّ، فهي أكثر من أن تحصى من ناحية، وأشهر من أن ندل عليها من ناحيةٍ ثانيةٍ، ومن هنا نجح كلٌّ من الجاحظ في كتبه الكثيرة، والأبشيهي في كتابه "المستطرف في كل فن مستظرف" وابن حجة الحموي في كتابه

1 وهنا لا ننسى ما يؤديه العلم كل يومٍ من خدمات جلية للصحافة، وغيرها من المؤسسات الكبيرة، ومن ذلك اختراع:"الحاسب الإلكتروني"، وهو جهاز يزيد المعلومات الهامة ويحفظها، ويزود بها الراغب فيها فور الطلب.

ص: 215

"ثمرات الأوراق" وأبو الفرج الأصفهاني في كتابه "الاغاني"، والمبرد في كتابه" الكامل"، وابن عبد ربه في كتابه" العقد الفريد" في أن يكونوا "صحفيين" ناجحين بالقياس إلى العصور التي عاشوا فيها، فقد استطاعوا أن يمدوا قراءهم بطائفة صالحة من "طرائفهم" حول الموضوعات، والأشخاص، والحوادث، والتجارب، والأماكن، والكائنات التي تعرضوا لها في كتبهم، ومن ثَمَّ أقبل قراؤهم على هذه الكتب يقضون في قراءتها، والاستمتاع بها أكبر وقت مستطاع.

ومعنى ذلك: أن لهذا الفن من فنون الصحافة الحديثة -وهو فن الطرائف- أصلًا في الآداب القديمة، ومنها الأدب العربيّ.

وكما أن النوادر والملح تعتبر على الدوام من الأدب الواقعيّ فكذلك الطرائف تعتمد الاعتماد كله على الواقع الملموس، ولا صلة لها مطلقًا بالخيال أو الصور الوهمية بحالٍ ما، ولا شكَّ في أن من أغراض فن الطرائف مد القارئ بما يسمى:"الصورة الخلفية" 1 للحوادث، وهي صورة تساعد على شرح الأسباب والنتائج والحقائق، ونحو ذلك.

من هم كُتَّابُ الطرائف:

تعتمد المجلة أو الصحيفة في كتابة الطرائف على نوعين من الكتاب في الغالب:

أولهما: أعضاء في هيئة التحرير روضوا أقلامهم على كتابة هذه الطرائف، ومالوا إليها كثيرًا، ووقفوا دائمًا وراء الأخبار يعملون على استكمالها، ويستعينون على ذلك إما بالكتب والمراجع الأدبية والعلمية على اختلافها، وإما بالاتصال بالأشخاص الذين تدور حولهم الأخبار الهامة في الصحف، ومن هؤلاء المراسلون الخارجيون للصحيفة.

1 Booky round

ص: 216

وثانيهما: كتاب يتصلون بالمجلة أوبالصحيفة عن طريق "المصاحفة" ولا يكونون في هذه الحالة أعضاء في هيئة التحرير، ولكن تنظر إليهم المجلة أو الجريدة على أنهم من أصدقائها.

والمشاهد أن النوع الثاني من كتاب الطرائف أكثر نجاحًا في الغالب من النوع الأول، ذلك لأن الكتاب الذين من هذا النوع الثاني يكتبون بوحيٍ من أنفسهم، كما يفعل الشعراء أو الكتاب الأحرار سواء بسواء، ثم إن هذا النوع الأخير من كتاب الطرائف يدرك تمامًا أن من أهم مصادر هذا الفن من فنون الصحافة الحديثة الأفراد الذين يتصل بهم، والقصص التي يسمعها من أفواههم، والمناظر الطبيعية التي يراها في المحيط الذي يعيش فيه، والتجارب التي مرت به، ونحو ذلك.

على أن أهم مصدر لكتابة الطرائف في الواقع هو نفس المصدر الذي تستقي منه الأخبار والحوادث الداخلية، ونعنى به: أماكن الشرطة، أو البوليس في المدن والقرى، وكثيرًا ما يختلف المخبر أو كاتب الطرائف إلى هذه الأماكن، ويعود وحقيبته مملوءة بشتَّى القصاصات، والبيانات، والمذكرات، والصور، وغير ذلك من المواد التي تساعد على كتابة الطرائف.

ما الفائدة التي تعود على القراء من الطرائف؟

لا شكَّ أن الإقبال الذي نراه من القراء على هذا الفن الجميل من فنون الصحافة بَيِّنٌ -كما قلنا- إلى أي حدٍّ يشعر القراء بالفائدة والمتعة في وقت معًا من هذه القراءة.

فالكاتب الذي يكتب الطرائف الكثيرة عن الشخصيات البارزة، أو الشخصيات المعقدة، أو الشخصيات المكافحة في الحياة، يقدم أَجَلَّ الخدمات للشباب الذين يجدون صورهم منعكسة في إحدى هذه الشخصيات.

ص: 217

فيشعرون من مطالعة هذه الطرائف بالراحة النفسية التي لا حَدَّ لها.

والكاتبة المحترفة أو المصاحفة التي تجسد من وقتها ما يكفي لكتابة الطرائف التي تمس الشئون المنزلية للمرأة، أو تشير من قريب أو من بعيد إلى مشكلاتها الزوجية، أو المادية، أو النفسية، تساعد الكثيرات من الزوجات على التخلص من متاعبهن، أو تحسين حالاتهن، مسترشداتٍ في ذلك بالتأثير النفسي الذي ربحته من مطالعة هذا اللون من ألوان الصحف.

وبهذه الطرق وأمثالها يصبح الجيل الجديد من الشبان والفتيات أكثر ثقافةً من الأجيال السابقة، ويخوض غمار الحياة بنفوس أكثر صفاءً وتحررًا من تلك الأجيال، بل بهذه الطريقة تؤدي الصحافة وظيفة "الأدب الواقعيّ" وتحل محله في أوقاتٍ كثيرة، وتكفي -إلى حد ما- في تغذية الجيل الحاضر من هذه الناحية.

على أن الأمر عسير على المحرر المحترف أو المصاحف بقدر ما هو يسير على القاريء أو المستمع؛ فالمحرر عليه دائمًا أن يبحث عن احتياجات القراء، وعن مطالب المجلة أو الصحيفة، أو الإذاعة، وعليه أيضًا أن يحسن استخدام النقد عند الضرورة، وعليه أن ينمي اتصالاته بالناس على اختلاف طبقاتهم، وعليه أن يضيف كل يوم جديدًا إلى معلوماته وتجاربه الخاصة، كما أن عليه أن يأخذ نفسه بالصبر والمثابرة في الوصول إلى المعاني الجديدة، والألفاظ التي تناسب هذه المعاني الجديدة.

ثم هو بعد هذا كله لا يبدأ الكتابة إلّا حين يشعر بالرغبة الشديدة فيها، فقد بَيَّنَّا أن هذه المادة أقرب إلى المجلات الدورية منها إلى الصحف اليومية، أو بعبارة أخرى: أقرب إلى طبيعة الأدب منها إلى طبيعة الصحافة.

ص: 218

ويستطيع القاريء أن يطلع في كل يوم على الصحف المحلية أو الصحف الأجنبية فيجد العدد الوفير من الطرائف على اختلاف أنواعها، وخاصةً منها الطرائف ذات الطابع الإنسانيّ، ومنها -على سبيل المثال- مقال قرأته في جريدة الجمهورية الصادرة ببغداد، وإليك خلاصة له:

قطع الراديو برامجه وأعلن النبأ

عادت "تينا" وعطست.. في وجه الملك.

قبل حلول عيد الميلاد بأسبوعين، خرجت هانا "23سنة" متوجهةً إلى أسواق "ديبل" التي تقع في وسط مدينة "كوبنها كره" لتختار هديةً لزوجها السيد: بيتر فيكيل "26سنة" الطالب في كلية الهندسة، وقد صحبت معها طفلتها "تينا" التي كانت قد أكلمت الشهرين من عمرها، وتركت الأم الطفلة في عربتها الصغيرة أمام أحد مداخل السوق المزدحم، ودخلت لشراء الهدية.

وبعد برهةٍ خرجت الأم إلى حيث تركت ابنتها، ولكن العربة والطفلة التي في داخلها لم يكن لهما أثر، وقد أجرى البوليس تحقيقًا روتينيًا، ووعد الأم برجوع طفلتها خلال ساعاتٍ من نفس اليوم، كما حدث في حالات مماثلة، ومرت أيام على الاختفاء، وبعد أن وجه البوليس نداء إلى كل من لديه معلومات يدلي بها عن الموضوع، وبعد أن وقف البوليس مكافأةً قدرها "1700" دينار، على من يساعد في العثور على الطفلة، أجمعت أكثر من ثلثمائة شهادة على أن امرأةً متوسطة الطول، داكنة الشعر، مستديرة الوجه، لها شفاه ممتلئة، في حوالي الثلاثين من عمرها، شوهدت في فترة الظهر وقت اختطاف الطفلة، وهي تحمل طفلة صغيرة وتسير متجهة ناحية الميناء البحريّ.

وقامت الصحف الدانماركية الكبرى بتحقيقاتها للعثور على الطفلة.

ص: 219

ولكن بدون جدوى، وأعلنت جمعية سائقي التاكسيات الدانماركية المساهمة بألفين وستمائة سائق للعمل على إيجاد "تينا".

وعقدت الآمال على ليلة عيد الميلاد، وموسم عيد الميلاد في الدانمارك كله فرح واحتفالات عائلية، ولكن اكتنف الاحتفالات هذا العام وجومٌ لم يعرف له الدانماركيون مثيلًا منذ الاحتلال النازي، وذلك بسبب غيباب الطفلة "تينا" عن والديها، وحين حَلَّ عيد رأس السنة، ظهر رئيس وزراء الدانمارك كعادته على شاشة التليفزيون، ووجَّه كلمةً للشعب الدانماركي، ونداءً خاصًّا للحاشية، ووعدها بمعالجة خاصة للحادث.

وعاد مدير البوليس الذي قطع إجازته مع مئات من مساعديه الذين قطعوا عطلتهم اختياريًّا من أجل مواصلة التحقيق، وأعاد قراءة أكثر من خمسة آلاف رسالة كانت قد وردت من المواطنين، وفي إحدى الرسائل قال كاتبها: إن إحدى قريباته في مدينةٍ تبعد 50كم عن "كوبنها كرة" قد ولدت في نفس التاريخ الذي اختفت فيه "تينا" وقد لفت نظره كبر حجم الطفلة الوليدة.

وتوجَّه البوليس إلى العنوان المذكور، وفتح باب الشقة، وظهرت امرأة تنطبق عليها الأوصاف التي ذكرها أكثر من ثلثمائة شاهد، وطلب البوليس النظر إلى الطفلة، كما طلب رؤية أوراق المستشفى؛ فانهارت أعصاب المرأة، وأعترفت بأن الطفلة هي "تينا".

وعلى أثر هذا الاعتراف، حملت سيارة البوليس الأم حيث تعرفت على ابنتها واحتضنتها وهي تبكي، بعد أن غابت "29 يوما" عنها، وقطع الراديو برامجه، وأعلن الخبر، وقد شهدت الدانمارك يومًا مماثلًا لذلك اليوم قبل إحدى وعشرين سنة، يوم أعلن تحرير الدانمارك من قوات الاحتلال النازي،

ص: 220

وقد ظهر من استجوابات البوليس أن الجانية تعاني حالة نفسية معقدة، وخوفًا من أن تفقد زوجها اضطرت للكذب وادِّعاء الحمل، وقد توجه رئيس البوليس لدار "فيكيل" وقبَّل الطفلة، محاولًا أن يريح نفسه من عناء الليالي والأيام التي قضاها وهو يقتفي أثرها.

وبعد ساعاتٍ أرسل الملك "فردريك" ملك الدانمارك برقيةً إلى الأم يهنئها باجتماع الشمل، وقد رغبت الأم الشابة في أن تعرب له عن امتنانها، فاتصلت بالقصر الملكيّ، ونظمت للملك زيارة خاصة لتمثل أصغر دائرة رسمية بين يدي جلالة الملك.

وفي إحدى الصالات الملكية، توجه الملك "فردريك" إلى زائرته الصغيرة، وحملها بين يديه مبتسمًا.

أما الطفلة الصغيرة، فرفعت رأسها ونظرت إليه بعينين بريئتين، ثم فتحت فمها وعطست في وجه الملك1.

1 صحيفة الجمهورية الصادرة في بغداد بتاريخ 20/ 2/ 1966.

ص: 221