المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ينظر العبد إلى الله تعالى في كل أمره] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل ينظر العبد إلى الله تعالى في كل أمره]

مَنْ صَدَقَ أَبْصَرَ، وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ بِاَللَّهِ وَبِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَنَهَاهُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَلَأَتْ قَلْبَهُ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَاشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ فُضُولِ الدُّنْيَا مِنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَاللِّبَاسِ، وَالْبُنْيَانِ، وَالْمَرْكَبِ، وَالْأَزْوَاجِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالْخَدَمِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ الزَّوْجَةُ، وَالْوَلَدُ، وَأَشْيَاءُ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ عَلَى الرَّغْبَةِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ فَهْمِ وَعْدِ الْقُرْآنِ، وَوَعِيدِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا وَصَلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ لَمْ يَغْتَرُّوا بِدَارِ الْغُرُورِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ رَغْبَةٌ إلَّا خَوْفَ فَوَاتِ مَا شَوَّقَ إلَيْهِ وَعْدُ الْقُرْآنِ وَوَعِيدُهُ مِنْ الْخُلُودِ فِي دَارِ النَّعِيمِ أَوْ دَارِ الْهَوَانِ {إنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} إنَّمَا دَعَا إلَى دَارِ السَّلَامِ - مَنْ خَلَقَهَا، وَزَيَّنَهَا، وَجَلَّاهَا: فَخُضْ أَيُّهَا الْمُرِيدُ الْغَمَرَاتِ شَوْقًا إلَى نَعِيمِهَا، وَأَجِبْ الدَّاعِيَ الصَّادِقَ الْوَفِيَّ إلَى مَا وَعَدَ، وَدَعَاك إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَذَّرَك نَفْسَك، وَهَوَاك، وَأَنْذَرَك حُلُولَ دَارِ سَخَطِهِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْوُصُولُ إلَى نَعِيمِ دَارِ الْخُلُودِ رَفْضُ الْمَحْبُوبِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى فَارْفُضْهُ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ ضَجِيعَك، وَالزُّهْدَ قَرِينَك، وَالْجِدَّ سِلَاحَك، وَالصِّدْقَ مَرْكَبَك، وَالْإِخْلَاصَ زَادَك، وَالْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ عَلَى مُقَدِّمَتِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى الْجَنَّةِ صَاحِبَ لِوَائِك، وَالْمَعْرِفَةَ عَلَى مَيْمَنَتِك، وَالْيَقِينَ عَلَى مَيْسَرَتِك، وَالثِّقَةَ عَلَى سَاقَتِك، وَالصَّبْرَ أَمِيرَ جُنْدِكَ، وَالرِّضَا، وَزِيرَك، وَالْعِلْمَ مُشِيرَك، وَالتَّوَكُّلَ دِرْعَك، وَالشُّكْرَ خَلِيلَك ثُمَّ انْفِرْ إلَى عَدُوِّك، وَصَافِقْهُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْت لَك، وَطِبْ نَفْسًا عَنْ دَارِ الْهُمُومِ، وَالْأَحْزَانِ إلَى دَارِ الْبَقَاءِ، وَالسُّرُورِ مَعَ الْخَيِّرَاتِ الْحِسَانِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

ثُمَّ قَالَ: رحمه الله فَلْيَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ مَنْ نَظَرَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِأَمَلٍ رَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ كَانَ عُزُوبًا لِقَلْبِهِ عَنْ اللَّهِ، وَكَانَ مَنْقُوصًا عَنْ مَنْزِلَةِ الْوَاثِقِينَ الْمُؤَيَّدِينَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ، وَجَلَّ لِدَاوُدَ عليه السلام {: يَا دَاوُد إنِّي قَدْ آلَيْتَ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أُثِيبَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي إلَّا

ص: 32

عَبْدًا قَدْ عَلِمْت مِنْ طَلْبَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَإِلْقَاءِ كَنَفِهِ بَيْنَ يَدَيَّ أَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنِّي، وَأَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ إلَى نَفْسِهِ بِنَظَرِهَا، وَفِعَالِهَا إلَّا، وَكَّلْته إلَيْهَا أَضِفْ الْأَشْيَاءَ إلَيَّ فَإِنِّي أَنَا مَنَنْت بِهَا عَلَيْك} .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَ إنَّمَا تَفَاوَتُوا، وَتَبَايَنُوا فَبِاخْتِيَارِهِمْ نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اخْتِيَارِ أَنْفُسِهِمْ زَادَهُمْ ذَلِكَ سُرْعَةً، وَقُرْبًا مِنْ مَعُونَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، وَصُنْعِهِ، وَتَسْهِيلِهِ عَلَيْهِمْ، وَبِالسَّهْوِ عَنْهُ، وَاخْتِيَارِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَلَى نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى زَادَهُمْ ذَلِكَ بُطْئًا، وَبُعْدًا مِنْ مَعُونَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَصُنْعِهِ، وَتَسْهِيلِهِ عَلَيْهِمْ فَكُنْ فِي نَظَرِك إلَى رَبِّك نَاظِرًا بِأَنْ لَا تُؤَمِّلْ غَيْرَ صُنْعِهِ، وَلَا تَرْجُو غَيْرَ مَعُونَتِهِ، وَاثِقًا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ، وَأَسْرَعُ فِي مَعُونَتِهِ لَك فَإِنَّ الَّذِينَ قَلَّدُوا أُمُورَهُمْ رَبَّهُمْ، وَوَثِقُوا بِهِ، وَلَجَأُوا إلَيْهِ قَدْ أَمَاتُوا مِنْ قُلُوبِهِمْ تَدْبِيرَ أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلُوا الْأُمُورَ عِنْدَهُمْ أَسْبَابًا مَعَ قِيَامِهِمْ بِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فَأُولَئِكَ ذَهَبُوا بِصَفْوِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ لِسُكُونِ قُلُوبِهِمْ إلَيْهِ فَوَجَدُوا بِذَلِكَ الرَّوْحَ، وَالرَّاحَةَ فَهُمْ حُمَاةُ الدِّينِ، وَالْعُلَمَاءُ بِاَللَّهِ قَدْ فَاقُوا عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ بِاطْمِئْنَانِهِمْ بِهِ، وَسُكُونِهِمْ إلَيْهِ فَأَوْجَبَ لَهُمْ صُنْعَهُ، وَأَقَامَ قُلُوبَهُمْ عَلَى مِنْهَاجِهِ فَمَا تَقَلَّبُوا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ فَعَلَى الرِّضَا، وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْخَلْقِ فِي مُؤْنَةٍ، وَتَعَبٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ اخْتَارُوهَا، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهَا فَأَوْرَثَتْهُمْ الْهَمَّ، وَالْغُمُومَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ فَهُمْ الَّذِينَ قَلَّدُوهُ أُمُورَهُمْ، وَخَرَجُوا عَنْ طِبَاعِ الْعِبَادِ؛ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ خَطَأِ مَنْ اخْتَارَ نَفْسَهُ فَجَعَلُوا اخْتِيَارَهُمْ الرِّضَا بِمَا صَيَّرَهُمْ إلَيْهِ مَوْلَاهُمْ مِنْ أُمُورِهِمْ فَزَالَتْ الْغُمُومُ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَأَوْجَبَ لَهُمْ الصُّنْعَ، وَالتَّوْفِيقَ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَأَوْرَثَهُمْ الْغِنَى، وَالْعِزَّ فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَدَّ عَنْهُمْ أَبْوَابَ الْحَاجَاتِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَأَتَتْهُمْ لَطَائِفُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، وَقَامَ لَهُمْ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ، وَنَزَّهَ أَنْفُسَهُمْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ إكْرَامًا لَهُمْ عَنْ فُضُولِ الدُّنْيَا، وَطَهَارَةً لِقُلُوبِهِمْ عَنْ التَّشَاغُلِ بِمَا أَغْنَاهُمْ عَنْهُ فَحَصَّنَهُمْ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، وَأَمْشَاهُمْ فِي طُرُقَاتِ الدُّنْيَا طَيِّبِينَ مُوَالِينَ لَهُ فَهُمْ فِي السَّمَوَاتِ أَشْهَرُ مِنْهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَلِأَصْوَاتِهِمْ هُنَاكَ دَوِيٌّ، وَنُورٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، وَيَحْيَوْنَ عَلَيْهِ قَدْ رَفَعَ أَبْصَارَ قُلُوبِهِمْ

ص: 33

إلَيْهِ فَهِيَ نَاظِرَةٌ إلَيْهِ بِتِلْكَ الْقُلُوبِ غَيْرُ مَحْجُوبَةٍ عَنْهُ بِلَا إدْرَاكٍ مِنْهُمْ لِصِفَةٍ، وَلَا صُورَةٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا إحَاطَةٍ مِنْهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنْ كَيْفَ شَاءَ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَحَبَّهُمْ، وَحَبَّبَهُمْ إلَى مَلَائِكَتِهِ، وَسَائِرِ خَلْقِهِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى {يَا دَاوُد تَفَضَّلْ عَلَى عِبَادِي أَكْتُبْك مِنْ أَوْلِيَائِي، وَأَحِبَّائِي، وَأُبَاهِي بِك حَمَلَةَ عَرْشِي، وَأَرْفَعُ الْحُجُبَ بَيْنِي، وَبَيْنَك فَتَنْظُرُ إلَيَّ بِبَصَرِ قَلْبِك لَا أَحْجُبُك عَنْ ذَلِكَ مَا كُنْت مُسْتَمْسِكًا بِطَاعَتِي} ، وَذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ:«قُلْ لِأَهْلِ مَحَبَّتِي يَشْتَغِلُوا بِي فَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ الِاشْتِغَالُ بِي، وَالِانْقِطَاعُ إلَيَّ كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَ الْحُجُبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيَّ بِأَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ يَتَنَعَّمُونَ بِذِكْرِي قَدْ أَغْنَاهُمْ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ نَعِيمٍ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ» فَهَؤُلَاءِ قَدْ مَلَأَ اللَّهُ أَسْمَاعَهُمْ، وَأَبْصَارَهُمْ، وَجَوَارِحَهُمْ مِنْ حُبِّهِ فَأَدَّبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَالدُّخُولِ فِي مَحَبَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْدِيبَ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِي مَطْعَمِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَمَلْبَسِهِ يَزِيدُ فِي صَلَاحِ قَلْبِهِ، وَتَنْقَادُ جَوَارِحُهُ لِقَلْبِهِ، وَيَقْوَى عَزْمُهُ، وَيَقْهَرُ هَوَاهُ فَيَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ مَقَامَ أَهْلِ الْقُوَّةِ إلَى أَنْ يَرْفَعَهُ اللَّهُ إلَى مَنْزِلَةٍ فَوْقَهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْأَخْذُ، وَالتَّرْكُ فَلَا يَأْسَفُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ، وَلَا يَفْرَحُوا بِمَا آتَاهُمْ لِلْغِنَى الَّذِي وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ يَزْدَادُونَ لَهُ مَحَبَّةً، وَمَوَدَّةً، وَشُكْرًا لَهُ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَقَّتْ قُلُوبُهُمْ، وَانْقَادَتْ أَهْوَاؤُهُمْ إلَى مَا قَلَّ مِنْ الدُّنْيَا، وَكَفَى فَهِيَ لَا تَطَّلِعُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ نَاظِرِينَ إلَى رَبِّهِمْ فِي أُمُورِهِمْ كُلِّهَا لَا إلَى الْأَسْبَابِ نَظَرُهُمْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي إقَامَةِ الْأَسْبَابِ الْخَالِصَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنْ لَبِسُوا خَشِنًا أَوْ لَيِّنًا أَوْ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا أَوْ أَكَلُوا طَيِّبًا أَوْ كَرِيهًا أَوْ حُلْوًا أَوْ مُرًّا أَوْ حَامِضًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَنْ الْحَالِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ، وَتَعْظِيمِهِ.

وَذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَامِرَةٌ مِنْ ذِكْرِ الْخَالِقِ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ سِوَاهُ فِي قُلُوبِهِمْ ثُبُوتٌ إلَّا بِالْخَاطِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْسَخَ أَوْ يَثْبُتَ فَلَمْ يَقُمْ النَّاسُ مَقَامًا أَشْرَفَ مِنْ أَنْ يُعَلِّقُوا

ص: 34

قُلُوبَهُمْ بِرَبِّهِمْ، وَلَا أَوْلَى بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ مُحَافَظَةً عَلَى جَمْعِ هُمُومِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَجَمْعِ مَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ إنْ قَامُوا عُرِفُوا بَيْنَ يَدَيْ مَنْ هُمْ قِيَامٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعُوا أَوْ سَجَدُوا أَوْ تَلُوا الْقُرْآنَ أَوْ دَعَوْا رَبَّهُمْ لَا تَعْزُبُ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.

فِيهِ زَكَتْ أَعْمَالُهُمْ، وَصُوِّبَتْ عُقُولُهُمْ فَهُوَ يَتَعَاهَدُهُمْ بِلُطْفِهِ، وَيَسُوسُهُمْ بِتَوْفِيقِهِ فَقَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ خَطَؤُهُمْ، وَكَثُرَ صَوَابُهُمْ فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي مَحَبَّةِ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَا يَكُنْ لَهُ ثِقَةٌ إلَّا اللَّهَ، وَلَا غِنًى إلَّا بِهِ، وَلَا أَمَلٌ غَيْرَهُ يَرْجُوهُ، وَيَتَّخِذُهُ، وَكِيلًا فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا رَاضِيًا بِقَضَائِهِ فِيمَا نَقَلَهُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِ رَاضِيًا بِاخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ مُتَّهِمًا رَأْيَهُ، وَلِمَا تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ مُسَلِّمًا رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ غَيْرَ مُتَجَبِّرٍ، وَلَا مُتَمَلِّكٍ فِيمَا أَحْدَثَ اللَّهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صِحَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ شِدَّةٍ مِمَّا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلْيَكُنْ قَلْبُهُ بِذَلِكَ رَاضِيًا لِمَوْضِعِ الثِّقَةِ بِرَبِّهِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ.

فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ كَذَلِكَ وَرِثَ قَلْبُهُ الْمَحَبَّةَ لَهُ، وَالشَّوْقَ إلَيْهِ، وَصَارَ إلَى مَنْزِلَةِ الرِّضَا بِمَا كَفَاهُ، وَحَمَاهُ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِنْ قَلَّ، وَأَخْرَجَ مِنْ قَلْبِهِ مَطَامِعَ الْمَخْلُوقِينَ فَاسْتَغْنَى بِاَللَّهِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ ثُمَّ أَلْهَمَهُ مَوْلَاهُ عِلْمًا مِنْ عِلْمِهِ فَعَرَّفَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفْهُ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ فَعَنْ اللَّهِ أَخَذَ عِلْمَهُ، وَبِأَمْرِ اللَّهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - تَأَدَّبَ فَطَهُرَتْ أَخْلَاقُهُ لَمَّا آثَرَ أَمْرَ اللَّهِ، وَلَجَأَ إلَيْهِ فَتَمَّتْ عَلَيْهِ نِعْمَةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ الْمَحْبُوبُونَ فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ الْمَعْرُوفُونَ فِيهَا خَفِيٌّ أَمْرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَظَهَرَ أَمْرُهُمْ لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ لِكَلَامِهِمْ هُنَاكَ دَوِيٌّ، وَلِبُكَائِهِمْ حُنَيْنٌ تَقَعْقَعُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ مِنْ سُرْعَةِ فَتْحِهَا إجَابَةً لِدُعَائِهِمْ فَأَعْظِمْ بِهِمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ جَاهًا، وَمَنْزِلَةً، وَأَعْظِمْ بِهِمْ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ، وَحُسْنَ ظَنٍّ بِهِ فَهُمْ مَسْرُورُونَ بِرَبِّهِمْ قَرِيرَةٌ أَعْيُنُهُمْ طَرِبَةٌ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِهِ مُشْتَاقَةٌ سَاكِنَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ إلَيْهِ تَقَدَّمُوا النَّاسَ، وَانْقَطَعَ النَّاسُ عَنْهُمْ، وَأَشْرَفُوا عَلَى النَّاسِ، وَاشْتَغَلَ النَّاسُ عَنْهُمْ فَعَجِبُوا مِنْ النَّاسِ، وَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهُمْ انْقَطَعُوا إلَى اللَّهِ بِهُمُومِهِمْ، وَأَهْوَائِهِمْ، وَعَلِقُوا بِهِ، وَلَجَئُوا إلَى اللَّهِ لَجْأَ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ قَدْ تَخَلَّصَتْ إلَيْهِ عُقُولُهُمْ بِالْمَوَدَّةِ فَأَنْزَلُوا نِسْيَانَهُ

ص: 35

مَعْصِيَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ فَقَبِلَهُمْ، وَاجْتَبَاهُمْ، وَنَعَّمَهُمْ، وَخَصَّهُمْ، وَكَفَاهُمْ، وَآوَاهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ، وَأَسْمَعَهُمْ، وَبَصَّرَهُمْ، وَحَجَبَهُمْ عَنْ الْآفَاتِ، وَحَجَبَ الْآفَاتِ عَنْهُمْ، وَأَقَامَهُمْ مَقَامَ الطَّهَارَةِ، وَأَنْزَلَهُمْ مَنَازِلَ السَّلَامَةِ، وَأَقَامَ قُلُوبَهُمْ بِذِكْرِهِ فَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ بَدَلًا، وَلَا عَنْهُ حِوَلًا صِيَانَةً لَدَيْهِ، وَطَرَبًا، وَاشْتِيَاقًا إلَيْهِ قَدْ أَذَاقَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ ذِكْرِهِ، وَأَلْعَقَهُمْ مِنْ لَذَاذَةِ مُنَاجَاتِهِ، وَسَقَاهُمْ بِكَأْسِهِ فَهُمْ وَالِهُونَ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ مَسْكَنٌ غَيْرَهُ تَضْطَرِبُ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ فَقْدِهِ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى مَوْضِعِ حَنِينِهَا يَحْتَمِلُونَ الْأَشْيَاءَ لَهُ، وَلَا يَحْتَمِلُونَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْهُ هَدَايَا مُجَدَّدَةٌ فَتَارَةً يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِهِمْ تَعْظِيمُ رَبِّهِمْ، وَجَلَالُهُ، وَتَارَةً يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِهِمْ قُدْرَتُهُ، وَسُلْطَانُهُ، وَتَارَةً يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِهِمْ آلَاؤُهُ، وَنَعْمَاؤُهُ، وَتَارَةً يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِهِمْ تَقْصِيرُهُمْ عَنْ وَاجِبِ حَقِّهِ، وَتَارَةً يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِهِمْ رَأْفَتُهُ، وَرَحْمَتُهُ، وَتَارَةً يَصِيرُونَ إلَى حَنِينِهِ، وَلَهُمْ فِي كُلِّ تَارَةٍ دَمْعَةٌ، وَلَذَّةٌ، وَفِي كُلِّ دَمْعَةٍ وَلَذَّةٍ فِكْرَةٌ، وَعِبْرَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ فِي فِكْرَةٍ، وَعِبْرَةٍ مُهْتَاجَةٌ طَرِبَةٌ هَائِمَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ مُسْتَقِلَّةٌ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ فَهُمْ يُسْقَوْنَ مِنْ كُلِّ تَارَةٍ مَشْرَبًا سَائِغًا يُذِيقُهُمْ لَذَّتَهُ، وَلَهُمْ فِي كُلِّ مَقَامٍ عِلْمُ زِيَادَةٍ يُعَرِّفُهُمْ مَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ آمَالُ الْخَلْقِ عَنْهُمْ، وَأَفْضَوْا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِجَمِيعِ رَغَبَاتِهِمْ، وَانْزَاحَتْ الْأَشْيَاءُ الشَّاغِلَةُ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَصُمَّتْ عَنْهَا أَسْمَاعُهُمْ، وَانْصَرَفَتْ أَبْصَارُ قُلُوبِهِمْ إلَيْهِ فَلَهَتْ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ حَتَّى إذَا جَنَّهُمْ اللَّيْلُ، وَزَجَرَهُمْ الْقُرْآنُ بِعَجَائِبِهِ مِنْ وَعْدِهِ، وَوَعِيدِهِ، وَأَخْبَارِهِ، وَأَمْثَالِهِ شَرِبُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ كَأْسًا مِنْ الزَّجْرِ، وَالتَّحْذِيرِ، وَالْأَخْبَارِ، وَالْأَمْثَالِ، وَالْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ، وَوَجَدُوا حَلَاوَةَ مَا شَرِبُوا حَتَّى إذَا صَفَا يَقِينُهُمْ ارْتَفَعُوا إلَى عَظَمَةِ سَيِّدِهِمْ، وَجَلَالِ مَوْلَاهُمْ خَضَعَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمْ لِلَّهِ، وَخَشَعَتْ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ لِسُكُونِهَا إلَيْهِ غَيْرَ مُنْتَشِرَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُومُهُمْ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ لَذَاذَةٌ لِاسْتِمَاعِهِ فَقَدْ كَشَفَ لَهُمْ الْقُرْآنُ عَنْ أُمُورِهِ، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ عَجَائِبِهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى بَاطِنِ عِلْمِهِ فَيَفْهَمُونَهُ فَيَسْمُونَ بِهِ إلَى جَلَالِ سَيِّدِهِمْ

ص: 36

وَوَقَارِهِ حَتَّى إذَا اتَّقَدَتْ الْأَنْوَارُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَمَكَّنَ الْيَقِينُ مِنْ أَجْوَافِهِمْ، وَحَنَّتْ الْقُلُوبُ لِحَنِينِهَا، وَضَاقَتْ عَنْ احْتِمَالِ مَا هَجَمَ عَلَيْهَا هَاجَ مِنْهُمْ مَا لَا يَمْلِكُونَ إمْسَاكَهُ فَلَمَّا بَلَغَ الْأَمْرُ مِنْهُمْ مَدَاهُ، وَانْتَهَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُمْ مُنْتَهَاهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ جل جلاله بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَالسُّكُونِ فَلَوْلَا حُسْنُ سِيَاسَتِهِ لَهُمْ، وَنَظَرُهُ، وَلُطْفُهُ بِهِمْ مَا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ، وَلَا أَثْبَتُوا مَعَارِفَهُمْ، وَلَا سَكَنُوا مَنَازِلَهُمْ لِلَّذِي هَجَمَ عَلَى أَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظَمَةِ سَيِّدِهِمْ فَهُمْ يَزْدَادُونَ لَهُ ذِكْرًا، وَمَوَدَّةً، وَمَحَبَّةً فِي كُلِّ مَا امْتَحَنَهُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أَعْرَضُوا عَنْ كُلِّ نَعِيمٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ، وَاشْتَغَلُوا عَنْ النَّعِيمِ بِذِكْرِ مَوْلَاهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَّةٌ مِنْهُ، وَتَفَضُّلٌ عَلَيْهِمْ فَهُمْ أَدِلَّاءٌ لِعِبَادِهِ، وَأَعْلَامٌ فِي بِلَادِهِ، وَحُجَّةٌ لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَخَلَفُ الْأَنْبِيَاءِ، وَوَدَائِعُ عِلْمِهِ فَبِهِمْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ، وَبِهِمْ يُصْرَفُ الْعَذَابُ، وَبِهِمْ يُنْصَرُ عَلَى الْعَدُوِّ فَهُمْ بَرَكَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا يُحِبُّونَ اللَّهَ، وَيُحِبُّونَ ذِكْرَهُ أَقَامُوا مَشِيئَتَهُمْ فِيمَا وَافَقَ مَحَبَّةَ رَبِّهِمْ يَغْضَبُونَ لِغَضَبِهِ، وَيُحِبُّونَ لِمَحَبَّتِهِ فَهُوَ يَسُوسُهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وَيُوَفِّقُهُمْ بِتَوْفِيقِهِ يَأْتِيهِمْ الْعَوْنُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ حَالٍ يَرْحَمُونَ الْخَلْقَ بِرَحْمَةِ رَبِّهِمْ، وَيُؤَمِّلُونَ فَضْلَهُ قَدْ أَزَالَ عَنْ قُلُوبِهِمْ الْمَطَامِعَ، وَأَسْكَنَهَا الْغِنَى فَاكْتَفَوْا بِمَا جَزَاهُمْ، وَبَلَغُوا بِمَا بَلَّغَهُمْ فَهُمْ الْقَانِتُونَ الرَّاهِبُونَ السَّائِحُونَ الرَّاغِبُونَ الْمُحِبُّونَ لِلَّهِ الَّذِينَ فَكَّرُوا فِي قُدْرَتِهِ، وَعَمِلُوا فِي مَحَبَّتِهِ حَتَّى وَرِثُوا الرَّهْبَةَ ثُمَّ وَرِثُوا الرَّغْبَةَ ثُمَّ وَرِثُوا الشَّوْقَ ثُمَّ رَفَعَهُمْ إلَى مَنْزِلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا رَغْبَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ رَبِّهِمْ هِمَّةٌ غَلَبَتْ الْمَحَبَّةُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَى عُقُولِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ فَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَعْمَالَهُمْ، وَصَيَّرُوا فِيهِ جَمِيعَ رَغَبَاتِهِمْ ثُمَّ رَفَعَهُمْ إلَى مَزِيدِ فَوَائِدِهِ فَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ حَقًّا مِنْهُمْ الْمُرْسَلُونَ، وَالنَّبِيُّونَ، وَالصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ، وَالصَّالِحُونَ فَاقُوا أَهْلَ السَّمَاءِ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ لِشِدَّةِ حُبِّهِمْ لِرَبِّهِمْ فَمَا أَصَابُوا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُصِيبُوهُ عَلَى جِهَةِ مَا يُصِيبُهُ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ التَّلَذُّذِ، وَالطَّرَبِ إلَيْهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِهِ، وَالتَّفَكُّهِ إنَّمَا يُصِيبُونَهُ عَلَى مَوْضِعِ التَّقْوِيَةِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْ الدُّنْيَا أَكْلَةً وَاحِدَةً

ص: 37

تَكُونُ آخِرَ زَادِهِمْ مِنْهَا لَاكْتَفَوْا بِمَا قَلَّ فَلَمَّا أَعْطَوْا اللَّهَ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ ضَيَّقَ أَمْعَاءَهُمْ، وَأَسْقَطَ عَنْهُمْ شَهَوَاتِهِمْ، وَاكْتَفَوْا بِالْيَسِيرِ مِنْ الْمَطْعَمِ فَعِنْدَ ذَلِكَ خَفَّتْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُنَافِسُوا فِيهَا أَحَدًا فَتِلْكَ حَالَاتُهُمْ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْمَلْبَسِ مَا تَهَيَّأَ أَكَلُوهُ، وَلَبِسُوهُ لَيْسَ لَهُمْ تَخْيِيرٌ، وَلَا تَلَذُّذٌ فِي أَخْذٍ، وَلَا تَرْكٍ خَوْفَ الشَّهَوَاتِ، وَالِاشْتِغَالُ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَأَسْكَنَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَحُبِّهِ مَا أَذَابَ كُلَّ مَوَدَّةٍ لِأَهْلٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ مَالٍ فَإِنْ عَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ عَارِضٌ فَخَاطِرٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ فِيهَا وَرِثُوا نُورَ الْهُدَى فَأَبْصَرُوا مَوَاضِعَ حِيَلِ إبْلِيسَ، وَمَكْرِهِ فَكَسَرُوا عَلَيْهِ كَيْدَهُ، وَلَبَّسُوا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَدَلُّوا النَّاسَ عَلَى مَوَاضِعِ مَكْرِهِ فَهُمْ نُصَحَاءُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ فِي بِلَادِهِ ثُمَّ أَسْكَنَ مَحَبَّتَهُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ فِي عِلِّيِّينَ فَأَحَبَّهُمْ، وَحَبَّبَهُمْ إلَى مَلَائِكَتِهِ.

فَأَحْيُوا قُلُوبَكُمْ أَيُّهَا الْمُرِيدُونَ بِالذِّكْرِ، وَأَمِيتُوهَا بِالْخَشْيَةِ، وَنَوِّرُوهَا بِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ، وَفَرِّحُوهَا بِالشَّوْقِ إلَيْهِ، وَاقْمَعُوهَا بِالْمُنَاصَحَةِ.

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِالْمَحَبَّةِ تَرْتَفِعُونَ، وَبِالْمَعْرِفَةِ تَرْهَبُونَ، وَبِالشَّوْقِ تَرْغَبُونَ، وَبِحُسْنِ النِّيَّةِ تَقْهَرُونَ الْهَوَى، وَبِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ تَصْفُو لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، وَتُؤْثِرُونَ رَبَّكُمْ وَحْدَهُ حَتَّى يُؤْثِرَكُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ فِي عِلِّيِّينَ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُرِيدًا لِلرَّاحَةِ فَلْيَعْمَلْ فِي مَنَازِلِ أَهْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِعَزْمٍ، وَإِرَادَةِ قُوَّةٍ وَهِيَ الدَّرَجَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تَتَنَقَّلَ فِيهَا بَنُو آدَمَ حَتَّى يَصِيرُوا إلَى الْمَعْرِفَةِ، وَالْعِلْمِ، وَهِيَ الدَّرَجَاتُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهَا الرُّسُلَ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ الْوَحْيُ مَعَ جِبْرِيلَ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِلْهَامِ مِنْ اللَّهِ عز وجل، وَالْعَوَائِدِ، وَإِنَّمَا وَرِثَ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ خَصَّهُمْ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ وَرِثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الصِّدِّيقُونَ فَاقْتَدُوا بِهِمْ وَجِدُّوا فِي آثَارِهِمْ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكِمْ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ السَّبْعِ إلَّا رَسُولٌ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْأَبْدَالِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَوْتَادَ الْأَرْضِ فَسَقَى بِهِمْ الْغَيْثَ، وَأَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ بِدُعَائِهِمْ الرَّحْمَةَ، وَصَرَفَ عَنْهُمْ بِهِمْ السُّوءَ فَمَنْ كَانَ مُرِيدًا لِلْعَمَلِ

ص: 38