الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّلَامَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا، وَالْعَطَبُ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ غَالِبًا إلَّا لِمَنْ عَرَفَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]
فَصْلٌ: جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ، وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخَلَوَاتِ إذْ إنَّهُ بِسَبَبِهَا يُدْرِكُ الْمُكَلَّفُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَمِنْ النِّعَمِ، وَمِنْ تُحَفِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى، وَيَتَبَيَّنُ لَهُ بِهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّا مَضَى عَلَيْهِ سَلَفُهُ. أَلَا تَرَى إلَى بَرَكَةِ هَذِهِ الْحِكَمِ الَّتِي يُنْطِقُهُمْ اللَّهُ بِهَا؟ إذْ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي قُوَّتِهِمْ، وَلَا مِنْ قُدْرَتِهِمْ إلَّا بِبَرَكَةِ تَوَجُّهِهِمْ، وَإِقْبَالِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى عَلَيْهِمْ، وَأَعْظَمُ مَا يَتَوَصَّلُونَ بِهِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الْتِزَامُ الْخَلَوَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَانْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - إلَى مَا نَقَلَهُ الْإِمَام الْحَافِظُ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْأَصْفَهَانِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ لَهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ رحمه الله، وَنَفَعَ بِهِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ رَضِيت مِنْ أَحَدِكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ عَلَى دِينِهِ كَمَا يَتَّقِي عَلَى دُنْيَاهُ، وَقَالَ: شَيْئَانِ هُمَا خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إذَا عَمِلْت بِهِمَا أَتَكَفَّلُ لَك بِالْجَنَّةِ، وَلَا أُطَوِّلُ عَلَيْك قِيلَ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: تَحْمِلُ مَا تَكْرَهُ إذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَتَتْرُكُ مَا تُحِبُّ إذَا كَرِهَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَيْضًا: قَاتِلْ هَوَاك أَشَدَّ مَا تُقَاتِلُ عَدُوَّك، وَقَالَ رَجُلٌ لَهُ: إنَّك مُشَدِّدٌ فَقَالَ: مَا لِي لَا أُشَدِّدُ، وَقَدْ صَدَّنِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَدُوًّا أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَشَيْطَانٌ يَفْتِنُنِي، وَمُؤْمِنٌ يَحْسُدُنِي، وَكَافِرٌ يُقَاتِلُنِي، وَمُنَافِقٌ يَبْغُضُنِي، وَأَمَّا الْعَشَرَةُ فَالْجُوعُ، وَالْعَطَشُ، وَالْعُرْيُ، وَالْحَرُّ، وَالْبَرْدُ، وَالْهَرَمُ، وَالْمَرَضُ، وَالْفَقْرُ، وَالْمَوْتُ، وَالنَّارُ، وَلَا أُطِيقُهُنَّ إلَّا بِسِلَاحٍ، وَلَا أَجِدُ لَهُنَّ سِلَاحًا أَقْوَى مِنْ التَّقْوَى، وَقِيلَ لَهُ: مَا مَالُكَ؟ فَقَالَ: ثِقَتِي بِاَللَّهِ، وَإِيَاسِي مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْت يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ تَحْنُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ: يَنْبَغِي
لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ حِفْظًا لِلِسَانِهِ مِنْهُ لِمَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: أَفْضَلُ خَصْلَةٍ تُرْجَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرْجَاهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُبْتَدِي خَمْسُ خِصَالٍ، وَإِلَّا فَلَا تَرْجُهُ: عَقْلٌ حَسَنٌ، وَاتِّبَاعٌ لِلسُّنَّةِ، وَصُحْبَةُ الْأَكَابِرِ، وَمِنْ أَيْنَ يَأْكُلُ، وَحِفْظُ لِسَانِهِ، وَصِيَانَتُهُ أَوْ كَمَا قَالَ، وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ أَيْضًا، وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إذَا رَأَيْت الْعَالِمَ لَا يَتَوَرَّعُ فِي عِلْمِهِ فَلَيْسَ لَك أَنْ تَأْخُذَ عَنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ يَقُولُ: وَضَعُوا مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا فَلَمْ تَنْفَتِحْ، وَوَضَعُوا عَلَيْهَا مَفَاتِيحَ الْآخِرَةِ فَانْفَتَحَتْ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْجُنَيْدِ: مَنْ أَصْحَبُ؟ قَالَ: مَنْ تَقْدِرُ أَنْ تُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْك، وَسُئِلَ مَرَّةً أُخْرَى مَنْ أَصْحَبُ؟ قَالَ: مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْسَى مَا لَهُ، وَيَقْضِي مَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ مَشَى رِجَالٌ بِالْيَقِينِ عَلَى الْمَاءِ، وَمَاتَ عَلَى الْعَطَشِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ يَقِينًا، وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ لَا يُسَرُّ إلَّا بِهِ، وَقَالَ: لَوْ أَقْبَلَ صَادِقٌ عَلَى اللَّهِ أَلْفَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً كَانَ مَا فَاتَهُ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَهُ، وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إلَى وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِقَلْبِهِ، وَأَكْرَمَهُ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ.
وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ رحمه الله مِنْ عَلَامَاتِ الْمُحِبِّ لِلَّهِ مُتَابَعَتُهُ حَبِيبَ اللَّهِ فِي أَخْلَاقِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَوَامِرِهِ، وَسُنَّتِهِ، وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إلَى سُلْطَانِ اللَّهِ ذَهَبَ سُلْطَانُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ كُلَّهَا فَقِيرَةٌ عِنْدَ هَيْبَتِهِ، وَقَالَ رُوَيْمٌ: لَا تَزَالُ الصُّوفِيَّةُ بِخَيْرٍ مَا تَنَافَرُوا فَإِذَا اصْطَلَحُوا هَلَكُوا، وَقَالَ ابْنُ حُنَيْفٍ رحمه الله قُلْت لِرُوَيْمٍ: أَوْصِنِي فَقَالَ: أَقَلُّ مَا فِي هَذَا الْأَمْرِ بَذْلُ الرُّوحِ فَإِنْ أَمْكَنَك الدُّخُولُ فِيهِ مَعَ هَذَا، وَإِلَّا فَلَا تَشْتَغِلْ بِتُرَّهَاتِ الصُّوفِيَّةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ لُقْمَانَ عليه السلام كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ نَوْبِيًّا، وَكَانَ لِبَنِي فُلَانٍ فَقِيلَ لَهُ: مَا بَلَغَ بِك مَا نَرَى فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ، وَطُولُ الصَّمْتِ، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي. وَمِنْ كِتَابِ سُنَنِ الصَّالِحِينَ وَسُنَنِ الْعَابِدِينَ لِلْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ رحمه الله قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا ثَلَاثٌ مَا أَحْبَبْت أَنْ أَعِيشَ يَوْمًا: الظَّمَأُ لِلَّهِ بِالْهَوَاجِرِ، وَالسُّجُودُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَمُجَالَسَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقُونَ
خِيَارَ الْكَلَامِ كَمَا تُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ. وَرُوِيَ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: زَاهِدُكُمْ رَاغِبٌ، وَمُجْتَهِدُكُمْ مُقَصِّرٌ، وَعَالِمُكُمْ جَاهِلٌ، وَجَاهِلُكُمْ مُغْتَرٌّ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: جَاهِدْ نَفْسَك بِأَصْنَافِ الرِّيَاضَةِ، وَالرِّيَاضَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْقُوتِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْغَمْضِ مِنْ الْمَنَامِ، وَالْحَاجَةِ مِنْ الْكَلَامِ، وَحَمْلِ الْأَذَى مِنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ مَوْتُ الشَّهَوَاتِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْمَنَامِ صَفْوُ الْإِرَادَاتِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْكَلَامِ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَمِنْ احْتِمَالِ الْأَذَى الْبُلُوغُ إلَى الْغَايَاتِ فَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَفَاءِ، وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْأَذَى.
، وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام: طُوبَى لِمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَقَالَ الْفَرَبْرِيُّ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى بَابِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُوَّةٍ، وَهُوَ يَبْكِي، وَلِحْيَتُهُ تَرْجُفُ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَيْحَكُمْ لَيْسَ هَذَا زَمَانَ حَدِيثٍ إنَّمَا هُوَ زَمَانُ بُكَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَاسْتِكَانَةٍ وَدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ إنَّمَا هَذَا زَمَانٌ احْفَظْ فِيهِ لِسَانَك، وَاخْفِ مَكَانَك، وَعَالِجْ قَلْبَك، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ رحمه الله: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعِي عَلَى خَدِّي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فَقَدَ زَكَرِيَّا ابْنَهُ يَحْيَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَوَجَدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ مُضْطَجِعًا عَلَى قَبْرٍ، وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا يَا بُنَيَّ؟ فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَك أَنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَفَازَةً لَا يُطْفِئُ حَرَّهَا إلَّا الدُّمُوعُ فَقَالَ: ابْكِ يَا بُنَيَّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لَأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: إنَّ لِلذُّنُوبِ ضَعْفًا فِي الْقُوَّةِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ وَإِنَّ لِلْحَسَنَاتِ قُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَنُورًا فِي الْقَلْبِ. وَقِيلَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله: لَوْ دَعَوْت اللَّهَ عز وجل فَقَالَ: تَرْكُ الذُّنُوبِ هُوَ الدُّعَاءُ، وَأَنْشَدُوا
خُلِقْت مِنْ التُّرَابِ فَصِرْت حَيًّا
…
وَعُلِّمْت الْفَصِيحَ مِنْ الْخِطَابِ
وَعُدْت إلَى التُّرَابِ فَظَلْت فِيهِ
…
كَأَنِّي مَا بَرِحْت مِنْ التُّرَابِ
خُلِقْت مِنْ التُّرَابِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
…
وَأَرْجِعُ بِالذُّنُوبِ إلَى التُّرَابِ
، وَلَقِيَ حَكِيمٌ حَكِيمًا فَقَالَ لَهُ: إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ: لَوْ عَلِمْت مِنِّي مَا أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِي لَأَبْغَضْتنِي فِي اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْأَوَّلُ - لَوْ أَعْلَمُ مِنْك مَا تَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِك لَكَانَ لِي فِيمَا أَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِي شُغْلٌ عَنْ بُغْضِك، وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ إذَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْت؟ قَالَ: أَصْبَحْنَا ضَعْفَى مُذْنِبِينَ نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا، وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا، وَقِيلَ: لِلْمُغِيرَةِ كَيْفَ أَصْبَحْت يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْنَا مُعْتَرِفِينَ بِالنِّعَمِ مُقِرِّينَ بِالذُّنُوبِ يَتَحَبَّبُ إلَيْنَا رَبُّنَا، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنَّا، وَنَتَبَاغَضُ إلَيْهِ، وَنَحْنُ إلَيْهِ فُقَرَاءُ، وَقَدْ قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْ أَيْنَ عَيْشُك فَقَالَ:
نُرَقِّعُ دُنْيَانَا بِتَمْزِيقِ دِينِنَا
…
فَلَا دِينُنَا يَبْقَى وَلَا مَا نُرَقِّعُ
وَقِيلَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ رحمه الله كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ: أَصْبَحْت طَوِيلًا أَمَلِي قَصِيرًا أَجَلِي سَيِّئًا عَمَلِي.
كَلَامُ الْبَاجِيِّ رحمه الله، وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ أَيْضًا، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ رحمه الله سَمِعْت مَنْصُورًا يَقُولُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ قَالَ: إنِّي جَاعِلٌ لِبَصَرِك طَبَقًا فَإِذَا عَرَضَ لَك أَمْرٌ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ فَأَطْبِقْهُ، وَإِنِّي جَاعِلٌ لِفِيك طَبَقًا فَإِذَا عَرَضَ لَك أَمْرٌ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَنْطِقَ بِهِ فَأَطْبِقْهُ، وَإِنِّي جَاعِلٌ لِفَرْجِك سِتْرًا فَلَا تَكْشِفْهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَك، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَصْحَابُ ثَلَاثَةٌ صَاحِبُك، وَصَاحِبُ صَاحِبِك، وَعَدُوُّ عَدُوِّك، وَالْأَعْدَاءُ ثَلَاثَةٌ، عَدُوُّك، وَعَدُوُّ صَاحِبِك، وَصَاحِبُ عَدُوِّك.
وَمِنْ كِتَابِ الْبَاجِيِّ أَيْضًا رحمه الله وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ اللَّهُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ، وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ خَفْ اللَّهَ خَوْفًا لَا تَيْأَسْ فِيهِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَارْجُهُ رَجَاءً لَا تَأْمَنْ فِيهِ مِنْ عِقَابِهِ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ، وَكَيْفَ، وَإِنَّمَا لِي قَلْبٌ وَاحِدٌ فَقَالَ يَا بُنَيَّ: إنَّ الْمُؤْمِنَ لَوْ شُقَّ قَلْبُهُ لَوُجِدَ فِيهِ نُورُ رَجَاءٍ، وَنُورُ خَوْفٍ لَوْ وُزِنَا لَمْ يَمِلْ
أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ يَأْمَنُ النَّارَ مَنْ هُوَ وَارِدُهَا، وَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ إلَى الدُّنْيَا مَنْ هُوَ مُفَارِقُهَا، وَكَيْفَ يَغْفُلُ مَنْ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ؟ يَا بُنَيَّ لَا شَكَّ فِي الْمَوْتِ فَإِنَّك كَمَا تَنَامُ كَذَلِكَ تَمُوتُ، وَلَا شَكَّ فِي الْبَعْثِ فَإِنَّك كَمَا تَسْتَيْقِظُ كَذَلِكَ تُبْعَثُ يَا بُنَيَّ إنَّ الْإِنْسَانَ لَثَلَاثَةٌ، فَمِنْهُ لِلَّهِ، وَمِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ لِلدُّودِ وَالتُّرَابِ، فَأَمَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فَرُوحُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ لِنَفْسِهِ فَعَمَلُهُ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ لِلدُّودِ وَالتُّرَابِ فَجَسَدُهُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَا أَمِنَ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ إلَّا سُلِبَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُ مَا يُسْلَبُ النَّاسُ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: إذَا ظَفِرْت مِنْ ابْنِ آدَمَ بِثَلَاثٍ لَمْ أَطْلُبْهُ بِغَيْرِهَا إذَا أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّك تَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى، وَأَنْتَ إنْ كُنْت لَمْ تُخْطِئْ خَطِيئَةً مَشَيْت عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا أَخْطَأْت خَطِيئَةً قَطُّ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: فَامْشِ عَلَى الْمَاءِ فَمَشَى ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا حَتَّى إذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْبَحْرِ، وَإِذَا هُوَ قَدْ غَرِقَ فَدَعَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَبَّهُ فَأَخْرَجَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَهُ: مَالَك ذَهَبْت وَرَجَعْت ثُمَّ غَرِقْت أَلَيْسَ زَعَمْت أَنَّك لَمْ تُخْطِئْ خَطِيئَةً قَطُّ؟ قَالَ: مَا أَخْطَأْت خَطِيئَةً قَطُّ إلَّا أَنِّي وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي مِثْلُك، وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: أَمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قَوْمًا مَرَّةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا زَالَ بِي الشَّيْطَانُ آنِفًا حَتَّى رَأَيْت أَنَّ لِي فَضْلًا عَلَى مَنْ خَلْفِي لَا أَؤُمُّ أَبَدًا؟ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّ رَجُلٍ قَطُّ إلَّا لَزِمَ قَلْبَهُ أَرْبَعُ خِصَالٍ: فَقْرٌ لَا يُدْرِكُ عَنَاهُ، وَهَمٌّ لَا يَنْقَضِي مَدَاهُ، وَشُغْلٌ لَا يَنْفَدُ لَأْوَاهُ، وَأَمَلٌ لَا يَنْقَطِعُ مُنْتَهَاهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قِيلَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ: كَيْفَ حَالُك؟ قَالَ: حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ، وَيَسْقَمُ بِسَلَامَتِهِ، وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْحَيَاةِ فَالصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْمَوْتِ فَالْمَرَضُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ يَعْدِلُ الْحَيَاةَ فَالْغِنَى، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ يَعْدِلُ الْمَوْتَ فَالْفَقْرُ