المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في ذكر ما ابتلي به بعض من ينسب إلى طريق القوم] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل في ذكر ما ابتلي به بعض من ينسب إلى طريق القوم]

إلَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ.

وَبَقِيَ أَمْرُهُمْ كَذَلِكَ مُدَّةً حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَنْوَاعُ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَهُوَ بَابٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَفْرَادُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَبَرَ فِي نَفْسِهِ فَالْأَهْلُ وَالْأَوْلَادُ لَا يَصْبِرُونَ فِي الْغَالِبِ فَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَاتِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ سَيِّدِي أَبُو مَدْيَنَ رحمه الله: الْعَارِفُ مَنْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِالْوَرَعِ، وَأَطْلَقَ غَيْرَهُ فِي مَيْدَانِ الْعِلْمِ، وَمَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ - نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ، وَرَزَقَنَا التَّصْدِيقَ بِأَحْوَالِهِمْ - إذْ لَمْ نَكُنْ أَهْلًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَنِّك بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا -

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

. (فَصْلٌ) : فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْمِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَعَلَّقَتْ خَوَاطِرُهُمْ بِفِعْلِ الْكِيمْيَاءِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَدْفُونَةِ فِيهَا، وَهِيَ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا بِالْمَطَالِبِ، وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْض النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ تَعَانِيهِمْ اسْتِخْرَاجَ مَا فِي الْأَرْضِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهَذَا قَبِيحٌ لَوْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُرِيدِ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ إذْ إنَّهُ خَلَّفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ بِكُلِّيَّتِهِ لَا مَطْلَبَ لَهُ سِوَاهَا، وَتَعَلَّقَ خَاطِرُهُ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَشْهَدُ بِكَذِبِهِ فِي طَرِيقِهِ مِنْ دَعْوَاهُ الِانْقِطَاعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ خَاطِرُهُ بِهَذَا فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَقْرُ الْمُدْقِعُ، وَالدُّيُونُ الْكَثِيرَةُ، وَمُخَالَطَةُ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ فِي دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ، وَذَلِكَ سَبَبٌ كَبِيرٌ إلَى وُقُوعِ النَّاسِ فِي عِرْضِ مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ بِسَبَبِ تَعَاطِيه مَا يُوقِعُ النَّاسَ فِيهِ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِي إثْمِ وَقِيعَتِهِمْ فِيهِ، وَقَدْ يَئُولُ أَمْرُ فَاعِلِ ذَلِكَ إلَى الْحَبْسِ وَالْإِهَانَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الْجَارِيَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ إلَّا أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ خَاطِرُهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِحُبِّ الدُّنْيَا، وَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا فَهُوَ قَالٍ لِلْآخِرَةِ إذْ إنَّهُمَا ضَرَّتَانِ مُتَنَافِرَتَانِ فَمَهْمَا أَقْبَلَ الْإِنْسَانُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَضَرَّ بِالْأُخْرَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ إلَّا مَا وَرَدَ «مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا يُنَادَى عَلَيْهِ

ص: 138

يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا أَحَبَّ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِعْلُ السَّلَفِ رضي الله عنهم فِي هَرَبِهِمْ مِنْ الدُّنْيَا خِيفَةً مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهَا، وَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهُوَ مُسْتَشْرِفٌ لِطَلَبِهَا، وَذَلِكَ مَذْمُومٌ يَذْهَبُ بِجَمِيعِ خَاطِرِهِ، وَاشْتِغَالِهِ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ بَلْ كَانُوا يَعُدُّونَ الدُّنْيَا إذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً نَزَلَتْ بِهِمْ.

وَقَدْ مَضَتْ حِكَايَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه فِيمَا جَرَى لَهُ فِي الْعَطَاءِ الَّذِي أَتَاهُ، وَعَلَى هَذَا دَرَجَ فِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رضي الله عنهم، وَقَدْ حُكِيَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات أَنَّ عِيسَى عليه الصلاة والسلام مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ وَمَعَهُ الْحَوَارِيُّونَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ ذَهَبٌ كَثِيرٌ فَنَظَرَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام إلَيْهِ، وَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاتُولِ، وَمَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ فَتَخَلَّفَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ، وَقَالُوا: إلَى أَيْنَ هَذَا الْمَقْصُودُ؟ أَوْ كَمَا قَالُوا.

فَقَسَمُوا ذَلِكَ أَثْلَاثًا فَجَلَسَ اثْنَانِ يَحْرُسَانِ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَا ثَالِثَهُمَا إلَى الْبَلَدِ لِيَأْتِيَ بِالدَّوَابِّ وَالْأَعْدَالِ وَمَا يَأْكُلُونَهُ فَلَمَّا أَنْ مَضَى لِذَلِكَ تَحَدَّثَ الِاثْنَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا: لَوْ كَانَ هَذَا الْمَالُ بَيْنَنَا لَكَانَ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَا: وَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ يَقُومَانِ إلَيْهِ، وَيَقْتُلَانِهِ، وَيَبْقَى الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَالَ الثَّالِثُ الَّذِي ذَهَبَ إلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ: مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ كُلُّهُ لِي لَكَانَ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فَخَطَرَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ سُمًّا فِي الْغِذَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فَيَأْكُلَانِهِ فَيَمُوتَا فَيَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلَ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَثَبَا إلَيْهِ فَقَتَلَاهُ، ثُمَّ أَكَلَا مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْغِذَاءِ فَمَاتَا فَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ هُنَاكَ مَطْرُوحِينَ فَلَمَّا أَنْ رَجَعَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَمَرَّ بِهِمْ فَوَجَدَهُمْ هُنَاكَ طَرْحَى فَقَالَ لِلْحَوَارِيِّينَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ هَذَا الْقَاتُولُ،.

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَرْبُو عَلَى الْمُسْتَشْرِفِ فَتَرْتَفِعُ الْبَرَكَةُ

ص: 139

مِنْهُ فَطَلَبُ الْمُرِيدِ وَغَيْرِهِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهَا يُذْهِبُ الْبَرَكَةَ مِنْهَا، وَالْمَقْصُودُ حُصُولُ الْبَرَكَةِ، وَأَنَّهَا إذَا عُدِمَتْ مِنْ الشَّيْءِ لَوْ كَانَ مِلْءَ الْأَرْضِ مَا أَغْنَى صَاحِبَهُ لِعَدَمِهَا مِنْهُ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْحِلْيَةِ لَهُ فِي تَرْجَمَةِ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ بَنِينَ فَمَرِضَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إمَّا أَنْ تُمَرِّضُوهُ، وَلَيْسَ لَكُمْ فِي مِيرَاثِهِ شَيْءٌ: وَإِمَّا أَنْ أُمَرِّضَهُ، وَلَيْسَ لِي فِي مِيرَاثِهِ شَيْءٌ قَالُوا: مَرِّضْهُ، وَلَيْسَ لَك فِي مِيرَاثِهِ شَيْءٌ قَالَ: فَمَرَّضَهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا قَالَ فَأُتِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ: لَهُ ائْتِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ فِي نَوْمِهِ أَفِيهَا بَرَكَةٌ؟ قَالُوا: لَا فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: خُذْهَا فَإِنَّ مِنْ بَرَكَتِهَا أَنْ نَكْتَسِي بِهَا وَنَعِيشَ مِنْهَا فَأَبَى فَلَمَّا أَمْسَى أُتِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ: لَهُ ائْتِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ: أَفِيهَا بَرَكَةٌ؟ قَالُوا: لَا فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ: مِثْلَ مَقَالَتِهَا الْأُولَى فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا فَأُتِيَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَقِيلَ: لَهُ ائْتِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهُ دِينَارًا قَالَ أَفِيهِ بَرَكَةٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَذَهَبَ فَأَخَذَ الدِّينَارَ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى السُّوقِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ يَحْمِلُ حُوتَيْنِ فَقَالَ: بِكَمْ هُمَا؟ قَالَ: بِدِينَارٍ قَالَ: فَأَخَذَهُمَا مِنْهُ بِدِينَارٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمَا إلَى بَيْتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَهُ شَقَّ بَطْنَهُمَا فَوَجَدَ فِي بَطْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دُرَّةً لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا قَالَ فَبَعَثَ الْمَلِكُ يَطْلُبُ دُرَّةً لِيَشْتَرِيَهَا فَلَمْ تُوجَدْ إلَّا عِنْدَهُ فَبَاعَهَا بِوَقْرِ ثَلَاثِينَ بَغْلًا ذَهَبًا فَلَمَّا رَآهَا الْمَلِكُ قَالَ مَا تَصْلُحُ هَذِهِ إلَّا بِأُخْتِهَا فَاطْلُبُوا أُخْتَهَا، وَإِنْ أَضْعَفْتُمْ قَالَ فَجَاءُوهُ فَقَالُوا: أَعِنْدَك أُخْتُهَا، وَنُعْطِيك ضِعْفَ مَا أَعْطَيْنَاك قَالَ: وَتَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَأَعْطَاهُمْ إيَّاهَا بِضِعْفِ مَا أَخَذُوا بِهِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. فَانْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - إلَى هَذِهِ الْبَرَكَةِ مَا أَعْظَمُهَا أَيْنَ هَذَا مِنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَرَكَةَ كَامِنَةٌ فِي امْتِثَالِ السُّنَّةِ حَيْثُ كَانَتْ؛ لِأَنَّ

ص: 140

مَنْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا فَالِاسْتِشْرَافُ مِنْهُ بَعِيدٌ، وَإِذَا عُدِمَ الِاسْتِشْرَافُ حَلَّتْ الْبَرَكَةُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ الْغَالِبِ عَلَيْهِمْ شَظَفُ الْعَيْشِ، وَقِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، ثُمَّ إنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْبِقُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِوُجُودِ الْبَرَكَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَهُمْ فِيمَا يَتَنَاوَلُونَهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ اسْتِشْرَافِهِمْ لِدُنْيَاهُمْ، وَاهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ دِينِهِمْ، وَالْوُقُوفِ بِبَابِ رَبِّهِمْ، وَالتَّضَرُّعِ إلَيْهِ، وَلُزُومِ الِامْتِثَالِ لِأَوَامِرِهِ، وَالِاجْتِنَابِ لِنَوَاهِيهِ، وَالنُّزُولِ بِسَاحَةِ كَرَمِهِ.

وَقَدْ سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيَّ رحمه الله يَقُولُ: إنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ فَاسَ، وَكَانَ يَصْحَبُ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ فَرَآهُ مَرَّةً وَهُوَ يَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ مَا نَزَلَ بِهِ فَسَأَلْته عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ فَأَبَى عَنْ إجَابَتِهِ فَبَقِيَ كَذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ سَرَى عَنْهُ فَرَجَعَ إلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُوجِبِ بُكَائِهِ، وَسُرُورِهِ فَقَالَ: إنِّي كُنْت أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَاءِ، وَالْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَابْتُلِيت بِأَنِّي إذَا أَخَذْت حَجَرًا أَسْتَجْمِرُ بِهِ أَجِدُهُ ذَهَبًا فَأَرْمِيهِ، وَآخُذُ غَيْرَهُ فَأَجِدُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ فَضَاقَ ذَرْعِي مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا نَزَلَ بِي فَبَقِيت أَتَضَرَّعُ اللَّهَ تَعَالَى فِي دَفْعِهِ حَتَّى أَزَالَهُ عَنِّي فَصِرْت آخُذُ الْحَجَرَ فَأَجِدُهُ حَجَرًا كَمَا هُوَ.

وَقَدْ حَكَى لِي رحمه الله أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ فَاسَ قَالَ: فَكُنْت أَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ فَأَرَى عِنْدَ السُّورِ صُنْدُوقًا مَفْتُوحًا مَمْلُوءًا ذَهَبًا قَالَ: فَكُنْت أُوَلِّي وَجْهِي عَنْهُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ الْتَفَتُّ إلَيْهِ، وَإِذَا بِيَدٍ مِنْ الْهَوَاءِ لَطَمَتْ وَجْهِي فَرَدَّتْهُ إلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فَتُبْتُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَلْتَفِتَ إلَيْهِ بَعْدُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيتُ عَلَى مَعْلُومٍ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرَى فِي الْمَنَامِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: إنَّك لَبَخِيلٌ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا فَلَمَّا أَنْ كَانَ لَيْلَةً، وَقِيلَ لَهُ: مَا قِيلَ آلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا فُتِحَ لَهُ مِنْ الْغَدِ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَلْقَاهُ كَائِنًا مَا كَانَ فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ الْغَدِ فُتِحَ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ الْغَدِ شَابٌّ، وَهُوَ عِنْدَ مُزَيِّنٍ يَحْلِقُ لَهُ رَأْسَهُ فَأَعْطَاهُ الصُّرَّةَ فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا عِنْدِي قُوتُ يَوْمِي فَقَالَ لَهُ

ص: 141

أَعْطِهَا فِي أُجْرَةِ الْمُزَيِّنِ فَقَالَ لَهُ الْمُزَيِّنُ قَدْ دَخَلْت عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا آخُذُ عَنْهُ عِوَضًا فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا لَك دُونَ أُجْرَةٍ فَقَالَ لَهُ لَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَقَالَ لَهُ هِيَ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ الْمُزَيِّنُ، أَمَا قَدْ قِيلَ لَك: إنَّك لَبَخِيلٌ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ وَجْدًا شَدِيدًا، وَأَخَذَ الصُّرَّةَ فَرَمَى بِهَا فِي الْفُرَاتِ.

فَإِذَا قِيلَ لِمِثْلِ هَذَا: بَخِيلٌ فَمَا بَالُك بِمَنْ يُنْسَبُ إلَى الطَّرِيقِ، وَيَطْلُبُ الْمَطَالِبَ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَيْسَ الْأَمْرُ لِآرَائِنَا، وَلَا لِمَا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ مِنْ عَوَائِدِنَا، وَلَا لِمَا يَخْطِرُ مِنْ الْهَوَاجِسِ فِي أَنْفُسِنَا، بَلْ الْمَشْيُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا يَلِيقُ بِهَذَا الزَّمَانِ لِغَلَبَةِ الْبُخْلِ فِيهِ، وَقِلَّةِ الْبَرَكَاتِ بِخِلَافِ زَمَانِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ إذْ أَنَّ الزَّمَانَيْنِ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّزُولِ بِسَاحَةِ كَرَمِهِ مَعَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَقَعَ مِثْلُهُ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَعْظَمُ مِنْ الْمُسْتَشْرِفِ فَتَرْتَفِعُ الْبَرَكَةُ عَنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

ثُمَّ اُنْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَكْثَرَ قُبْحَهَا، وَبَشَاعَتَهَا.

أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَقَدْ جَرَّ ذَلِكَ إلَى تَسْلِيطِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى هَدْمِ كَثِيرٍ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاجِدِهِمْ بِسَبَبِ حَفْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ شَوْكَةٌ فَعَلَهُ جِهَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ عَمِلَ الْحِيَلَ الْكَثِيرَةَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَخْرَبَ، وَتُهْدَمَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ حَتَّى صَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَرِّبَ مَسْجِدًا أَوْ دَارَ مُسْلِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ أَنَّ مَوْضِعَ كَذَا فِيهِ كَذَا وَكَذَا، وَيَكْتُبُ تَارِيخَهَا قَدِيمًا، وَيُبَخِّرُهَا حَتَّى تَبْقَى كَأَنَّهَا وَرَقَةٌ

ص: 142

عَتِيقَةٌ، ثُمَّ يُعَلِّقُهَا فِي مَوْضِعِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِسَبَبِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ إمَّا بِيَدِهِ الْبَاطِشَةِ أَوْ كَثْرَةِ التَّحَيُّلِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَخْرِيبِ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَدُورِهِمْ يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى قَلَّ أَنْ تُحْفَرَ لَهُمْ دَارٌ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ، وَالْكُلُّ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ إذَا عَجَزُوا عَنْ تَخْرِيبِ الْمَسَاجِدِ وَالدُّورِ تَسَلَّطُوا عَلَى تَعَبِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَبْدَانِهِمْ وَخَسَارَتِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فَيَكْتُبُونَ أَوْرَاقًا فِي ذُرْوَةِ الْجَبَلِ الْفُلَانِيِّ مِنْ النَّاحِيَةِ الْفُلَانِيَّةِ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا إذَا حَفَرْت فِيهِ كَذَا وَكَذَا، وَقِسْت كَذَا وَكَذَا تَجِدُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا، وَفِي وَرَقَةٍ أُخْرَى الْغَارُ الْفُلَانِيُّ فِي جِهَةِ كَذَا، وَكَذَا مِنْهُ تَحْفِرُ قَدْرَ كَذَا وَكَذَا فَتَجِدُ كَذَا وَكَذَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَحِيحًا فَعَلَيْهِ الْمَهَالِكُ الْكَثِيرَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَلَمْ يَضَعُوا شَيْئًا إلَّا، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ مَهَالِكَ عَظِيمَةً فَقَلَّ أَنْ يَصِلَ أَحَدٌ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِعَطَبِهِ، وَعَطَبِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ فَذَلِكَ فِيهِ الْخُمُسُ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِهِ، وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ لُؤْلُؤًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ رَصَاصًا كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيهِ الْخُمُسُ، وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ ثَلَاثَةٌ هَذَا وَاحِدٌ مِنْهَا.

وَالثَّانِي - النُّدْرَةُ تُوجَدُ فِي الْمَعْدِنِ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ أَوْ بِمُؤْنَةٍ يَسِيرَةٍ.

وَالثَّالِثُ - الْغَنِيمَةُ.

وَأَمَّا مَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ أَرْضِ الْعَرَبِ فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أُخِذَ عَنْوَةً.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أُخِذَ صُلْحًا فَإِنْ كَانَ عَنْوَةً فَهُوَ لِتِلْكَ الْجُيُوشِ الَّذِينَ فَتَحُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْغَالِبِ إذْ إنَّ أَوْلَادَ الصَّحَابَةِ مَوْجُودُونَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ صُلْحًا فَمَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَهُوَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ فَإِنْ عُدِمُوا فَلِأَوْلَادِهِمْ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهُمْ أَيْضًا مَوْجُودُونَ، وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلِلْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ

ص: 143