الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْجَهْلِ وَالصَّحَارَى فَعَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَالطُّرُقِ الْحَمِيدَةِ وَأَخْبَارَ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخَرِينَ وَمَا فِيهِ النَّجَاةُ وَالْفَوْزُ فِي الْآخِرَةِ، وَالْغِبْطَةُ وَالْخَلَاصُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ الْبَاجِيُّ رحمه الله: وَذَكَرَ الْعُتْبِىُّ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] . وَقَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَجِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إلَى رَبِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ فِي الْأَرْضِ أَعْظُمُهُ
…
فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ
…
فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ الْعُتْبِيُّ: فَغَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي: يَا عُتْبِيُّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ» .
وَمِنْ كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَأْخُذْ عَنِّي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ وَيُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا فَقَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» .
وَمِنْهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» وَمِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ الْغُرَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي»
[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]
[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]
(فَصْلٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَدُورُ عَلَيْهِمْ أَمْرُ الدِّينِ، وَنَرْجِعُ الْآنَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ
وَمَعَايِشِهِمْ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ النِّيَّةِ فِيمَا هُوَ يُحَاوِلُهُ، وَمَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ، وَهَذَا النَّوْعُ كَثِيرٌ.
فَنَبْدَأُ أَوَّلًا بِمَا هُوَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَالْآكَدُ فَالْآكَدُ.
فَأَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ: غُسْلُ الْمَيِّتِ وَحَفْرُ الْقَبْرِ وَغَيْرُهُمَا وَمَا يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مَا أَحْدَثُوهُ فِيهِ إذْ إنَّهُ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ وَآكَدِهَا. لَكِنْ نُقَدِّمُ أَوَّلًا ذِكْرَ حَالِ الْمُحْتَضَرِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْآدَابِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَبَهُ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا صَغِيرٌ يَعْبَثُ لَا يَرْجِعُ لِمَا يُؤْمَرُ بِهِ أَوْ يُنْهَى عَنْهُ.
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ثَوْبُهُ طَاهِرًا وَبَدَنُهُ طَاهِرًا، وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ إذْ ذَاكَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الطِّيبِ إكْرَامًا لِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَهُ إذْ ذَاكَ أَحْسَنُ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ هَدْيًا وَخُلُقًا وَدِينًا وَسَمْتًا وَوَقَارًا فَيُلَقِّنُهُ كَلِمَتَيْ التَّوْحِيدِ بِرِفْقٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَهْرًا، ثُمَّ يَسْكُتُ سَاعَةً، ثُمَّ يُعِيدُهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْضَى. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ يُلِحَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ الْمُحْتَضَرُ إذْ ذَاكَ، وَقَدْ يَكُونُ أَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ فَيَتَوَهَّمُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَوْتِهِ، وَإِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وُصِفَ قَبْلُ سَلِمَ مِنْ هَذَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرِينَ لَكِنْ بِخَفْضِ صَوْتٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَوَقَارٍ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَحْضُرُونَ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ الدَّاعِي.
وَهَذَا الْمَوْطِنُ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا قَبُولُ الدُّعَاءِ، وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ رحمه الله الْقِرَاءَةَ عِنْدَهُ بِسُورَةِ يس وَسُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ مِنْ الْوَقَارِ وَالتُّؤَدَةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَا فِي تَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله -
لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَكَرِهَ أَنْ يُعْمَلَ ذَلِكَ اسْتِنَانًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا الْجِهَةُ الَّتِي كَانَ يُعَظِّمُهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا فَعَلَ الْمُكَلَّفُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ حَتَّى يُعَايِنَ، وَهُوَ أَنْ يَشْخَصَ بِبَصَرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ قَدْ يُوهِمُهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَوْتِهِ أَوْ لِلْغَشَيَانِ عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُلَقِّنُهُ أَنْ لَا يَضْجَرَ وَلَا يَقْلَقَ إنْ طَالَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَوَجَدَ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَأْخُذَ رَاحَةً لِنَفْسِهِ فَعَلَ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَا يُلَقِّنُونَهُ بِجَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْرِجُهُ وَيُقْلِقُهُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْجَرَ أَيْضًا مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمُحْتَضَرِ لِمَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُرَى مِنْ بَعْضِهِمْ عَدَمُ الْقَبُولِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ فِتْنَةٍ وَأَمْرٍ شَدِيدٍ. أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْمُحْتَضَرَ إذَا اُحْتُضِرَ يَأْتِيهِ شَيْطَانَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى صِفَةِ أَبِيهِ، وَالْآخَرُ عَلَى صِفَةِ أُمِّهِ، فَيَقُولُ لَهُ الَّذِي هُوَ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى صِفَةِ أَبِيهِ: يَا بُنَيَّ أَنَا قَدْ سَبَقْتُك إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ عَرَفْتُ الْحَقَّ فِيهِ وَالدِّينَ الْأَقْوَمَ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ، وَهُوَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ فَمُتْ عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ، وَيَقُولُ الَّذِي عَلَى صِفَةِ أُمِّهِ: يَا بُنَيَّ قَدْ كَانَ بَطْنِي لَك وِعَاءً وَثَدْيِي لَك سِقَاءً وَحِجْرِي لَك وِطَاءً، وَأَنَا أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، وَقَدْ سَبَقْتُك إلَى هَذَا الْمَوْطِنِ وَعَرَفْتُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ فَمُتْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ كَمَا قَالَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْأَدْيَانَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ، وَالْأَمْرُ أَمْرٌ خَطِرٌ عَظِيمٌ فِي الْخَطَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرُوا لَهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَأَنْ يَجْتَنِبُوا اللَّغَطَ وَالْقِيلَ وَالْقَالَ، وَقَدْ سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رحمه الله يَحْكِي أَنَّ بَعْضَ الْمَغَارِبَةِ جَاءُوا إلَى الْبِلَادِ بِنِيَّةِ الْحِجَازِ فَمَرِضَ بَعْضُهُمْ وَاحْتُضِرَ فَجَلَسَ إلَيْهِ رُفَقَاؤُهُ يُلَقِّنُونَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ فَكَانَ إذَا قَالَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَعَّرَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ إلَى نَاحِيَةِ الْيَسَارِ، وَإِذَا قَالَ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ ذَلِكَ مَعَّرَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ إلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ النَّوْمُ فَنَامُوا، وَبَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُلَقِّنُهُ، فَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى نَاحِيَةِ الْيَمِينِ دَار إلَيْهِ، وَإِذَا
حَوَّلَهُ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ دَارَ إلَيْهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ أَيْضًا كَأَصْحَابِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي النَّوْمِ إذْ رَأَى النَّاسَ يَتَجَارَوْنَ قَالَ: فَقُلْت: فَمَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: هُمْ مَاشُونَ إلَى فُلَانٍ " اسْمِ الْمُحْتَضَرِ " يُهَنِّؤُنَهُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْت: هَذَا صَاحِبِي فَأَسْرَعْت مَعَهُمْ لِأُهَنِّيَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُهَنِّيهِ فَجِئْنَا إلَى بَابٍ كَبِيرٍ فَدَخَلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، فَدَخَلْت مَعَهُمْ، فَإِذَا بِصَاحِبِي وَاقِفٌ، وَالنَّاسُ يُهَنُّونَهُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَزَاحَمْت مَعَهُمْ حَتَّى اجْتَمَعْت بِهِ فَهَنَّيْتُهُ كَمَا فَعَلَ غَيْرِي، فَأَمْسَكَ بِيَدِي وَقَالَ: آهٍ يَا فُلَانُ مَا هَذَا الْحَالُ الَّذِي فَعَلْتُمْ مَعِي تَرَكْتُمُونِي وَحِيدًا لِلشَّيَاطِينِ يَتَسَلَّمُونِي، فَقُلْت لَهُ: كُنَّا نُلَقِّنُك وَأَنْتَ تُمَعِّرُ وَجْهَك وَتُعْرِضُ عَنَّا يَمِينًا وَيَسَارًا فَقَالَ لِي: مَا عَنْكُمْ كُنْت أُعْرِضُ، وَإِنَّمَا كُنْت أُعْرِضُ عَنْ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمَا أَتَيَانِي عَلَى صِفَةِ أَبِي مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَعَلَى صِفَةِ أُمِّي مِنْ جِهَةِ الْيَسَارِ؛ فَهَذَا يَدْعُونِي إلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَهَذِهِ تَدْعُونِي إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، وَكَانَ كَلَامُكُمْ يُؤْنِسُنِي وَأَسْتَوْثِقُ بِهِ، فَلَمَّا نِمْتُمْ تَسَلَّمَانِي لَكِنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي، فَإِنَّنِي لَمَّا أَنْ بَقِيت وَحِيدًا نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَهَزَّهَا عَلَيْهِمَا، وَقَالَ لَهُمَا: إلَيْكُمَا عَنْ وَلِيِّ اللَّهِ فَوَلَّيَا هَارِبَيْنِ، ثُمَّ لَقَّنَنِي الشَّهَادَةَ فَقُلْتهَا فَمُتُّ عِنْدَ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ يُهَنُّونَنِي بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَاسْتَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ فَقَامَ إلَى صَاحِبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ رحمه الله.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ الْمَوْتُ وَلُقِّنَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا. فَرُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: كُنَّا نَقُولُ لَك: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ: لَا، فَقَالَ: كَانَ إبْلِيسُ تَعَرَّضَ لِي وَقَالَ لِي: سَلِمْت مِنِّي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت لَهُ: مَا دَامَتْ الرُّوحُ فِي الْحُلْقُومِ لَا أَسْلَمُ مِنْك، وَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا لَهُ لَا لَكُمْ أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ، فَإِنْ هُوَ إذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ لِعَبْدِي عَلَيَّ إنْ تَوَفَّيْته أُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْته أَنْ أُبْدِلَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ
وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُصِيبُ الْعَبْدَ نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ قَالَ وَقَرَأَ» {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] الْآيَةَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ أَحَدًا يَبْكِي حَوْلَهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ بَاكِيًا مِنْ جَمَاعَتِهِ فَلْيَعْتَزِلْ عَنْهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُهُ الْمُحْتَضَرُ وَلَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ بِالدُّمُوعِ حِينَئِذٍ، وَحُسْنُ التَّعَزِّي وَالتَّصَبُّرِ أَوْلَى وَأَجْمَلُ لِمَنْ اسْتَطَاعَ.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ السَّخَطِ وَالضَّجَرِ وَلْيَكُنْ مُوقِنًا بِالْعِوَضِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ إنَّ مَنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ حَلٌّ وَلَا رَبْطٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا إرَادَةٌ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى، فَاَلَّذِي أَقَامَهُ فِي ذَلِكَ يُقِيمُهُ فِي غَيْرِهِ أَوْ لَا يُحْوِجُهُ إلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ، وَيَتَعَلَّقَ بِهَا حِينَ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِهِ، فَيَقُولُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - حَيْثُ يَقُولُ:«مَا مِنْ امْرِئٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل: إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاعْقُبْنِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَبْدَلَهُ خَيْرًا مِنْهَا» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا أَنْ مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ جَعَلْت أَقُولُهَا وَقُلْت: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ قُلْت: أَمْتَثِلُ السُّنَّةَ فَأَقُولُهَا فَقُلْتهَا؛ فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَمَا قَالَتْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ فِيهِنَّ مِنْ الرِّقَّةِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ قِلَّتِهِمَا وَنُقْصَانِ الْعَقْلِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى وُقُوعِ مَا لَا يَنْبَغِي بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ فَيُتَحَفَّظُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ الصَّرِيحِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَخَرَقَ وَدَلَقَ وَسَلَقَ» ، وَمَعْنَى حَلَقَ: حَلَقَ الشُّعُورَ وَخَرَقَ: خَرَقَ الْبَابَ وَدَلَقَ هُوَ تَخْمِيشُ الْوُجُوهِ وَالضَّرْبُ عَلَى الْخُدُودِ، وَسَلَقَ هُوَ الْكَلَامُ الرَّدِيءُ الْقَبِيحُ وَمِنْهُ {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» ، وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَنْتَهِرَانِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ: أَهَكَذَا كُنْت» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: وَاجَبَلَاه وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إلَّا قِيلَ: لِي أَنْتَ كَذَا، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ أَنْ لَا يُظْهِرَ الْجَزَعَ إذْ ذَاكَ، فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ كَانَ سَبَبًا لِوُقُوعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْهُنَّ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جُهْدَهُ مَعَ وُجُودِ الرِّفْقِ وَالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسِّيَاسَةِ مَعَ أَهْلِ الْمَيِّتِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَقَامَ سَطْوَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ مَا نَزَلَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ مَا فِيهِ مَا قَرَّرَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَإِذَا وَجَبَتْ أَيْ مَاتَ فَلَا تَبْكِي بَاكِيَةٌ» فَلَا يَتَعَدَّى مَا حَدَّهُ عليه الصلاة والسلام وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْضُرَ مَا دَامَ ذَلِكَ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَتَغْيِيرُهُ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، فَإِذَا لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ عَدَمُ حُضُورِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ لَمْ يُزِلْ الْمُنْكَرَ فَلْيَزُلْ عَنْهُ» ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ قُدْوَةً فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حُضُورِهِ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَقَعَ بِحَضْرَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَكَشْفِ وُجُوهِهِنَّ وَتَسْوِيدِهَا وَتَسْوِيدِ بَعْضِ أَجْسَادِهِنَّ وَنَشْرِ الشُّعُورِ، وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَهُوَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَلِبَاسِ الْأَزْرَقِ وَالسَّوَادِ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ خَرْقِ قُعُورِ الْقُدُورِ السُّودِ وَجَعْلِهَا فِي حُلُوقِهِمْ وَسَكْبِ التُّرَابِ عَلَى الرُّءُوسِ وَتَلْطِيخِ الْبُيُوتِ بِالسَّوَادِ، وَمَا يَجْعَلُونَهُ فِي الْأَعْنَاقِ مِنْ السَّلَاسِلِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ إلَّا التَّفَاؤُلُ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي تَوَعَّدَ بِهَا أَهْلَ النَّارِ. أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ. وَتَحْفِيَتِهِمْ
لِلْأَقْدَامِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ يَتْرُكُ لُبْسَ السَّوَادِ وَيُعَوِّضُ عَنْهُ الْبَيَاضَ، وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْبَيَاضِ مُبَاحًا أَوْ مَأْمُورًا بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لَكِنَّ اتِّخَاذَهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِنَانِ بِهِ بِدْعَةٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ عِنْدَ مَوْتِ مَيِّتِهِمْ وَلَا يَرْجِعُونَ لَهَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فِيهَا: فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُهَا الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ، فَيَحْرِمُهُمْ اللَّعِينُ ثَوَابَ مُصَابِهِمْ وَثَوَابَ الصَّلَاةِ وَيُوقِعُهُمْ فِي الْإِثْمِ فِي تَرْكِهَا بِعَادَتِهِ الذَّمِيمَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَالْإِحْدَادُ عَلَى مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ الِامْتِنَاعَ مِنْ خَمْسٍ: لِبَاسِ الْمُصَبَّغَاتِ كُلِّهَا إلَّا السَّوَادَ، وَالْحُلِيِّ، وَالْكُحْلِ، وَالطِّيبِ، وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ؟ وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ أَيْضًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ حُضُورُ الطَّارَاتِ وَالضَّرْبُ بِهَا سِيَّمَا مَعَ النَّائِحَةِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ نَائِحَةٍ فِي النَّارِ إلَّا نَائِحَةَ حَمْزَةَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لَا نَخْمُشَ وَجْهًا وَلَا نَدْعُوَ وَيْلًا وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا وَلَا نَنْشُرَ شَعْرًا» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ عَلَى مَيِّتٍ» .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ حِينَ بَايَعَهُنَّ أَنْ لَا يَنُحْنَ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ إنَّ نِسَاءً سَاعَدْنَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَنُسَاعِدُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم لَا إسْعَادَ فِي الْإِسْلَامِ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ فَقَالَ: إيَّاكُمْ