الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا سُورَةَ يس أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَعْصِبْنَهُ بِهَا فِي يَوْمِ سَابِعِهِ.
وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ جَعْلِ السِّكِّينِ الَّتِي قُطِعَتْ بِهَا سُرَّةُ الْمَوْلُودِ عِنْدَ رَأْسِهِ مَا دَامَتْ أُمُّهُ جَالِسَةً عِنْدَهُ، فَإِذَا قَامَتْ حَمَلَتْهَا مَعَهَا تَفْعَلُ هَذَا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُعَلِّلْنَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهَا شَيْءٌ مِنْ الْجَانِّ، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا غَابَتْ عَنْهُ أُمُّهُ لِضَرُورَةٍ فِي الْبَيْتِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يَقْعُدُ عِنْدَ الْمَوْلُودِ تَجْعَلُ عِنْدَهُ كُوزًا مَمْلُوءًا مَاءً وَشَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ.
وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ أَخْذِهِنَّ شَيْئًا مِنْ الْمِلْحِ، وَيَصْبُغْنَ بَعْضَهُ بِالزَّعْفَرَانِ، وَبَعْضَهُ بِالزِّنْجَارِ غَالِبًا، وَيَخْلُطْنَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْكَمُّونِ الْأَسْوَدِ وَيُوقِدُونَ الشَّمَعَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَتَلْبَسُ أُمُّ الْمَوْلُودِ ثِيَابًا حِسَانًا، وَيَدُرْنَ بِهَا بِوَلَدِهَا الْبَيْتَ كُلَّهُ، وَالْقَابِلَةُ أَمَامَهَا حَامِلَةً لِلْمَوْلُودِ، وَامْرَأَةٌ أُخْرَى أَمَامَ الْقَابِلَةِ مَعَهَا طَبَقٌ فِيهِ الْمِلْحُ الْمَذْكُورُ وَيَنْثُرْنَهُ فِي الْبَيْتِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِي الطَّبَقِ شَيْءٌ مِنْ الْبَخُورِ بَخُورٌ مَخْصُوصٌ بِالْوِلَادَةِ، وَيَزْعُمْنَ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْكَسَلِ وَالْعَيْنِ وَالْجَانِّ وَالشَّرِّ كُلِّهِ، وَهَذَا مِنْهُنَّ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ وَبِدَعٌ لَيْسَتْ مِنْ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ فِي شَيْءٍ.
فَاللَّبِيبُ مَنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَوَلَدَهُ إلَى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَتَرَكَ كُلَّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا فَالْغَالِبُ أَنَّهُ يُعَلِّلُهُ بِتَعَالِيلَ لَا يَقُومُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى سَاقٍ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ بَاطِلُهَا إلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ وَالتَّمْيِيزِ غَالِبًا، فَلْيَحْذَرْ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، وَحَيْثُ كَانَتْ فَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ. أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالِاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صلى الله عليه وسلم.
[أَحْكَام الْعَقِيقَة]
وَيَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَوْلُودِ إنْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ فِي سَابِعِهِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِي السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ. وَقَدْ سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عَمَّا يُتَّقَى فِي الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ، وَقَالَ: أَرْبَعٌ: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ
عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقَى وَوَقْتُهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِنْ وُلِدَ الْمَوْلُودُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، طُرِحَ ذَلِكَ، وَلَا يُحْسَبُ، وَيَتَحَفَّظُ فِيهَا كَمَا يَتَحَفَّظُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَلَا يُعْطِي الْجَزَّارَ أُجْرَتَهُ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَابِلَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِوَضٌ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ الْبِيَاعَاتِ، وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَذْبَحُهُ فِي الْعَقِيقَةِ إلَى الْمَسْمَطِ، فَيُعْطِي جِلْدَهَا وَرَأْسَهَا وَأَطْرَافَهَا لِلصَّانِعِ الَّذِي يَعْمَلُهَا، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ. هَذَا إنْ عَمِلَهَا سَلِيخًا، وَأَمَّا إنْ عَمِلَهَا سَمِيطًا، فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا وَلِيمَةً وَيَدْعُوَ النَّاسَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله أَيُصْنَعُ مِنْهَا طَعَامٌ وَيُجْمَعُ عَلَيْهِ الْإِخْوَانُ؟ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تَشَبُّهٌ بِالْوَلَائِمِ، وَقَالَ إنَّمَا تُطْبَخُ وَتُؤْكَلُ وَيُطْعَمُ الْجِيرَانُ. وَيَنْبَغِي إنْ كَانَ الْمَوْلُودُ مِمَّنْ يَعُقُّ عَنْهُ أَنْ لَا يُوقِعَ عَلَيْهِ الِاسْمَ إلَّا حِينَ يَذْبَحُ الْعَقِيقَةَ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُ فِي الِاسْمِ مُدَّةَ السَّابِعِ، فَإِذَا ذَبَحَ الْعَقِيقَةَ أَوْقَع عَلَيْهِ الِاسْمَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ مِمَّنْ لَا يَعُقُّ عَنْهُ لِفَقْرِ وَلِيِّهِ، فَيُسَمُّونَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءُوا.
ثُمَّ الْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْفَقْرَ مِنْهُمْ، وَيَعْتَلُّ بِهِ عَلَى تَرْكِ سُنَّةِ الْعَقِيقَةِ، وَيَتَكَلَّفُ لِبَعْضِ الْعَوَائِدِ الَّتِي أَحْدَثُوهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْعَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِ الزَّلَابِيَةِ، أَوْ شِرَائِهَا وَشِرَاءِ مَا تُؤْكَلُ بِهِ مَا ثَمَنُهُ أَضْعَافُ مَا يَفْعَلُ بِهِ الْعَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ. هَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ لِغَيْرِ مَعْنًى شَرْعِيٍّ، بَلْ لِلْبِدْعَةِ وَالظُّهُورِ وَالْقِيلِ وَالْقَالِ. وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ الْوِلَادَةِ. وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ الْوِلَادَةِ. وَبَعْضُهُمْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيَعْتَلُّونَ فِي ذَلِكَ بِكَوْنِهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَقِيقَةِ، وَالْعَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ ثَمَنُهَا أَيْسَرُ وَأَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ
اقْتَصَرَ عَلَى تَرْكِ مَا أَحْدَثُوهُ فِي الْعَصِيدَةِ مِنْ الْبِدْعَةِ لَكَانَ فِيهِ ثَمَنُ الْعَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَصِيدَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إلَّا النُّفَسَاءُ وَحْدَهَا، فَزُبْدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ دُونَهَا تَكْفِيهَا، وَهُمْ يَعْمَلُونَ الْعَصِيدَةَ، وَيَشْتَرُونَ مَا تُؤْكَلُ بِهِ وَيُفَرِّقُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَعَارِفِ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْدُبْهُمْ الشَّرْعُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إطْعَامُ الطَّعَامِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ لَكِنْ مَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ تَرْكُ سُنَّةٍ، وَهُمْ لَوْ اشْتَرَوْا بِثَمَنِ الْعَصِيدَةِ وَمَا تُؤْكَلُ بِهِ مَا يَعُقُّ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لَكَانَ فِيهِ الْكِفَايَةُ وَزِيَادَةٌ.
ثُمَّ يَزِيدُونَ مَعَ ذَلِكَ مَا يَتَّخِذُونَهُ مِنْ النَّقْلِ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَيُفَرِّقُونَهُ فِي يَوْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَهَذَا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَوِّضُ عَنْ النَّقْلِ الْمَذْكُورِ حَلَاوَةً عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ تُشْبِهُ النَّقْلَ يُسَمُّونَهَا بِالْمُغَزْدِرَاتِ وَبَعْضُهُمْ يُسَمُّونَهَا بِالنَّثُورِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ السَّرَفِ وَالْبِدْعَةِ وَمَحَبَّةِ الظُّهُورِ وَالْخُيَلَاءِ وَتَرْكِ السُّنَنِ وَالِاهْتِبَالِ بِأَمْرِهَا وَاغْتِنَامِ بَرَكَتِهَا. ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ زَادُوا عَادَةً ذَمِيمَةً، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُجَدِّدُوا كِسْوَةً لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَيْتُ حَتَّى الْحَصِيرُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اعْتَادُوهُ، فَانْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ - إلَى صَرْفِ هَذِهِ النَّفَقَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَتَشَعُّبِهَا، ثُمَّ إنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْتَلُّونَ لِتَرْكِ الْعَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا. وَبَعْضُهُمْ يَتَدَايَنُ لِتِلْكَ الْعَوَائِدِ وَلِبَعْضِهَا، وَيَعْتَلُّونَ بِأَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَشْغَلُونَ ذِمَّتَهُمْ بِالدَّيْنِ لِأَجْلِهَا وَيَشْغَلُونَ ذِمَّتَهُمْ بِالدَّيْنِ لِأَجْلِ تِلْكَ الْعَوَائِدِ عَكْسُ مَا يُنْدَبُونَ إلَيْهِ، وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
ثُمَّ إنَّ التَّدَايُنَ لِأَجْلِ الْعَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ يَخْلُفُ عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَيْهَا وَيُيَسِّرُ عَلَيْهِ وَفَاءَ دَيْنِهَا كَالْأُضْحِيَّةِ لِبَرَكَةِ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فَبِهَا، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْأَمْثَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْطَانَ اللَّعِينَ أَلْقَى إلَيْهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْرِمَهُمْ بَرَكَةَ امْتِثَالِ السُّنَّةِ لِأَجْلِ أَنَّ فِعْلَهَا بَرَكَةٌ وَخَيْرٌ وَغَنِيمَةٌ، وَهِيَ
بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُكَلِّفُهُمْ مِنْ الْعَوَائِدِ يَسِيرَةُ النَّفَقَةِ، وَفِيهَا الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَفِي الْعَوَائِدِ ضِدُّ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ مِنْ الذَّمِّ إلَّا أَنَّ النَّفَقَةَ فِيهَا لَا تَخْلُفُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا مَعَ تَعَبِهِ لِأَجْلِهَا، فَفِيهَا التَّعَبُ دُنْيَا وَأُخْرَى.
وَفِي فِعْلِ الْعَقِيقَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: امْتِثَالُ السُّنَّةِ، وَإِخْمَادُ الْبِدْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ إلَّا أَنَّهَا حِرْزٌ لِلْمَوْلُودِ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ كَمَا وَرَدَ، فَالسُّنَّةُ مَهْمَا فُعِلَتْ كَانَتْ سَبَبًا لِكُلِّ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَالْبِدْعَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَوَجَدُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَنْثُورَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَأَوْلَادُهُ ذَاهِبُونَ وَرَاجِعُونَ عَلَيْهَا، فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدَنَا، أَمَا هَذَا إضَاعَةُ مَالٍ، قَالَ: بَلْ هِيَ فِي حِرْزٍ قَالُوا لَهُ: وَأَيْنَ الْحِرْزُ، قَالَ لَهُمْ: هِيَ مُزَكَّاةٌ، وَذَلِكَ حِرْزُهَا، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مَنْ عُقَّ عَنْهُ، فَهُوَ فِي حِرْزٍ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ، وَأَقَلُّ آفَةٍ تَقَعُ بِالْمَوْلُودِ يَحْتَاجُ وَلِيُّهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ قَدْرَ الْعَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ لُبٌّ فَلْيَبْذُلْ جَهْدَهُ عَلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ حِرْزِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، أَمَّا الْبَدَنُ فَسَلَامَةُ الْمَوْلُودِ سِيَّمَا مِنْ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا حِرْزًا لِلْمَالِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِي الْعَقِيقَةِ نَزْرٌ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَكَلَّفُونَهُ مِنْ الْعَوَائِدِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَغَيْرُهَا مِنْ النَّفَقَاتِ فِيمَا يَتَوَقَّعُ عَلَى الْمَوْلُودِ مِنْ تَوَقُّعِ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ، وَفِيهَا كَثْرَةُ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ لِأَجْلِ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي فِعْلِهَا وَتَفْرِيقِهَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّ فِيهَا الْأَجْرَ الْكَثِيرَ لِقِلَّةِ فَاعِلِهَا. لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَنِي قَدْ أُمِيتَتْ فَكَأَنَّمَا أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» ، فَقَدْ شَهِدَ عليه الصلاة والسلام لِمَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ السُّنَنِ إذَا أُمِيتَتْ بِالْمَعِيَّةِ مَعَهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْجَنَّةِ. وَالْعَقِيقَةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَلَّ أَنْ تُعْرَفَ، وَإِنْ عُرِفَتْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَبِالِاسْمِ لَيْسَ إلَّا فِي الْغَالِبِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِيهَا أَفْعَالًا تُخْرِجُهَا عَنْ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا.
فَمِنْهَا مُخَالَفَةُ وَقْتِهَا الشَّرْعِيِّ الَّذِي تُذْبَحُ فِيهِ
لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُجْزِي عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنْ فَوَّتَ نَفْسَهُ فَضِيلَةَ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي الْوَقْتِ الْمَوْضُوعِ لَهَا، مِنْهَا عَدَمُ التَّوْفِيَةِ بِشُرُوطِهَا إذْ أَنَّهُمْ يُعْطُونَ مِنْ لَحْمِهَا وَجِلْدِهَا لِلصَّانِعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: فِيمَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ لِلْجُمُعَةِ وَلَا فَضْلَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ حَتَّى يُضَحِّيَ، فَكَذَلِكَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ يَتَدَايَنُ لِلْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَلِكَ يَتَدَايَنُ لِلْعَقِيقَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَإِذَا اخْتَارُوا لَهُ الِاسْمَ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلَى سَابِعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارُوا لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا كَانَ سَالِمًا مِنْ التَّزْكِيَةِ وَالْكُنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلَهُ فِي التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَقْنَعٌ وَبَرَكَةٌ وَخَيْرٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَدْ وَقَعَ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُوَ بِمَدِينَةِ تُونُسَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْ ازْدَادَ لَهُ مَوْلُودٌ طَالَبُوهُ بِبَعْضِ عَوَائِدِهِمْ الْجَارِيَةِ فَأَبِي عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: السُّنَّةُ أَوْلَى قَالَ: وَكُنْت مَرِيضًا لَا أَقْدِرُ عَلَى الْحَرَكَةِ، فَلَمَّا أَنْ عَزَمْت عَلَى الْعَقِيقَةِ وَجَزَمْت بِهَا رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنِّي مَاشٍ عَلَى طَرِيقٍ وَمَعِي شَخْصٌ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا بِجِيفَةٍ قَدْ عَرَضَتْ لَنَا فِي وَسَطِهَا، فَقَالَ لِي ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ مَعِي: عَسَى أَنَّك تُعِينُنِي عَلَى زَوَالِ هَذِهِ الْجِيفَةِ عَنْ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَعْبُرُ مِنْ هَاهُنَا السَّاعَةَ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ فَأَزَلْنَا الْجِيفَةَ عَنْ الطَّرِيقِ وَنَظَّفْنَاهُ، وَإِذَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقْبَلَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: وَعَلَيْك السَّلَامُ يَا فَقِيهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَانْتَبَهْت مِنْ نَوْمِي، فَوَجَدْت الْعَافِيَةَ فِي الْوَقْتِ، فَأَصْبَحْت وَخَرَجْت وَاشْتَرَيْت الذَّبِيحَةَ لِلْعَقِيقَةِ بِنَفْسِي، فَلَمَّا أَنْ عَمِلْتهَا جَمَعْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ وَحَدَّثْتهمْ بِمَا جَرَى فَاشْتُهِرَ الْأَمْرُ، وَكَانَتْ الْعَقِيقَةُ إذْ ذَاكَ قَدْ دُثِرَتْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ فَاشْتُهِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ. وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ