الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّ قُرَّةَ أَعْيُنِهِمْ فِي الْغِنَاءِ، وَاللَّهْوِ، وَالنَّظَرِ فِي وُجُوهِ الْمُرْدِ.
(فَصْلٌ)
وَقَالَ: رحمه الله، وَأَمَّا تَمْزِيقُ الثِّيَابِ فَهُوَ يَجْمَعُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ السَّخَافَةِ - إفْسَادَ الْمَالِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» ، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه (مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَقَالُوا: إنَّهَا مَيِّتَةٌ قَالَ: إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيُحْجَرُ عَلَى السُّفَهَاءِ، وَهُمْ الْمُبَذِّرُونَ لِأَمْوَالِهِمْ، وَمَا فِي السَّفَهِ أَعْظَمُ مِنْ تَمْزِيقِ الثِّيَابِ، وَقَالَ: أَنَسٌ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً، وَاحِدَةٌ مِنْهَا مِنْ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَقَالَ: إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ مَنْ أَصْلَحَ مَالَهُ فَقَدْ صَانَ الْأَكْرَمَيْنِ دِينَهُ، وَعِرْضَهُ، وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى لَإِبْلِيسَ {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء: 64] ، وَإِذَا كَانَ الْكَسْبُ خَبِيثًا كَانَ مَآلُهُ إلَى مِثْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الطُّرْطُوشِيِّ رحمه الله
[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]
(فَصْلٌ)
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] فَقَالَ: الْغِنَاءُ، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ هُوَ الْغِنَاءُ، وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمَكْحُولٌ، وَرَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ عَنْ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَالْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَزَادَ أَنَّ لَهْوَ الْحَدِيثِ الْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغِنَاءُ بَاطِلٌ، وَالْبَاطِلُ فِي النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت عَنْهُ مَالِكًا فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] أَفَحَقٌّ هُوَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بُعِثْت بِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ» خَرَّجَهُ أَبُو طَالِبٍ الْغَيْلَانِيُّ.
وَخَرَّجَ ابْنُ بَشْرَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْت بِهَدْمِ الْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ» ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ يَسْمَعُ مِنْهَا صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى صَوْتِ غِنَاءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الرُّوحَانِيِّينَ فَقِيلَ: وَمَا الرُّوحَانِيُّونَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قُرَّاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ.
، وَمِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ» ؛ وَلِهَذِهِ الْآثَارِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِتَحْرِيمِ الْغِنَاءِ، وَهُوَ الْغِنَاءُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْمُشْتَهِرِينَ بِهِ الَّذِي يُحَرِّكُ النُّفُوسَ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى الْهَوَى وَالْغَزَلِ وَالْمُجُونِ الَّذِي يُحَرِّكُ السَّاكِنَ، وَيَبْعَثُ الْكَامِنَ، فَهَذَا النَّوْعُ إذَا كَانَ فِي شِعْرٍ يُشَبَّبُ فِيهِ بِذِكْرِ النِّسَاءِ، وَوَصْفِ مَحَاسِنِهِنَّ، وَذِكْرِ الْخُمُورِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ اللَّهْوُ، وَالْغِنَاءُ الْمَذْمُومُ بِاتِّفَاقٍ فَأَمَّا مَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي أَوْقَاتِ الْفَرَحِ كَالْعُرْسِ وَالْعِيدِ، وَعِنْدَ النَّشَاطِ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ كَمَا كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ.
فَأَمَّا مَا ابْتَدَعَهُ الصُّوفِيَّةُ الْيَوْمَ مِنْ الْإِدْمَانِ عَلَى سَمَاعِ الْأَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ مِنْ الشَّبَّابَةِ وَالطَّارِ وَالْمَعَازِفِ وَالْأَوْتَارِ فَحَرَامٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا طَبْلُ الْحَرْبِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ النُّفُوسَ، وَيُرْهِبُ الْعَدُوَّ.
، وَذَكَرَ
أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الْغِنَاءِ وَعَنْ اسْتِمَاعِهِ، وَقَالَ: إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً كَانَ لَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ، وَالْمَنْعِ مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَجُوزُ فَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ادَّعَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ سُبْحَانَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37] قَالَ: اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَمِّ الرَّقْصِ وَتَعَاطِيهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الرَّقْصِ فَقَالَ {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37] ، وَذَمُّ الْمُخْتَالِ وَالرَّاقِصِ أَشَدُّ، وَالْمَرَحُ الْفَرَحُ أَوَلَسْنَا قِسْنَا النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الطَّرَبِ وَالسُّكْرِ فَمَا بَالُنَا لَا نَقِيسُ الْقَضِيبَ وَتَلْحِينَ الشِّعْرِ مَعَهُ عَلَى الطُّنْبُورِ وَالطَّبْلِ لِاجْتِمَاعِهِمَا؟ ، فَمَا أَقْبَحُ ذَا لِحْيَةٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَا شَيْبَةٍ يَرْقُصُ وَيُصَفِّقُ عَلَى تَوْقِيعِ الْأَلْحَانِ وَالْقُضْبَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَصْوَاتَ نِسْوَانٍ وَوِلْدَانٍ، وَهَلْ يَحْسُنُ لِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَوْتُ وَالسُّؤَالُ وَالْحَشْرُ وَالصِّرَاطُ، ثُمَّ مَآلُهُ إلَى إحْدَى الدَّارَيْنِ يَشْمُسُ بِالرَّقْصِ شُمُوسَ الْبَهَائِمِ، وَيُصَفِّقُ تَصْفِيقَ النِّسْوَةِ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مَشَايِخَ فِي عُمْرِي مَا بَانَ لَهُمْ سِنٌّ مِنْ التَّبَسُّمِ فَضْلًا عَنْ الضِّحْكِ مَعَ إدْمَانِ مُخَالَطَتِي لَهُمْ.
، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَمَاقَةً لَا تَزُولُ إلَّا بِاللَّعِبِ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] قَالَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَزَامِيرِ، وَالْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَمَا كَانَ مِنْ صَوْتِ الشَّيْطَانِ أَوْ فِعْلِهِ، وَمَا يَسْتَحْسِنُهُ فَوَاجِبٌ التَّنَزُّهُ عَنْهُ.
(فَصْلٌ)
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ إمَامِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْجُنَيْدُ رحمه الله -
أَنَّهُ سُئِلَ لِحُضُورِ السَّمَاعِ فَأَبَى، ثُمَّ سُئِلَ فَأَبَى فَقِيلَ: لَهُ أَلَسْت كُنْت تَحْضُرُهُ قَالَ: مَعَ مَنْ، وَمِمَّنْ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَكَابِرِ أَنَّهُ سُئِلَ لِحُضُورِ السَّمَاعِ فَأَبَى فَقِيلَ: لَهُ أَتُنْكِرُ السَّمَاعَ قَالَ: وَمِثْلِي يُنْكِرُهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَمِنْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارُ، وَإِنَّمَا أُنْكِرُ مَا أُحْدِثَ فِيهِ.
وَهَذَا كَمَا قَدْ سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ فَحَضَرَهُ هَذَا السَّيِّدُ لَمَّا أَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ حَدَثَ فِيهِ مَا حَدَثَ تَرَكَهُ، وَهَذَا أَيْضًا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْجُنَيْدِ فِي قَوْلِهِ مَعَ مَنْ، وَمِمَّنْ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ رحمه الله أَنَّ الْقَوَّالَ هُوَ شَيْخُ الْجَمَاعَةِ الَّذِي مِنْهُ يَسْتَمِدُّونَ، وَبِهِ يَقْتَدُونَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بَعِيدَةٌ مِنْ سَمَاعِ هَذَا الزَّمَانِ لِمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لِبَعْضِهِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ حُضُورِ النِّسَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُشْرِفَةِ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَمَاعِهِنَّ الْأَشْعَارَ الْمُهَيِّجَةَ لِلْفِتْنَةِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْمَلْذُوذَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ عَلَيْهِنَّ سَاكِنًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ رُقْيَةُ الزِّنَا، وَهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى الرِّجَالِ أَوْ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ فَأَعْظَمُ فِتْنَةً وَبَلِيَّةً سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُغَنِّي شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ وَالصَّوْتِ، وَيَسْلُكُ مَسْلَكَ الْمُغَنِّيَاتِ فِي تَكْسِيرِهِمْ، وَسُوءِ تَقَلُّبَاتِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْمَذْمُومَةِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّينَةِ بِلِبَاسِ الْحَرِيرِ وَالرَّفِيعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فِي أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ فَيَتَقَلَّدُ بِالْعَنْبَرِ بَيْنَ ثِيَابِهِ لِتُشَمَّ رَائِحَتُهُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فُوطَةً مِنْ حَرِيرٍ لَهَا حَوَاشٍ عَرِيضَةٌ مُلَوَّنَةٌ يُصَفِّفُهَا عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلَهُمْ فِي اسْتِجْلَابِ الْفِتَنِ بِمِثْلِ هَذَا أُمُورٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا.
ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْمِسْكِينِ الَّذِي عَمِلَ السَّمَاعَ لَهُمْ، وَجَمَعَهُمْ لَهُ كَيْفَ يَطِيبُ خَاطِرُهُ أَوْ يَسْكُنُ بَاطِنُهُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِهِ لِمَا ذُكِرَ إذْ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ عِنْدَ سَمَاعِهَا أَوْ رُؤْيَتِهَا فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَيْنَ غِيرَةُ الْإِسْلَامِ أَيْنَ نَجْدَةُ الرِّجَالِ السَّادَةِ الْكِرَامِ؟ أَيْنَ الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ الْعَفِيفَةُ عَنْ الْحَرَامِ؟ أَيْنَ اتِّبَاعُ السَّلَفِ الْأَعْلَامِ؟
فَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالشُّبَّانِ، وَمَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ سَمِعَهُمْ اُفْتُتِنَ، وَقَلَّ أَنْ يَرْضَى بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحَلَالِ غَالِبًا فَتَتَشَوَّفُ نُفُوسُهُمْ إلَى ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِلُ إلَى غَرَضِهِ الْخَسِيسِ، وَهِيَ الْبَلِيَّةُ الْعُظْمَى، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَوَائِقِ الْمَانِعَةِ لَهُ فَيَكُونُ آثِمًا فِي قَصْدِهِ.
وَلَوْ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ لَرُجِيَتْ لَهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْإِقَالَةُ مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ، لَكِنَّ الْبَلِيَّةَ الْعُظْمَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِذَلِكَ، وَيَعْتَقِدُونَ بِهِ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ عز وجل سِيَّمَا إنْ عَمِلُوهُ بِسَبَبِ الْمَوْلِدِ فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ فِي أَكْبَرِ الطَّاعَاتِ، وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَتُعْطِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الَّتِي انْتَحَلُوهَا أَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِالشَّعَائِرِ مِنْ سَلَفِهِمْ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْمِحَنِ، وَالْفِتَنِ، وَمِنْ الِابْتِدَاعِ، وَتَرْكِ الِاتِّبَاعِ -، وَبِالْجُمْلَةِ فَفِتْنَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ لَوْ قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: تَصَدَّقْ بِبَعْضِ مَا تُنْفِقُهُ فِيهِ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ الْمُحْتَاجِينَ سَرَى الشُّحُّ بِذَلِكَ وَبَخِلَ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِوُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: خُبْثُ الْكَسْبِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ وَجْهٍ خَبِيثٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا فِي وَجْهٍ خَبِيثٍ مِثْلِهِ بِذَلِكَ جَرَتْ الْحِكْمَةُ.
الثَّانِي: إيثَارُ الشَّهَوَاتِ، وَالْمَلَذَّاتِ.
الثَّالِثُ: الرِّيَاءُ، وَالسُّمْعَةُ.
الرَّابِعُ: مَحَبَّةُ الثَّنَاءِ، وَالْمَحْمَدَةِ، وَالْقِيلِ وَالْقَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْخَامِسُ: مَحَبَّةُ النُّفُوسِ فِي الظُّهُورِ عَلَى الْأَقْرَانِ.
السَّادِسَةُ: أَنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ خَالِصَةٌ لِلرَّبِّ عز وجل فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا ذُو حَزْمٍ، وَمُرُوءَةٍ، وَإِخْلَاصٍ، فَالسَّعِيدُ السَّعِيدُ مَنْ تَمَسَّكَ بِنُورِ الشَّرِيعَةِ، وَسَلَكَ مِنْهَاجَهَا، وَشَدَّ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَتَرَكَ كُلَّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ، وَعَمِلَ عَلَى خَلَاصِ مُهْجَتِهِ، وَأَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَلَا خَلَاصَ إلَّا بِالِاتِّبَاعِ، وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ - سَلَكَ اللَّهُ بِنَا الطَّرِيقَ الْأَرْشَدَ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ - بِمُحَمَّدٍ، وَآلِهِ (فَصْلٌ)
، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي قِسْمَيْنِ: وَهُمَا الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ فَمَا