الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطِّفْلَ يَسْكُنُ إلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ، وَالْجَمَلَ يُقَاسِي تَعَبَ السَّيْرِ، وَمَشَقَّةَ الْحُمُولِ إذَا سَمِعَ الْحِدَاءَ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ الْعَجَمِ مَاتَ، وَخَلَفَ ابْنًا صَغِيرًا فَأَرَادُوا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَقَالُوا: كَيْفَ نَصِلُ إلَى عَقْلِهِ، وَذَكَائِهِ؟ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِقَوَّالٍ فَإِنْ أَحْسَنَ الْإِصْغَاءَ عَلِمُوا كِيَاسَتَهُ، فَلَمَّا أَسْمَعُوهُ الْقَوَّالَ ضَحِكَ الرَّضِيعُ فَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَايَعُوهُ، فَالْجَوَابُ اُنْظُرُوا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ قَادَهُمْ رُكُوبُ الْهَوَى، وَعِشْقُ الْبَاطِلِ، وَقِلَّةُ الْحِيلَةِ إلَى هَذِهِ السَّخَافَةِ وَحَسْبُك مِنْ مَذْهَبٍ إمَامُهُمْ فِيهِ - الْأَنْعَامُ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْمَهْدِ، وَهَكَذَا يَفْضَحُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اتَّبَعَ الْبَاطِلَ، وَحَسْبُك مِنْ عُقُولٍ لَا تَقْتَدِي بِأَحْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، وَتَقْتَدِي بِالْإِبِلِ فَلَئِنْ كَانَ كُلُّ مَا طَرِبَتْ بِهِ الْبَهَائِمُ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنَّا نَرَى الْبَهِيمَةَ تَدُورُ عَلَى أَمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَتَرْكَبُ بِنْتَهَا فَيَلْزَمُ الِاقْتِدَاءُ بِالْبَهِيمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا
[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]
(فَصْلٌ) فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَلَا تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ، وَلَا أُحِبُّهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْغِنَاءَ، وَيُضْحَكُ بِالْقُرْآنِ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ أَقْرَأُ مِنْ فُلَانٍ قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْجَوَارِيَ يُعَلَّمْنَ ذَلِكَ كَمَا يُعَلَّمْنَ الْغِنَاءَ أَيْنَ هَذَا مِنْ الْقِرَاءَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا؟ ، قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي النَّبْرُ، وَالْهَمْزُ يَقُولُ لَا يُرَجَّعُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يُقْطَعُ بِالْأَلْحَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِزِيَادَةِ هَمَزَاتٍ فِي الْقُرْآنِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْقُرْآنِ لَا تَجُوزُ، وَقِيلَ لِمَالِكٍ: هَلْ يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِي الطُّرُقَاتِ؟ قَالَ: لَا إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَأَمَّا الَّذِي يُدِيمُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ قِيلَ لَهُ فَالرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى السُّوقِ أَيَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ مَاشِيًا؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي السُّوقِ، وَسُئِلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ قَالَ: لَيْسَ مَوْضِعَ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْآيَةَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ فَالرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى قَرْيَتِهِ فَيَقْرَأُ مَاشِيًا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: سَحْنُونَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الرَّاكِبُ، وَالْمُضْطَجِعُ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ قَالَ: مَا أَجْوَدُ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاقَهُ قَالَ مَالِكٌ
وَلَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ قَالَ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ.
فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءِ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» فَالْمَعْنَى مَا اسْتَمَعَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَاسْتِمَاعِهِ لِنَبِيِّ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْغِنَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ فَقَالَ: يُجْهَرُ بِهِ قَالَ: مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] أَيْ سَمِعَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ تَلْحِينُ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّحْبِيرُ وَالتَّحْزِينُ.
قَالَ: عِيسَى الْغِفَارِيُّ: «ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَاطَ السَّاعَةِ فَقَالَ: بَيْعُ الْحُكْمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالذِّمَمِ، وَكَثْرَةُ الشُّرَطِ، وَأَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ، وَلَا بِأَفْضَلِهِمْ إلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ غِنَاءً» فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّحْزِينُ قَالَ شُعْبَةُ: نَهَانِي أَيُّوبُ أَنْ أَتَحَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَخَافَةَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْنَا لَحَكَيْتُ تِلْكَ الْقِرَاءَةِ» ، وَقَدْ رَجَعَ، وَإِنْ سَأَلُوا عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ يَعْنِي بِالْقُرْآنِ.
وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَرَى أَحَدًا (مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَغْنَى مِنْهُ، وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا كُلَّهَا، وَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ فَقَدْ عَظَّمَ صَغِيرًا أَوْ صَغَّرَ عَظِيمًا» ، وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ: نِعْمَ كَنْزُ الصُّعْلُوكِ آلُ عِمْرَانَ يَقُومُ بِهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّغَنِّيَ بِمَعْنَى الِاسْتِغْنَاءِ دُونَ الصَّوْتِ قَوْلُ الْأَعْشَى:
وَكُنْت امْرَأً زَمِنًا بِالْعِرَاقِ
…
عَفِيفَ الْمَنَامِ طَوِيلَ التَّغَنِّي