الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَوْتَى، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا فَيَكُونُ غَاصِبًا لِمَا عَدَا مَوْضِعَ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ مِمَّنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا إلَّا قَدْرَ ضَرُورَتِهِ، وَهُوَ مَا يُوَارِيهِ مِنْهَا إذَا مَاتَ. وَأَشَدُّ مَنْعًا مِنْ الْفَسْقِيَّةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى كُلْفَةِ النَّفَقَةِ فِي الْفَسْقِيَّةِ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ أَنْزَلُوهُ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُتَقَدِّمِ لَهُمْ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيُوصِي بِذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكَشْفَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مُوَارَاتِهِ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ حُبِسَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَهُ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ أَوْ السَّبْخَةِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ قَدْ فَنِيَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَنْ مِثْلَ الْمُعَلَّا بِمَكَّةَ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ وَالْبَقِيعِ بِالْمَدِينَةِ لِشِدَّةِ سَبْخَتِهِ فَيَبْلَى الْمَيِّتُ فِيهِمَا سَرِيعًا حَتَّى إنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا التُّرَابُ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَحْرُثُ الْبَقِيعَ بَعْدَ سِنِينَ وَيَدْفِنُ فِيهِ أَعْنِي قُبُورَ مَنْ تَحَقَّقَ خُلُوُّ الْقَبْرِ مِنْهُمْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا بَعْضُهُمْ، وَهِيَ جَعْلُ الرُّخَامِ عَلَى الْقُبُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَفَخْرٌ وَخُيَلَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا حَوَالَيْهِ. وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ أَلْوَاحًا مِنْ خَشَبٍ عِوَضًا عَنْ الرُّخَامِ. وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ دَرَابْزِينَ إذْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ صِفَةُ الْقَبْرِ عَلَى السُّنَّةِ، فَكُلُّ مَا خَالَفَهَا فَهُوَ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَفَخْرٌ وَخُيَلَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ.
[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ فِي الْحَجَرِ الْمُعَلَّمِ بِهِ قَبْرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ النَّقْشُ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي اعْتَادُوهُ عَلَى الْقَبْرِ مَعَ كَوْنِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ مَمْنُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ فِي بَلَاطَةٍ مَنْقُوشَةٍ أَوْ فِي لَوْحٍ مِنْ خَشَبٍ. وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى عَمُودٍ كَانَ رُخَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالرُّخَامُ أَشَدُّ كَرَاهَةً. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمُودُ مِنْ خَشَبٍ فَيُمْنَعُ أَيْضًا. ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى الْبِدْعَةِ كَيْفَ تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمِ
أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا أَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةَ النَّقْشِ، وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَاحْتَوَتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى اسْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ حُرْمَةٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ ثُمَّ تَنْدَثِرُ تِلْكَ التُّرْبَةُ وَيَنْدَثِرُ أَهْلُهَا وَمَعَارِفُهَا فَيَقَعُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ إنْ سَلِمَ مِنْ السَّرِقَةِ، وَقَدْ يَبِيعُهُ السَّارِقُ لِمَنْ يَجْعَلُهُ فِي مَوَاضِعَ لَا تَلِيقُ بِهِ مِثْلُ عَتَبَةِ بَابٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ مِرْحَاضٍ وَيَجْعَلُ نَاحِيَةَ الْكِتَابَةِ إلَى الْأَرْضِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَلَا يَشْعُرُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ لِنَصْرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ فَذَلِكَ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ امْتِهَانَ مَا تُعَظِّمُهُ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ، وَإِنْ سَلِمَ مِنْ السَّرِقَةِ فَيَبْقَى مَوْطُوءًا بِالْأَقْدَامِ مُمْتَهَنًا حَتَّى كَأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ. وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ عَمُودٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَشْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رُخَامٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخُيَلَاءِ وَالسَّرَفِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَمَا بَالُك بِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ. وَفِيهِ مِنْ الْقُبْحِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يُرِيدُ الظُّهُورَ وَبَقَاءَ اسْمِهِ وَأَثَرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ وَصَّى بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ يُحِبُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَعَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَبِدْعَةُ ذَلِكَ مُخْتَصَّةٌ بِفَاعِلِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ. وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَآثِرِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُوشًا عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ فِي وَرَقَةٍ مَلْصُوقَةٍ هُنَاكَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا فَمَا بَالُك بِالشَّمَعِ الْغَلِيظِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَيْسَتْ بِهِ حَاجَةٌ لِلْوَقُودِ لَوْ كَانَ سَائِغًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ. وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَعْلِيقِ قِنْدِيلٍ عَلَى قَبْرِ مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ، وَالنَّاسُ يَعْتَقِدُونَهُ لِيَأْتِيَ النَّاسُ إلَى مَكَانِ الضَّوْءِ فَيَزُورُونَهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَاجِبَ مِثْلُ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْتَكِبَ مُحَرَّمًا كَإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَمَا يُشْبِهُهُ، فَإِنَّ الْفَرْضَ سَاقِطٌ عَنْهُ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْفَرْضِ فَمَا بَالُك بِهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَزِيَارَةُ
الْقُبُورِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَيْفَ تُفْعَلُ مَعَ وُجُودِ مَفَاسِدَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِاللَّيْلِ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَفَرَّقُوا فِي الْأَقَالِيمِ وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِيهَا فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نُقِشَ عَلَى قَبْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا عُلِّقَ عَلَيْهِ قِنْدِيلٌ وَلَا عُمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَيَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ، وَهُمْ الْقُدْوَةُ وَنَحْنُ الْأَتْبَاعُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ لَبَادَرَتْ الْأُمَّةُ إلَى فِعْلِهِ وَلَاشْتُهِرَ الْحُكْمُ فِيهِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَخِّرِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَيْضًا فَفِي النَّقْشِ عَلَى الْقَبْرِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُرِيدُونَ الشُّهْرَةَ لِقُبُورِ أَوْلِيَائِهِمْ فَيَنْقُشُونَ عَلَيْهَا اسْمَ مَنْ مَضَى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِكَيْ يَهْرَعَ النَّاسُ إلَى زِيَارَتِهِمْ، وَهَذَا النَّوْعُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ بِدِينِهِمْ وَالْفَسَقَةِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ. وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ عَلَى الْقَبْرِ سَقْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَيَجْعَلُونَ هُنَاكَ تَصَاوِيرَ، وَهَذَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالسَّقْفِ الَّذِي فِيهِ الذَّهَبُ هَلْ يَجُوزُ لِلْأَحْيَاءِ أَنْ يَدْخُلُوا تَحْتَهُ أَمْ لَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ الْمَوْتَى إذْ إنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى إظْهَارِ الْفَقْرِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالِاضْطِرَارِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَحْيَاءِ، وَفِي فِعْلِ السَّقْفِ الْمُذْهَبِ مِنْ ظُهُورِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ الْمَوْتَى لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الصُّوَرُ فَهِيَ نَقِيضُ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَحْضُرُ مَوْضِعًا فِيهِ صُورَةٌ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَطْلُبُونَ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ مَيِّتِهِمْ رَجَاءَ بَرَكَتِهِمْ لِيُغْفَرَ لَهُ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الْحُضُورِ حَصَلَ ضِدُّ الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إذَا عُمِلَتْ فِي شَيْءٍ كَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ فِيهِ وَقَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ بِضِدِّ مَا هِيَ السُّنَّةُ، فَإِنَّهَا إذَا اُمْتُثِلَتْ