الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَامَ سُوءُ الْأَدَبِ، وَالْمَكْرُ، وَالْخَدِيعَةُ مَقَامَ الْعُقُولِ، وَقَامَتْ الْمُدَاهَنَةُ مَقَامَ الْمُدَارَاةِ، وَقَامَ الْغِشُّ مَقَامَ النُّصْحِ، وَقَامَ الْكَذِبُ مَقَامَ الصِّدْقِ، وَقَامَ الرِّيَاءُ مَقَامَ الْإِخْلَاصِ، وَقَامَ الشَّكُّ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَقَامَتْ التُّهْمَةُ مَقَامَ الثِّقَةِ، وَقَامَ الْأَمْنُ مَقَامَ الْخَوْفِ، وَقَامَ الْجَزَعُ مَقَامَ الصَّبْرِ، وَقَامَ السُّخْطُ مَقَامَ الرِّضَا، وَقَامَ الْجَهْلُ مَقَامَ الْعِلْمِ، وَقَامَتْ الْخِيَانَةُ مَقَامَ الْأَمَانَةِ فَصَارَ مِنْ قِلَّةِ الْأَكْيَاسِ لَا تُعْرَفُ الْحَمْقَى، وَمِنْ قِلَّةِ أَهْلِ الصِّدْقِ لَا يُعْرَفُ أَهْلُ الْكَذِبِ إلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبَصِيرَةِ فَاعْتَدَلَ النَّاسُ فِي قُبْحِ السَّرِيرَةِ، وَقِلَّةِ الِاسْتِقَامَةِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ النَّقْصِ الَّذِي نَكْرَهُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَحِيلَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ أَنْ نَدْخُلَ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي نُحِبُّهَا لِأَنْفُسِنَا عُقُوبَةً لِقُبْحِ أَسْرَارِنَا فَجَرَيْنَا فِي مَيْدَانِ الْجَهْلِ، وَغَلَبَ عَلَيْنَا سُكْرُ حُبِّ الدُّنْيَا فَنَحْنُ نَسْتَبِقُ فِي هَذَيْنِ السَّبِيلَيْنِ، وَنَتَنَافَسُ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُمَا فَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ مِنْ الْجَهْلِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِاغْتِرَارِ بِهِ الْقِيَامَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْهَا أَيْسَرُ، وَأَقْرَبُ رُشْدًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فِيهِ مَعَ التَّخَلُّصِ إلَى خُمُولِ الذِّكْرِ أَيْنَمَا كَانَ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَقِلَّةِ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّاسِ، وَالِاعْتِصَامِ بِاَللَّهِ، وَالْعَضِّ عَلَى الْكِسَرِ الْيَابِسَةِ، وَمَا دَنُؤَ مِنْ اللِّبَاسِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا، وَالتَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ، وَانْتِظَارِ الْفَرْجِ، وَاعْلَمْ أَنِّي قَدْ نَظَرْتُ بِبَحْثِ النَّفْسِ، وَالْعِنَايَةِ بِهَا فَوَجَدْتُ غَفْلَتَنَا عَظِيمَةً، وَخَطَرَنَا عَظِيمًا، وَالْغَفْلَةُ عَنْ الْخَطَرِ أَعْظَمُ مِنْ الْخَطَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْظُمُ الْخَطَرُ عِنْدَ أُولِي الْعُقُولِ فَكُلَّمَا عَظُمَ الْخَطَرُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ عَظِيمٌ، وَكُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ حَرَّكَك عَظِيمُ الْخَطَرِ فَانْتَقَلْتَ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ إلَى حَالِ التَّيَقُّظِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]
وَقَالَ: رحمه الله يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تَأْذَنَ لِقَلْبِك فِي اسْتِصْحَابِ مَا يَعْسُرُ عَلَيْك
طَلَبُهُ، وَتَخَافَ إطْفَاءَ نُورِ الْقَلْبِ مِنْ أَجْلِهِ، وَكُنْ فِي تَأْلِيفِ مَا بَيْنَك، وَبَيْنَ اللَّهِ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ، وَاقْطَعْ أَسْبَابَ الطَّمَعِ فَيَسْتَرِيحَ قَلْبُكَ، وَيَصِيرَ إلَى عِزِّ الْإِيَاسِ، وَإِمَاتَةِ الطَّمَعِ فَيُسَدُّ عَلَيْك سَبِيلَ الْفَقْرِ، وَيَسْكُنُ قَلْبُكَ عَنْ الْعَنَاءِ، وَيَسْقُطُ عَنْك بِذَلِكَ الشُّغْلُ بِالْمَخْلُوقِينَ، وَاسْتَجْلِبْ حَلَاوَةَ الزَّهَادَةِ بِقَصْرِ الْأَمَلِ، وَقَطْعِهِ، وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَاعِ الْقَلْبِ عَلَى عَدَمِ الشُّغْلِ بِرُؤْيَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ بِدَوَامِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَحُسْنِ الْأَدَبِ التَّارِكِينَ لِفُضُولِ الْكَلَامِ فَإِنَّ بِمُجَالَسَةِ هَؤُلَاءِ يَصْفُو الْقَلْبُ، وَيَرِقُّ، وَيَقْدَحُ فِيهِ النُّورُ، وَتَجْرِي فِيهِ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ، وَافْتَحْ بَابَ دَوَاعِي الْحُزْنِ إلَى قَلْبِكَ، وَاسْتَفْتِحْ بَابَهُ بِطُولِ الْفِكْرِ، وَاسْتَجْلِبْ الْفِكْرَ بِالتَّوَحُّشِ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّ أَبْوَابَهَا فِي مَوَاطِنِ الْخَلَوَاتِ، وَتَحَرَّزْ مِنْ إبْلِيسَ بِالْخَوْفِ الصَّادِقِ، وَاسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ بِمُخَالَفَةِ هَوَاك، وَإِيَّاكَ، وَالرَّجَاءَ الْكَاذِبَ فَإِنَّ التَّوَسُّعَ فِيهِ يُنْزِلُك بِمَحَلَّةِ الْمُصِرِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمَكْرِ، وَالِاسْتِدْرَاجِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلرَّجَاءِ طُرُقًا تُؤَدِّي إلَى الْأَمْنِ، وَالْغَفْلَةِ فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَّخِذَهُ مَطِيَّةً لِسَفَرِك، وَتَخَلَّصْ يَا أَخِي إلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ الرِّزْقِ مَعَ كَثِيرِ الرِّضَا بِذَلِكَ، وَاسْتَقْلِلْ كَثِيرَ الطَّاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ النِّعَمَ بِعَظِيمِ الشُّكْرِ، وَاسْتَدْمِ عَظِيمَ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ، وَاطْلُبْ لِنَفْسِك الْعِزَّ بِإِمَاتَةِ الطَّمَعِ، وَادْفَعْ ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ الْإِيَاسِ، وَاسْتَجْلِبْ عِزَّ الْإِيَاسِ بِبُعْدِ الْهِمَّةِ، وَاسْتَعِنْ عَلَى بُعْدِ الْهِمَّةِ بِقَصْرِ الْأَمَلِ، وَبَادِرْهُ بِانْتِهَازِ النِّعْمَةِ عِنْدَ إمْكَانِ الْفُرْصَةِ خَوْفَ فَوَاتِ الْإِمْكَانِ، وَلَا إمْكَانَ كَالْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الْأَبْدَانِ، وَاحْذَرْ التَّسْوِيفَ فَإِنَّ دُونَهُ مَا يَقْطَعُ بِك عَنْ بُغْيَتِك، وَإِيَّاكَ يَا أَخِي، وَالتَّفْرِيطَ عِنْدَ إمْكَانِ الْفُرْصَةِ فَإِنَّهُ مَيْدَانٌ يَجْرِي بِأَهْلِهِ بِالْخُسْرَانِ، وَإِيَّاكَ، وَالثِّقَةَ بِغَيْرِ الْمَأْمُونِ فَإِنَّ لِلشَّرِّ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الذِّئَابِ، وَلَا سَلَامَةَ كَسَلَامَةِ الْقَلْبِ، وَلَا عَمَلَ كَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَلَا مُصِيبَةَ كَمُصِيبَةِ الْعَقْلِ، وَلَا عَدَمَ كَقِلَّةِ الْيَقِينِ، وَلَا جِهَادَ كَجِهَادِ النَّفْسِ، وَلَا غَلَبَةَ كَغَلَبَةِ الْهَوَى، وَلَا قُوَّةَ كَرَدِّك الْغَضَبَ، وَلَا مَعْصِيَةَ كَحُبِّ النِّفَاقِ وَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّ