المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل مراتب الإخوان] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل مراتب الإخوان]

[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

فَصْلٌ) : قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّقَلِّيُّ رحمه الله: الْإِخْوَانُ أَرْبَعَةٌ: أَخٌ كَالدَّوَاءِ، وَأَخٌ كَالْغِذَاءِ، وَأَخٌ كَالدَّاءِ، وَأَخٌ كَالدِّفْلَى. فَالْأَوَّلُ مَعْدُومٌ، وَالثَّانِي مَفْقُودٌ، وَالثَّالِثُ مَوْجُودٌ، وَالرَّابِعُ مَشْهُودٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ كَالدَّوَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَهَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِتَرْبِيَةِ الْمُرِيدِينَ، وَكَالصُّلَحَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ فَهُمْ قُدْوَةٌ لِلْمُقْتَدِينَ، وَمُجَالَسَتُهُمْ تَشْفِي الْأَسْقَامَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَدْ كَانَ الْمُرِيدُونَ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ يَدْخُلُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ عَجْزٌ أَوْ كَسَلٌ خَرَجُوا إلَى مَجْلِسِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ فَتَنْتَعِشُ قُوَاهُمْ بِسَمَاعِ كَلَامِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ، وَيَمُدُّهُمْ بِهِمَّتِهِ فَيَتَغَذَّوْنَ بِذَلِكَ، وَيَرْجِعُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ أَنْشَطَ مَا كَانُوا أَوَّلًا فَهُمْ دَوَاءٌ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَأَنْتَ تَرَى تَعَذُّرَ هَذَا الزَّمَانِ غَالِبًا مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.

وَأَمَّا الَّذِي هُوَ كَالْغِذَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَخِ فِي اللَّهِ تَعَالَى الْمُشْفِقِ الْوَدُودِ الْحَنُونِ الَّذِي يُؤْلِمُهُ مَا يُؤْلِمُك، وَيَسُرُّهُ مَا يَسُرُّك، وَيُجَوِّعُ نَفْسَهُ لِجُوعِك، وَيَتَعَرَّى لِعُرْيِك، وَيُكَابِدُ مَا نَزَلَ بِك أَكْثَرَ مِنْ مُكَابَدَةِ مَا نَزَلَ بِهِ، وَأَنْتَ تَرَى فَقْدَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكِنَّ بَيْنَ الْفَقْدِ وَالْعَدَمِ فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ، وَالْمَفْقُودَ قَدْ يُوجَدُ فِي مَوْضِعٍ مَا.

سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ: مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا:

فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ أَخُوك عِنْدَك مِثْلَ أَبِيك، وَهُوَ أَعْلَاهُمْ.

وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَخِيك الشَّقِيقِ، وَهُوَ أَوْسَطُهُمْ.

وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ عِنْدَك مِثْلَ عَبْدِك، وَهُوَ أَقَلُّ الْإِخْوَانِ مَرْتَبَةً فَإِنْ عَجَزْت عَنْ ذَلِكَ فَلَا أُخُوَّةَ إذْ ذَاكَ أَعْنِي الْأُخُوَّةَ الْخَاصَّةَ بِالْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ.

فَأَمَّا الْأَخُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَك مِثْلَ أَبِيك فَهُوَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ شَيْخِهِ إذْ إنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ حَدِيثٌ فِي شَيْءٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَحَالُ الْمُرِيدِ مَعَ شَيْخِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى إذْ إنَّ الْمُرِيدَ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ، وَلَا اخْتِيَارٌ فِي كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ إلَّا بِرِضَا شَيْخِهِ وَإِذْنِهِ، وَأَمَّا الَّذِي عِنْدَك كَأَخِيك الشَّقِيقِ فَهُوَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ إخْوَانِهِ، وَهُوَ أَقَلُّ رُتْبَةً مِنْ الْأَوَّلِ

ص: 167

لِأَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يُقَاسِمُ أَخَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ أَخَذَ الْأَخُ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَخَذَ الْأَخُ مِثْلَهُ فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ إخْوَانِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَسَا أَخَاهُ مِثْلَهُ، وَإِنْ أَكَلَ طَعَامًا أَطْعَمَ أَخَاهُ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ فِي الْأُخُوَّةِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَك مِثْلَ عَبْدِك أَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَيْك أَنْ تَقُومَ بِضَرُورَتِهِ مِنْ غِذَائِهِ، وَكِسْوَتِهِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فِي صَلَاحِ دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ، وَكَذَلِكَ الْمُرِيدُ مَعَ أَخِيهِ إذْ إنَّهُ لَا يَشْبَعُ الْمُكَلَّفُ، وَعَبْدُهُ جَائِعٌ، وَلَا يَلْبَسُ، وَعَبْدُهُ عُرْيَانٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ:«رَأَيْت أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي سَابَبْت رَجُلًا فَشَكَانِي إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَعَيَّرْته بِأُمِّهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ إخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ فَيَنْبَغِي أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْأُخُوَّةَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا إذْ إنَّهُ قَدْ يَشْبَعُ، وَأَخُوهُ جَائِعٌ، وَقَدْ يَلْبَسُ، وَأَخُوهُ عُرْيَانٌ فَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ حَقًّا لَهُ لِمَنْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَتَتَعَمَّرُ الذِّمَّةُ بِالْحُقُوقِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِذَا أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ طَلَبُوا مِنْهُ الْأُخُوَّةَ فَإِنْ أَجَابَهُمْ لِمَا طَلَبُوهُ، وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ بَعْدَ الْأُخُوَّةِ مَعَهُ، وَلَا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ غَالِبًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ حَالُهُ أَبَاتَ جَائِعًا أَمْ لَا أَوْ هُوَ عُرْيَانٌ أَمْ لَا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَفَقَّدُهُ لَكِنْ بِالرُّؤْيَةِ وَالسُّؤَالِ لَيْسَ إلَّا دُونَ إعَانَةٍ وَمُشَارَكَةٍ فَشَغَلُوا ذِمَّتَهُمْ بِشَيْءٍ كَانُوا فِي غِنًى عَنْ تَرَتُّبِهِ فِيهَا.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَكِسْوَتِهِ أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِبَيْعِهِ فَالْبَيْعُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُقَابِلُهُ فِي حَقِّ الْأَخِ فَإِنَّك إذَا عَجَزْت عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ نَزَّلْت

ص: 168

أَخَاك مَنْزِلَةَ بَيْعِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ. يَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَنْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَانَ الْأَنْصَارِيُّ يَقُولُ لِأَخِيهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ: عِنْدِي مِنْ الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ نِصْفُهُ وَلِي نِصْفُهُ، وَلِي مِنْ الزَّوْجَاتِ كَذَا وَكَذَا فَاخْتَرْ مِنْهُنَّ مَا تُرِيدُ أَنْزِلْ لَك عَنْهُ، وَكَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَسْأَلُ عَنْ السُّوقِ، وَعَنْ الْحِيطَانِ يَعْمَلُ فِيهَا فَهَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَاءَ لِزِيَارَةِ أَخِيهِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إلَّا لِلْمُخَالَفَةِ فَتَأَوَّهَ، وَقَالَ: أَخِي يَقَعُ، وَأَنَا بِالْحَيَاةِ فَرَجَعَ إلَى بَيْتِهِ، وَدَخَلَ خَلْوَتَهُ، وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بِأَخِيهِ فَجَاءَ أَخُوهُ إلَى بَيْتِهِ فَأُخْبِرَ بِمَجِيئِهِ إلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ عَنْ حَالِهِ فَجَاءَ مُسْتَغْفِرًا تَائِبًا إلَى بَيْتِهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ دَخَلَ الْخَلْوَةَ فَقَالَ: أَخْبِرُوهُ بِأَنِّي قَدْ تُبْت إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجَعْت إلَيْهِ فَمَا خَرَجَ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَ قَضَاءُ حَاجَتِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُؤَاخَاةُ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فَإِنْ رَأَيْت أَخَاك قَدْ غَرِقَ فَتَأْخُذُ بِيَدِهِ، وَتُنْجِيهِ مِنْ الْمَهَالِكِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَك قُدْرَةٌ فَلَا تَدَّعِيهَا إذْ إنَّ مَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهِ فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الِامْتِحَانِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ - مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ لِلْإِمَامِ الشَّيْخِ الصَّقَلِّيِّ رحمه الله، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَالثَّالِثُ - مَوْجُودٌ فَلَا شَكَّ أَنَّك إذَا خَالَطْت كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ عَاشَرْتهمْ بِمُلَابَسَةِ مَا تَجِدُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْأَذِيَّةَ الْبَالِغَةَ إمَّا فِي دِينِك أَوْ دُنْيَاك أَوْ عِرْضِك، وَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنْ أَنْتَ خَالَطْته، وَجَدْت مَا ذَكَرَهُ رحمه الله، وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ - الَّذِي قَالَ: عَنْهُ إنَّهُ مَشْهُودٌ فَلَا شَكَّ فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ.

أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا تَكَلَّمْت مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي صَلَاحِ دِينِهِ فِي شَيْءٍ مَا قَابَلَك بِانْزِعَاجٍ، وَخُلُقٍ سَيِّئٍ، وَأَقَلُّ جَوَابِهِ أَنْ يَقُولَ لَك: مَا حَقَّرْت فِي النَّاسِ إلَّا أَنَا حَتَّى تَأْمُرَنِي، وَتَنْهَانِي أَوْ يَتَسَلَّطُ عَلَيْك بِبَذَاءَةِ لِسَانِهِ، وَيَنْظُرُ لَك عَوْرَاتٍ يُظْهِرُهَا أَوْ حَسَنَاتٍ يُخْفِيهَا أَوْ يَرُدُّهَا سَيِّئَاتٍ، وَهَذَا فِيهِ مِنْ الْمَرَارَةِ بِحَيْثُ الْمُنْتَهَى كَمَا هِيَ الدِّفْلَى إذَا تَنَاوَلْت مِنْهَا شَيْئًا، وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ

ص: 169