المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الالتفات إلى الناس تعب في العاجل وندامة في الآجل] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[الالتفات إلى الناس تعب في العاجل وندامة في الآجل]

دَهْرَهُ فِي تَعَبٍ وَنَصَبٍ وَلَمْ يَبْلُغْ الْغَايَةَ الَّتِي يَسْعَى إلَيْهَا، وَمَنْ تَقَاعَدَ عَنْ الرُّتَبِ الَّتِي يُمْكِنُهُ بُلُوغُهَا عَاشَ مَهِينًا مَلُومًا، وَمَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فَتَنَاوَلَ مِنْهَا مَا كَانَ لَهُ صَالِحًا اسْتَحَقَّ اسْمَ النُّبْلِ وَكَانَ عَيْشُهُ هَنِيئًا وَقَلْبُهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - خَاشِعًا.

وَقَالَ: أَنَا لَا أُصَدِّقُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: مُكَالَمَةُ الْجَاهِلِ سَجْنٌ لِلْعَقْلِ.

وَقَالَ الرَّاحَةُ فِي الدُّنْيَا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: فَقِيرٍ صَالِحٍ، أَوْ غَنِيٍّ عَاقِلٍ، أَوْ أَحْمَق مَبْخُوتٍ.

وَقَالَ: يَا هَذَا إنْ كَانَ الْعَجَبُ مِنْ النَّاسِ مَرَّةً فَالْعَجَبُ مِنْكَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَقَدْ بَانَ لَكَ بِالتَّجْرِبَةِ الْمُسْتَبِينَةِ وَالدَّلَائِلِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ مُكَالَمَةَ النَّاسِ غُنْمُهَا نَدَامَةٌ وَالصَّمْتَ عَنْهُمْ سَلَامَةٌ، ثُمَّ لَا يَصْرِفُكَ ذَلِكَ عَنْ الْهَذَرِ مَعَهُمْ، وَالْخَوْضِ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَكُلُّهُمْ مَقْهُورُونَ لِطِبَاعِ أَنْفُسِهِمْ سَامِعُونَ مِنْ حَالِهِمْ مُبْصِرُونَ بِعُيُونِ رُءُوسِهِمْ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ فَمَا يُصْغِي إلَيْكَ مِنْهُمْ غَالِبًا إلَّا مُتَّهَمٌ، أَوْ مُكَذِّبٌ، أَوْ غَيْرُ مُحَصِّلٍ فَاصْحَبْهُمْ بِصَمْتٍ وَلَا يَكُونُ كَلَامُكَ لَهُمْ إلَّا جَوَابًا بِمَا لَا دَرَكَ فِيهِ عَلَيْكَ فِي دِينٍ، أَوْ دُنْيَا فَإِنْ أَنْتَ صَبَرْتَ عَلَى أَذَاهُمْ كُفِيتَهُمْ وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْتَصِرَ لِنَفْسِكَ فَتُوكَلَ إلَيْهَا، وَسَلِّمْ الْأَمْرَ إلَى مَوْلَاكَ وَافْتَقِرْ إلَيْهِ تَجِدْهُ وَالسَّلَامُ.

[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

وَقَالَ: الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ؛ لِأَنَّ عَامَّتَهُمْ مَا بَيْنَ جَافٍ مُتَعَسِّفٍ، أَوْ بَطِرٍ مُتَكَلِّفٍ فَلَيْسَ التَّأْثِيرُ بِالْأَوَّلِ بِأَسْوَأِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالثَّانِي فَالرَّأْيُ أَنْ يُعَدَّا جَمِيعًا فِي حِزْبِ الْعَدَمِ حَتَّى لَا تَأْثِيرَ لِلِاضْطِرَارِ إلَيْهِمْ وَلَا لِلْجَفَاءِ مَعَ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِمْ، وَاعْتِقَادِ الرَّحْمَةِ وَالصِّلَةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْإِقْبَالُ عَلَى مَا يَعْنِيكَ، وَالصَّبْرُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَإِنَّكَ إذَا وَافَقْتَ الشَّرِيعَةَ وَلَاحَظْتَ الْحَقِيقَةَ لَمْ تُبَالِ بِمَنْ خَالَفَ رَأْيَكَ مِنْ الْخَلِيقَةِ.

وَقَالَ مَنْ تَفَكَّرَ فِيمَنْ سَلَفَ وَنَظَرَ فِي الْمَعَادِ هَانَ عَلَيْهِ جَفَاءُ الْخَلْقِ وَلَمْ يَغْتَرَّ بِلُطْفِهِمْ.

وَقَالَ رحمه الله: الْزَمْ الصَّمْتَ عِنْدَ مُحَاضَرَةِ مَنْ تَكْرَهُهُ وَتَكَلَّمْ مَعَ مَنْ لَكَ فِي كَلَامِهِ فَائِدَةٌ.

وَقَالَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا

ص: 176

يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ خَافَ وَحَزِنَ وَلَمْ يَفْتُرْ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا ضَمِنَ لِعِبَادِهِ أَرْزَاقَهُمْ لَمْ يَشْغَلْهُ طَلَبُ الْمَضْمُونِ عَمَّا كُلِّفَ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا مَنْ انْقَطَعَ إلَيْهِ كَفَاهُ تَوَكَّلَ بِالْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا لَا فَاعِلَ لِلْمَوْجُودَاتِ إلَّا هُوَ اقْتَصَرَ فِي كُلِّ مُرَامٍ إلَيْهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا رَقِيبًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ اسْتَحَى مِنْهُ حَقَّ الْحَيَاءِ.

وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَرَأَى تَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا وَانْزِعَاجِهِمْ عَنْهَا لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْآخِرَةِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَتَخَيَّلَ نَعِيمَهَا وَعَذَابَهَا وَأَيْقَنَ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَيْهَا عَمِلَ لَهَا.

وَقَالَ الْزَمْ الْفَضْلَ وَاتْرُكْ الْفُضُولَ وَاغْتَنِمْ وَقْتَكَ تَفُزْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَبِمُلَازَمَةِ الْفَضْلِ تَنَالُ الشَّرَفَ وَبِتَرْكِ الْفُضُولِ تَنَالُ السَّلَامَةَ وَبِاغْتِنَامِ الْوَقْتِ تَنَالُ الرِّبْحَ وَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَجْمُوعُ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَالَ: لَيْسَ إلَّا عَيْشُ الدُّنْيَا، أَوْ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَلَنْ يَجْتَمِعَا.

فَالْأَوَّلُ مَادَّتُهُ الْأَرْضِيَّاتُ، وَهُوَ عَيْشُ النَّفْسِ.

وَالثَّانِي مَادَّتُهُ الْعُلْوِيَّاتُ، وَهُوَ عَيْشُ الرُّوحِ، وَقَدْ عَلِمْتَ الْمَبْدَأَ، وَالْغَايَةَ فَاخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ وَالسَّلَامُ.

وَقَالَ: يَا هَذَا الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ نَجَاةٌ وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ غَيْرِ اللَّهِ.

وَقَالَ: مَا أَحَقَّكَ بِالنُّوحِ عَلَى نَفْسِكَ. مَا أَوْلَاكَ بِإِلْقَاءِ التُّرَابِ عَلَى رَأْسِكَ. مَا أَغْفَلَكَ عَمَّا حَلَّ بِكَ.

أَنَسِيتَ عَظَائِمَكَ. أَمْ أَمِنْتَ عِقَابَ رَبِّكَ بَادِرْ يَا مِسْكِينُ وَاحْذَرْ سَدَّ الْبَابِ وَقَطْعَ الْأَسْبَابِ.

وَاسْتَنْزِلْ بِكَفِّ الضَّرَاعَةِ رَحْمَةَ مَوْلَاكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ.

وَقَالَ: إذَا سَافَرْت فَالْتَزِمْ فِي الطَّرِيقِ مَعَ أَهْلِ الرُّفْقَةِ الصَّمْتَ وَلَا تَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ إلَّا جَوَابًا يَسِيرًا مِنْ الْقَوْلِ لَفْظَةً أَوْ نَحْوَهَا. فَإِنْ سُئِلْتَ مِنْ أَيْنَ؟ فَقُلْ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ لَكَ مَا شُغْلَكَ؟ فَقُلْ أَبْتَغِي فَضْلَ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ لَكَ مَا اسْمُكَ؟ فَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ.

فَإِنْ تَصَامَمْتَ لَهُمْ فَحَسَنٌ، وَإِذَا دَخَلْتَ بَلَدًا فَلَا تَصْحَبُهُ فِيهِ أَحَدًا صُحْبَةً تُوجِبُ عَلَيْكَ حَقًّا.

وَاحْسِمْ التَّعَارُفَ أَلْبَتَّةَ. وَافْتَقِرْ إلَى اللَّهِ فِي حَوَائِجِكَ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ زَمَانَ صُحْبَةٍ وَلَا مُصَادَقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ زَمَانُ الْوَحْشَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالْفِرَارِ مِنْ النَّاسِ مَبْلَغَ الْوُسْعِ.

وَقَالَ: خُلُقَانِ لَا أَرْضَاهُمَا لِلْفَتَى: بَطَرُ الْغَنِيِّ

ص: 177

وَمَذَلَّةُ الْفَقِيرُ. فَإِذَا غُنِيتَ فَلَا تَكُنْ بَطِرًا. وَإِذَا افْتَقَرْتَ فَتِهْ عَلَى الدَّهْرِ.

وَقَالَ رحمه الله: الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ، وَالْبَلَاءُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّعَبِ، وَالْمَشَقَّاتِ كَفُرْقَةِ الْأَحْبَابِ وَذَهَابِ الْمَالِ وَأَذَى النَّاسِ، وَالْأَسْقَامِ، وَالْجُوعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْقُمَّلِ وَالذُّبَابِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ وَفَقْدِ الْوَطَنِ، وَالْبَرْدِ، وَالْحَرِّ، وَالْعُرْيِ وَالشَّهَوَاتِ: كَشَهْوَةِ الْبَطْنِ، وَالْفَرْجِ إلَى غَيْرِ هَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ يَنْحَصِرُ فَمَا وَقَعَ مِنْهُ فَلَا تُنْكِرْ وُقُوعَهُ فِي مَحِلِّهِ وَلَا تَسْتَغْرِبْهُ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَغْرَبُ فِيهَا الْمَسَرَّاتُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ لَهَا وَلَا تُقَابِلْ شَيْئًا مِنْ الْبَلَاءِ إلَّا بِالصَّبْرِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَيْهَا مَتَى وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ وَالِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فِي زِيَادَةِ الْبَصِيرَةِ، وَالْإِمْدَادِ بِالْمَعْرِفَةِ.

وَقَالَ: مَنْ تَفَكَّرَ فِي أَمْسِهِ وَغَدِهِ غَنِمَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ يَوْمِهِ. وَقَالَ بِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَاللُّجُوءُ إلَيْهِ عُنْوَانُ النَّجَاحِ. وَالْقُرْآنُ حَبْلُ الْعِصْمَةِ. وَالسُّنَّةُ طَرِيقُ السَّلَامَةِ. وَالْفِكْرَةُ مِفْتَاحُ الرُّشْدِ. وَالْهِمَمُ مُثِيرَاتُ الْعَزْمِ وَالتَّبَصُّرُ ثَمَرَةُ الصِّدْقِ وَالظَّفَرُ نَتِيجَةُ الصَّبْرِ. وَالِاسْتِغَاثَةُ دَرَجُ الْوُصُولِ. وَالتَّضَرُّعُ أَمَارَةُ التَّخَلُّصِ. وَالسَّحَرُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ. وَالْإِلْحَاحُ مُقَدِّمَةُ الْمَحَبَّةِ.

وَالتَّوَاضُعُ سُلَّمُ الشَّرَفِ. وَالسَّخَاءُ خُلُقُ الْإِيمَانِ. وَالزُّهْدُ شِعَارُ التَّقْوَى. وَالتَّوَكُّلُ حِرْفَةُ الْمَعْرِفَةِ. وَالتَّفْوِيضُ عَلَمُ السَّعَادَةِ. وَالْخَوْفُ أَثَرُ الْجَدِّ. وَالرَّجَاءُ إفَادَةُ الْجُهْدِ، وَرَحْمَةُ الْخُلُقِ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ. وَاحْتِمَالُ الْأَذَى عَيْنُ الْفُتُوَّةِ، وَالْجَزَاءُ عَلَى الْإِسَاءَةِ بِالْإِحْسَانِ خُلُقُ النُّبُوَّةِ.

وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ بِالْحُضُورِ عَيْشُ الرُّوحِ وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى قَتْلُ النَّفْسِ. وَذِكْرُ اللَّهِ رَأْسُ مَالِ الْعَابِدِينَ.

مَنْ تَرَكَ الشَّهَوَاتِ قَرَعَ الْبَابَ، وَمَنْ تَرَكَ الْحُظُوظَ رَفَعَ الْحِجَابَ. قِيَامُ اللَّيْلِ بُسْتَانُ الْعَارِفِينَ. الْأَحْوَالُ مَبْلَغُ الْقَوْمِ. مَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى الْكِلَابِ فَهُوَ أَحَدُ الْفَرَاعِنَةِ السَّلْوُ عَنْ الْمَتْرُوكِ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَطْلُوبِ. مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَهِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَهْوَنُ، وَمَنْ صَحِبَ التَّسْوِيفَ أَدَّاهُ إلَى الْفَوْتِ. وَمَنْ فَاتَهُ مَوْلَاهُ غَرِقَ فِي بَحْرِ الْيَأْسِ، الدُّنْيَا سَلَامَتُهَا غَرَرٌ. وَلَذَّاتُهَا قَذَرٌ.

قَالَ الشَّاعِرُ

ص: 178