الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَجَلَسَ، وَإِذَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَدْ جَاءَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِمَ لَمْ تَبْتَدِئْ أَبَا بَكْرٍ الْيَوْمَ بِالسَّلَامِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِمُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ فَقُلْت لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقِيلَ: لِمَنْ يَبْتَدِئُ أَخَاهُ بِالسَّلَامِ فَأَرَدْت أَنْ أُوثِرَ الْيَوْمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى نَفْسِي» أَوْ كَمَا قَالَ.
، وَهَذَا أَعْظَمُ فِي الْإِكْرَامِ، وَأَبَرُّ فِي الِاحْتِرَامِ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ اسْتِطَاعَةٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِيثَارِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لَكِنْ يُخَافُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُنَفِّرَ النَّاسَ غَالِبًا عَنْ بَابِ رَبِّهِمْ، وَيُوقِعَهُمْ فِيمَا لَا يَنْبَغِي فَارْتِكَابُ الطَّرِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مَعَ مَنْ لَهُ رُسُوخٌ فِي السُّلُوكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَصْفُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]
(فَصْلٌ) اعْلَمْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ لِقَبُولِ الدُّعَاءِ مَوَاضِعَ عَدِيدَةً يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا لِيَعْرِفَ الْمُكَلَّفُ أَمَاكِنَهَا فَيَتَعَرَّضَ لَهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللَّهِ» فَمِنْ جُمْلَةِ النَّفَحَاتِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ.
وَالثَّانِي الْمُضْطَرُّ، وَهُوَ الْأَصْلُ لِعُمُومِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] ، وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ دُونَ الِاتِّصَافِ بِصِفَةٍ دُونَ أُخْرَى، وَكَثِيرٌ مَنْ يَقَعُ لَهُ الْغَلَطُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَيَرَى أَنَّهُ مُضْطَرٌّ فَيَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيَقَعُ لَهُ الْجَوَابُ بِلِسَانِ الْحَالِ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] إذْ إنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مَا رُدَّ، وَمَا خُيِّبَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي الْحُسْنِ مَا كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ مِثْلُهُ مِثْلُ مَنْ رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى رِيحٍ يَمْشِي بِهَا، وَإِلَى بَحْرٍ هَادٍ قَلِيلِ الْآفَاتِ لَكِنَّهُمْ مُطْمَئِنُّونَ بِسَفِينَتِهِمْ رَاكِنُونَ إلَيْهَا، وَفِي هَذَا السُّكُونِ مِنْ عَدَمِ الِاضْطِرَارِ مَا فِيهِ فَلَوْ جَاءَ الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَتَحَرَّكَ عَلَيْهِمْ هَوْلُ الْبَحْرِ لَكَانَ اضْطِرَارُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُمْ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالسَّفِينَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ السَّلَامَةِ غَالِبًا فَلَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ مَثَلًا، وَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ جَمَاعَةٍ عَلَى لَوْحٍ
لَاشْتَدَّ اضْطِرَارُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِي - لَكِنَّهُمْ يَرْجُونَ السَّلَامَةَ لِمَا تَحْتَهُمْ مِنْ الْأَلْوَاحِ، وَذَلِكَ قَدْحٌ فِي حَقِيقَةِ اضْطِرَارِهِمْ فَلَوْ ذَهَبَتْ الْأَلْوَاحُ، وَبَقُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ لَا بَرٌّ يُرَى، وَلَا جِهَةٌ تُقْصَدُ، وَلَا لَوْحٌ يُرَامُ أَنْ يُصْعَدَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ حَقِيقَةُ الِاضْطِرَارِ أَوْ كَمَا قَالَ.
فَمَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَهُوَ فِي حَالَةِ الِاتِّسَاعِ مِنْ أَمْرِهِ كَانَ مُضْطَرًّا حَقِيقَةً فَلَا يَشُكُّ، وَلَا يَرْتَابُ فِي إجَابَتِهِ، وَمَا وَقَعَ الْغَلَطُ إلَّا فِي صِفَةِ التَّحْصِيلِ لِهَذِهِ الصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ الثَّالِثُ - مِنْ مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ.
الرَّابِعُ - عِنْدَ الْآذَانِ.
الْخَامِسُ: عِنْدَ اصْطِفَافِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ.
السَّادِسَةُ - عِنْدَ اصْطِفَافِهِمْ لِلْجِهَادِ.
السَّابِعُ - الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
الثَّامِنُ - الدُّعَاءُ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ حُضُورٌ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ الدَّاعِي.
التَّاسِعُ - الدُّعَاءُ مِنْ الصَّائِمِ عِنْدَ إفْطَارِهِ.
الْعَاشِرُ - الدُّعَاءُ مِنْ الْمُسَافِرِ عِنْدَ سَفَرِهِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ - وَهُوَ آكَدُهَا السَّاعَةُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.
الثَّانِيَ عَشَرَ - يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ
الثَّالِثَ عَشَرَ - لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ، وَخِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ
الرَّابِعَ عَشَرَ - الدُّعَاءُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ لِوَلَدِهِمَا.
الْخَامِسَ عَشَرَ - الدُّعَاءُ عِنْدَ حُدُوثِ الْخُشُوعِ، وَاقْشِعْرَارِ الْجِلْدِ، وَالْخَوْفِ، وَالْقَلِقِ، وَغَلَبَةِ الرَّجَاءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا مَحَلٌّ لِلْإِجَابَةِ.
السَّادِسَ عَشَرَ - وَهُوَ أَعْظَمُهَا، وَأَوْلَاهَا الدُّعَاءُ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَعْيِينِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الِاتِّصَافِ بِحَالَةِ الِاضْطِرَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وَ {الم} [آل عمران: 1]{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: آخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَثِيرٌ.
السَّابِعَ عَشَرَ - يَوْمُ عَرَفَةَ.
الثَّامِنَ عَشَرَ - شَهْرُ رَمَضَانَ.
التَّاسِعَ عَشَرَ -
فِي السُّجُودِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالدُّعَاءُ لَهُ أَرْكَانٌ، وَأَجْنِحَةٌ، وَأَسْبَابٌ، وَأَوْقَاتٌ فَإِنْ صَادَفَ أَرْكَانَهُ قَوِيَ، وَإِنْ صَادَفَ أَجْنِحَتَهُ طَارَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ صَادَفَ أَسْبَابَهُ نَجَحَ، وَإِنْ صَادَفَ أَوْقَاتَهُ فَازَ فَمِنْ أَرْكَانِهِ الِاضْطِرَارُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَجْنِحَتُهُ قُوَّةُ الصِّدْقِ مَعَ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى فِيمَا يَرْجُوهُ، وَيُؤَمِّلُهُ مِنْهُ وَيَخَافُهُ، وَأَسْبَابُهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَوْقَاتُهُ الْأَسْحَارُ.
وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هُوَ عَلَى جَادَّةِ التَّكْلِيفِ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي مَقَامِ الرِّضَى أَوْ مَا يُقَارِبُهُ فَقَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ فِي حَقِّهِ ذَنْبًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ.
كَمَا قَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ تَجَاسَرْت الْبَارِحَةَ، وَسَأَلْت رَبِّي الْمُعَافَاةَ مِنْ النَّارِ، وَكَمَا حَكَى الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ رحمه الله عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ الْمَقَامَاتِ نِلْت مِنْهَا شَيْئًا إلَّا هَذَا الرِّضَا فَإِنِّي مَا نِلْت مِنْهُ إلَّا مِقْدَارَ سَمِّ الْخِيَاطِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ أَهْلَ جَهَنَّمَ أَجْمَعِينَ، وَأَدْخَلَهُ جَهَنَّمَ، وَمَلَأَهَا بِجَسَدِهِ، وَعَذَّبَهُ بِعَذَابِهِمْ أَجْمَعِينَ لَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا جَرَى لِلْكَلِيمِ عليه الصلاة والسلام مَعَ الْعَابِد، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَمْرُ رَاجِعٌ إلَى حَالِ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الرِّضَا فِي حَقِّهِ أَوْلَى، وَأَفْضَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهِ، وَمَا اخْتَصَّ بِهِ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ آخَرَ الدُّعَاءُ، وَالتَّمَلُّقُ، وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ، وَالِاضْطِرَارُ، وَالْحَاجَةُ أَوْلَى، وَأَفْضَلَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَعَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ مِنْ أَقْسَامِ الزَّائِرِ وَالْمَزُورِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ - الِاشْتِرَاكُ فِي الرَّضَاعَةِ فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ، وَمَجَالِسِ الشُّيُوخِ فَمَنْ جَاءَهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ مِنْ الْخَاصَّةِ بِهِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَرْضًا فَلْيَفْعَلْ إذْ إنَّ احْتِرَامَهُمْ احْتِرَامٌ لِشَيْخِهِ الَّذِي أَخَذَ عَنْهُ. وَآدَابُ الْمُرِيدِ مَعَ شَيْخِهِ لَا تَنْحَصِرُ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى قَانُونٍ، وَلَا يَقْدِرُ الْمُرِيدُ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِ فِي الْغَالِبِ إذْ إنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِ الشَّيْخِ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي بِحَارِ الذُّنُوبِ، وَالْغَفَلَاتِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَهُوَ أَمْرٌ