الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْأُجْرَةِ وَهُمْ عَامَّةُ النَّاسِ.
[آدَاب المغسل]
وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ أَنْ يَغْتَسِلَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُسْلِ بَالَغَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَنْظِيفِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَغْتَسِلُونَ فَيَدَعُونَ ذَلِكَ تَحَفُّظًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا تَحَفَّظُوا فَقَدْ يَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَيْءٍ مِنْ تَنْظِيفِ الْمَيِّتِ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ مَا اعْتَادَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ يَأْخُذُهُ الْغَاسِلُ الَّذِي يُغَسِّلُهُ فَهَذِهِ بِدْعَةٌ جَرَّتْ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ إذَا عَلِمُوا بِأَنَّ الْغَاسِلَ يَأْخُذُ مَا عَلَى مَيِّتِهِمْ لَمْ يَتْرُكُوا عَلَيْهِ شَيْئًا إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ يُتْرَكُ بَعْضُهُمْ مَوْصُوفَ الْعَوْرَةِ.
وَقَدْ مَاتَ بَعْضُ الْمُبَارَكِينَ مِنْ الْمَعَارِفِ فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ يُغْسَلُ وَعَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةٌ مِنْ عِمَامَةٍ شَمَخْتَانِيَّةٍ مَلْبُوسَةٍ وَقَدْ ابْتَلَّتْ بِالْمَاءِ فَبَقِيَتْ الْعَوْرَةُ مَوْصُوفَةً فَأَنْكَرْت عَلَيْهِمْ وَأَمَرْتُهُمْ بِسَتْرِهِ فَقَالَ الْغَاسِلُ: هَذَا الَّذِي وَجَدْنَاهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ فَأَخَذْت فُوطَةً جَدِيدَةً كَانَتْ عَلَيَّ إذْ ذَاكَ وَدَفَعْتهَا لَهُمْ لِيَسْتُرُوهُ بِهَا فَلَمَّا رَأَى أَخُو الْمَيِّتِ ذَلِكَ أَسْرَعَ فَجَاءَ بِفُوطَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ جِيَادٍ فَسَتَرُوهُ بِإِحْدَاهُمَا وَعَمِلُوا الْأُخْرَى مِنْ فَوْقِهَا كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلُ، فَانْظُرْ إلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ كَيْفَ تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي، بَلْ يَتَعَيَّنُ تَعْيِينُ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ وَأَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا يَجِدُهُ عَلَى الْمَيِّتِ كَائِنًا مَا كَانَ فَتَنْسَدُّ هَذِهِ الثُّلْمَةُ الَّتِي وَقَعَ بِسَبَبِهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَنْعُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِحَلْقِ الْعَانَةِ، وَالنَّجَاسَةُ إذَا كَانَتْ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا إلَّا بِمُبَاشَرَتِهَا بِالْيَدِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يُمْنَعَ هَذَا.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا أَكْثَرُهُمْ وَهِيَ أَنَّهُمْ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ نَادَوْا عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَمَّا اُحْتُضِرَ: إذْ أَنَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ، فَإِذَا مِتُّ فَصَلُّوا عَلَيَّ وَسُلُّونِي إلَى رَبِّي سَلًّا» .
لَكِنْ قَدْ تَسَامَحَ
عُلَمَاؤُنَا رضي الله عنهم فِي الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ بِأَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولَ: أَخُوكُمْ فُلَانٌ قَدْ مَاتَ بِصَوْتٍ يَجْهَرُ بِهِ عَلَى سُنَّةِ الْجَهْرِ لَا عَلَى مَا يُعْهَدُ مِنْ زَعَقَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ وَعَوَائِدِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّعْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَيَجْهَرُ بِصَوْتِهِ كَمَا ذُكِرَ.
وَأَمَّا عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ زَعَقَاتِهِمْ فَيُمْنَعُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ يَرْبِطُ الْكَفَنَ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَمِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ رَبْطًا وَثِيقًا. ثُمَّ يَأْخُذُ فِي نَقْلِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى النَّعْشِ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِرِفْقٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَوَقَارٍ.
وَلْيَحْذَرْ عِنْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهُوَ أَنَّهُمْ عِنْدَ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ يُقِيمُونَ الصَّيْحَةَ الْعَظِيمَةَ نِسَاءً وَرِجَالًا، وَقَدْ يَخْتَلِطُونَ وَهُوَ الْغَالِبُ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ وَدَاعًا لِلْمَيِّتِ وَقِيَامًا بِحَقِّهِ، وَذَلِكَ كَذِبٌ مِنْهُمْ وَافْتِرَاءٌ لِمُخَالَفَتِهِمْ فِي ذَلِكَ السُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ لَطْمُ الْخُدُودِ وَمَا شَاكَلَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مَنْعُهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ، وَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْبُكَاءِ الْجَائِزِ فِي الشَّرْعِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَفْعُ صَوْتٍ، أَوْ لَطْمٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَهُمْ الْمَمْنُوعَةِ شَرْعًا.
وَالتَّصَبُّرُ عَنْ الْبُكَاءِ أَجْمَلُ لِمَنْ اسْتَطَاعَ.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا أَكْثَرُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْغَاسِلَ إذَا دَخَلَ لِيُغَسِّلَ الْمَيِّتَ يُقِيمُونَ إذْ ذَاكَ الصَّيْحَةَ الْعَظِيمَةَ وَيَفْعَلُونَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَفْعَالِهِمْ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ، بَلْ يَزِيدُ النِّسَاءُ عَلَى ذَلِكَ فِعْلًا قَبِيحًا، وَهُوَ أَنَّ الْغَاسِلَةَ إذَا دَخَلَتْ لِتُغَسِّلَ الْمَيِّتَةَ قَامَ النِّسَاءُ إلَيْهَا بِالشَّتْمِ وَالضَّرْبِ وَهِيَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ فَتَأْخُذُ حِذْرَهَا وَتَتَخَبَّأُ مِنْهُنَّ وَيَقُلْنَ لَهَا: يَا وَجْهَ الشُّؤْمِ فَتَقُولُ هِيَ لَهُنَّ جَوَابًا: إنَّمَا رَأَيْت الشُّؤْمَ عِنْدَكُنَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الرَّدِيئَةِ ثُمَّ بَعْدَ حِينٍ يُمَكِّنَّهَا مِنْ تَغْسِيلِ الْمَيِّتَةِ بَعْدَ أَنْ تَعِظَهُنَّ وَتُذَكِّرَهُنَّ بِأَنَّ هَذَا قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفًا لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَلْيُحْذَرْ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَكَذَلِكَ يُحْذَرُ مِمَّا
يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ إذْ أَخَذُوا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اعْتِبَارٍ وَرُجُوعٍ وَسُكُونٍ يَفْعَلُونَ إذْ ذَاكَ ضِدَّ الْمُرَادِ وَيُكْثِرُونَ اللَّغَطَ مَعَ الْغَاسِلِ وَالْحَمَّالِينَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أُجْرَةِ الْغُسْلِ وَالْمُشَاحَّةِ فِيهَا، وَتَقَعُ ضَجَّةٌ عَظِيمَةٌ إذْ ذَاكَ وَهُوَ ضِدُّ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ التَّذَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ وَكِيلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَحْتَاطَ لَهُ بِمَا يَقْطَعُ مَادَّةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَمْنُوعَةِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ بِأَنْ يَتَّفِقَ مَعَ الْغَاسِلِ وَالْحَمَّالِينَ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِمْ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَيْسَ لَهُمْ غَاسِلٌ وَلَا حَمَّالٌ بِأُجْرَةٍ، بَلْ كَانُوا يُغَسِّلُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَيَحْمِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَزَاحَمُونَ عَلَى النَّعْشِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ فَيَحْمِلُونَهُ بِالنَّوْبَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَى الْيَوْمِ بِبِلَادِ الْحِجَازِ غَالِبًا، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ فَيُزِيلُ مَا يَتَوَقَّعُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ.
وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّ الْغَاسِلَ أَوْ الْغَاسِلَةَ إذَا فَرَغَا مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ يَأْتُونَ بِهِ إلَى حَضْرَةِ الرِّجَالِ إنْ كَانَ رَجُلًا أَوْ إلَى النِّسَاءِ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَتَّى يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ بِتَعْجِيلِ دَفْنِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَهَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَهُ بَعْدَ تَجْهِيزِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، بَلْ لِلْبِدْعَةِ وَالرَّغْبَةِ فِي حُطَامِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ مِنْهُمْ فِعْلٌ قَبِيحٌ شَنِيعٌ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ لِيَرُدَّ بِهِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدْعَةِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي الصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الْمَيِّتُ يَجْتَمِعُ تَحْتَ دَكَّةِ الْغُسْلِ فَيَعْمَلُونَ تُرَابًا حَوْلَهَا
لِيَرُدَّ الْمَاءَ أَنْ يَسِيلَ مِنْ نَوَاحِيهَا الْأَرْبَعِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الْغُسْلِ رَفَعُوا الدَّكَّةَ وَنَزَحُوا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَهُمْ، ثُمَّ يَخْلِطُونَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِذَلِكَ التُّرَابِ، ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ وَيَرْمُونَهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَتَتَنَجَّسُ أَيْدِيهِمْ وَأَجْسَادُهُمْ وَثِيَابُهُمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ الْمَيِّتَ وَيَحْمِلُونَهُ حَتَّى يُخْرِجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ وَيَضَعُونَهُ عَلَى النَّعْشِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلُوا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْمَاءِ النَّجَسِ فَيُنَجِّسُونَ الْكَفَنَ، وَنَحْنُ قَدْ أُمِرْنَا بِطَهَارَتِهِ، وَهَذَا عَكْسُ الْحَالِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ.
فَإِذَا أَخَذُوا فِي إخْرَاجِهِ إلَى النَّعْشِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَفْعَلُهَا أَكْثَرُهُمْ، وَهِيَ حُضُورُ شَخْصٍ يُسَمُّونَهُ بِالْمُدِيرِ فَيُزَكِّي الْمَيِّتَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ قَوْلِهِ: السَّعِيدُ الشَّهِيدُ الْقَاضِي الصَّدْرُ الرَّئِيسُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ الْخَاشِعُ الْوَرِعُ كَهْفُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلِلْمَرْأَةِ: السَّعِيدَةُ الشَّهِيدَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَهُمْ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَ التَّزْكِيَةِ وَالْكَذِبِ الصُّرَاحِ، وَالْمَحَلُّ مَحَلُّ صِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ وَرُجُوعٍ إلَى الْمَوْلَى سبحانه وتعالى فَقَابَلُوهُ بِضِدِّ الْمُرَادِ مِنْهُمْ، وَالْمَيِّتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُضْطَرٌّ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ وَإِظْهَارِ فَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ وَاضْطِرَارِهِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ سبحانه وتعالى، وَهُمْ يَأْخُذُونَ فِي نَقِيضِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثُمَّ إنَّ الْمُدِيرَ لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّزْكِيَةِ لِلْمَيِّتِ وَالْكَذِبِ فِي حَقِّهِ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ بِنَحْوِ قَوْلِهِ: لِيَتَقَدَّمَ سَيِّدُنَا الْقَاضِي الصَّدْرُ الرَّئِيسُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّزْكِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: فُلَانُ الدِّينِ يَنْعَتُهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي النُّعُوتِ مِنْ الْمَنْعِ وَتَعْظِيمِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرْجُوهُ مِنْهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ تَوَاضُعٍ وَرُجُوعٍ وَتَوْبَةٍ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ حُضُورِ الْمُدِيرِ، وَمَا يَرْضَوْنَ بِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، كُلُّ ذَلِكَ نَقِيضُ وَعَكْسُ حَالِ السَّلَفِ رضي الله عنهم فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا أَكْثَرُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ بِمَوْضِعٍ، وَكَانَ بِقُرْبِهِ مَسْجِدٌ، فَإِذَا أَتَى النَّاسُ جَلَسُوا
فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَسْجِدُ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا لِلْجُلُوسِ فِيهِ لِانْتِظَارِ الْمَوْتَى فَيُنَزَّهُ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجُلُوسِ فِيهِ لِغَيْرِ مَا بُنِيَ لَهُ، وَبَعْضُهُمْ يَدْخُلُ وَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَاهُ: إنَّهَا تُغْلَقُ وَلَا تُفْتَحُ إلَّا أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ أَوْ انْتِظَارَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ حُضُورِ الْقُرَّاءِ إذْ ذَاكَ وَيُبْسَطُ لَهُمْ حَصِيرٌ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ بِسَاطٌ أَوْ هُمَا مَعًا فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا وَيَقْرَؤُنَّ الْقُرْآنَ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ أَشْيَاءُ. فَمِنْهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ يُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يُقْرَأَ فِي الطُّرُقِ وَفِي الْأَسْوَاقِ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ إذْ الْغَالِبُ عَلَى الطُّرُقِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَثْرَةِ بَوْلِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَمِمَّنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الطَّرَقَاتِ مَحَلٌّ لِلْمُرُورِ فِيهَا لَا لِلْجُلُوسِ.
وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ» فَمَنْ جَلَسَ فِيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ، وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ، وَهُمْ غَاصِبُونَ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي جَلَسُوا فِيهَا لِلْقِرَاءَةِ فِي وَقْتِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْصَرِفُوا. وَمِنْهَا مَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ مِنْ شِبْهِ الْهُنُوكِ وَالتَّرْجِيعَاتِ كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ حَتَّى إنَّك إذَا لَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَتَسْمَعُهُمْ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغَانِي غَالِبًا، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مِنْهُمْ مَرْئِيٌّ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْقَبَائِحِ لَوْ سَلِمَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ عَمْدًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْقُرَّاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُمْ بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إذَا قُرِئَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ لَعَلَّ أَنْ تَعُمَّ الْمَيِّتَ وَتَعُمَّهُمْ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ضِدَّ ذَلِكَ فَيَتْرُكُونَهُمْ يَقْرَءُونَ فِي الطُّرُقِ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لَلْعَجَبِ أَيْنَ