الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّرْهِيبِ، وَالتَّحْذِيرِ فَيَتَّبِعُ ذَلِكَ، وَيَعْمَلُ عَلَى خَلَاصِ مُهْجَتِهِ فِي يَوْمِهِ، وَذَلِكَ تَرَقٍّ لَا شَكَّ فِيهِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مَالِكٌ رحمه الله فِي مُوَطَّئِهِ: «إنَّ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَثْنَى الصَّحَابَةُ عَلَى الْأَوَّلِ فَسَأَلَ عليه الصلاة والسلام عَنْ الثَّانِي - فَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِهِ فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ إنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَذْبٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَهَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالُوا: لَا، فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ» ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْحَالِ زِيَادَةٌ فِيهِ فَإِذَا أَصْبَحَ الْمُرِيدُ، وَامْتَثَلَ مَا كَلَّفَهُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى حِينِ أَجَلِهِ فَحِينَئِذٍ تُطْوَى صَحِيفَةُ عَمَلِهِ فَلَا زِيَادَةَ بَعْدَهَا فَإِنْ حَصَلَ لِلْمُرِيدِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَبَخٍ عَلَى بَخٍ، وَإِلَّا فَالطَّرِيقُ حَاصِلٌ لَهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكْفُرَ هَذِهِ النِّعَمَ بِتَرْكِ النَّظَرِ إلَى مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ بِهَا، وَأَحْسَنَ إلَيْهِ فِيهَا
[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]
: (فَصْلٌ) : وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا، وَسَيِّئِهَا فَإِمَّا أَنْ يُمَيِّزَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَكُونَ عَلَى يَدِ شَيْخٍ عَارِفٍ بِهَا إذْ إنَّ الْخَوَاطِرَ، وَالْهَوَاجِسَ، وَالْهَوَاتِفَ لَا تَنْحَصِرُ أَعْدَادُهَا، وَلَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا لِكَثْرَتِهَا، وَتَشَعُّبِهَا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ مِنْهَا، وَتَلَبَّسَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَفَ مَعَ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَيَذْهَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ زَمَانِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ اللَّعِينَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُرِيدِ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِ أَتَاهُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ لَا تَنْحَصِرُ فَإِذَا كَانَ مُمَيِّزًا لِلْخَوَاطِرِ، وَغَيْرِهَا انْسَدَّتْ هَذِهِ الثُّلْمَةُ الْكُبْرَى.
وَالْخَوَاطِرُ أَرْبَعَةٌ:
رَبَّانِيٌّ، وَمَلَكِيٌّ، وَنَفْسَانِيٌّ، وَشَيْطَانِيٌّ. سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ أَوَّلُهَا، وَهُوَ مِثْلُ لَمْحَةِ الْبَرْقِ لَا يَثْبُتُ، وَالنَّفْسَانِيُّ يَعْقُبُهُ مِثْلُ الْمُصَلِّي مَعَ السَّابِقِ فَمَا يَمُرُّ ذَاكَ إلَّا وَقَدْ اسْتَقَرَّ هَذَا فِي مَحَلِّهِ وَحَدَّثَ وَسَوَّلَ وَشَهَّى، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ الْخُلْفُ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى شَيْءٍ
مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِسُرْعَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيُخْبِرُونَ بِأَشْيَاءَ قَلَّ أَنْ تَقَعَ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فَبِالْمُصَادَفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَخْبَارِهِمْ، وَأَمَّا الْمُحَقِّقُونَ الْمُمَيِّزُونَ لِلْخَاطِرِ الْأَوَّلِ فَقَلَّ أَنْ يُخْبِرُوا بِشَيْءٍ إلَّا وَيَقَعُ كَمَا أَخْبَرُوا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، وَهَذِهِ الْخَوَاطِرُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالشُّيُوخِ وَالْمُرِيدِينَ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ لَكِنَّ التَّمْيِيزَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ يَخْتَصُّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَنْ تَحَقَّقَ بِهَذِهِ الْخَوَاطِرِ فَلَا بُدَّ لَهَا أَنْ يَزِنَهَا عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ فَمَا وَافَقَ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَالتَّأْنِيسِ، وَأَمَّا الْخَاطِرُ الْمَلَكِيُّ فَهُوَ كُلُّ خَاطِرٍ يَأْمُرُ بِطَاعَةٍ أَوْ خَيْرٍ مَا إذَا كَانَ سَالِمًا مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ يُتَوَقَّعُ مَعَهُ تَرْكٌ أَوْ بِطَالَةُ وَقْتٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ الْمَلَكِيِّ فِي شَيْءٍ.
وَأَمَّا الْخَاطِرُ الرَّابِعُ - وَهُوَ أَرْذَلُهَا، وَهُوَ الْخَاطِرُ الشَّيْطَانِيُّ فَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَيْرُ يُؤَدِّي إلَى الشَّرِّ، وَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَاطِرِ النَّفْسَانِيِّ وَالشَّيْطَانِيِّ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُرِيدُ إلَّا الْوُقُوعَ فِي الْمُخَالَفَةِ كَيْفَ كَانَتْ، وَمِنْ حَيْثُ كَانَتْ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ تَرَكَهَا، وَأَتَى إلَى مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ إذْ مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ الْمُخَالَفَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، وَالْخَاطِرُ النَّفْسَانِيُّ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يُفَارِقُهُ فَإِنْ أَنْتَ رَدَدْتَهُ عَلَيْهِ أَلَحَّ بِهِ عَلَيْك، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَيُمَنِّيك بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَهُ، وَيَعِدُك بِالْغُرُورِ، وَأَنَّك إذَا نِلْت مَا أَلْقَتْهُ إلَيْك تَفْعَلُ أَنْتَ مَا تُحِبُّ أَنْ تُوقِعَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ فَيَحْتَاجُ الْمُرِيدُ إلَى التَّشْمِيرِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ حِينَ نُزُولِهَا بِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ نَظَرِ شَيْخٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مَعَهُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلِسَانُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ قَائِمٌ، وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ طَرِيقُ