الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّفَاقِ، وَلَا طَاعَةَ كَقِصَرِ الْأَمَلِ، وَلَا ذُلَّ كَالطَّمَعِ - وَفَّقْنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ لِمَا إلَيْهِ دَعَانَا، وَأَعَانَنَا، وَإِيَّاكَ عَلَى اجْتِنَابِ مَا عَنْهُ نَهَانَا، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ -
[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]
وَقَالَ: رحمه الله، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْعُقُولُ مَعَادِنُ الدِّينِ، وَالْعِلْمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَالْمَعْرِفَةُ دَلَالَةٌ عَلَى آفَاتِ الْأَعْمَالِ، وَالْبَصَائِرُ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِبَارِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ أَوْ اخْتِيَارِ مَوَارِدِهَا، وَتَصْرِيفِ مَصَادِرِهَا، وَالتَّزَيُّنُ اسْمٌ لِثَلَاثِ مَعَانٍ فَمُتَزَيِّنٌ بِعِلْمٍ، وَمُتَزَيِّنٌ بِجَهْلٍ، وَمُتَزَيِّنٌ بِتَرْكِ التَّزَيُّنِ، وَهُوَ أَعْظَمُهَا فِتْنَةً، وَأَحَبُّهَا إلَى إبْلِيسَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسَاسَ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ دِينَهُ مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ، وَزَمَانَهُ، وَأَهْلَ زَمَانِهِ فَإِذَا عَرَفَ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَأَرَادَ مَأْخَذًا لِيَسْلَمَ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلْوَةِ، وَخُمُولِ نَفْسِهِ فَلَعَلَّهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ الْحُزْنَ فِي الْقَلْبِ، وَالْخَوْفَ الَّذِي يُحْتَجَزُ بِهِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَالشَّوْقَ الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ أَمَلَهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَإِلَّا لَمْ يَزَلْ مُتَحَيِّرًا مُتَلَذِّذًا مُتَزَيِّنًا بِالْكَلَامِ يَأْنَسُ بِمَجَالِسِ الْوَحْشَةِ، وَيَثِقُ بِغَيْرِ الْمَأْمُونِ، وَيَطْمَئِنُّ لِأَهْلِ الرَّيْبِ، وَيَحْتَمِلُ أَهْلَ الْمَيْلِ إلَى الدُّنْيَا، وَيَغْتَرُّ بِأَهْلِ الْحِرْصِ، وَالرَّغْبَةِ، وَيَتَأَسَّى بِأَهْلِ الضَّعْفِ، وَيَسْتَرِيحُ إلَى أَهْلِ الْجَهْلِ مَيْلًا مِنْهُ إلَى هَوَاهُ إلَى أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ، وَحُلُولُ النَّدَمِ.
وَإِذَا وَجَدْتَ الْمُرِيدَ الْمُدَّعِيَ لِلْعَمَلِ، وَالْمَعْرِفَةِ يَأْنِسُ بِمَنْ يَعْرِفُ، وَلَا يَهْرُبُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ، وَيَنْبَسِطُ، وَيُمَكِّنُ نَفْسَهُ مِنْ الْكَلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ يَعْرِفُ فَاتَّهِمْ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ صَادِقًا فِي إرَادَتِهِ أَوْ يَكُونَ جَاهِلًا بِطَرِيقِ سَلَامَتِهِ أَوْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، وَعِلْمِهِ مُسْتَحْوِذًا عَلَيْهِ هَوَاهُ، - وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ - وَاعْلَمْ يَا أَخِي عِلْمًا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّا لَمْ نَبْنِ أَسَاسَ الدِّينِ عَلَى طَلَبِ السَّلَامَةِ فِيهِ مِنْ الْخَطَأِ، وَلَا عَلَى حُسْنِ السِّيرَةِ مُنَافِي لِلْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ، وَلَكِنَّا ابْتَنَيْنَاهُ عَلَى أَسَاسِ الْهَوَى، وَعَلَى
مَا خَفَّ مَحْمَلُهُ عَلَى قُلُوبِنَا، وَاسْتَخَفَّتْهُ أَنْفُسُنَا، وَاسْتَحْلَتْهُ أَلْسِنَتُنَا فَأَمْضَيْنَا فِيهِ أَعْمَالَنَا طَمَعًا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ التَّقْوَى بِزَعْمِنَا، وَدَرْكِنَا حُسْنَ السِّيرَةِ مِنَّا فِي الْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ فَنَظَرْنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدْ رَجَعَتْ عَلَيْنَا أَعْمَالُ إيثَارِ الْهَوَى بِالنَّقْصِ مِنْ الزِّيَادَة فِي الدِّينِ، وَبِقُبْحِ السِّيرَةِ مِنَّا فِي الْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ بِنَظَرِنَا لِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَوَرَّثَنَا ذَلِكَ الْخَبَّ، وَالْغِشَّ، وَالْمُدَاهَنَةَ فَصَيَّرْنَا الْغِشَّ، وَالْمُدَاهَنَةَ مُدَارَاةً، وَصَيَّرْنَا الْخَبَّ عُقُولًا، وَآدَابًا، وَمُرُوآتٍ يَحْتَمِلُ بَعْضُنَا بَعْضَنَا عَلَى ذَلِكَ فَأَعْقَبَنَا ذَلِكَ تَبَاغُضًا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحَاسُدًا، وَتَقَاطُعًا، وَتَدَابُرًا فَتَحَابَبْنَا بِالْأَلْسُنِ مَعَ الرُّؤْيَةِ، وَتَبَاغَضْنَا بِالْقُلُوبِ مَعَ فَقْدِ الرُّؤْيَةِ نَذُمُّ الدُّنْيَا بِالْأَلْسُنِ، وَنَمِيلُ إلَيْهَا بِالْقُلُوبِ، وَنُدَافِعُهَا عَنَّا فِي الظَّاهِرِ بِالْقَوْلِ، وَنَجُرُّهَا بِالْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلِ فِي الْبَاطِنِ فَأَصْبَحْنَا مَعَ قُبْحِ هَذَا الْوَصْفِ، وَسَمَاجَتِهِ لَا نَسْتَأْهِلُ بِهِ خُرُوجًا عَنْ النَّقْصِ، وَلَا دُخُولًا فِي الزِّيَادَةِ فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَأَصْحَابُنَا لَا نَجِدُ رَجُلًا صَادِقًا فَنَتَأَسَّى بِهِ، وَلَا خَائِفًا فَنَلْزَمُهُ لِلُزُومِهِ لَهُ، وَلَا مَحْزُونًا يَعْقِلُ الْحُزْنَ فَنُبَاكِيهِ فَقَدْ صِرْنَا نَتَلَاهَى بِفُضُولِ الْكَلَامِ، وَنَأْنَسُ بِمَجَالِسِ الْوَحْشَةِ، وَنَقْتَدِي بِغَيْرِ الْقُدْوَةِ مُصِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقْلِعِينَ، وَلَا تَائِبِينَ مِنْهُ، وَلَا هَارِبِينَ مِنْ مَكْرِ الِاسْتِدْرَاجِ - فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّوَلِّي عَنْ اللَّهِ، وَالسُّقُوطِ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ، وَالشُّغْلِ بِغَيْرِ اللَّهِ - إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ لِلطَّاعَةِ ثَوَابًا أَيْ مَا وَعَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ التَّفَضُّلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَعَلَى الْمَعْصِيَةِ عِقَابًا فَالثَّوَابُ لَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ إلَّا مِنْ بَعْدِ تَصْحِيحِ الْعَمَلِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْآفَاتِ، وَتَصْحِيحُ ذَلِكَ، وَتَخْلِيصُهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ، وَالِاعْتِزَامِ، وَاحْتِمَالِ مُؤْنَتِهِ، وَتَصْحِيحُ الْعَمَلِ، وَالِاعْتِزَامُ، وَالِاحْتِمَالُ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ ثَبَاتِ الْخَوْفِ فِي الْقَلْبِ، وَالْخَوْفُ لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ بَعْدِ ثَبَاتِ الْيَقِينِ فِي الْقَلْبِ، وَثَبَاتُ الْيَقِينِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ صِحَّةِ تَرْكِيبِ الْعَقْلِ فِي الْعَبْدِ فَإِذَا صَحَّ تَرْكِيبُ الْعَقْلِ فِي الْعَبْدِ، وَثَبَتَ وَقَعَ الْخَوْفُ مِمَّا قَدْ أَيْقَنَ بِهِ فَجَاءَتْ عَزِيمَةُ الصَّبْرِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَاحْتَمَلَتْ النَّفْسُ حِينَئِذٍ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ طَمَعًا فِي ثَوَابِ مَا قَدْ
أَيْقَنَتْ بِهِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَرَهْبَةِ عِقَابِ مَا قَدْ أَيْقَنَتْ بِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَتَرَكَتْ الْمَعْصِيَةَ، وَالشَّهْوَةَ هَرَبًا مِنْ عُقُوبَتِهِمَا، وَاحْتَمَلَتْ الطَّاعَةَ بِالْإِخْلَاصِ رَجَاءَ ثَوَابِهَا فَكُلِّفَ الْأَحْمَقُ الْكَيْسَ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى لُزُومِ الْحُمْقِ، وَكُلِّفَ الْجَاهِلُ التَّعْلِيمَ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى غَلَبَةِ الْهَوَى، وَكُلِّفَ الْعَامِلُ الصِّدْقَ، وَالْإِخْلَاصَ، وَالتَّيَقُّظَ فِي عَمَلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَالْغَفْلَةِ، وَتَرْكِ الْإِخْلَاصِ فِيهِ.
وَكُلِّفَ الْعَاقِلُ الصِّدْقَ فِي قَوْلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ بِالْمَيْلِ إلَى الْكَذِبِ، وَكُلِّفَ الصَّادِقُ الْمُخْلِصُ الصَّبْرَ عَنْ ابْتِغَاءِ تَعْجِيلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالتَّكْرِمَةِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَعِنْدَهَا انْقَطَعَ الْعُمَّالُ خَاصَّةً، وَحَلَّ بِهِمْ الْجَزَعُ، وَتَرَكُوا عَزِيمَةَ الصَّبْرِ فِي طَلَبِهِمْ تَعْجِيلَ ثَوَابِ عَمَلِهِمْ، وَلَمْ يُؤَخِّرُوا ثَوَابَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمٍ يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَخَدَعَتْهُمْ الْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ عِنْدَ سَتْرِ سَرَائِرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى أَبْدَوْهَا لِلْمَخْلُوقِينَ بِالْمَعَانِي، وَالْمَعَارِيضِ، وَأَظْهَرُوا الْأَعْمَالَ لِيُعْرَفُوا بِفَضِيلَةِ الْعَمَلِ لِيَزْدَادُوا عِنْدَ النَّاسِ فَضِيلَةً، وَرِفْعَةً فَتَعَجَّلَتْ أَنْفُسُهُمْ ذَخَائِرَ أَعْمَالِهِمْ، وَحَلَاوَةَ سَرَائِرِهِمْ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ، وَالتَّكْرِمَةِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَوَطْءِ الْأَعْقَابِ، وَالرِّيَاسَةِ، وَالتَّوْسِعَةِ لَهُمْ فِي الْمَجَالِسِ، وَأَغْفَلُوا سُؤَالَ اللَّه لَهُمْ فِي عَقَدِهِمْ لِمَنْ عَمِلُوا، وَمَاذَا طَلَبُوا فَخَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَعْمَالَهُمْ، وَخَسَارَةُ مَا هُنَالِكَ بَاقِيَةٌ، وَنَدَامَةُ مَا هُنَالِكَ طَوِيلَةٌ لَمَّا وَرَدُوا عَلَى اللَّهِ فَوَجَدُوا عَظِيمَ مَا كَانُوا يُؤَمِّلُونَ مِنْ ثَوَابِ سَرَائِرِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي عَاجَلُوا فِيهَا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمُنِعُوهَا هُنَالِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا تَعَجَّلُوا ثَوَابَهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَخَرَجُوا مِنْ خَيْرِ أَعْمَالِهِمْ صِفْرَ الْيَدَيْنِ - فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ -.
مَا أَقْبَحَ الْفَضِيحَةَ بِالْعَالِمِ الْعَامِلِ الْبَصِيرِ النَّاقِدِ الْعَارِفِ غِبَّ قِلَّةِ الصَّبْرِ، وَابْتِغَاءَ تَعْجِيلِ الثَّوَابِ، وَالْمَيْلِ إلَى الدُّنْيَا، وَإِيثَارِ شَهَوَاتِهَا، وَلَذَّاتِهَا فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ الْحَازِمِ اللَّبِيبِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ الْعَارِفِ الْبَصِيرِ النَّاقِدِ أَنْ يَحْذَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَيَتَّخِذَ الصَّبْرَ مَطِيَّةً، وَلَا يَبْغِيَ تَعْجِيلَ الثَّوَابِ هَاهُنَا، - وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ -