الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِوَايَةٍ «وَلَا صُورَةً إلَّا طَمَسْتهَا» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: ظَاهِرُهُ مَنْعُ تَسْنِيمِ الْقُبُورِ وَرَفْعِهَا وَأَنْ تَكُونَ لَاطِئَةً. وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ هَذَا الِارْتِفَاعَ الْمَأْمُورَ بِإِزَالَتِهِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى التَّسْنِيمِ وَيَبْقَى لِلْقَبْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُحْتَرَمُ وَذَلِكَ صِفَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا تَعْلِيَةُ الْبِنَاءِ الْكَثِيرِ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا، فَذَلِكَ يُهْدَمُ وَيُزَالُ، فَإِنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ زِينَةِ الدُّنْيَا فِي أَوَّلِ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَتَشْبِيهًا بِمَنْ كَانَ يُعَظِّمُ الْقُبُورَ وَيَعْبُدُهَا، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَظَاهِرِ النَّهْيِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: هُوَ حَرَامٌ وَالتَّسْنِيمُ فِي الْقَبْرِ ارْتِفَاعُهُ قَدْرَ شِبْرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ سَنَامِ الْبَعِيرِ وَيَرُشُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ لِئَلَّا يَنْتَثِرَ بِالرِّيحِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجَصَّصُ الْقَبْرُ وَلَا يُطَيَّنُ وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ، وَالدَّفْنُ فِي التَّابُوتِ جَائِزٌ لَا سِيَّمَا فِي الْأَرْضِ الرَّخْوَةِ. وَلَا يُجْعَلُ الْقَبْرُ مُرَبَّعًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّمَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِحَجَرٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَنْ دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» .
[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]
فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ فَلْيَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْرَأَ شَيْءٌ مِنْ الْقَصَائِدِ وَلَا مَا شَابَهَهَا لِلْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْ الذِّكْرِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إذْ ذَاكَ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ فِي الِانْصِرَافِ وَمَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ أَعْنِي قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَيَقِفَ عِنْدَ قَبْرِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيُلَقِّنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَيْنِ عليهما السلام إذْ ذَاكَ يَسْأَلَانِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْمُنْصَرِفِينَ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ
عَلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» ، وَرَوَى رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ:(اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَاغْفِرْ لَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ)، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو حَامِدِ بْنُ الْبَقَّالِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً عَزَّى وَلِيَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَانْصَرَفَ مَعَ مَنْ يَنْصَرِفُ فَتَوَارَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ ثُمَّ يَأْتِي إلَى الْقَبْرِ فَيُذَكِّرُ الْمَيِّتَ بِمَا يُجَاوِبُ بِهِ الْمَلَكَيْنِ عليهما السلام. وَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِصَوْتٍ فَوْقَ السِّرِّ وَدُونَ الْجَهْرِ فَيَقُولُ:(يَا فُلَانُ لَا تَنْسَ مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا جَاءَك الْمَلَكَانِ عليهما السلام وَسَأَلَاك فَقُلْ لَهُمَا: اللَّهُ رَبِّي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّ، وَالْقُرْآنُ إمَامِي، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي) ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ فَخَفِيفٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّلْقِينِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالزَّعَقَاتِ لِحُضُورِ النَّاسِ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ.
وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُوهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا. وَقَدْ سَأَلْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رحمه الله فَقُلْت لَهُ: أَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا التَّلْقِينَ فِي حَيَاتِهِ حَتَّى يَكُونَ مُتَيَسِّرًا عَلَى لِسَانِهِ إذْ ذَاكَ فَانْزَعَجَ وَقَالَ: أَنْتَ تُجَاوِبُ إنَّمَا يُجَاوِبُ عَمَلُك إنْ كَانَ صَالِحًا فَصَالِحًا، وَإِنْ كَانَ سَيِّئًا فَسَيِّئًا فَحَصِّلْ الْعَمَلَ فَهُوَ يَكْفِيك، فَإِنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي تَنْجُو بِهَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا اللَّقْلَقَةُ بِاللِّسَانِ أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالتَّعْزِيَةِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لِأُمَّتِهِ وَتَسْلِيَةٌ لَهُمْ، أَمَّا الْأَمْرُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، وَأَمَّا التَّسْلِيَةُ فَقَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ مَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ فَقْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَانَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَصَائِبِ وَاضْمَحَلَّتْ، وَلَمْ