المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سماع الغناء الذي يشترك فيه الخاص والعام] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[سماع الغناء الذي يشترك فيه الخاص والعام]

أَنَّهُ مَا نُقِلَ عَنْهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا إلَّا ذَمُّ الْغِنَاءِ وَالْمَعَازِفِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ كَانَ ابْنُ أَخِيهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ يَذُمُّ الْغِنَاءَ، وَقَدْ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْهَا، وَتَأَدَّبَ بِهَا فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ أُنْشِدَ الشِّعْرُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ؟ صلى الله عليه وسلم فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُنْكِرُ إنْشَادَ الشِّعْرِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ إذَا لُحِّنَ، وَصُنِعَ صَنْعَةً تُورِثُ الطَّرَبَ، وَتُزْعِجُ الْقَلْبَ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا» فَالْجَوَابُ أَنَّ صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: قَوْلُهُ إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَذَهَبَ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ، وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا فَيَتَكَلَّفُ الْعَالِمُ عِلْمَ مَا لَا يَعْلَمُ فَيَجْهَلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا فَعَرْضُك حَدِيثَك عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ، وَلَا يُرِيدُهُ.

[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

(فَصْلٌ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ لَا نَسْمَعُ الْغِنَاءَ بِالطَّبْعِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَإِنَّمَا نَسْمَعُ بِحَقٍّ فَنَسْمَعُ بِاَللَّهِ، وَفِي اللَّهِ، وَلَا نَتَّصِفُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ مَمْزُوجَةٌ بِحُظُوظِ الْبَشَرِيَّةِ قُلْنَا: إنْ زَعَمْتَ أَنَّك فَارَقْتَ طَبْعَ الْبَشَرِيَّةِ، وَصِرْت مَطْبُوعًا عَلَى الْعَقْلِ وَالْبَصِيرَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ فَقَدْ كَذَبْت عَلَى طَبْعِك، وَكَذَبْت عَلَى اللَّهِ فِي تَرْكِيبِك وَمَا وَصَفَك بِهِ مِنْ حُبِّ الشَّهَوَاتِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: رضي الله عنه مَنْ فَارَقَ إلْفَهُ وَادَّعَى الْعِصْمَةَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ مُجَاهِدًا لِنَفْسِك، وَلَا مُخَالِفًا لِهَوَاك، وَلَا يَكُونَ لَك ثَوَابٌ عَلَى تَرْكِ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ وَأَصْحَابُك تُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ، وَالنَّهَارَ لَا تَفْتُرُونَ، وَتَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تُبِيحَ سَمَاعَ الْعُودِ

ص: 107

وَالطُّنْبُورِ وَسَائِرِ الْمَلَاهِي بِهَذَا الطَّبْعِ الَّذِي لَا يُشَارِكُك فِيهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ (فَصْلٌ)

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّالِحِينَ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ قُلْنَا؟ مَا بَلَغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ سَمِعَهُ، وَلَا فَعَلَهُ، وَهَذِهِ مُصَنَّفَاتُ أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ مُصَنَّفِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَكِتَابِ النَّسَائِيّ رضي الله عنهم إلَى غَيْرِهَا خَالِيَةً مِنْ دَعْوَاكُمْ، وَهَذِهِ تَصَانِيفُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ الْفَتْوَى قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي شَرْقِ الْبِلَادِ وَغَرْبِهَا فَقَدْ صَنَّفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ تَصَانِيفَ لَا تُحْصَى، وَكَذَلِكَ مُصَنَّفَاتُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّهَا مَشْحُونَةٌ بِالذَّبِّ عَنْ الْغِنَاءِ، وَتَفْسِيقِ أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلَا يَلْزَمُنَا الِاقْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ، وَنَتْرُكُ الِاقْتِدَاءَ بِالْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ، وَمِنْ هَاهُنَا زَلَّ مَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ.

نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِالْمُتَأَخِّرِينَ سِيَّمَا وَكُلُّ مَنْ يَرَى هَذَا الرَّأْيَ الْفَاسِدَ عَارٍ مِنْ الْفِقْهِ عَاطِلٌ مِنْ الْعِلْمِ لَا يَعْرِفُ مَأْخَذَ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَفْصِلُ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَدْرُسُ الْعِلْمَ، وَلَا يَصْحَبُ أَهْلَهُ، وَلَا يَقْرَأُ مُصَنَّفَاتِهِ، وَدَوَاوِينَهُ، وَقَدْ قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا إلَّا حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ» فَمَنْ هَجَرَ أَهْلَ الْفِقْهِ، وَالْحِكْمَةِ، وَانْقَضَى عُمْرُهُ فِي مُخَالَطَةِ أَهْلِ اللَّهْوِ وَالْبَطَالَةِ كَيْفَ يُؤْمَنُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا؟ ، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] فَيَا مَنْ رَضِيَ لِدِينِهِ، وَدُنْيَاهُ، وَتَوَثَّقَ لِآخِرَتِهِ وَمَثْوَاهُ بِاخْتِيَارِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَفَتْوَاهُ إنْ كُنْت عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِاخْتِيَارِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إنْ كُنْت تَرَى رَأْيَهُمْ كَيْفَ هَجَرْت اخْتِيَارَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلْت إمَامَك فِيهَا شَهَوَاتِك وَبُلُوغَ أَوْطَارِك وَلَذَّاتِك {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]

ص: 108

(فَصْلٌ)

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ قَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنَّ الْحَقَّ أَوْقَفَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ حَمَلْتَ وَصْفِي عَلَى لَيْلَى وَسُعْدَى لَوْلَا أَنِّي نَظَرْتُ إلَيْك فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ أَرَدْتنِي خَالِصًا لَعَذَّبْتُك قَالَ فَأَقَامَنِي مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ الْخَوْفِ فَأَرْعَدْت، وَفَزِعْت مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقَامَنِي مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ الرِّضَا فَقُلْت يَا سَيِّدِي لَمْ أَجِدْ مَنْ يَحْمِلُنِي غَيْرَك فَطَرَحْت نَفْسِي عَلَيْك فَقَالَ: صَدَقْت مِنْ أَيْنَ تَجِدُ مَنْ يَحْمِلُك غَيْرِي؟ وَأَمَرَ بِي إلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ رحمه الله: رَأَيْت إبْلِيسَ فِي النَّوْمِ فَقُلْت لَهُ: هَلْ تَظْفَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِشَيْءٍ أَوْ تَنَالُ مِنْهُمْ نَصِيبًا؟ فَقَالَ إنَّهُ لَيَعْسُرُ عَلَيَّ شَأْنُهُمْ، وَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا فِي وَقْتَيْنِ وَقْتِ السَّمَاعِ، وَعِنْدَ النَّظَرِ فَإِنِّي أَنَالُ مِنْهُمْ فِتْنَةً، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَسُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ عَنْ السَّمَاعِ، وَكَانَ مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ فَقَالَ: لَيْتَنَا تَخَلَّصْنَا مِنْهُ رَأْسًا بِرَأْسٍ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ: إذَا رَأَيْتَ الْمُرِيدَ يُحِبُّ السَّمَاعَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِيهِ بَقِيَّةً مِنْ الْبِطَالَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ الْأَوْلَاسِيُّ، وَكَانَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ: رَأَيْت إبْلِيسَ فِي الْمَنَامِ، وَكَانَ عَلَى بَعْضِ سُطُوحِ أُولَاسَ، وَعَنْ يَمِينه جَمَاعَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ جَمَاعَةٌ، وَعَلَيْهِمْ ثِيَابٌ نَظِيفَةٌ فَقَالَ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ: قُومُوا، وَغَنُّوا فَقَامُوا، وَغَنَّوْا فَاسْتَفْزَعَنِي طِيبُهُ حَتَّى هَمَمْت أَنْ أَطْرَحَ نَفْسِي مِنْ السَّطْحِ، ثُمَّ قَالَ: اُرْقُصُوا فَرَقَصُوا بِأَطْيَبِ مَا يَكُونُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ مَا أُصِيبُ شَيْئًا أَدْخُلُ بِهِ عَلَيْكُمْ إلَّا هَذَا، وَقَالَ الْجَرِيرِيُّ رَأَيْت الْجُنَيْدَ رحمه الله فِي النَّوْمِ فَقُلْت كَيْفَ حَالُك يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَبَادَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا تَسْبِيحَاتٌ كُنَّا نَقُولُهَا بِالْغَدَوَاتِ، فَأَيْنَ هَذَا يَرْحَمُك اللَّهِ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْعُلَمَاءَ فَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108]{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] .

(فَصْلٌ)

وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَظِيمٌ مِنْ شُيُوخهمْ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إنَّ

ص: 109