الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِرْبَةُ مَاءٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا أَجِدُ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي فَأَتَاهُمْ بِعِذْقٍ مِنْ رُطَبٍ، وَبُسْرٍ وَتَمْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا اجْتَنَيْته فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخَيَّرُوا عَلَى أَعْيُنِكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إيَّاكَ وَالْحَلُوبَ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً فَأَكَلُوا، وَشَرِبُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ، وَفِي لَفْظٍ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ.»
[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]
(فَصْلٌ) وَيُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ تُضِيفُ إلَى مَا هِيَ فِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ اسْتِحْضَارَ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَرُبَّمَا زَيَّنُوهُمْ بِالْحُلِيِّ، وَالْمُصَبَّغَاتِ مِنْ الثِّيَابِ، وَتَزْعُمَ أَنَّهَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ بِالصَّنْعَةِ عَلَى الصَّانِعِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْقُشَيْرِيُّ رحمه الله: وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ وَطَائِفَتِهِمْ قَوْلًا عَظِيمًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَكَشْفِ فَضَائِحِهِمْ: مَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَبْدٌ أَهَانَهُ اللَّهِ، وَخَذَلَهُ، وَكَشَفَ عَوْرَتَهُ، وَأَبْدَى سَوْأَتَهُ فِي الْعَاجِلِ، وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُوءُ الْمُنْقَلَبِ فِي الْآجِلِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» خَبَّبَ أَيْ أَفْسَدَ، وَخَدَعَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْخِبِّ، وَهُوَ الْخُدْعُ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ خِبٌّ هَبٌّ إذَا كَانَ فَاسِدًا مُفْسِدًا قَالَ الْوَاسِطِيُّ رحمه الله وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ هَوَانَ عَبْدٍ أَلْقَاهُ إلَى هَؤُلَاءِ الْأَنْتَانِ الْجِيَفِ أَوَ لَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30] ؟ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَك الْآخِرَةُ» ، وَقَالَ: بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ رحمه الله قَالَ: بَعْضُ التَّابِعِينَ رضي الله عنه كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَدِّقَ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَى الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ الْوَجْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لِلشَّيْطَانِ مِنْ الرَّجُلِ ثَلَاثَةُ مَنَازِلَ فِي نَظَرِهِ وَقَلْبِهِ وَذَكَرِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ رحمه الله: كُلُّ نَظْرَةٍ يَهْوَاهَا الْقَلْبُ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَقَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَثَ بِغُلَامٍ بَيْنَ أَصَابِعِ
رِجْلَيْهِ يُرِيدُ الشَّهْوَةَ لَكَانَ لِوَاطًا، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ: رحمه الله لَا تُجَالِسُوا أَبْنَاءَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ، وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى، وَقَالَ: بَعْضُ التَّابِعِينَ مَا أَخَافُ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ فِي عِبَادَتِهِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ كَخَوْفِي عَلَيْهِ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم: اللُّوطِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَصْنَافٍ: صِنْفٍ يَنْظُرُونَ، وَصِنْفٍ يُصَافِحُونَ، وَصِنْفٍ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ، وَرُوِيَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رحمه الله جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: لَا تَجِئْنِي بِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ ابْنُهُ، وَهُمَا مَسْتُورَانِ فَقَالَ: عَلِمْت، وَلَكِنْ عَلَى رَأْيِ أَشْيَاخِنَا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَجَاءَهُ غُلَامٌ حَدَثٌ لِيَجْلِسَ إلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَمَّا إتْيَانُ الذُّكُورِ فَهِيَ الْفَاحِشَةُ الْعُظْمَى، وَهُوَ مُحَرَّمٌ مُغَلَّظُ التَّحْرِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165] {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] قَالَ مَالِكٌ: وَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَالزِّنَا إنْ كَانَ بِكْرًا يُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا يُرْجَمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ غُلَامٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ بِهِ» ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَجَمَهُمْ بِالْحِجَارَةِ قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] الْآيَةَ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي رَجُلٍ كَانَ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَقَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَرَى أَنْ يُحَرَّقَ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: يُرْجَمُ اللُّوطِيُّ، وَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُرْمَى مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ أَعْلَى مَا فِي الْبَلَدِ مُنَكَّسًا، ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه -
أَنَّهُ قَالَ: يُهْدَمُ عَلَيْهِ الْبَيْتُ، وَقَالَ: عُثْمَانُ رضي الله عنه يُقْتَلُ.
وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَانَتْ فِيهِمْ عَشْرُ خِصَالٍ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا: كَانُوا يَتَغَوَّطُونَ فِي الطُّرُقَاتِ، وَتَحْتَ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَفِي الْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ، وَفِي شُطُوطِ الْأَنْهَارِ، وَكَانُوا يَحْذِفُونَ النَّاسَ بِالْحَصْبَاءِ فَيُعْوِرُونَهُمْ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْمَجَالِسِ أَظْهَرُوا الْمُنْكَرَ، وَإِخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْهُمْ، وَاللَّطْمُ عَلَى رِقَابِهِمْ، وَكَانُوا يَرْفَعُونَ ثِيَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَغَوَّطُوا، وَيَأْتُونَ بِالطَّامَّةِ الْكُبْرَى، وَهِيَ اللِّوَاطُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] ، وَالنَّادِي الْمَجَالِسُ وَالْمَحَافِلُ، وَمَنْ ارْتَقَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ حَالَةِ الْفُسُوقِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ بَلَاءِ الزَّوَاجِ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَهَذِهِ وَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، وَادِّعَاءُ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ الْكُفْرُ، وَنَظِيرُ الشِّرْكِ فَاحْذَرْ مُجَالَسَتَهُمْ فَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ فَتْحُ بَابِ الْخِذْلَانِ، وَإِدْخَالُ الْهِجْرَانِ بَيْنَك وَبَيْنَ الْحَقِّ، ثُمَّ يُقَالُ: وَهَبْكَ أَيُّهَا الْمَغْرُورُ قَدْ بَلَغْت رُتْبَةَ الشُّهَدَاءِ أَلَيْسَ قَدْ شَغَلْت ذَلِكَ الْقَلْبَ بِمَخْلُوقٍ، وَفِي الْحَدِيثِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَرَامٌ عَلَى قَلْبٍ سَكَنَهُ حُبُّ غَيْرِي أَنْ أُسْكِنَهُ حُبِّي» ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ يَسْتَدِلُّونَ بِالصَّنْعَةِ عَلَى الصَّانِعِ فَنِهَايَةٌ فِي سِعَايَةِ الْهَوَى، وَمُخَادَعَةِ الْعَقْلِ، وَمُخَالَفَةِ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْهَوَى شَرُّ إلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الِاعْتِبَارِ {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 18]{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية: 19]{وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 20]، وَقَالَ تَعَالَى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ} [الملك: 19] ، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: 164] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] فَعَدَلُوا عَمَّا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ إلَى مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ