المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في السماع وكيفيته] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل في السماع وكيفيته]

بِغَيْرِهَا فَسَبِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْفِكْرَةِ: الصِّيَامُ، وَتَرْكُ الْإِكْثَارِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَاعْتِزَالُ الشَّهَوَاتِ، وَلُزُومُ الصَّمْتِ إلَّا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْخَيْرُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالِاعْتِزَالُ، وَرَفْضُ الِاشْتِغَالِ بِالْفُضُولِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

ِ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَمَا يَجُوزُ فَانْظُرْ - رَحِمنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ - إلَى مَا قَرَّرَ هَذَا السَّيِّدُ رحمه الله فِي كَيْفِيَّةِ السُّلُوكِ، وَالْأَخْذِ أَوَّلًا بِالصِّيَامِ، وَتَرْكِ الْإِكْثَارِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَاعْتِزَالِ الشَّهَوَاتِ، وَلُزُومِ الصَّمْتِ إلَّا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْخَيْرِ فِي الْخَلْوَةِ، وَالِاعْتِزَالِ، وَرَفْضِ الِاشْتِغَالِ بِالْفُضُولِ فَلَمْ يَكْتَفِ رحمه الله بِالْخَلْوَةِ لَيْسَ إلَّا حَتَّى ذَكَرَ الِاعْتِزَالَ مَعَ الْخَلْوَةِ فَلَوْ كَانَتْ خَلْوَةً دُونَ اعْتِزَالٍ لَقَلَّ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الِاعْتِزَالَ، فَأَيْنَ هَذَا الْحَالُ مِنْ حَالِنَا الْيَوْمَ؟ إذْ إنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْخِرْقَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إنَّمَا شَأْنُهُ كَثْرَةُ الِاجْتِمَاعِ، وَحُضُورُ السَّمَاعِ، وَالرَّقْصِ فِيهِ حَتَّى كَأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ فِي السُّلُوكِ - نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ - فَمَنْ أَرَادَ الْخَيْرَ فَلْيَعْتَزِلْ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِلَّا فَالْفَتْحُ عَلَيْهِ بَعِيدٌ أَعْنِي الْفَتْحَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يَقْرُبُ بِهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ، وَجَلَّ دُونَ ادِّعَاءٍ، وَإِلَّا فَبَعْضُ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ الْأَحْوَالَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ رَقْصِهِمْ، وَتَأْخُذُهُمْ الْأَحْوَالُ إذْ ذَاكَ، وَيُخْبِرُونَ بِأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْغَيْبِ.

وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَكَانَ مُصَادَفَةً، ثُمَّ إنَّهُمْ يُوَلُّونَ، وَيَعْزِلُونَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَيُخْبِرُونَ بِمَنَازِلِ أَصْحَابِهِمْ فَيَقُولُونَ مَثَلًا: فُلَانٌ أَحَدُ السَّبْعَةِ، وَفُلَانٌ أَحَدُ الْعَشَرَةِ، وَفُلَانٌ أَحَدُ السَّبْعِينَ، وَفُلَانٌ أَحَدُ الثَّلَاثمِائَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسَانِيَّةٌ أَوْ شَيْطَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ مَعَ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهَاتِ أَوْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهَذَا السَّمَاعُ عَلَى مَا يَعْلَمُونَهُ مُحَرَّمٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى سُورَةِ الْكَهْفِ فِي قَوْله تَعَالَى

ص: 93

{إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الكهف: 14] .

هَؤُلَاءِ قَامُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ عَلَى هِدَايَتِهِ شُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعْمَتِهِ ثُمَّ هَامُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ مُنْقَطِعِينَ إلَى رَبِّهِمْ، وَخَائِفِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْفُضَلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ أَيْنَ هَذَا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْأَقْدَامِ،؟ وَالرَّقْصِ بِالْأَكْمَامِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ مِنْ الْمُرْدِ وَالنِّسْوَانِ، هَيْهَاتَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَقِيرَ الْمُنْقَطِعَ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِي وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، وَأَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ كَالْمُحَرَّمِ لَا سَبِيلَ إلَى ذِكْرِهِ فَضْلًا عَنْ فِعْلِهِ.

، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي ضَرْبِ الطَّارِ عَلَى حِدَتِهِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الشَّبَّابَةِ عَلَى حِدَتِهَا، وَقَاعِدَةُ أَهْلِ الطَّرِيقِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فَكَيْفَ يُقْدِمُونَ عَلَى شَيْءٍ قَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ؟ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّهِمْ، ثُمَّ مَعَ ارْتِكَابِ بَعْضِهِمْ مَا ذُكِرَ يَدَّعُونَ الْأَحْوَالَ الرَّفِيعَةَ، وَيُشِيرُونَ إلَى مَقَامَاتٍ، وَمُنَازَلَاتٍ تُسْتَعْظَمُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالِاقْتِدَاءِ وَالِاتِّبَاعِ، فَكَيْفَ يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّخْلِيطِ، وَارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي؟ ذَلِكَ مُحَالٌ،، وَمِنْ أَشَدِّ مَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا أَحْدَثُوهُ فِي السُّجُودِ لِلشَّيْخِ حِينَ قِيَامِ الْفَقِيرِ لِلرَّقْصِ، وَبَعْدَهُ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ مَا هَذَا لَفْظُهُ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ قَالَ:«لَمَّا قَدِمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمْتُ الشَّامَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ، فَرَأَيْت أَنَّكَ أَوْلَى بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنِّي لَوْ أَمَرْت أَحَدًا يَسْجُدُ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا حَتَّى لَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا، وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ» هَذَا لَفْظُ النَّسَائِيّ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ مُعَاذٍ «وَنَهَى

ص: 94

عَنْ السُّجُودِ لِلْبَشَرِ، وَأَمَرَنَا بِالْمُصَافَحَةِ» قُلْت: وَهَذَا السُّجُودُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَدْ اتَّخَذَهُ جُهَّالُ الْمُتَصَوِّفَةِ عَادَةً فِي سَمَاعِهِمْ، وَعِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى مَشَايِخِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ فَتَرَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ إذَا أَخَذَهُ الْحَالُ بِزَعْمِهِ يَسْجُدُ لِلْأَقْدَامِ سَوَاءً كَانَ لِلْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا جَهَالَةً مِنْهُ ضَلَّ سَعْيُهُمْ، وَخَابَ عَمَلُهُمْ (فَصْلٌ)

فَانْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ - وَإِيَّاكَ إلَى قِصَّةِ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَوْلِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّك أَوْلَى بِذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مِنْ الْفَوَائِدِ النَّفِيسَةِ: التَّحَرُّزُ عَنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْبُعْدُ مِنْهُمْ إذْ أَنَّ النُّفُوسَ تَمِيلُ غَالِبًا إلَى مَا يَكْثُرُ تَرْدَادُهُ عَلَيْهَا، وَمِنْ هَاهُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَثُرَ التَّخْلِيطُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِمُجَاوَرَتِهِمْ، وَمُخَالَطَتِهِمْ لِقِبْطِ النَّصَارَى مَعَ قِلَّةِ الْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ فِي الْغَالِبِ فَأَنِسَتْ نُفُوسُهُمْ بِعَوَائِدِ مَنْ خَالَطُوهُ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ، وَضَعُوا تِلْكَ الْعَوَائِدَ الَّتِي أَنِسَتْ بِهَا نُفُوسُهُمْ مَوْضِعَ السُّنَنِ حَتَّى أَنَّك إذَا قُلْت لِبَعْضِهِمْ: الْيَوْمَ السُّنَّةُ كَذَا يَكُونُ جَوَابُهُ لَك عَلَى الْفَوْرِ عَادَةُ النَّاسِ كَذَا، وَطَرِيقَةُ الْمَشَايِخِ كَذَا، فَإِنْ طَالَبْتَهُ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: نَشَأْت عَلَى هَذَا، وَكَانَ وَالِدِي، وَجَدِّي، وَشَيْخِي، وَكُلُّ مَنْ أَعْرِفَهُ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ، وَلَا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِمْ أَنْ يَرْتَكِبُوا الْبَاطِلَ أَوْ يُخَالِفُوا السُّنَّةَ فَيُشَنِّعُ عَلَى مَنْ يَأْمُرُهُ بِالسُّنَّةِ، وَيَقُولُ لَهُ: مَا أَنْتَ أَعْرَفُ بِالسُّنَّةِ مِمَّنْ أَدْرَكْتُهُمْ مِنْ هَذَا الْجَمِّ الْغَفِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إنْكَارُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله فِي أَخْذِهِ بِعَمَلِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ هَذَا الْمِسْكِينُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْقَرْنِ السَّابِعِ مَعَ مُخَالَطَتِهِمْ لِغَيْرِ جِنْسِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقِبْطِ، وَالْأَعَاجِمِ، وَغَيْرِهِمَا؟ ، - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ - مَعَ أَنَّ السَّمَاعَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ لَيْسَ إلَّا، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدٌ ذَلِكَ قَالُوا أَهْمَلَ السَّمَاعَ، وَهُوَ الْيَوْمَ عَلَى مَا يُعْهَدُ، وَيُعْلَمُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْإِمَامُ الشَّيْخُ رَزِينٌ رحمه الله مَا أُتِيَ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا لِوَضْعِهِمْ الْأَسْمَاءَ عَلَى غَيْرِ مُسَمَّيَاتٍ

ص: 95

وَهَا هُوَ ذَا بَيِّنٌ.

أَلَا تَرَى السَّمَاعَ كَانَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الْيَوْمَ عَلَى مَا نُعَايِنُهُ، وَهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، ثُمَّ إنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِمَا ارْتَكَبُوهُ حَتَّى وَقَعُوا فِي حَقِّ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم، وَنَسَبُوا إلَيْهِمْ اللَّعِبَ، وَاللَّهْوَ فِي كَوْنِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ السَّمَاعَ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ الْيَوْمَ هُوَ الَّذِي كَانَ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَفْعَلُونَهُ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ هَذَا، وَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ، وَيَرْجِعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَهُوَ هَالِكٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ السُّهْرَوَرْدِيَّ رحمه الله لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى السَّمَاعِ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: وَلَا شَكَّ أَنَّك إذَا خَيَّلْت بَيْنَ عَيْنَيْك جُلُوسَ هَؤُلَاءِ لِلسَّمَاعِ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ فَإِنَّ نَفْسَك تُنَزِّهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ تَبِعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَعَنْ حُضُورِهِ انْتَهَى.

وَلَقَدْ أَنْصَفَ فِيمَا وَصَفَ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي حَقِّ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -، وَقَدْ قِيلَ عَنْ الْجُنَيْدِ رضي الله عنه إنَّهُ قَالَ: إنَّ السَّمَاعَ لَا يَرْجِعُ مُبَاحًا إلَّا بِعَشَرَةِ شُرُوطٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ إلَّا ذُو مَحْرَمٍ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، وَإِمْكَانٍ، وَإِخْوَانٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ رحمه الله: وَأَنْ يَكُونَ الْقَوَّالُ هُوَ الَّذِي يَمُدُّهُمْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْجُنَيْدُ رحمه الله: وَأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ شَنَآنُ، وَأَنْ لَا يَحْضُرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَأَنْ لَا يَحْضُرَهُ شَابٌّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ.

وَحَيْثُ كَانَ مُبَاحًا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنْ اتَّفَقَ اجْتِمَاعُهَا كَانَ السَّمَاعُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَهُوَ إنْشَادُ الشِّعْرِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ فَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ عَنْ تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا خَرَجَ فَحَضَرَ السَّمَاعَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى خَلْوَتِهِ نَشِطًا؛ لِأَنَّ الْقَوَّالَ كَانَ يَمُدُّهُمْ فِي بَوَاطِنِهِمْ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يُنْشِدُ لَهُمْ مِنْ دُرَرِ الشِّعْرِ مَا يُنَاسِبُ حَالَهُمْ

ص: 96

وَتَقْوَى بِهِ قُلُوبُهُمْ عَلَى السَّيْرِ إلَى الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ، وَالنُّهُوضِ إلَيْهَا، وَتَرْكِ التَّرَاخِي، وَالتَّسْوِيفِ الشَّاغِلِ عَنْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَنْ تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا إلَى الْخَلْوَةِ خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ عَالِمٍ فَحَضَرَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَلْوَتِهِ قَوِيًّا؛ لِأَنَّ حُضُورَ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ يُحْيِي الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ كَمَا يُحْيِي الْمَطَرُ الْوَابِلُ النَّبَاتَ بَلْ النَّظَرُ إلَيْهِمْ تَقْتَاتُ بِهِ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهَا، وَيَحْدُثُ لَهَا عِنْدَ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ انْزِعَاجٌ، وَقُوَّةٌ بَاعِثَةٌ عَلَى مَا تُؤَمِّلُهُ مِنْ الْخَيْرِ كَيْفَ لَا، وَهُمْ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَخُلَفَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ.

وَقَدْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ عز وجل رَحْمَةً، وَكَهْفًا لِمَنْ يَأْوِي إلَيْهِمْ، وَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهِمْ، نَصَبَهُمْ هُدَاةً لِلْمُتَحَيِّرِينَ، وَنُورًا لِلسَّالِكِينَ - اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمَنَا بَرَكَتَهُمْ، وَلَا تُخَالِفْ بِنَا عَنْ سُنَّتِهِمْ فَأَنْتَ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ - فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ حَالِهِمْ، وَعُلِمَ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ النَّاسِ مُخَالِفٌ لِجَمَاعَتِهِمْ إذْ إنَّهُ احْتَوَى عَلَى أَشْيَاءَ مُحَرَّمَاتٍ أَوْ مَكْرُوهَاتٍ أَوْ هُمَا مَعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْحِكَايَةُ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ إذْ إنَّهُمْ جَمَعُوا فِيهِ بَيْنَ الدُّفِّ، وَالشَّبَّابَةِ، وَالتَّصْفِيقِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ التَّصْفِيقَ إنَّمَا هُوَ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا مُنِعَتْ الْآلَاتُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا، وَبَعْضُهُمْ يَنْسِبُ جَوَازَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ رحمه الله، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فَقِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي الرَّقْصِ عَلَى الطَّارِ وَالشَّبَّابَةِ؟ فَقَالَ: هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ.

فَقَالُوا: أَمَا جَوَّزَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَنْشَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

ص: 97