الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبِرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِثْبَاتُ عَهْدِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا» ، وَالصُّحْبَةُ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ بِالْمُدَارَاةِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَسَعَةِ الصَّدْرِ، وَتَمَامِ الشَّفَقَةِ، وَتَعْلِيمِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْأَدَبِ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] الْآيَةَ، وَقَالَ: عليه الصلاة والسلام: «رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ بِالْإِفْضَالِ عَلَيْهِ» ، وَالصَّفْحِ عَنْ عَثَرَاتِهِمْ، وَالْغَضِّ عَنْ مَسَاوِيهِمْ مَا لَمْ تَكُنْ إثْمًا أَوْ مَعْصِيَةً، وَالصُّحْبَةِ مَعَ الْإِخْوَانِ بِدَوَامِ الْبِشْرِ، وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ، وَنَشْرِ الْمَحَاسِنِ، وَسَتْرِ الْقَبَائِحِ، وَاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ بِرِّهِمْ إلَيْك، وَاسْتِصْغَارِ مَا مِنْك إلَيْهِمْ، وَتَعَهُّدِهِمْ بِالنَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَمُجَانَبَةِ الْحِقْدِ، وَالْحَسَدِ، وَالْبَغْيِ، وَالْأَذَى، وَمَا يَكْرَهُونَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَتَرْكِ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ.
، وَالصُّحْبَةُ مَعَ الْعُلَمَاءِ بِمُلَازَمَةِ إكْرَامِهِمْ، وَقَبُولِ قَوْلِهِمْ، وَالرُّجُوعِ إلَيْهِمْ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالنَّوَازِلِ، وَتَعْظِيمِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ مَحَلِّهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُمْ خُلَفَاءَ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وَوَارِثِيهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» ، وَالصُّحْبَةُ مَعَ الضَّيْفِ بِحُسْنِ الْبِشْرِ، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَطِيبِ الْحَدِيثِ، وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَالْكَوْنِ عِنْدَ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَرُؤْيَةِ فَضْلِهِ، وَاعْتِقَادِ الْمِنَّةِ لَهُ حَيْثُ أَكْرَمَهُ بِدُخُولِ مَنْزِلِهِ، وَتَنَاوُلِ طَعَامِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَنْ دَعَانَا فَأَبَيْنَا
…
فَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا
فَإِذَا نَحْنُ أَتَيْنَا
…
رَجَعَ الْفَضْلُ إلَيْنَا
[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]
ِ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ جَارِحَةٍ مِنْ الْجَوَارِحِ آدَابًا تَخْتَصُّ بِهَا. فَآدَابُ الْبَصَرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَخِيهِ نَظَرَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ يَعْرِفُهَا هُوَ مِنْك، وَمَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ، وَيَكُونُ نَظَرُهُ إلَى
مَحَاسِنِهِ، وَإِلَى أَحْسَن شَيْءٍ يَبْدُو مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَصْرِفَ عَنْهُ بَصَرَهُ فِي وَقْتِ إقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَكَلَامِهِ مَعَهُ، وَآدَابُ السَّمْعِ أَنْ يَسْتَمِعَ إلَى حَدِيثِهِ سَمَاعَ مُشْتَهٍ لِمَا يَسْمَعُهُ مُتَلَذِّذٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَلَّمَك لَا تَصْرِفْ بَصَرَك عَنْهُ، وَلَا تَقْطَعْ حَدِيثَهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنْ اضْطَرَّك الْوَقْتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَعْذَرْتَهُ فِيهِ، وَأَظْهَرْت لَهُ عُذْرَك، وَآدَابُ اللِّسَانِ أَنْ تُكُلِّمَ إخْوَانَك بِمَا يُحِبُّونَ فَتَخْتَارَ وَقْتَ نَشَاطِهِمْ لِسَمَاعِ مَا تُكَلِّمُهُمْ بِهِ، وَتَبْذُلَ لَهُمْ نَصِيحَتَك، وَتَدُلَّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَتُسْقِطَ مِنْ كَلَامِك مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَخَاك يَكْرَهُهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا تَرْفَعْ عَلَيْهِ صَوْتَك، وَلَا تُخَاطِبْهُ بِمَا لَا يَفْهَمُ عَنْك، وَتُكَلِّمُهُ بِمِقْدَارِ فَهْمِهِ، وَآدَابُ الْيَدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مَبْسُوطَتَيْنِ لِإِخْوَانِهِ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ لَا يَقْبِضُهُمَا عَنْهُمْ، وَعَنْ الْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ، وَآدَابُ الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُمَاشِي إخْوَانَهُ فَلَا يَتَقَدَّمُهُمْ، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ فَإِنْ قَرَّبُوهُ تَقَرَّبَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ مِنْ رَغَبَاتِهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِهِ، وَلَا يَقْعُدُ عَنْ حُقُوقِ إخْوَانِهِ مُعَوِّلًا عَلَى الثِّقَةِ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَالَ: تَرْكُ حُقُوقِ الْإِخْوَانِ مَذَلَّةٌ.
(فَصْلٌ)
اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ آدَابُ الظَّوَاهِرِ، وَهِيَ عُنْوَانٌ عَلَى آدَابِ السَّرَائِرِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ فِي الْأَثَرِ «عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمُرَاعَاةُ الْبَاطِنِ أَوْجَبُ مِنْ مُرَاعَاةِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لِلْخَلْقِ، وَالْبَاطِنَ لِلْخَالِقِ، وَمَا كَانَ لِلْخَالِقِ فَهُوَ أَوْجَبُ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ الْكَمَالُ، وَالسَّعَادَةُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِمَا، وَصِفَةُ إخْلَاصِ الْبَاطِنِ التَّحَقُّقُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى الْمَوْلَى سبحانه وتعالى، وَالْخَوْفُ مِنْهُ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ، وَالِاتِّصَافُ بِالصَّبْرِ، وَسَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَحُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَحُسْنُ ظَنِّهِ بِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالِاهْتِمَامُ بِأُمُورِهِمْ فَإِذَا فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوِيَ الرَّجَاءُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ