الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَاشَا الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ النَّبِيهْ
…
أَنْ يَرْتَقِي غَيْرَ مَعَانِي نَبِيهْ
أَوْ يَتْرُكَ السُّنَّةَ فِي نُسْكِهِ
…
أَوْ يَبْتَدِعَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ
أَوْ يَبْتَدِعَ طَارًا وَشَبَّابَةً
…
لِنَاسِكٍ فِي دِينِهِ يَقْتَدِيهْ
الضَّرْبُ بِالطَّارَاتِ فِي لَيْلَةٍ
…
وَالرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ فِعْلُ السَّفِيهْ
هَذَا ابْتِدَاعٌ وَضَلَالٌ فِي الْوَرَى
…
وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ مَا يَقْتَضِيهْ
وَلَا حَدِيثٍ عَنْ نَبِيِّ الْهُدَى
…
وَلَا صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيهْ
بَلْ جَاهِلٌ يَلْعَبُ فِي دِينِهِ
…
قَدْ ضَيَّعَ الْعُمْرَ بِلَهْوٍ وَتِيهْ
وَرَاحَ فِي اللَّهْوِ عَلَى رِسْلِهِ
…
وَلَيْسَ يَخْشَى الْمَوْتَ إذْ يَعْتَرِيهْ
إنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يَرْتَضِي
…
إلَّا بِمَا اللَّهُ لَهُ يَرْتَضِيهْ
وَلَيْسَ يَرْضَى اللَّهُ لَهْوَ الْوَرَى
…
بَلْ يَمْقُتُ اللَّهُ بِهِ فَاعِلِيهْ
بَلْ بِصِيَامٍ وَقِيَامٍ فِي الدُّجَى
…
وَآخِرِ اللَّيْلِ لِمُسْتَغْفِرِيهِ
إيَّاكَ تَغْتَرُّ بِأَفْعَالِ مَنْ
…
لَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ وَلَا يَبْتَغِيهْ
قَدْ أَكَلُوا الدُّنْيَا بِدِينٍ لَهُمْ
…
وَلَبَّسُوا الْأَمْرَ عَلَى جَاهِلِيهْ
جَهْلٌ وَطَيْشٌ فِعْلُهُمْ كُلُّهُ
…
وَكُلُّ مَنْ دَانَ بِهِ تَزْدَرِيهْ
شِبْهُ نِسَاءٍ جَمَعُوا مَأْتَمًا
…
فَقُمْنَ فِي النَّدْبِ عَلَى مَيِّتِيهْ
وَالضَّرْبُ فِي الصَّدْرِ كَمَا قَدْ تَرَى
…
لَيْسَ لَهُمْ غَيْرُ النَّسَا مِنْ شَبِيهْ
أَنْكِرْ عَلَيْهِمْ إنْ تَكُنْ قَادِرًا
…
فَهُمْ رِجَالُ إبْلِيسَ لَا شَكَّ فِيهِ
وَلَا تَخَفْ فِي اللَّهِ مِنْ لَائِمٍ
…
وَفَّقَك اللَّهُ لِمَا يَرْتَضِيهْ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ إلَّا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَبِطَرِيقَتِهِ، مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ فَمَنْ ذَكَرَ عَنْهُ غَيْرَ مَا يُنَاسِبُهُ كُذِّبَ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُزَنِيَّ رحمه الله لَمَّا أَنْ بَاشَرَ الشَّافِعِيَّ رحمه الله أَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ جَوَازَ السَّمَاعِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]
(فَصْلٌ) : وَأَشَدُّ مِنْ فِعْلِهِمْ السَّمَاعَ كَوْنُ بَعْضِهِمْ يَتَعَاطَوْنَهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْقِيرُ السَّلَفِ رضي الله عنهم لِلْمَسَاجِدِ كَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ ذِكْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ إنْشَادِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ
لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَشَدَ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك» ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ «مَنْ سَأَلَ فِي الْمَسْجِدِ فَاحْرِمُوهُ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ يَفْعَلُونَ السَّمَاعَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَرْقُصُونَ فِيهَا، وَعَلَى حُصُرِ الْوَقْفِ الَّتِي فِيهَا، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي الرُّبُطِ، وَالْمَدَارِسِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَمِلَ فَتْوَى، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسِتِّينَ، وَسِتِّمِائَةٍ، وَمَشَى بِهَا عَلَى الْأَرْبَعِ مَذَاهِبَ، وَلَفْظُهَا: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ، وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ - وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى مَرْضَاتِهِ - فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرَدُوا إلَى بَلَدٍ فَقَصَدُوا إلَى الْمَسْجِدِ، وَشَرَعُوا يُصَفِّقُونَ، وَيُغَنُّونَ، وَيَرْقُصُونَ تَارَةً بِالْكَفِّ، وَتَارَةً بِالدُّفُوفِ، وَالشَّبَّابَةِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ شَرْعًا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
فَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: السَّمَاعُ لَهْوٌ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ مَنْ قَالَ بِهِ: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ زَجْرُهُمْ وَرَدْعُهُمْ وَإِخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: فَاعِلُ ذَلِكَ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ حَاكِمًا، وَإِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ عَلَى يَدِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْحُصُرُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُغْسَلَ، وَالْأَرْضُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى قِصَّةِ السَّامِرِيِّ فِي سُورَةِ طَهَ سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ رحمه الله مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ فِي مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ حَرَسَ اللَّهُ مُدَّتَهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ يُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَذِكْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إنَّهُمْ يُوقِعُونَ أَشْعَارًا مَعَ الطَّقْطَقَةِ بِالْقَضِيبِ
عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَدِيمِ، وَيَقُومُ بَعْضُهُمْ يَرْقُصُ، وَيَتَوَاجَدُ حَتَّى يَخِرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَيُحْضِرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ هَلْ الْحُضُورُ مَعَهُمْ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ
يَا شَيْخُ كُفَّ عَنْ الذُّنُوبِ
…
قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالزَّلَلْ
وَاعْمَلْ لِنَفْسِك صَالِحًا
…
مَا دَامَ يَنْفَعُكَ الْعَمَلْ
أَمَّا الشَّبَابُ فَقَدْ مَضَى
…
وَمَشِيبُ رَأْسِك قَدْ نَزَلْ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بَطَالَةٌ، وَجَهَالَةٌ، وَضَلَالَةٌ، وَمَا الْإِسْلَامُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الرَّقْصُ، وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ، وَيَتَوَاجَدُونَ فَهُوَ دِينُ الْكُفَّارِ، وَعُبَّادِ الْعِجْلِ، وَأَمَّا الْقَضِيبُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الزَّنَادِقَةُ لِيُشْغِلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ مِنْ الْوَقَارِ فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ، وَلَا يُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ.
هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ أَيْضًا رحمه الله فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِكِتَابِ النَّهْيِ عَنْ الْأَغَانِي: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى يَسْتَتِرُ أَحَدُهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ إذَا وَاقَعَهَا، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ كَثُرَ الْجَهْلُ، وَقَلَّ الْعِلْمُ، وَتَنَاقَصَ الْأَمْرُ حَتَّى صَارَ أَحَدُهُمْ يَأْتِي الْمَعْصِيَةَ جِهَارًا ثُمَّ ازْدَادَ الْأَمْرُ إدْبَارًا حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، وَفَّقَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاهُمْ اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ، وَاسْتَهْوَى عُقُولَهُمْ فِي حُبِّ الْأَغَانِي، وَاللَّهْوِ، وَسَمَاعِ الطَّقْطَقَةِ، وَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَجَاهَرَتْ بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَاقَّتْ بِهِ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَالَفَتْ الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَهَاءَ
وَحَمَلَةَ الدِّينِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَمَّا رَخَّصَ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ، وَنَهَى عَنْ الْغِنَاءِ، وَاسْتِمَاعِهِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فَإِنَّهُ يَكْرَهُ الْغِنَاءَ، وَيَجْعَلُهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ سُفْيَانَ وَحَمَّادٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ أَيْضًا بَيْنَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ خِلَافًا فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ، وَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: إنَّ الْغِنَاءَ لَهُمْ مَكْرُوهٌ، وَيُشْبِهُ الْبَاطِلَ، وَالْمُحَالَ، أَمَّا سَمَاعُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ لَهُ فَإِنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْشُوفَةً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ إذَا جَمَعَ النَّاسَ لِسَمَاعِهَا فَهُوَ سَفِيهٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَغَلَّظَ الْقَوْلَ فِيهِ قَالَ: هُوَ دِيَاثَةٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ دَيُّوثًا، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَكْرَهُ الطَّقْطَقَةَ بِالْقَضِيبِ، وَيَقُولُ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ لِيُشْغِلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْعُودُ، وَالطُّنْبُورُ، وَسَائِرُ الْمَلَاهِي فَحَرَامٌ، وَمُسْتَمِعُهُ فَاسِقٌ، وَقَالَ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ مَاتَ مِيتَةَ الْجَاهِلِيَّةِ» ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ مُخَالِفَةٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْغِنَاءَ دِينًا، وَطَاعَةً، وَرَأَتْ إعْلَانَهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْجَوَامِعِ، وَقَدْ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِالِاحْتِيَاطِ لِدِينِهِمْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فَإِنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالدِّينِ، وَمُدَّعُونَ الْوَرَعَ وَالزُّهْدَ حَتَّى تُوَافِقَ بَوَاطِنُهُمْ ظَوَاهِرَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] الْآيَةَ قَالَ: الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهْوُ الْحَدِيثِ الْغِنَاءُ، وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ، وقَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] قَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْغِنَاءِ، وَالْمَزَامِيرِ {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ خَيْلِ إبْلِيسَ وَرَجْلِهِ
{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء: 64] قَالَ قَوْمٌ: كُلُّ مَالٍ أُصِيبَ مِنْ حَرَامٍ، وَأُنْفِقَ فِي حَرَامٍ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ رحمه الله: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مُشَارَكَتُهُ لَنَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ مَا يُزَيِّنُهُ لَنَا مِنْ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ يُزَيِّنُ لَنَا الْحِنْثَ فِيهَا فَنَطَأُ الْفُرُوجَ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَنَكْتَسِبُ الْأَمْوَالَ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم: 59] {وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} [النجم: 60]{وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 61] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سَامِدُونَ هُوَ الْغِنَاءُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْغِنَاءُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ سَمَدَ فُلَانٌ إذَا غَنَّى، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِهِ الزَّاهِي بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ، وَأَكْلُ أَثْمَانِهِنَّ حَرَامٌ، وَفِيهِنَّ نَزَلَتْ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] زَادَ غَيْرُهُ «وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا رَفَعَ رَجُلٌ عَقِيرَتَهُ أَيْ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إلَّا بَعَثَ اللَّهُ عز وجل عِنْدَ ذَلِكَ شَيْطَانَيْنِ يَرْتَدِفَانِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ لَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا عَلَى صَدْرِهِ، وَأَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى صَدْرِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ» ، وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَانَ إبْلِيسُ أَوَّلَ مَنْ نَاحَ، وَأَوَّلَ مَنْ غَنَّى» ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي آخِرَ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مُسْلِمُونَ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَمَا بَالُهُمْ؟ قَالَ اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ، وَالْقَيْنَاتِ، وَالدُّفُوفَ، وَشَرِبُوا هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ فَبَاتُوا عَلَى شَرَابِهِمْ فَأَصْبَحُوا، وَقَدْ مُسِخُوا» ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ: إذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا، وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَجَفَا أَبَاهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ
شَرِّهِ، وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ، وَاُتُّخِذَتْ الْقَيْنَاتُ، وَالْمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا أَوْ مَسْخًا» ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَوْ الْقِيَامَةِ إضَاعَةُ الصَّلَوَاتِ، وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكُونُ أُمَرَاءُ خَوَنَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ فَقَالَ سَلْمَانُ رضي الله عنه بِأَبِي، وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا كَائِنٌ قَالَ: نَعَمْ يَا سَلْمَانُ عِنْدَهَا يُكَذَّبُ الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْمُؤْتَمَنُ يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْكَذِبُ ظَرْفًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، إنَّ أَذَلَّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْمُؤْتَمَنُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِالْمَخَافَةِ يَذُوبُ قَلْبُهُ فِي جَوْفِهِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ هَمًّا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَ، عِنْدَهَا يَا سَلْمَانُ يَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظًا، وَالْوَلَدُ غَيْظًا، وَالْفَيْءُ مَغْرَمًا، وَالْمَالُ دُوَلًا، يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَتَرْكَبُ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ السُّرُوجَ فَعَلَيْهِمْ مِنْ أُمَّتِي لَعْنَةُ اللَّهِ، يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ يَجْفُو الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، وَيَبَرُّ صَدِيقَهُ، وَيَحْتَقِرُ السَّيِّئَةَ قَالَ: أَوَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْكَنَائِسُ، وَالْبِيَعُ، وَتُطَوَّلُ الْمَنَابِرُ، وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ، وَالْقُلُوبُ مُتَبَاغِضَةٌ، وَالْأَلْسُنُ مُخْتَلِفَةٌ دِينُ أَحَدِهِمْ لَعْقَةٌ عَلَى لِسَانِهِ إنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنْ مُنِعَ كَفَرَ قَالَ: أَوَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَلْمَانُ عِنْدَهَا يُغَارُ عَلَى الْغُلَامِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ، وَيُخْطَبُ كَمَا تُخْطَبُ النِّسَاءُ قَالَ: أَوَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ تَحَلَّى ذُكُورُ أُمَّتِي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، عِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قَوْمٌ يَلُونَ أُمَّتِي، فَوَيْلٌ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ قَوِيِّهِمْ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ تُحَلَّى الْمَصَاحِفُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَيَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ بِأَصْوَاتِهِمْ، وَيُنْبَذُ كِتَابُ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ يَا سَلْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكْثُرُ الرِّبَا، وَيَظْهَرُ الزِّنَا، وَيَتَهَاوَنُ النَّاسُ بِالدِّمَاءِ، وَلَا يُقَامُ يَوْمَئِذٍ بِنَصْرِ اللَّهِ يَا سَلْمَانُ تَكْثُرُ الْقَيْنَاتُ، وَتُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي
التِّجَارَةِ، عِنْدَ ذَلِكَ يُرْفَعُ الْحَجُّ فَلَا حَجَّ، تَحُجُّ أُمَرَاءُ النَّاسِ تَنَزُّهًا وَلَهْوًا، وَأَوَاسِطُهُمْ لِلتِّجَارَةِ، وَقُرَّاؤُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَفُقَرَاؤُهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ» ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «كَسْبُ الْمُغَنِّي، وَالْمُغَنِّيَةِ حَرَامٌ، وَكَسْبُ الزَّانِيَةِ سُحْتٌ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُدْخِلَ الْجَنَّةَ لَحْمًا نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ» قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ رحمه الله رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ يَرْتَمِيَانِ، فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ فَقَالَ الْآخَرُ أَجْلَسْت سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ لَهْوٌ، وَسَهْوٌ إلَّا أَرْبَعُ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ زَوْجَتَهُ، وَتَعْلِيمُهُ السِّبَاحَةَ» قَالَ قَتَادَةُ رحمه الله لَمَّا أُهْبِطَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ قَالَ يَا رَبِّ: لَعَنَتْنِي فَمَا عِلْمِي؟ قَالَ: السِّحْرُ قَالَ: فَمَا قِرَاءَتِي؟ قَالَ: الشِّعْرُ قَالَ: فَمَا كِتَابَتِي؟ قَالَ: الْوَشْمُ قَالَ: فَمَا طَعَامِي قَالَ: كُلُّ مَيْتَةٍ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمَا شَرَابِي؟ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ قَالَ: فَأَيْنَ مَسْكَنِي؟ قَالَ الْأَسْوَاقُ قَالَ: فَمَا صَوْتِي؟ قَالَ الْمَزَامِيرُ قَالَ: فَمَا مَصَائِدِي؟ قَالَ: النِّسَاءُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ ضَرْبِ الدُّفِّ، وَلَعِبِ الطَّبْلِ، وَصَوْتِ الْمِزْمَارِ» ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ جُوعٍ، وَالنَّوْمُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ، وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ، وَالرَّنَّةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالْمِزْمَارُ.» .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا شَرِبَ الْعَبْدُ الْمَاءَ عَلَى شِبْهِ الْمُسْكِرِ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَلَعَنَ اللَّهُ بَيْتًا فِيهِ دُفٌّ أَوْ طُنْبُورٌ أَوْ عُودٌ، وَأَخْشَى عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ» ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَسْتُ مِنْ دَدٍ، وَلَا دَدٌ مِنِّي» قَالَ مَالِكٌ رحمه الله الدَّدُ اللَّعِبُ
وَاللَّهْوُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ الدَّدُ النَّقْرُ بِالْأَنَامِلِ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَبَرَّأَ مِمَّا يُنْقَرُ فِي الْأَرْضِ بِالْأَنَامِلِ فَمَا بَالُك بِطَقْطَقَةِ الْقَضِيبِ قَالَ الْحَسَنُ رحمه الله لَيْسَ الدُّفُّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ إنْسَانٌ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْغِنَاءِ قَالَ أَنْهَاك عَنْهُ، وَأَكْرَهُهُ لَك قَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ اُنْظُرْ يَا ابْنَ أَخِي إذَا مَيَّزَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، مِنْ أَيِّهِمَا يَحْصُلُ الْغِنَاءُ؟ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ رحمه الله لَعَنَ اللَّهُ الْمُغَنِّيَ، وَالْمُغَنَّى لَهُ، وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ رحمه الله: حُبُّ السَّمَاعِ يُورِثُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ، وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْغِنَاءُ مَفْسَدَةٌ لِلْقَلْبِ مَسْخَطَةٌ لِلرَّبِّ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله إلَى مُؤَدِّبِ وَلَدِهِ: لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَدَبِك بُغْضَ الْمَلَاهِي الَّتِي بَدْؤُهَا مِنْ الشَّيْطَانِ، وَعَاقِبَتُهَا سُخْطُ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ الثِّقَاتِ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ أَنَّ صَوْتَ الْمَعَازِفِ، وَاسْتِمَاعَ الْأَغَانِي وَاللَّهْوَ بِهَا، يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبُتُ الْعُشْبُ عَلَى الْمَاءِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا بَنِي أُمَيَّةَ إيَّاكُمْ وَالْغِنَاءَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ الشَّهْوَةَ، وَيَهْدِمُ الْمُرُوءَةَ، وَإِنَّهُ لَيَنُوبُ عَنْ الْخَمْرِ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُسْكِرُ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَجَنِّبُوهُ النِّسَاءَ فَإِنَّ الْغِنَاءَ دَاعِيَةُ الزِّنَا، وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: إيَّاكَ وَالْغِنَاءَ، وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ فِي رِسَالَةِ الْإِرْشَادِ الْغِنَاءُ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ، وَقَالَ أَبُو حُصَيْنٍ رحمه الله: اُخْتُصِمَ إلَى شُرَيْحٍ فِي رَجُلٍ كَسَرَ طُنْبُورًا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ (فَصْلٌ)
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ فَهُوَ جَاسُوسُ الْقَلْبِ، وَسَارِقُ الْمُرُوءَةِ وَالْعُقُولِ، يَتَغَلْغَلُ فِي مَكَامِنِ الْقُلُوبِ، وَيَطَّلِعُ عَلَى سَرَائِرِ الْأَفْئِدَةِ، وَيَدِبُّ إلَى بَيْتِ التَّخْيِيلِ فَيُثِيرُ كُلَّ مَا غُرِسَ فِيهَا مِنْ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ وَالسَّخَاطَةِ وَالرُّعُونَةِ، بَيْنَمَا تَرَى الرَّجُلَ وَعَلَيْهِ سَمْتُ الْوَقَارِ، وَبَهَاءُ الْعَقْلِ، وَبَهْجَةُ الْإِيمَانِ، وَوَقَارُ الْعِلْمِ كَلَامُهُ حِكْمَةٌ، وَسُكُوتُهُ عِبْرَةٌ فَإِذَا سَمِعَ اللَّهْوَ نَقَصَ عَقْلُهُ، وَحَيَاؤُهُ، وَذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ
وَبَهَاؤُهُ فَيَسْتَحْسِنُ مَا كَانَ قَبْلَ السَّمَاعِ يَسْتَقْبِحُهُ، وَيُبْدِي مِنْ أَسْرَارِهِ مَا كَانَ يَكْتُمُهُ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ بِهَاءِ السُّكُوتِ إلَى كَثْرَةِ الْكَلَامِ، وَالْكَذِبِ، وَالِازْدِهَاءِ، وَالْفَرْقَعَةِ بِالْأَصَابِعِ، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ، وَيَهُزُّ مَنْكِبَيْهِ، وَيَدُقُّ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْهِ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ الْخَمْرَةُ إذَا مَالَتْ بِشَارِبِهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيَّةً دَخَلَتْ الْحَاضِرَةَ فَسُقِيَتْ نَبِيذًا، فَلَمَّا خَامَرَهَا، وَصَحَّتْ قَالَتْ: أَوَ يَشْرَبُ هَذَا نِسَاؤُكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: لَئِنْ صَدَقْتُمْ فَمَا يَعْرِفُ أَحَدُكُمْ مَنْ أَبُوهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ رحمه الله: إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ اللَّهْوِ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ أَسْكِنُوهُمْ رِيَاضَ الْمِسْكِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَسْمِعُوهُمْ حَمْدِي، وَثَنَائِي، وَأَعْلِمُوهُمْ أَنْ لَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَقَالَ بَعْضُ الزُّهَّادِ: الْغِنَاءُ يُورِثُ الْعِنَادَ فِي قَوْمٍ، وَيُورِثُ التَّكْذِيبَ فِي قَوْمٍ، وَيُورِثُ الْفَسَادَ فِي قَوْمٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:«دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جِوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَفَاءَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنْ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا» ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ تَعْرِفَ أَوَّلًا: حَقِيقَةَ الْغِنَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِلَفْظِ الْغِنَاءِ مَعْنَيَيْنِ: لُغَوِيٌّ، وَعُرْفِيٌّ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَقَوْلُهَا تُغَنِّيَانِ أَيْ تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَهُمَا بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ، وَنَحْنُ لَا نَذُمُّ إنْشَادَ الشِّعْرِ، وَلَا نُحَرِّمُهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشِّعْرُ غِنَاءً مَذْمُومًا إذَا لُحِّنَ، وَصُنِعَ صَنْعَةً تُورِثُ الطَّرَبَ، وَتُزْعِجُ الْقَلْبَ، وَهِيَ الشَّهْوَةُ الطَّبِيعِيَّةُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ لَحَّنَ، وَأَلَذَّ، وَأَطْرَبَ، فَالْمَمْنُوعُ، وَالْمَكْرُوهُ إنَّمَا هُوَ اللَّذِيذُ الْمُطْرِبُ، وَلَمْ يُعْقَلْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَوْتَهُمَا كَانَ لَذِيذًا مُطْرِبًا، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ فِي آخِرِهِ، وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَنَفَتْ الْغِنَاءَ عَنْهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا